Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

هل سورية بين خيارين فقط: النظام أم الإسلاميون؟

01/06/2016

علاء الدين الخطيب

الفهرس

مقدمة

خطورة السؤال

جذور السؤال

هل يمكن للنظام السوري الحالي حكم سورية؟

الأسباب الذاتية

الأسباب الموضوعية

هل يمكن للقوى والفصائل الإسلامية حكم سورية؟

الأسباب الذاتية

الأسباب الموضوعية

ما هو الخيار الثالث؟

 

مقدمة

تناقش هذه الورقة سؤال ” هل سورية بين خيارين فقط: النظام أم الإسلاميون؟”، الذي يطغى على المفاوضات السياسية الدولية حول سورية، وعلى الإعلام الغربي وإلى حد بعيد على الإعلام العربي. ينطلق النقاش من فرضيتين، أن الغلبة كانت لأحد خياريّ السؤال، النظام أم الإسلاميون، في سورية في الشهور القادمة؛ ثم تناقش الورقة قدرة كلا الخيارين على إدارة وإعادة بناء الدولة السورية. 

خطورة السؤال1-550x233

يستخدم السياسيون هذا النوع من الأسئلة لفرض فكرة ما على الشارع، ضمن عملية صناعة الرأي العام؛ ويكون طرح السؤال، غالبا، ذا شكل ديمقراطي، يعطي الإنسان العادي انطباعا أنه يشارك بصياغة القرار، وهو دون أن يشعر، يكون قد تم توجيهه منذ البداية للجهة التي يريدها السياسي؛ من أحد الأمثلة المشهورة، كان السؤال الذي طرحته الإدارة الأميركية، بعد جريمة تفجير الأبراج في نيويورك في العام 2001؛ يومها طرحت الإدارة سؤالا بسيطا هو: “لماذا هم يكرهوننا؟”، فاستنفر الإعلام، والسياسيون، والمحللون، وتبعهم الشارع الأميركي، والغربي في نقاش حام حول هذا السؤال، ذو الظاهر الديمقراطي، و”المسكين”؛ مهما كانت الأجوبة التي تم طرحها، بما فيها التي انتقدت السؤال، لم تستطع منع وصول الفكرة الأساسية للسؤال، لتصبح كبديهية في العقل الجماعي الأميركي: “هم، أي المسلمون أو بقية العالم، يكرهوننا، نحن الأميركيون، شعبا وسياسة، لأننا أميركيون”؛ طارح السؤال لم يعاقب، أو يحجر من فند السؤال، لسبب بسيط أن السؤال المبني على بساطة “تسطيحية” بالطرح، انتشر آلاف المرات أكثر من الأجوبة العاقلة، التي غالبا هي أكثر تعقيدا وتحتاج لشرح، وتحليل ينفر منه الرأي العام الشعبي. السؤال محور هذه الورقة يقع ضمن نفس الخانة، “السؤال الفخ”، الذي يخدم الأهداف السياسية للمتصارعين فوق سورية.

المشكلة الأساسية وراء هذا السؤال، أنه تسرب ليطغى على قناعة الرأي العام خارج سورية، سواء الغربي أو العربي، من خلال المواقف السياسية والإعلام بكل توجهاته؛ بل إن هذا السؤال، أصبح منتشرا بقوة بين العديد من السوريين أنفسهم، ويعيد صياغة مواقف بعضهم، ما بين: الانحياز لأحد الخيارين، أو تأجيل السؤال لما بعد “النصر”، أو الهروب لحالة الإنكار واللامبالاة.

خطورة انتشار هذا السؤال، هي ترسيخه لبديهية مصطنعة في عقول الناس، سواء السوريين، أو غيرهم، تضع مصير سورية بين هذين الخيارين فقط؛ هذا العمل على صناعة الرأي العام، من قبل كل الأطراف، بالتأكيد لا يمهد لحل مستدام مستقر للأزمة السورية؛ فتاريخ كل الحروب والصراعات البشرية، مهما كان شكلها، والأطراف الفاعلة بها، استند، ويستند على التمهيد، عبر صناعة رأي عام قابل للتجييش، والقبول، أو على الأقل الصمت أمام قرارات صانعي الصراع، والمستفيدين الحقيقيين منه.

 

جذور السؤال

أول من طرح هذا السؤال، كان النظام السوري نفسه منذ 2011، بعدة صياغات خلاصتها هي، “سورية بين خيارين فقط: النظام السوري بقيادة بشار الأسد، أو حكم الإسلاميين المتطرفين الطائفيين”؛ فمن أول تصريحات النظام الرسمية، حول المظاهرات الشعبية السورية السلمية المطالبة بالحرية والكرامة، كان أن هذه المظاهرات هي “تمرد مسلح إرهابي طائفي، يريد جلب الإسلاميين للحكم، وتدمير سورية الممانعة بقيادتها، ضمن مؤامرة كونية شريرة”؛ ودعمها بحرب شائعات ضمن الشارع السوري، تتحدث عن “إرهابيين إخوانيين، ووهابيين يريدون قتل العلويين، وتشريد المسيحيين وبقية الأقليات الدينية”؛ كان هدف النظام التوجه للداخل والخارج بنفس الوقت، داخليا هو يدرك تماما أن الأغلبية السورية، بمن فيهم العرب السنة، لا يتوافقون مع حكم إسلامي، سواء كان قاعديا، أو إخوانيا، وبالتالي أراد النظام أن يسبق الثورة بعدة خطوات للإمام، لزرع الخوف بين السوريين من القادم، فيحولهم إما لصامتين، أو مؤيدين، أو أن يختاروا أهون الشرين؛ وخارجيا أراد النظام استغلال الشعور العام العالمي المناهض للإسلامية القاعدية، وخوف الشارع الغربي من هذا التيار.

على خندق النظام السوري، دعمت الحكومتان الروسية والإيرانية هذا السؤال بقوة، وسوّقتا له إعلاميا وسياسيا، بشكل واسع؛ فكلا البلدين يعانيان من أزمات عميقة اقتصادية وسياسية، تهدد استقرارهما، وبقاء كابوس المؤامرة الأميركية المتحالفة مع الإسلامية القاعدية الوهابية، يشكل عامل تجييش أساسي لشعوب هذين البلدين، خاصة وأن القاعدة تحيط بإيران من الشرق والغرب، وتخترق جنوب روسيا المسلم بغالبيته السكانية (1).

أما من جهة المعارضة السورية بقياداتها والداعمين لها، فقد رسخوا هذه الدعاية الإعلامية، سواء من خلال تأييد وتشجيع صبغ الثورة بالصبغة الإسلامية، ما بين المعتدل والمتشدد، أو من خلال الصمت على ما يجري من إقحام للشعارات الإسلامية الجهادية، أو حتى من خلال معارضة الأسلمة لكن بأسلوب المثقف المتعالي؛ بكل الأحوال كان لعمل المعارضة السورية، وداعميها، والإعلام السوري والعربي المتوافق معها  دوراً أساسياً في ترسيخ هذه الصورة المشوهة للثورة السورية؛ فأصبح من الصعب إظهار حقيقة تمايز الثورة السورية الشعبية  الوطنية عن السلوكيات الإسلامية المتطرفة.

