Fri. Apr 19th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

لماذا ليست طائفية في سورية؟

 

 

علاء الدين الخطيب                                    17/03/2014

منذ أول أيام الثورة السورية عام 2011 انطلقت أصوات كثيرة إعلامية وسياسية تتكلم عن “الطائفية” بسوريا. وأولها كان إعلان النظام أنها ليست ثورة شعبية بل مؤامرة كونية اشترت بعض “المندسين” بالداخل السوري الذين يريدون إشعال حرب طائفية. وطبعا تصاعدت التحليلات “العبقرية” أيضا من الإعلام العربي وخاصة الخليجي ومن الغربي أيضا وكلها تتكلم عن “حكم العلويين” لسوريا. النظام لم يكتفي بالإعلام والإعلان بل سرّب متقصدا فيديوهات عن التعذيب نسمع عبارات الإهانة والكفر وبلهجة ريف جبلة السوري والتي اصطلح أن يسميها بعض السوريين “الجاهلين” بسورية لهجة علوية، مع أنه لا وجود للهجة علوية. إذا فالدفع وراء ترسيخ التفسير الطائفي إعلاميا وعمليا تم شحذه ودعمه من قبل كل الأطراف من أول أيام الثورة وإلى يومنا هذا حيث أصبحت سوريا تئن تحت حرب داخلية خارجية مجنونة بالدم والظلم.

لم يتوقف تيار التفسير الطائفي خلال 3 سنين بل يزداد قوة، فهو أحد النقاط القليلة التي توافق عليها المتحكمون بالصراع على سوريا سواء من جهة دعم النظام أو من جهة محاربة النظام ولكل غاياته وخططه. تراوح هذا التوصيف الطائفي بين عبارات ساذجة انفعالية بالشارع أو الفيس بوك (السنة يريدون قتل العلويين) (العلويون يريدون قتل السنة) (هم يكرهوننا)، إلى مقالات وتحليلات كثيفة مصاغة بعبارات لماعة ومغلفة بتعابير الفلسفة وعلم الاجتماع ومحتمية بادعاء الواقعية. هذه التفسيرات شملت الإعلام والخطاب السياسي العربي كله (مع أو ضد) والغربي والروسي والإيراني. إذا فكل “العالم” متفق على أنها مشكلة طائفية، فهل تريد هنا القول أن كل هذا “العالم” على خطأ؟

الجواب على السؤال السابق هو “نعم”، أريد القول أن كل هذا “العالم” على خطأ. فهذا “العالم” بالواقع هو مؤسسات تحكم العالم الحقيقي الذي يشملني ويشملك وكل البشر العاديين، مؤسسات من سلطة ومال وإعلام لو عدنا فقط قرنا للوراء لوجدنا أن منتجها كان حروبا قتلت ما يفوق المئة مليون انسان خلال قرن من الزمن وخلفت مئات ملايين الفقراء الجوعى. هذا “العالم” بكل فعله على الأرض لا يمكن أن ينتج المقولات الصحيحة والتفسيرات العادلة.

clip_image003

ليست مشكلة طائفية

أولا، من أصول التحليل العلمي للمجتمعات الإنسانية هو التنزه قدر الإمكان عن الخبرات الشخصية للمحلِل ولمن يحتك بهم هذا المحلِل. فمن الظواهر العامة الشاملة لكل المجتمعات الإنسانية هي ظاهرة “التبرم من ظلم الناس والزمان”.

باعتبار أن الإنسان حبيس جسمه وعقله وأن تركيبة المجتمع الإقتصادية لا تسمح سوى للقلة القليلة بالصعود لقمة الهرم، وبما أن الإنسان يرى نفسه من أفضل الناس إن لم يرى نفسه أفضلهم، فأسهل طريقة لتبرير ما يراه فشلا هو إلقاء اللوم على الناس وانعدام الأمانة والإخلاص والصدق وعموم الظلم والاستغلال، بدءاً من صفوف المدرسة ومرورا بمكان العمل وعلاقة الزوجية ووصولا للمناصب العليا. هذه فكرة بشرية عامة، مع ذلك هي فكرة خاطئة تماما من الناحية المنطقية والإحصائية، فبما أن الغالبية تشتكي من قلة الأمانة عند الآخرين مقارنة بما يحمله الشخص المشتكي من أمانة يؤدي لنتيجة واحدة أن الغالبية تتمتع بالأمانة التي تشتكي من انعدامها. وعلى ذلك يمكن القياس بكل الصفات السلبية وصولا للكراهية وفق تصنيفات الطائفة والعرق والجنس.

