Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الانتخابات الرئاسية السورية قرار إقليمي ودولي

23/04/2014

علاء الدين الخطيب

من الواضح أن تفسيرات إصرار النظام السوري على عقد الإنتخابات الرئاسية ضمن مسرحية سوداء فوق الأرض السورية لم توصل الإنسان السوري ولا المهتم بسوريا لجواب مقنع. مؤيدي بشار الأسد يكررون نفس الكلام حول “استقلالية القرار والدولة السورية وحق الشعب”. ومشاهير المعارضين على الفضائيات يكررون ما أمَلّ الناس منذ 3 سنين حول اللاشرعية والإجرامية والديكتاتورية، ومن أراد منهم أن يتلبس “التحليل السياسي” تكلم عن اكتشافه انها رسائل تحدي للمجتمع الدولي وبالتالي يطلق النداء البائس “أواهِ، أين أنت أيها المجتمع الدولي أمام تحدي بشار لك”.

من السذاجة أن يصدق أي إنسان مدرك للعلاقات الدولية أن قرار النظام السوري مأخوذ دون موافقة واضحة من الحكومتين الإيرانية والروسية. بل وأدعي على مسؤوليتي الشخصية أنه تلقى إشارات تشجيع من بعض حكومات الإقليم والغرب. قبل 3 سنين كان يمكن أن نصدق أن النظام السوري له بعض الاستقلالية أمام حكومات الدول الأخرى. أما الآن فهذا ضرب من المستحيل لسبب بديهي هو “المال”، فلا يمكن لكل عائدات سوريا بأيام الاستقرار أن تغطي تكاليف هذه الحرب المجنونة، فكيف الحال والإقتصاد السوري منهار. هذا المال الداعم لاستمرار النظام له ثمن واضح ولا يمكن أن يكون قرار بهذا الحجم بيد النظام وإيران فقط.

الأحداث الأخيرة منذ بداية العام هي الحكم الأساسي فلنحاول ترتيبها باختصار:

1-  تفوق عسكري للنظام والمليشيا الأجنبية الموالية له واسترداد القلمون.

2-  معركة الساحل أو كما سمّاها سماسرتها “الأنفال (الغنائم)” والتي تم من خلالها: استرداد النظام لنسبة ليست قليلة من السوريين السنة ثم العلويين (كي لا يتحاذق علينا أحد بالطوائف)، بالإضافة إلى تخلصه ممن سمّيَ قائد الدفاع الوطني هلال الأسد الذي كان اغتياله رشوة للمؤيدين. طبعا بالاضافة لما حققه أردوغان كرجل صلب مدافع عن تركيا في الشارع التركي.

3-  تصاعد المشكلة الأوكرانية وفرض روسيا لإرادتها على الأوكرانيين والغرب لسنين القادمة.

4-  إعادة تشكيل الائتلاف الوطني بما يناسب قياس أحمد الجربا الذي طوبه سعود الفيصل رئيسا لسوريا.  مع عملية ترحيل لبعض المعارضين إلى الرفوف الإعلامية مثل ميشيل كيلو وبعض المجلس الوطني.

5-  عودة الإخوان المسلمين بإشراف قطري تركي لتنظيم الفصائل الموالية لهم من خلال “فيلق الشام” في مقابل جبهة زهران علوش المدارة سعوديا.

6-  غياب بندر بن سلطان من السلطة السعودية مما دفن معه توافقاته مع روسيا. وبنفس الوقت زيارة أوباما للسعودية وتعالي مؤشرات الخلافات العائلية السعودية.

7-  التسريبات (الغير مؤكدة لكن المرجحة) حول تواصل إيران مع الإخوان المسلمين وبعض المعارضين السوريين من الصف القطري.

8-  ترسخ جبهتين متصارعتين في المنطقة: تركيا وإيران وقطر ضد السعودية ومصر. طبعا مع وجود القنوات الخلفية بين الجميع كما هي عادة إدارة الصدامات السياسية.

9-  عودة موضوع القاعدة والإرهاب الاسلاموي للساحة الإعلامية الغربية بقوة وبتركيز أكثر خلال الشهور الماضية.

ضمن هذه التشابكات المصلحية داخل وخارج سوريا، يمكن الوصول للنتيجة التالية: إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا هو قرار دولي متخذ بين روسيا وإيران وبضوء أخضر من الغرب وبالتنسيق مع قطر وتركيا والسعودية. والغاية منه الوصول خلال السنوات القادمة لاتفاق يرضي هذه الأطراف كلها يكون على حساب فصل الشمال السوري بإدراة تركية قطرية سعودية (يعتمد ثقل هذه الدول على من يتفوق من قادات الفصائل الإسلاموية) وترك الباقي مع النظام السوري. (ما نقصده عندما نقول “تنسيق” لا تعني أن الوزير أو الأمير جلسا وقالا “نعم، ليفعلها”. السياسي لا يورط نفسه بتصريحات مباشرة واضحة بل تتم عادة من خلال سلسلة من الاحداث والتوافقات).

أما ما يصدر من تصريحات سياسية مؤيدة لقرار النظام السوري أو شاجبة له، فهي مجرد تصريحات إعلامية لا مصداقية لها على أرض الواقع. وأحسب أننا كأهل لهذه المنطقة قد سمعنا خلال الخمسين سنة الماضية الكثير من التصريحات المتناقضة والشكلية والتي سرعان ما تُرمى جانبا حتى لو كانت صادرة عن رئاسة أمريكا أو الأمم المتحدة، وبالواقع يكفي العودة لتصريحاتهم خلال السنين الثلاثة الماضية لندرك “دعائية” هذه التصريحات. فلندع تحليل هذه التصريحات وعبسة أوباما أو ابتسامة بوتين وأخبار الصحافة الصفراء حول “مصادر سرية” وتصريحات “مسؤولين” لهواة التحليل السياسي على شاشات الفضائيات العربية والسورية والصحف.

الموقف المطلوب من السوريين هو الابتعاد قدر الإمكان عن فلاشات وضبابيات الإعلام والمسرحيات السياسية والتمسك بالجوهر السوري الشعبي الذي يبقى هو الطريق الوحيد لنجاة ما تبقى من سوريا ومن السوريين. ما يسمى الانتخابات الرئاسية بسوريا ليس هو الحدث الأسوء أو الأفضل، وليس هو مؤشر الهزيمة أو النصر. الأهم من ذلك تمسك أهل سوريا ببلدهم وبوحدتهم ووحدة أرضهم. المشوار طويل ومليء بالمآسي لكن أهل سوريا أمام خيارين: التسليم لطاولة القمار الدولية وبالتالي لا ضمان لبقاء سوريا، أو الإصرار على خيار الوحدة السورية الشعبية، هذا الخيار يكفيه الكلمة والفكرة.

23/04/2014