انتقل هذا السؤال بسرعة نسبيا، مع منتصف 2012، إلى الإعلام الغربي، مع بدايات ظهور جبهة النصرة الإسلامية القاعدية، وأصبح شغل الإعلام الغربي يقوم على ترسيخ الصورة العامة السورية، على أن سورية بين فكيّ كماشة: نظام ديكتاتوري عنيف ظالم، لكنه علماني بربطة عنق، وبين فصائل إسلامية قاعدية طائفية إرهابية بذقون مغبرة، وبالتالي ليس من مصلحة الغرب، أن يتدخل بشكل مباشر في سورية لإسقاط النظام السوري، لأن ذلك سيؤدي لسيطرة الإسلامية المتطرفة، كما أن لا مصلحة له بدعم النظام السوري، لأنه نظام عنيف ودموي؛ هذه الصورة بدأت بالتوسع ضمن الرأي العام الغربي، المسكون ببعبع الإرهاب الإسلامي، بسرعة أكبر منذ العام 2014، مع توسعات داعش في سورية وأفلامها الهوليوودية؛ منحت سيطرة هذه الصورة على الرأي العام الغربي السياسة الغربية، وخاصة الأميركية، الحرية الكاملة بالتعامل مع الأزمة السورية بهدوء، والتنقل بقوة على مسارات المناورة السياسية حول سورية دون ضغط شعبي غربي، لقد تم تحييد الرأي العام الغربي بما يخص سورية، والمنطقة كلها.

للإجابة على هذا السؤال وتفنيده، يمكن مناقشته عبر تفكيكه إلى مكونيه الأساسيين: هل يمكن للنظام السوري الحالي حكم سورية؟ هل يمكن للإسلاميين الجهاديين حكم سورية؟ ومناقشة الموانع الموضوعية والذاتية التي تجعل الخياران مستحيلين؛ لذلك سنفترض بداية أن الغلبة العسكرية، والأمنية كانت لأحد هذين الطرفين، لسبب ما أدى إلى اختلال ميزان القوى مؤقتا. ولن نتطرق، ضمن هذا النقاش، لموقف الشارع السوري، فهذا النقاش يحتاج لبحث مستقل، والأهم أن الافتراضين يقومان على افتراض حصول خلل ما بالتوازن العسكري في سورية، حيث لا دور للشعب السوري حاليا به.

 

هل يمكن للنظام السوري الحالي حكم سورية؟

لنفترض بداية أنه ولسبب ما، وبطريقة ما، استطاع نظام بشار الأسد، حتى نهاية العام 2016، فرض سيطرته الكاملة عسكريا وأمنيا على سورية، والانتصار عسكريا على غالبية الفصائل المناوئة له، أي أن معسكر إيران وروسيا استطاع فرض رؤيته على حساب معسكر الغرب والخليج العربي وتركيا؛ فهل يستطيع النظام السوري الاستمرار بحكم سورية، وإنشاء الدولة السورية، بالحدود الدنيا المطلوبة للدولة في القرن 21؟ الجواب: لا يمكن له حكم سورية، وحفظ استقرارها، وأمنها لأكثر من سنة، لعدة أسباب ذاتية تتعلق ببنية وتاريخ النظام نفسه، ولأسباب موضوعية تتعلق بالحال السورية ذاتها، ولأسباب تتعلق بالصراع الدولي الجيوسياسي الشرس حول سورية.

 

الأسباب الذاتية

لا بد لدراسة الأسباب الذاتية العودة قليلا بالتاريخ للوراء، إن تحليل بنية وتاريخ النظام السوري يحتاج لبحوث، وكتب كثيرة، وهي ليست غاية هذه الورقة، لكن يمكننا تناول الموضوع من خلال نقاط أساسية، لا ينكرها حتى النظام السوري نفسه؛ النظام السوري هنا يمتد تاريخيا، حسب رؤية الورقة، إلى عام 1963، الذي شهد وصول حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة في سورية. bashar 1

فرضت السيرورة التاريخية على سورية بعد، ربع قرن من الاحتلال الفرنسي، وأربعة قرون من الاحتلال العثماني، بالإضافة لحركة النهضة العربية، وانتقال مفهوم الدولة الوطنية إلى منطقتنا، نشوء الدولة السورية كشكل ابتدائي للدولة الحديثة، ضمن تركيبة معقدة ما بين السلطة المالية، والسلطة العسكرية اللتان أنتجتا السلطة الحكومية، والإدارية؛ بسبب نكبة فلسطين 1948، تقدمت السلطة العسكرية للأمام، خلال عدة سنوات رسمتها مرحلة الانقلابات العسكرية؛ لكن سريعا ما عاد التوازن، واستعادت السلطة المالية مكانتها نسبيا، في الخمسينات، من خلال الطبقة البرجوازية والإقطاعية؛ لكن اكتساح النموذج الناصري للعالم العربي، والوحدة السورية المصرية، خلخلا سريعا التوازن، وأعادت القوة للمكون العسكري في سورية؛ فكانت هذه الخلخلة بالتوازن أداة أساسية، استخدمها قادات حزب البعث للوصول للسلطة في العام 1963.

كان انقلاب 8 آذار 1963، انقلابا عسكريا بحتا، مهما لونّه المنظرون البعثيون بلون الثورة، والاشتراكية، ومطالب الجماهير؛ لقد حاول القادة البعثيون في الستينات، التوجه نحو النموذج الستاليني السوفياتي لديكتاتورية الحزب الواحد، ووضع القوة العسكرية بالمستوى الثاني سلطويا؛ لكن هذه المحاولة، مع ما رافقها من جمود يساري متطرف، بالإضافة لنكسة 1967 أمام إسرائيل، أدت لانهيار حتمي لهذا النموذج.

أدرك حافظ الأسد وزملائه سر هذه التركيبة في نهاية الستينات، فقاموا بانقلابهم الحزبي، والعسكري في 16 تشرين ثاني 1970، والذي سمّوه “الحركة التصحيحية”؛ استفاد حافظ الأسد من أخطاء الماضي، فأعاد أرجحية القوة للعمود العسكري، والأمني في السلطة على حساب الحزبي، وبنفس الوقت، أعاد القوة للعمود المالي كحليف أساسي في الحكم؛ وأنشأ بين هذين المكونين، السلطة الإدارية الحكومية، ورسم على السطح سلطة تشريعية؛ أما سلطة الحزب الواحد، فقد تحولت إلى إطار لمكونات السلطة، وليست سلطة بحد ذاتها، مقارنة بفترة الستينات؛ أهم التغييرات التي أدخلها حافظ الأسد، كانت استغلال التنوع العرقي، والطائفي في سورية، وتحويله من نعمة، وميزة سورية، إلى أداة تحكم أساسية بهرم السلطة؛ ضمن هذه التركيبة الجديدة، حول حافظ الأسد حكم الحزب الواحد، إلى حكم القائد الأبدي الأوحد، وتحول حزب البعث، ومشتقاته النقابية والمهنية، لطابور خامس يخدم السلطتين العسكرية الأمنية والمالية.