ثانيا، بناء على الكلام السابق نقول أن الوجود البشري الحالي يؤكد حقيقة مطلقة على الكرة الأرضية وهي أن غالبية البشر المطلقة أبعد ما تكون عن “الشر” بمعناها التحاقدي والتقاتلي والتظالمي. هذه الحقيقة يؤيدها سبب أكثر بساطة ووضوحا وهو: لو كانت نسبة الأشرار كبيرة قليلة بين البشر لما استطاعت البشرية الاستمرار بالوجود على هذه الأرض لكل هذه الآلاف من السنين. كيف يمكن للبشرية أن تستمر على هذه الأرض لو كان الشر عاما بينها؟ أمام هذا السؤال لا نرى سوى أجابتين:

·        إن البشر استمروا بالوجود والتقدم بسبب قوة المؤسسات الحاكمة للسلطة والمال والتي قادت الجموع البشرية المتخمة بالشرور غصبا عنها للاستمرار والتقدم.

·        أو أن البشر بغالبيتهم المطلقة ميالون للتسالم والتعايش والتواصل.

وما بين الجوابين للإنسان أن يختار، أن يؤمن بمبدأ القوة والصراع وبالتالي يقبل الصدفة التي قد تجعله من الأقوياء أو الحالة العامة التي تجعله من المظلومين. أو أن يؤمن بنفسه كإنسان وبمن حوله من أناس.

ثالثا، التاريخ مليء بالمواقف والأفكار التي اتفق عليها غالبية البشر أو عدد هائل منهم لكن ثبت خطؤها لاحقا. بغض النظر عن الحقائق العلمية التي نقضت ما آمن به “كل العالم” لآلاف السنين مثل كروية الأرض وأسباب الأمراض وعلاجها. لننظر إلى قبول غالبية البشر لآلاف السنين لمبدأ العبودية والطبقات الإجتماعية، فقبل 200 سنة فقط كانت العبودية أمرا عاديا ومقبول أخلاقيا، ونبل العائلة الملكية أو السلطانية نابع من دمها النقي. بل حتى بزماننا هذا المصيبة أبشع، فلو سألنا الغير سوريين في الغرب وأمريكا والصين وأوستراليا ماذا يجري بسورية لقالوا عموما “ديكتاتور مستبد وحرب طوائف وإرهاب قاعدة”. ولو سألنا المسلمين السنة\الشيعة ما هو الإسلام الصحيح لقالوا هو “مذهب السنة\ الشيعة”. هذه الأفكار الخاطئة تتكون إما طبيعيا من قلة المعرفة والعلم، أو بتحريض السلطة الماسكة لزمام الإعلام الشعبي كما هو بعصرنا الحالي.

رابعا، التعصب لطائفة أو قبيلة أو عائلة أو عرق أو قومية هو نوع من الحماقة العقلية التي قد يمارسها بعض الناس، فمن الثابت أن أخلاق الآخر معي ليست مرتبطة بصلة الدم أو الاعتقاد. وهذه الحماقة لا يمكن أن تضمن لأي ديكتاتور لا قديما ولا حديثا استمرار حكمه وقوته. الديكتاتور الحاكم يجب أن يستغل هذه الانتماءات على مبدأ “فرق تسد” ليكون هو الحاكم والقاضي بين الناس المنتمين لهذه المجموعات. ومن ذلك نرى أن تغلب مبدأ التعصب العائلي مثلا أدى دائما لانهيار العائلة الحاكمة لأن الابن أو الحفيد لا يملك مواصفات الحاكم القوي. وبزمننا هذا أصبح من الأكيد أن الاتكال على فئة دينية أو عرقية أو قبلية في حكم أي بلد هو انتحار إرادي للحاكم. وبالحالة السورية التي حكمها ديكتاتور واحد خلال 40 سنة ما كان له أن يحقق ذلك لو استسلم لحماقة التعصب لطائفته. بل قد نعطي مثالا أوضح، لننظر لأمير قطر السابق الذي لم يمنعه التعصب الطبيعي لأبيه من الانقلاب عليه، أو ما تنبهت له العائلة السعودية من ضرورة التخلي عن مبدأ التوريث للابن حتما وتوزيع السلطة على كامل العائلة والعائلات الأغني بالمملكة.