لقد تبلور نموذج الحكم الأسدي، بشكله النهائي، في نهاية الثمانينات، بعد أن استطاع حافظ الأسد هزيمة معارضيه السياسيين؛ لقد كانت البداية، بحربه الداخلية ضد محاولة الانقلاب المسلح، التي قام بها الإخوان المسلمون، في نهاية السبعينات، وبحجة هذه الحرب استطاع النظام السوري قمع كل معارضيه، سواء اليساريين، أم القوميين العرب الناصريين، أم القوميين السوريين؛ كما أنه تخلص من أخطر التهديدات على سلطته المطلقة، التي أتت من أخيه، رفعت الأسد؛ منذ بداية الثمانينات، أدرك حافظ الأسد أهمية التركيز على جيل الشباب بدءا من المرحلة الإعدادية، فقدم دعما كبيرا لمنظمة اتحاد شبيبة الثورة، التي استطاعت من خلال الإغراء أو الترهيب، تمرير غالبية من الشباب السوري الصغير خلال نفق التدريب العسكري المدرسي (دورات الصاعقة والمظليين)، ثم من خلال التدريب العسكري المرافق للدراسة الجامعية؛ هذه السياسة مكنت النظام السوري من فرز فئة من الشباب، غالبا الغير مؤهل دراسيا أو مهنيا والفاقد للهدف، للانتقال بعد المدرسة واتحاد شبيبة الثورة ليشكل جيشا من “المخبرين والمُرهِبين” بسلطة معنوية ومادية ضمنت ولاءهم المطلق؛  هذه الفئة، والتي يسميها الناس بسورية “زعران الشوارع”، رغم قلة عددها إلا أنها، وبسبب القوة التي منحها لها النظام، كانت اليد الأكثر فائدة للنظام، من حيث التجسس على الناس، وإرهاب الشارع؛ فاتحاد شبيبة الثورة لم يكن سلطة بحد ذاته، بل بوتقة لتصنيع جيل شاب خائف أو موالي؛ فالقوة الأمنية والعسكرية، كمؤسسات، لم تكن كافية للانتشار الأفقي ضمن المجتمع؛ هذه الفئة الشبابية وجدت نفسها، بدون أي مؤهلات، سوى عضلاتها وصوتها، بموقع يخيف المجتمع المحيط، فاستشاطت في غيّها، بتوجيه ومراقبة السلطة الأمنية.

بعد محنة الثمانينات، وبعد حرب الكويت وإطلاق يده بلبنان، خرج حافظ الأسد منتصرا داخليا وإقليميا، فانتفت الحاجة الملحة لفئة “زعران الشارع”، والتي كانت قد أسست نفسها، ضمن عصابات قوية ماليا وتسليحيا، بقيادة أولاد الضباط وعائلة الأسد؛ لقد أرادت هذه الفئة، أن تأخذ ثمن دعمها للنظام، فانطلقت بعمليات التهريب والتشليح، وظهر لأول مرة مصطلح “الشبيحة” في سورية، خاصة في منطقة الساحل وجبالها، حيث تركز نشاط مافيات عائلة الأسد؛ لكن حافظ الأسد أدرك خطورة فوضى هذه الفئات، فاستطاع قمعها، واحتوائها بجهازه الأمني العسكري، والإداري في منتصف التسعينات.

هذه التركيبة السلطوية المعقدة، أمنيا، وعسكريا، وماليا، وإداريا، بحد ذاتها، كفيلة بإنتاج الفساد كسلطة خفية، تدير العلاقة بين جميع مكونات السلطة الأخرى؛ وبشكل طبيعي، كنظام ديكتاتوري، اعتمد النظام السوري على سرطانية الفساد، كأداة تحكم أساسية، في ضمان سلطة حافظ الأسد المطلقة؛ لقد تم إنشاء “الدولة الخفية” القائمة على علاقات المصلحة والمال، ضمن تشكيلة معقدة من الفساد، بين السلطات العسكرية والأمنية والمالية والإدارية. power pyramid

لم يهمل حافظ الأسد التأثير الكبير للدين على السوريين، وساعدته مواجهته مع الإخوان المسلمين، على فرز التيار الديني الإسلامي السني الأيدلوجي، عن التيار الإسلامي السني الشعبي التقليدي، فمنح الأخير حرية العمل الدعوي، والتوسع الدراسي، حتى أن دمشق باتت محجا مهما لطلاب العلم الديني في نهاية التسعينات.

إذا لقد ورث بشار الأسد عن أبيه، دولة أمنية، عسكرية، قوية، مبنية على الفساد كسلطة وليس كمرض، وتعتمد على تحالف صلب مع القوة المالية السورية، ومؤطرة ضمن جهاز إداري حكومي، متجاوب مع السلطة الأعلى؛ لكن بشار وجد نفسه أمام معادلة صعبة الحل، تنطلب التوفيق ما بين سياسة أبيه، التي تعتمد الصبر والحذر في كل خطوة، وما بين نظام عالمي جديد سريع وقوي، يفرض قوانينه على كل قرية بالعالم. استطاع بشار الأسد، بعد سنين قليلة، التوصل إلى النموذج الأنسب لسلطته، من خلال المحافظة على سياسة أبيه، ضمن السلطة الأمنية العسكرية، مع منح القطاع المالي الاقتصادي حرية أكبر بالحركة السريعة المتناسبة مع العصر، لكن مع إبقاء التحكم قائما عبر رجاله المخلصين، وخاصة من عائلته (محمد مخلوف كأشهر مثال)، وعبر الجهاز الحكومي الإداري، الذي نال بعهده سلطة أكبر نسبيا، مما كان في أيام حافظ الأسد؛ إذا هو لم يجرؤ على المخاطرة بسلطته كديكتاتور حاكم، فبقي الفساد أيضا سلطة قائمة بين مكونات الدولة؛ هذه التوليفة أزالت الجدار الحديدي، الذي وضعه حافظ الأسد بين العسكر وبين المال، واختلطت السلطتان على شكل مافيوي حديث.

أتت ثورة العام 2011، لتؤكد أن نظام بشار الأسد لم يتغير جذريا عما أسسه أبوه، وأنه لم يستفد أبدا من دروس النظام العالمي الجديد والقديم؛ لقد عاد نظام حافظ الثمانينات كما هو: إطلاق يد السلطة الأمنية في الشارع، وتعبئة كتائب “الشبيحة” ونشرها في الشارع، مع استخدام أكثر كثافة للقوة العسكرية؛ لكن الفرق الأساسي بين سورية 2011 وسورية الثمانينات، هو أن العالم والصراع الجيوسياسي الدولي والإقليمي مختلف جذريا، وهو ما لم يدركه النظام السوري إلا متأخرا؛ فعندما سوّى حافظ الأسد جزءا من مدينة حماة بالأرض، وقتل أيامها على الأقل 15000 ألفا، لم يسمع بذلك بعض السوريين إلا بعد أسابيع، وربما شهور؛ وكذلك لم يدرك نظام بشار، أن التطور في العقل، والمعرفة، والطموح الإنساني قد سار بسرعة تطور شبكة الإنترنت، فلم تعد الديمقراطية، والحرية، والعدالة الاجتماعية مجرد أحلام وعناوين كتب مثل الثمانينات، بل تحولت من أحلام، إلى حاجات إنسانية أساسية لا يمكن لجيل القرن الواحد والعشرين التخلي عنها؛ فبدل أن يخاف الناس من آلة القمع المخابراتية، وعصابات التشبيح، وضغط وسائل الإعلام الرسمية، زاد إحساس الناس بأهمية الكرامة الإنسانية، وحقوق المواطنة. في نهاية العام 2011 دخل النظام، والثورة نقطة اللاعودة، فقرر النظام أن يوسع من قوته الضاربة، فكان الدخول التدريجي لحلفائه اللبنانيين والإيرانيين والروس، كذلك أدرك السوريون الثائرون ضد النظام، أن التراجع الآن يعني انتقاما أشد بشاعة مما جرى في الثمانينات.