خامسا، يمكننا الادعاء بارتياح أن كل الحروب الضخمة بتاريخ البشرية والأحداث المهمة لم تكن بسبب الدين أو الطائفة أو العرق أو حتى بسبب القبيلة. فحتى ما نتداوله بسطحية حول داحس والغبراء وغيرها من حروب قبائل العرب كانت بسبب صراع القوة والمال بين القبيلتين ولم يكن مفهوم القبيلة سوى وسيلة تجييش للناس. بل حتى لو راجعنا حروب الرسول الكريم لوجدنا أن بدرا كانت بهدف مالي بحت وهو استرداد أموال المهاجرين وأن أحدا والخندق كانتا حرب قريش التي كانت تصارع للحفاظ على سلطتها وقوتها. وهكذا كانت بحرب معاوية ضد علي، ثم حروب الامويين مع معارضيهم، بل حتى ان حروب الفرنجة بدءا من القرن العاشر كانت طمعا بكنوز الشرق الغني لكن تحت مسمى المسيح والصليب. اما حروب اوروبا الداخلية بالعصور الوسطى بين الكاثوليك والبروتستانت فقد كانت بالواقع الفعلي صراعا بين تطور حتمي باتجاه الدولة الوطنية وسيطرة المدن والبراجوازية (الاطار البروتستانتي) ضد حكم أمراء الإقطاع المتحجر علميا وتجاريا (الاطار الكاثوليكي).

إن كل ما سيق من مبررات قبلية أو عرقية أو دينية أو طائفية للحروب كانت وسائل تجييش للعامة وتحميس، فغنائم الحروب لم تكن حقا مشاعا للجنود وأهاليهم وتوزع بالعدل، بل كانت كما هي عادة المؤسسة البشرية الحاكمة من حق الطبقة الحاكمة. فكان لزاما على كل هذه الحكومات إيجاد المبررات العاطفية التي توائم حالة عموم الناس ليقدموا ما يكفي من جنود شجعان متحمسين مطيعين. مع نشوء الدولة الحديثة من القرن الثامن عشر أمكن أكثر التخلص من الحاجة للمبرر الأخلاقي يوم أصبح الجندي موظفا ذا راتب ينفذ أوامر من يدفع  المال، فلم تكن حروب بريطانية في مستعمراتها قادرة على اختلاق مبررات عاطفية مقنعة كفاية ولا حروب أوروبا وأمريكا لاحقا.

الحالة السورية

clip_image005

نعود لسوريا بالذات بحالتها الخاصة. بالإضافة لما ذكرناه سابقا، فما تشهده سوريا منذ 3 سنين ليس بالتأكيد ذو أسباب وغايات طائفية لسببين إضافيين هما:

أولا، البيئة الجغرافية لسوريا منذ فجر التاريخ فرضت على سكان هذه المنطقة أن يقبلوا الغريب الوافد سواء كان غازيا أو تاجرا أو ضيفا أو لاجئا. موقع سوريا في قلب الحضارة البشرية منذ 10000 سنة لم يترك خيارات لسكانها أن يتقاتلوا بين بعضهم لأسباب العرق أو الدين. ولهذا لا يمكن أن نجد ضمن تاريخ سوريا كله أي حرب إبادة عرقية أو دينية تشبه بأي شكل ما حصل بأوروبا أو أمريكا بل لن نجد ما يشبه ما حصل بتاريخ شمال إفريقيا أو العراق خاصة إذا قارنّا المساحة، فشمال إفريقيا الذي كان مسيحيا بالكامل بعد ان كان وثنيا بالكامل أصبح مسلما بالكامل (باستثناء مصر)، وحتى العراق باشتباك تاريخه مع إيران نعرف الكثير عن حروب الصفويين مع العثمانيين. سوريا بحكم الموقع الجغرافي والتاريخي بقيت محافظة على أكبر تنوع بشري ديني وطائفي وعرقي قياسا على حجمها.

ثانيا، وهو العامل أهم. سوريا بموقعها وتأثيرها المعنوي بالدول المحيطة تشكل أهم قرار استراتيجي لدول الإقليم كلها ولكبرى الأقطاب الحاكمة للسوق الدولي في موسكو وبكين وواشنطن. هذه الاهتمامات الدولية المركزة بسوريا والتي تنبع من مصالح مُقاسة ببلايين الدولارات لن تتحرك وفق دوافع طائفية ساذجة ما بين نصرة “الهلال الشيعي” أو نشر “الوهابية”. الصراع على سوريا الآن هو بين معسكر روسيا والصين وايران مع النظام السوري ضد معسكر الغرب وتركيا وقطر والسعودية بشكل أساسي، هذا الصراع الاستراتيجي ليس محل مغامرات من أجل فتاوى شيخ أو إمام أو انتصارا لهذه الطائفة أو تلك.

ما اجتمعت عليه مصالح كلا المعسكرين في سوريا هو منع الشعب السوري من الوصول لدولة حرة ديمقراطية مستقرة والأسلوب الأنجع والأقوى بتنفيذ هذه السياسة هو بالطبع استغلال التنوع الطائفي والعرقي بسوريا. ومن قبيل الصدفة التاريخية أن الديكتاتور الذي حكم سوريا منذ 40 سنة هو من الطائفة العلوية مما زاد من قوة سلاح التفريق الطائفي، بالواقع لو فرضنا أن ديكتاتورها حاليا كان سنيا مثل باقي الدول العربية ال22 لكان النداء الطائفي مختلفا قليلا “أنقذوا سوريا من حكم الأكثرية السنية المتعصبة ضد الأقليات” بدلا من النداء الحالي “انقذوا سوريا من حكم الأقلية العلوية الحاقدة على السنة” ولوجدنا اللوم يتوجه للسنة “أيها السنة ثوروا ضد الديكتاتور الذي يضحي بأولادكم لسلطانه” بدلا من اللوم الحالي المتوجه للعلويين “أيها العلويون ثوروا ضد الديكتاتور الذي يضحي بأولادكم لسلطانه”. وبكل الأحوال النداءات الحالية والمفترضة هي بالواقع دعاية إعلامية سطحية تزيد من السعار العاطفي الطائفي، فالديكتاتور السوري هو مؤسسة سلطة وليس مجرد شخص اسمه بشار الأسد يقوم على دعم طبقة سلطوية ومالية متنوعة المذاهب الطائفية والقومية في سوريا ووقوعه ليس رهنا بطائفة أو قومية. في هذه الحالة السورية وقوع هذه المؤسسة الديكتاتورية هو قرار دولي أساسا بين موسكو وواشنطن ومن يتبعهما من عواصم الإقليم. فلا ننسى أن حاكم مصر المسلم السني العربي ما بين مرسي والسيسي لم يحكم أو يقع بسبب دينه بل بسبب قرار قطري أو سعودي استغل تحرك الشعب المصري بثورته للحصول على الحرية والديمقراطية.

 

أضف لذلك العامل الأهم بحرب الدول على أرض سورية، وهو أن لا مصلحة حقيقية لأي طرف بتقسيم سورية وفق الطوائف. فالمعسكر الإيراني الروسي الصيني والممسك بمصير النظام السوري يسعى أساسا لحماية بقاء النظام الإيراني المعتمد على السوري في التنصل من الحصار الخانق المفروض عليه من الشرق والشمال والجنوب وأي دولة علوية فرضا مخنوقة على الساحل السوري لا تقدم للنظام الإيراني أي فائدة استراتيجية بل ستكون عبئا إضافيا مستهلكا. إن مصالح حكومات الدول وكما أثبت التاريخ البشري لا تتبع غرائزية الانتماء الطائفي أو القومي. بل حتى أن المعسكر الثاني المتمثل بالنظام السعودي والقطري والتركي لا يسعى أيضا لعزل دولة سنية ستكون مولدا لخطر مستمر عليهم.

إن مصير سوريا مرتبط لحد كبير بقدرة الشباب السوري والنخبة السورية وتاليا الشعب السوري على مواجهة التحريض الطائفي المستعر حول وداخل سوريا إعلاميا وممارسة فعلية. وأول خطوات هذه المواجهة هي التخلص من تأثير الحوادث الفردية والمرويات القصصية التي تنبع من تجارب شخصية محدودة وتخضع لمحاكمات عاطفية يضخمها ويرسخها الإعلام. لا يمكن لسوريا أن تنجو بمستقبلها دون التحرر من أنماط التفكير القديمة والاختباء خلف تفسيرات المؤامرات الكونية والصليبية والشيعية والوهابية والماسونية. سوريا بحاجة أساسية ومصيرية لانتشار منهج العقلانية عند الشباب السوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن ينتصر وحش المال والسلطة بأنياب الطوائف والقوميات ويسبب كوارث على سوريا لم تحصل بعد خلال السنين الثلاثة الماضية.

 

17/03/2014

 

مواضيع ذات صلة

هل النظام السوري نظام علوي؟

الدولة العلوية المزعومة، حقيقة أم خيال؟

التفسيرات السهلة وإشكالية الطائفية بسورية

العلوية السياسية كبوة جلال صادق العظم

يوم مات حافظ الأسد، الإنذار الأول بالزلزال الطائفي

ليست الغاية تقسيم سورية

المطرقة والمسامير، مسامير الطوائف بسوريا