مع تزايد حجم كرة النار، وتحول الأرض السورية لصراع دولي متوحش، تسارع الانهيار الاقتصادي، وغلاء المعيشة، وعدد الضحايا في جانب قوات النظام سواء العسكرية، أم المخابراتية، أم التشبيحية، فكان لا بد من انفتاح مصدر تمويل إضافي للأفراد والقادة، وبهذه الحالة ليس مثل الرشوة والفساد ما يستطيع التعويض، فتوسعت سلطة الفساد ضمن كل أجهزة دولة النظام السوري بشكل فاحش.

إلى الآن، نتكلم عن النظام السوري كبنية واحدة، لكن هل هو فعلا ذو بنية واحدة متماسكة؟ النظام السوري في العام 2011، لم يكن متماسكا ومنسجما ضمن بنيته ذاتها، كنتيجة حتمية للعوامل المذكورة سابقا، التي يمكن تلخيصها، بأن النظام السوري، ومنذ نهاية الألفية الثانية، كان يسير بقوة الدفع الذاتي، وضمن حماية لعبة الصراع الدولي، حيث لم يشكل تهديدا حقيقيا لأي قوة كبرى أو إقليمية، فهو كان يسير عكس عجلة التاريخ؛ كذلك لم تكن بنية النظام مستعدة كفاية للدخول الثقيل للحليفين الإيراني والروسي ضمن بنية النظام؛ هذا التفكك في بنية النظام، أثبتته كمية ونوعية الانشقاقات خلال السنين الماضية، و كذلك عمليات التصفية الجسدية، أو الإقصاء السلمي عن السلطة، للعديدين ممن كانوا يعتبرون أعمدة مهمة ضمن بنية النظام؛ هذه التصفية والفرز لم يعيدا فقط، تشكيل قمة الهرم السلطوي، بل أعادا تشكيل العديد من مستويات هذا الهرم وصولا لقاعدته؛ بالتالي إن إعادة التشكل هذه، أدت لإعادة إنتاج هرم سلطوي غير متماسك مليء بالتناقضات المادية والمعنوية، لأنها تمت تحت ضغط الظرف، وبسرعة كبيرة نسبيا، وبين ثلاث قوى غير مُنسقة بما يكفي: النظام نفسه، والدخول الإيراني، والدخول الروسي.

هذا التفكك الداخلي لبنية النظام يبدو أوضح مع هذا العدد الهائل من المليشيا المسلحة، التي دافعت عن النظام بحرب مريرة دموية؛ هذه المليشيا، بقاداتها وأفرادها، يريدون قبض الثمن مضاعفا؛ كما أن ثقتهم بأن النظام سيحميهم خلال السنين القادمة قد انهارت تماما؛ والأهم أنها مليشيا بُنيت وترسخت على أساس من الفوضى الأمنية والقانونية. فلو قارنّا حرب النظام في الثمانينات، بحربه خلال السنوات الخمسة الماضية، تًعتبر تلك الحرب نزهة؛ ومع ذلك احتاج حافظ الأسد ورجالاته عشر سنوات من العمل الحثيث لاستعادة السيطرة الكاملة، على أجهزة الأمن، والمخابرات، ومافيات آل الأسد وما ارتبط بهم، فكيف ستكون الحال الآن، خاصة مع بشار المعروف بأنه أضعف بكثير من أبيه؟

إذا فالأسباب الذاتية للنظام السوري، التي تمنعه من السيطرة على سورية، وتأمين استقرارها وأمنها بالحد الأدنى- بفرض انتصاره العسكري- تتلخص بالنقاط التالية:

·       تناقض وتفكك بنية النظام السلطوية، وخاصة ضمن المكون العسكري والأمني.

·       توحش الفساد ضمن كل أجهزة النظام، إلى مستوى يمنع حتى بسط غطاء مؤسساتي على هذا الفساد، مثلما كان الحال قبل العام 2011.

·       استحالة استعادة السلطة المركزية لرأس الهرم السلطوي، كما كانت الحال قبل 2011.

·       أجبرت هذه الحرب الطويلة جيش النظام على سلوكيات مليشاوية، ستشكل صعوبة هائلة أمام إعادة تشكيله كجيش نظامي؛ كما أن هذا الجيش سيجد نفسه آخر المستفيدين من قوة النظام، مقارنة بالجهاز الأمني المخابراتي ومليشيات الدفاع عن النظام، مما سيزيد من صعوبة حفظ تماسكه، خاصة أنه يعتبر نفسه، أكثر من قدم من تضحيات وجهود.

·       الصعوبة الأكبر ستكون المليشيات الأجنبية، التي أرسلتها الحكومة الإيرانية، فهذه مليشيات مرتزقة تحركها المصلحة المادية، مهما قيل عن العقائدية خلفها، ولن تغادر سورية بهدوء؛ عدا عن أن النظام غالبا سيحتاجها لسنين قادمة بعد فقده لهذا العدد الهائل من المقاتلين، فمهما قيل عن هذه المليشيا هي جسم غريب ضمن سورية سيشعل حتميا الكثير من الاضطرابات والفوضى الأمنية.

·       أخيرا، النظام خسر الكثير من الطاقات الإدارية والعلمية والتقنية التي تستطيع إعادة بناء الجهاز الإداري والإنتاجي، حتى بكل مساوئ هذا الجهاز قبل 2011.

الأسباب الموضوعية

تتمحور الأسباب الموضوعية، التي تمنع النظام السوري من حكم سورية، والسير بها كدولة مستقرة، حول الحقائق الموضوعية السورية والدولية.

الحقائق الموضوعية السورية

·       كما ذُكر ببداية الورقة، مناقشة موقف الشعب السوري ليست أحد نقاط التحليل هنا، لكن وبغض النظر، عن موقف السوريين من النظام، فالواقع يقول أن خمس سنوات ونصف من الخوف، والدم، والتشريد، والتهديم، قد خلقت ورسخت شروخا عميقة قاسية بين السوريين أنفسهم، وتركت جروحا عميقة، وآلاما وإحباطا عميقا، بالإضافة لغضب كبير يطلب محقا العدالة؛ إن معالجة كل هذه الآثار العميقة يتطلب قيادة سورية واعية قريبة من الناس، وتتقن، أولا كيف تخاطب العقول والمشاعر، وكيف تعطي القدوة، وكيف ترتب الأولويات، وكيف تحقق العدالة بحدها الأدنى، بعد كل ما جرى، أي أن تحترم القانون وشرعيته، لتحقق المصالحة الشعبية السورية اللازمة لإعادة البناء؛ هذا الوعي، والرؤية، والشجاعة، واحترام القانون بالتأكيد لا يملكها النظام السوري؛ فتاريخيا، لم يكن النظام السوري دولة قانون و لا دولة مواطنة، وبعد 2011 انفجرت أمراض هذا النظام بشكل كارثي ومرعب، كما نراها حتى في المناطق التي ما زال يسيطر عليها.  بل حتى إن خطابه الشعبي والإعلامي مازال يزيد اعتماده على منهجه التاريخي القديم  القائم على تصنيف الشعب إلى فسطاطين: وطني وخائن؛ وهو منهج ديكتاتوري إقصائي لا يمكن أن يعيد بناء بلد تعرض حتى لعشر ما تعرضت له سورية خلال السنين الماضية، فكيف الحال مع سورية الآن؛ لقد أثبتت تجارب التاريخ في حالات الحروب الأهلية، بغض النظر عن المُسبب وموقع الحق والباطل، أن إعادة البلد لحالة الاستقرار تستوجب وجود قيادة سياسية، وثقافية، وإعلامية تمثل القدوة والموجه في تقليص سلوكيات وأحكام التخوين والتجريم بين أفراد الشعب.  

·       من ناحية ثانية يستحيل، على أي نظام، مهما بلغت قسوته، إلغاء الشعور الوطني الفطري للشعوب، وهذا أكثر استحالة في سورية، لكن إبقاء الشعور الوطني بحالته الفطرية في العصر الحديث يجعل أي بلد، ضمن الصراع الدولي القاسي، عرضة للانهيار في أية لحظة؛ فإما أن تتحول الوطنية الفطرية إلى وقود حروب قاسية، كما حصل مع النظم النازية والفاشية بأوروبا، أو إلى أول أدوات هدم الدولة، كما حدث مع النظم الشيوعية السوفيتية (والتي يشبهها النظام السوري لحد كبير)؛ وبواقع الحال، النظام السوري لم يكتفي بعدم تطوير ومأسسة الوعي الوطني السوري، بل إنه سعى لهدمه ليخدم الوطنية التي عرفها على وفق مقاسه بناء على معيار الولاء لقائد النظام، فكيف ستكون الحال بعد كل هذه المآسي الإنسانية في سورية، خاصة وأن النظام لم يقدم خلال السنوات الماضية، أية نظرة تحديثية ورؤية عصرية للوطنية السورية، فما زال مجلس الشعب التابع للنظام يصرخ “بالروح بالدم نفديك يا بشار” بدلا من “يا سورية”؛ إذا النظام السوري، تاريخيا وحاليا، عاجز بنيويا عن تقبل المواطنة الحقيقية، فكيف سيستطيع إعادة بنائها وحمايتها.

·       الصعوبة الأشد في إعادة بناء سورية، هي الجيل السوري الشاب الذي كان بين عمر ال10 و20 سنة، والآن أصبح بين عمر ال15 وال25 سنة، وهو يشكل الغالبية السكانية، وجزء كبير منه يعيش في بلاد اللجوء، وبفرض تسليمنا بمقولة النظام، إنها تمرد قلة من الخونة والعملاء، فالسؤال هنا: هل أبدى أو ادعى النظام أي سياسة أو رؤية أو استراتيجية يمكنها التعامل مع هذا الجيل الذي وعى الحياة على صوت الرصاص والقنابل ومأسي اللجوء، وتشرب يوميا بشتى أنواع الأفكار والتوجهات؟ واقع الحال يقول: أن لا شيء من هذا يقع على سلم أولويات النظام السوري.

·       كمية الدمار المادي الهائل بسورية تحتاج لإدارة حكومية، ذات كفاءة عالية، وبالحد الأدنى من الفساد والفوضى، ولموارد مالية ضخمة؛ وكما ذكرنا سابقا، فالنظام السوري كان، قبل 2011، قائما على الفساد كسلطة خفية أساسية، وتوسعت هذه السلطة أكثر خلال السنين الماضية؛ كما أن الإدارة الحكومية للنظام خسرت الكثير من الإمكانيات البشرية الإدارية والتقنية. من ناحية ثانية يعتمد النظام السوري، في وعوده لما بعد استعادة سلطته، على الدعم المالي من حلفائه خاصة إيران وروسيا، لكن هذان البلدان، بالكاد يستطيعان تسيير حياتهم اليومية ضمن أزمات اقتصادية ضخمة لم تتوقف عندهما منذ عقود، فالنظام السوري عاجز إداريا عن إعادة البناء، وهو أكثر عجزا ماديا مع حلفائه في إعادة البناء، فالبناء دائما أكثر كلفة وصعوبة من الهدم.

·       عطفا على الفكرة السابقة، فإن ما يُسمى طبقة “تجار الحرب”، التي نشأت وتوسعت وترسخت بقوة خلال السنوات الخمسة الماضية، أصبحت من القوة وتشابك المصالح فيما بينها، وفيما بينها وبين النظام نفسه، بحيث أنها ستدافع عن سبب صعودها وغناها، وهو الحرب والفوضى الأمنية؛ مواجهة هذه الطبقة تحتاج، بالتأكيد، لحكم سوري أكثر وعيا، وتماسكا، وأقل فسادا من النظام السوري.

الحقائق الموضوعية الدولية

إن فرضيتنا الأساسية، النظام استعاد السيطرة على سورية عسكريا، تعني أن هناك افتراضا بتراجع مرحلي للحلف الدولي الرافض لاستمرار النظام، كحليف تابع للحلف الروسي الإيراني الصيني.

المعسكر الإيراني الروسي الصيني، الحامي للنظام السوري، لا يملك الخبرات ولا الإمكانيات اللازمة لتوجيه النظام السوري نحو تأسيس دولة عصرية مستقرة بشروطها الدنيا؛ فالصين، وهي الأقوى اقتصاديا، ما زالت تسير بسياسة ناعمة “من بعيد لبعيد”، أما إيران وروسيا، فهما بنيويا دول قائمة على أسطورية الزعيم، مع شكليات ديمقراطية، والأهم وضعهما الاقتصادي في أسوء حالاته، ويحتاج لسنين طويلة للتعافي؛ كذلك فكلا الحكومتين فشلتا بمحيطهما الأقرب جغرافيا بتأمين حد أدنى من الاستقرار، سواء في العراق، أم في أفغانستان، أم في أوكرانيا، أم في جورجيا ومنطقة القوقاز. هذا الحلف سيتابع دعم النظام السوري لكن بمستويات أقل ماديا، وبكل الأحوال دعمهم سيتوجه حكما للجهاز العسكري والأمني، أكثر منه لإعادة البناء، فهذه النظرة العسكرية الأمنية لم تتجاوزها هاتان الحكومتان حتى ببلدهما. 

وفق افتراضنا الأساسي هنا، النظام الإيراني سيسعى ليكون أكثر التصاقا بالتفاصيل مع النظام السوري من الحكومة الروسية، لكن النظام الإيراني نفسه، هو نظام مريض قائم على تحالف، خارج العصر والتاريخ، بين السلطة الدينية المتشددة والمتعصبة طائفيا مع السلطة العسكرية والأمنية والمالية والإدارية، أي أنه سيكون مريضا يقدم الدواء لمريض آخر، وبالتالي فإن قوة النظام الإيراني في سورية، التي ستأتي حتميا وفق افتراضنا الحالي، ستؤدي حكما لتأجيج الشروخ والمشاكل وليس حلها، وقد شهدنا ما حدث بالعراق بإشراف وسيطرة النظام الإيراني خلال 13 عاما بعد الغزو الأميركي.

الحلف الخليجي العربي التركي الغربي، لن يسلم بعودة سورية مع النظام السوري إلى الحلف المقابل، بعد كل ما بذله خلال السنوات الماضية، وبالتالي لن يتوقف عن محاولات التدخل لزعزعة قوة النظام السوري، المنهك أصلا بعد هذه الحرب الطويلة، ولن يجد صعوبة كبيرة في إعادة تشكيل بعض المعارضة السياسية، والأهم الفصائل المحاربة للنظام السوري؛ فالكثيرون من المقاتلين قد يتفرقون ويختفون لبعض الوقت، وربما يمنحون أنفسهم فرصة المراقبة، لكن سياسة النظام الفاسدة والانتقامية ستسهل على حكومات الخليج العربي وتركيا والغرب العودة لدعم هؤلاء المقاتلين وتحريكهم بسرعة وفعالية ضد النظام السوري وحلفائه.

الأسد أو الإسلاميون؟ سؤال خاطئ

هل يمكن للقوى والفصائل الإسلامية حكم سورية؟

لنفترض بداية، أنه ولسبب ما انهار النظام السوري فجأة، واستطاعت الفصائل الإسلامية، مثل جيش الإسلام، جيش الفتح، النصرة، أحرار الشام، وما شابهها مع نهاية العام 2016 فرض سيطرتها الكاملة عسكريا وأمنيا على سورية وطرد أو إنهاء قوى النظام العسكرية وغالبية الفصائل التابعة له. أي أن معسكر إيران وروسيا هُزم مؤقتا وانتصر معسكر الخليج العربي وتركيا والغرب. السؤال: هل تستطيع هذه الفصائل حكم سورية وتأمين استقرارها واستقلالها لعدة شهور على الأقل؟ والجواب هو: لا تستطيع ذلك لأسباب ذاتية تتعلق بتاريخها وبنيتها، ولأسباب موضوعية تتعلق بالحالة السورية والصراع الدولي.

بدايةً، وقبل الإجابة المفصلة، نوضح عدة نقاط:

1.      وضع هذه الفصائل في سلة واحدة، رغم الاختلافات فيما بينها، والتي نراها شكلية وليست جوهرية، لن تؤثر على نقاشنا فيما يلي من فقرات.

2.      الجامع بين هذه الفصائل، ويفْرقها عن بقايا الجيش الحر، أنها كلها ترفع شعارات الدولة الإسلامية، وفق الفكر السني السلفي الجهادي، بالإضافة لشعار إسقاط النظام؛ وهي أيضا كلها تقرر أن حربها، بشكل كلي أو جزئي، هي دفاع عن السنة ضد الشيعة والعلوية.

3.      استبعاد وضع “تنظيم الدولة” داعش، معها أو بالمعسكر المقابل، لن يغير جوهريا من أسباب عجزها عن حكم سورية، فلو كانت داعش ضمن معسكرهم أو خارجه، فالعجز سيكون أعمق. فما زلنا نرى أن داعش هي حصان طروادة الذي تستخدمه كل الحكومات المتصارعة فوق الأرض السورية (2)، فهو نتيجة وليس محور الصراع.

4.      العديد من الأسباب، التي تجزم بعجز هذه الفصائل عن حكم سورية، متشابه مع الأسباب التي تمنع النظام عن حكم سورية، لذلك قد يكون نقاش هذه الأسباب أكثر اختصارا هنا.

الأسباب الذاتية

إن تاريخ وأسباب وأشكال تطور الإسلامية السياسية يحتاج بحوثا وكتبا، لذلك سنتطرق هنا لبعض العموميات المتفق عليها غالبا، وتجنب الإشكاليات الجدية، والتي لن تغير نتيجة النقاش؛ يتفق الكثيرون من الباحثين على أن الظهور الأهم للإسلامية السياسية، في المنطقة العربية، بدأ مع الإخوان المسلمين في ثلاثينات القرن الماضي، ويربطه البعض بانهيار الخلافة الإسلامية العثمانية، وبظهور التيار القومي العربي السياسي. نمت الإسلامية السياسية تحت الأرض في البلدان العربية التي نحت منحى القومية العربية المرتبطة بالشعارات الاشتراكية والأكثر قربا للسوفيات، وبالتالي حاربت كل المناوئين بمن فيهم الإسلاميين، بينما لم تجد أرضا خصبة في دول الخليج العربي، التي قطعت الطريق بإعلانها أنها دول حماية الإسلام وخاصة السعودية الدولة الأكبر والأثقل.

شكلت الإسلامية السياسية، حتى تسعينات القرن الماضي، نقطة ارتكاز أساسية للحلف الغربي في حربه الباردة ضد الحلف السوفياتي، وكذلك أداة مناورة مع النظم العربية المتحالفة مع السوفيات؛ لقد كان أول تحرك مسلح للإسلامية السياسية في سورية بنهاية السبعينات على يد الإخوان المسلمين، لكن تأثير هذا التحرك لم يغادر سورية، إلا بقدر ما قوّى سلطة حافظ الأسد كلاعب إقليمي أساسي. التحركان الأهم للإسلامية السياسية، خلال العقود الأربعة الماضية، كانا:

·       الأول، نشوء حركة طالبان ومن ثم تنظيم القاعدة في حرب أفغانستان، والمرتكزان عقائديا على السلفية الجهادية السنية، والمدعومان ماديا وعسكريا من قبل السعودية والباكستان والناتو.

·       الثاني، سيطرة منهج الخميني على الثورة الإيرانية، وتحويل إيران لدولة دينية مؤسسة على العقيدة الشيعية الخمينية.

مع نهاية الحرب الباردة وانسحاب السوفيات من أفغانستان، عاد الأفراد بأفكارهم وخبراتهم لبلادهم، فاشتعلت مصر والجزائر خلال التسعينات، ما بين جهاديين أصوليين يريدون تأسيس الخلافة الإسلامية، وبين نظم ديكتاتورية عسكرية أمنية، وبين فقر وانتشار كبير للأمية؛ خلال نفس الفترة، التي شهدت انطلاق الولايات المتحدة كقطب عالمي وحيد، كانت إيران تحاول التعافي من حربها الطويلة المريرة مع العراق، بمتابعة الالتفاف على عراق صدام حسين، من خلال الحلف الاستراتيجي مع حافظ الأسد في سورية، ومن خلال دخول حرب لبنان الأهلية عبر حزب الله، واختراق الفصائل الفلسطينية المقاومة لإسرائيل؛ لكن حركتها هذه كانت تلقى مقاومة عنيدة من قبل السعودية والخليج العربي وحليفهم الأهم حسني مبارك في مصر. ومن طرائف الحركة التاريخية في التسعينات كانت أن مبارك والأسد كانا يحتفظان بشكل حداثي لاديني، وينشآن حلفين مع إسلاميين محليين، لكن من مدارس لا تتدخل بالسياسة، ولا تسعى للسلطة؛ فالأول، أي مبارك، كان يتحالف مع السلفية المصرية الأقرب للمنهج الوهابي السعودي المؤمن بلزوم طاعة الأمير-الحاكم، والثاني، أي الأسد، كان يتحالف مع الإسلامية الأشعرية المعتدلة، حتى طائفيا، والمؤمنة بعدم السعي للسلطة.  

خلال فترة التسعينيات، التي تميزت بسباق محموم بين الدول الكبرى لصياغة النظام العالمي الجديد، انطلقت القاعدة، بمعناها الواسع عقائديا، للتحرك حول العالم بسلسلة من الهجمات الإرهابية، مستغلة حالة الفوضى والفراغ التي نشأت مع انهيار السوفيات؛ إلا أن بداية الألفية الثالثة التي ترافقت مع تفجيرات نيويورك، وانطلاق الاستراتيجية الأميركية لتأسيس السيطرة الأميركية على السوق العالمي، أدت للجم نسبي لهذه الحركة القاعدية العنيفة، خاصة بعد حربي أفغانستان والعراق. لكن هذه الحركة لم تمت، بل استمرت بالتوسع الفكري والعقائدي، خاصة مع احتدام الصدام السعودي الإيراني، حول المنطقة، وحول العراق بثقله وحجمه الكبير، فتضاعفت الأموال والأفكار التي تخدم طرفي الصدام الأغنى والأقوى إسلاميا؛ فاشتعلت أول شرارة في العالم الإسلامي، منذ قرون، لحرب مصالح، تحت مسمى “صراع السنة والشيعة” في العراق، فاختلطت الأوراق بشدة حول وداخل العراق؛ وعلى الرغم من أن النظام السوري كان ما زال الحليف الاستراتيجي الأهم لإيران، إلا أنه فتح حدود سورية، وبإشراف مخابراته المباشر، لدخول المقاتلين الجهاديين السنة إلى العراق، بحجة محاربة الأميركيين، كان جزء من هؤلاء المقاتلين سوريين، وجزء أتى من السعودية والخليج العربي عبر الأردن؛ بطبيعة الحال كان قتال الأميركيين مرحلة مؤقتة انتهت بسرعة، لتشتعل الحرب بين مقاتلين جهاديين سنة، مباركين من قبل النظام السوري والسعودي، وبين مقاتلين جهاديين شيعة، مباركين من قبل النظام الإيراني؛ ولعلنا ما نزال نذكر دعوى الشيخ أحمد كفتارو للجهاد بالعراق، واتهامات الأميركيين للنظام السوري بدعم “الإرهاب”، وصيحات رئيس الوزراء العراقي المالكي ضد النظام السوري. لقد كان النظام السوري يلعب بالنار في تلك السنين التي تلت حرب العراق، وعرّض سلامة سورية للخطر، بصياغته هذه التحالفات المعقدة، ما بين النظام الإيراني وحزب الله المتشددين شيعيا، وما بين فصائل جهادية متشددة سنيا.

مع بدايات الثورة السورية السلمية في العام 2011، أطلق النظام السوري سراح الكثير من المساجين السياسيين الإسلاميين، وعديد منهم كان قد شارك بحرب العراق، ضمن استراتيجية لتحويل الثورة السورية إلى حرب مع الإسلامية الجهادية؛ ومع بداية 2012 تدفقت الأموال والدعم والسلاح والمقاتلين على الفصائل المعارضة للنظام التي تعلن شعار الدولة الإسلامية وحرب السنة والشيعة، فتوسعت جبهة النصرة القاعدية بسرعة كبيرة بسبب غنى مواردها المالية، والدعم الإعلامي لها. مع ازدياد المأساة السورية تعمقا، وتورط كل دول الجوار في حرب بالوكالة على الأرض السورية، وخلافات الحكومات الرافضة للنظام السوري فيما بينها، نشأت الكثير من الفصائل الإسلامية، التي لم تتباين جوهريا من حيث الهدف في سورية “إسقاط النظام السوري، وإنشاء الدولة الإسلامية”، لكنها اختلفت حسب جهة التمويل والتسليح والقادة، وحسب حضور المقاتلين الأجانب ضمنها؛ في نفس الوقت كانت الفصائل المساقة بعقيدة الشيعة الخمينية المدعومة إيرانيا تزداد توغلا على جانب مناطق النظام؛ إلى أن وصلت الحال بسورية إلى أن تكون ساحة لمئات الفصائل الإسلامية الجهادية السنية والشيعية، وساحة لعشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب الجهاديين على طرفي المعركة الأساسي، مع أو ضد النظام السوري.

بناء على ما سبق، الحركة الجهادية الإسلامية نشأت كنتيجة وأداة ضمن الصراع الدولي الممتد منذ الحرب الباردة إلى الآن، ولم تنجح أي مجموعة منها في تأسيس ما يمكن تسميته دولة، ضمن المفاهيم الحديثة؛ بالواقع الفعلي هي كانت “بندقية وفتوى للإيجار”، وليست جماعات سياسية صاحبة مشروع دولة. أما في سورية فقد نشأت هذه الجماعات على عجل نسبيا، وبدفع الصراع الدولي على سورية، أكثر منه توليدا ذاتيا للمجتمع السوري، وقد أثبتت السنوات الماضية، أن هذه الجماعات لا يمكن أن تنسجم بالعمل كمجموعة واحدة، فالصدامات فيما بينها، وخلال فقط بضع سنين، كثيرة جدا، ليس آخرها، ما حدث خلال شهر أيار 2016 من صدامات في الغوطة بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن وجبهة النصرة من جهة ثانية. إذا يمكن تلخيص ما سبق في عدة نقاط تؤكد عجز هذه الجماعات عن حكم سورية:

1.      هذه الجماعات لا تملك مشروعا سياسيا متكاملا لإنشاء دولة مدنية تناسب العصر الحديث.

2.      الظروف الموضوعية والتمويلية لهذه الجماعات تضع صعوبة كبيرة أمام توحد هذه الجماعات في كتلة واحدة منسجمة، والتجربة الليبية خير دليل.

3.      هذه الجماعات ليست وليدا طبيعيا للمجتمع السوري، بل هي ردة فعل، وقرار إقليمي ساهم به كلا المعسكرين المتصارعين على سورية.

 

 

الأسباب الموضوعية

تتمحور أيضا الأسباب الموضوعية، التي تمنع الجماعات الإسلامية الجهادية من حكم سورية، حول محورين:

الحقائق الموضوعية السورية

إن الموقع الجغرافي لسورية، منذ آلاف السنين، فرض على سكان هذه الأرض الميل للاعتدال والانفتاح على الآخر، فلم تشهد أرض في العالم عبر التاريخ، ما شهدته سورية، من تنوع بشري عرقي، وديني، وثقافي بحكم موقعها المتوسط بين ثلاث قارات، سواء أتى الوافدون محاربين، أو تجارا، أو لاجئين؛ فالتنوع السوري لا يمكن أن يتحمل، سلطة حاكمة متعصبة متزمتة برؤيتها ومنهجها وسلوكها؛ فكل الحكام الذين حكموا سورية، لفترات طويلة وبديكتاتورية، كانوا مضطرين للتعامل الذكي والمرن مع مكونات الشعب السوري، وكما أسلفنا بالقسم الأول، فإن سرّ نجاح حافظ الأسد بالبقاء حاكما 40 سنة، مع ابنه، كان إدراكه لسرّ التنوع السوري.

من ناحية ثانية، هذه الجماعات لم تولد من رحم التطور أو التغير التاريخي الطبيعي لسورية، لقد وُلدت قسريا كردة فعل حادة على تطرف العنف الذي مارسه النظام السوري، وهي بالتالي لا تملك، كما يشيعون، حاضنة شعبية، بل هي استغلت الهروب الجماعي للسوريين من عنف النظام.

الناحية الأهم، وعلى مستوى السوريين المسلمين السنة، فإن تدينهم، مثل باقي فئات الشعب السوري، تدين وسطي معتدل كما يثبته التاريخ البعيد والقريب؛ فكون المسلمين السنة هم الغالبية خلال القرون الماضية من تاريخ سورية، وبسبب موقع سورية، فهم أكثر من تطبّع بما تفرضه الأرض السورية من وسطية وانفتاح.

الحقائق الدولية

من المؤكد أن إيران وروسيا، بحال تحقق فرضيتنا هنا، لن ينسحبا من سورية ويعترفان بالهزيمة، بل سيواصلان العمل ضد هذه الجماعات، في محاولة لمنع وقوع سورية في الخندق المعادي لهما، وهاتان الحكومتان تملكان الكثير من الأوراق، بما فيها أوراقا في عمق هذه الجماعات.

من ناحية ثانية، حكومات المعسكر المقابل، أي الخليج العربي وتركيا والغرب، يريدون إسقاط النظام، وسحب سورية لصفهم، لكن لا حكومة بينهم تريد، حفظا لمصالحها، وصول الإسلاميين الجهاديين لحكم بلد مثل سورية، بموقعها الجيوسياسي وبتأثيرها المعنوي الهائل على الإقليم بكامله. وبالتفاصيل، فالسعودية، تاريخيا، كانت تفضل، وما زالت، حكما مشابها لحكم مبارك في مصر، وحتى الأسد في سورية، ذو شكل حداثي، به بعض العلمانية، ومتحالف مع طبقة من رجال الدين المسلمين السنة الأصوليين، الذين يضمنون تأثير السعودية المعنوي في الشارع؛ أما قطر وتركيا، فقد تفضلان شكلا، مثل الذي تفضله السعودية، لكن بنكهة إخوانية أكثر قوة (وهذا موضوع خلاف أساسي مع السعودية)؛ ويمكن الجزم أن الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين سيدعمون حلفائهم الإقليميين في توجههم هذا، ولن يقبلوا، حكما، انتصارا للإسلامية القاعدية أو الشبيهة بها، في دولة عالية الأهمية، مثل سورية، تقع على خاصرة أوروبا وتركيا وشمال إسرائيل.

ما هو الخيار الثالث؟

من الناحية الدولية، فمعسكر إيران وروسيا، أصبح متأخرا كثيرا عن طرح بديل عن النظام السوري، ولذلك فإن حملاته الإعلامية، ومفاوضاته السياسية تتمحور حول أن البديل الوحيد للنظام السوري هو الإسلاميون؛ وحتى إذا أرادت روسيا التوجه لبديل، ضمن مفاوضاتها مع الجانب الأميركي، فهي تدرك أن أوراقها ضعيفة جدا خارج النظام السوري نفسه، وانجرارها لحل وسط مع الأميركيين، الذين يملكون أوراقا أقوى بكثير مع حلفائهم خارج النظام السوري، سيؤدي غالبا لخسارتها في أي بديل توافقي.

أما دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، وتركيا، فهم يريدون دعم بديل ثالث للنظام السوري ضمن توليفة ما، بين المعارضة السياسية والإسلاميين المعتدلين، لكنهم يدركون، أن ذلك مستحيل بدون تبنٍ ودعم أميركي كامل وقوي؛ والواضح منذ 2012 أن الولايات المتحدة الأميركية، لا يهمها التعجيل بالخيار الثالث، دون مرابح واضحة تعوض الجهد اللازم لمواجهة روسيا وإيران (3).

يبقى الخيار الثالث مرتبط حتميا بالشعب السوري، وقواه السياسية والنخبوية، إن استطاعت هذه القوى إتقان كيفية التخاطب مع الشارع السوري، داخل وخارج البلد، ومع الرأي العام الدولي، وأدركت بوضوح استراتيجيات الصراع الدولي على سورية. أي أنه الخيار السوري الداخلي المستقل عن الصراع الدولي، الذي يجب أن يقوم على أكتاف نخبة سياسية وثقافية وطنية جديدة، ويخاطب الشارع السوري أولا؛

هذا الخيار، الذي يبدو شكليا مثاليا، هو الخيار الوحيد المتبقي؛ لأن كل الخيارات الأخرى مرتبطة حتميا بتوصل الحكومات المتصارعة فوق سورية إلى اتفاق من نوع ما، أو مساومة، تجبر جزءاً من النظام، وجزءاً من المعارضة الديمقراطية والإسلامية على تشكيل ما يمكن تسميته “تركيبة سياسية متنافرة” ستكون خاضعة لاهتزازات الصراع المستمر بين المعسكرين المتصارعين على سورية؛ فنحن نرى مؤخرا، ما إن هدأت الأزمة الروسية التركية، حتى عادت لهجة الصدام السعودي الإيراني للتصاعد وبدعم فرنسي للموقف السعودي (مؤتمر المعارضة الإيرانية الأخير في باريس)؛ كما أن محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا ستؤدي لتعقد علاقات هذه الدول مع بعضها، خاصة مع توجه الحكومة التركية لاتهام مدبرين خارجيين “للمؤامرة”، ولن يؤدي ذلك حتى لتوافق حكومات الدول الرافضة للنظام السوري، فكيف بتوافقها مع الحلف الإيراني الروسي الصيني.

هذا الخيار يجب أن يكون مبنيا على أساس الخطاب الوطني السوري الموجه للشعب السوري، لأنه ورقة القوة الوحيدة المتبقية، ومحاولة تسريع حركة التاريخ، التي تكون عادة بطيئة، بتحقيق نوع من المصالحة الشعبية السورية تحت شعار “الدولة السورية الموحدة الديمقراطية المدنية دون أي مرجعيات دينية أو قومية”، وعلى أساس نبذ قيادات النظام السوري، الذي أودى بسورية إلى هذه الحال، وقيادات الإسلامية السياسية الجهادية المتشددة.

 

مركز حرمون للدراسات المعاصرة – وجهات نظر سياسية

المراجع:

(1)   تقرير مترجم بعنوان ” تصدير الجهاديين من روسيا” عن مجموعة الأزمات الدولية

 

 (2)  مقال للكاتب “داعش أسطورة أم واقع”، موقع بيت السلام السوري

 

(3)   راجع ورقة “السياسة الأميركية ليست في حاجة إلى حسم الأزمة السورية

 

 رابط مختصر
http://wp.me/P2RRDZ-v8