Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الحصاد المرّ لأربع سنين في سوريا

الشروخ الإجتماعية والنفسية التي سرطَنت المجتمع السوري

09/07/2014

علاء الدين الخطيب

على ما يبدو أن الشيء الوحيد الذي توافقت عليه أجندة حكام النظام السوري وإيران وروسيا مع حكام السعودية وقطر وتركيا والغرب هو التوحد حول مواصفات ساحة المعركة وحدودها “لنفتت المجتمع السوري طائفيا وسياسيا وثقافيا ثم لنتحارب ونرى من ينتصر، فالشعب السوري المتوحّد لن يسمح لأي طرف منّا بالسيطرة عليه”.

rifts

المجتمع السوري كغيره من المجتمعات البشرية التي لم تغادرها الديكتاتورية منذ 2000 سنة يحمل بداخله الكثير من المشاكل والأزمات. لقد ظهرت شروخ عمودية بالمجتمع السوري مبنية على أساس المشاكل البنيوية التاريخية الموجودة لكنها تحولت من تشققات يمكن علاجها إلى شروخ عميقة قاسية تهدد مستقبل الوطن بأكثر مما يهدده عدد الضحايا الذين سقطوا للآن. هذه الشروخ تتشابه كثيرا بالمسببات والتي هي ما نعرفه جميعا من حرب أمنية عسكرية شنها النظام على الناس المعارضين له ثم ما نتج عنها من مقاومة مسلحة تحولت لحرب مافيات، ومن ضخ إعلامي متجرد من أي قيمة اخلاقية مارسه النظام وحلفاؤه وكذلك إعلام الدول التي ادعت صداقة سورية وشعبها بل وحتى الإعلام السوري الملتحف بالثورة. سنركز النداء هنا على ثلاثة شروخ نراها هي الأخطر: الشرخ السياسي، الشرخ الطائفي، الشرخ الثقافي. 

·        الشرخ السياسي، ونقصد به الخلافات بالموقف السياسي من النظام ومن الاحتجاجات عليه. تصاعدت هذه الخلافات بحدة وبسرعة بين الكثيرين من الأفراد خاصة على مستوى العائلات والصداقات بغض النظر عن الطوائف والقوميات. لدرجة أن خبر انفصال زوجين أو أصدقاء أو أخوة بسبب موقفهم السياسي أصبح أمرا متكررا يصل لمستوى الظاهرة المرضية في العلاقات الاجتماعية.

·        الشرخ الطائفي، وهو الأخطر. فالمجتمع السوري يحمل مشكلة التمييز الطائفي تاريخيا مثل غيره من مجتمعات. لكن ما حصل بسورية، وهو ما لم يحصل مع أي بلد آخر، أن جميع القوى الكبرى والإقليمية بالإضافة للنظام قرروا استغلال هذا التنوع الطائفي لفرض أجنداتهم على الشارع الموالي لهم وكذلك لتسهيل مهمة التحكم بالشعب السوري لاحقا.

أضف لذلك أن الحملات الطائفية الإعلامية مستعرة منذ نهاية التسعينات بين أموال النفط العربي والإيراني، فكانت سورية أرضا مناسبة لاستثمار ما تم تأسيسه بالشارع العربي والإيراني. فالنظام حمل شعار أنه ضامن وجود الطوائف وأن أعداءه هم الطائفيون. وبالناحية الثانية ظهرت المعارضة السورية المفروضة إعلاميا بنداءات طائفية أشد بشاعة مما صرح به النظام.

لقد انتقلت معركة النظام السعودي والإيراني بفضل ما حصل من فوضى بسهولة لشوارع سورية عبر قيادات مليشيا مافيوية طائفية. لقد أطبقت السماء والأرض على الشعب السوري لإجباره أن يتحوّل من متديّن له بعض التحفظات على المخالف له بالدين إلى حاقد وكاره لكل من يخالفه بالدين والطائفة. هذا الشرخ الطائفي هو شرخ تم حفره بقوة المال والإعلام والعنف وليس شرخا أصيلا تاريخيا في سورية. والأكثر مرارة هو سقوط الكثير من الطبقة المثقفة التي كان يُفترض أنها ستوجه البوصلة في هذا الشرخ.

·        الشرخ الثقافي، وهو نسبيا حديث الظهور. لقد بدأت إنذاراته بالتشكل من يوم صعدت أخبار النصرة والفصائل الإسلاموية وحزب الله ومليشيا النظام العراقي الممولة لأنها تحت تحكم قيادات طائفية عنفية. ثم تحولت لخطر إضافي مع الصعود الهوليوودي لداعش وخلافتها الكاذبة.

هذا الشرخ حصل بين ما يمكن تسميته بعض  طبقة “العلمانية المثقفة” وما بين غالبية المجتمع الاسلامي السني في سورية. فانتقل العديد من العلمانيين إلى موقف رمي كل اللوم على الإسلام والمسلمين مستسلمين لنظرية عنصرية تقول “كل مسلم هو مشروع إرهابي” مقابل النظرية العنصرية للإسلاموية السياسية “كل مخالف لمنهجنا مشروع كافر وعدو”.  فصعود داعش التلفزيوني أرعب الكثير من العلمانيين فأفقدهم بوصلة التفريق بين السبب والوسيلة.

ربما كان هذا الشرخ أيضا ناشئا عن رغبة غير واعية بتبرير فشل هذه الطبقة بالتواصل مع المجتمع السوري. فالطريف بالأمر أنها اتبعت منهجية الكهانة الدينية (التي تدعي أنها ضدها) بتحميل البشر مسؤولية الخطيئة والتقصير أمام الله، فطرحت هذه الطبقة أن أناس الشارع أقل كفاءة وعقلا وفكرا من أن يستوعبوا حلولهم وثقافتهم.

هذه الشروخ ليست فقط مجرد نتيجة طبيعية لاقتحام الفوضى مجتمعا كان محبوسا بقيود الديكتاتورية الأمنية لعقود، بل أيضا نتيجة لتكتيكات صراع عالمي شديد التوحش يستخدم أقوى أنواع أسلحة السيطرة على الجموع البشرية من إعلام وسلوكيات وعنف. إن إهمال هذا الزلزال بالمجتمع السوري لصالح الصراع السياسي السطحي من قبل هيئات المعارضة وطبقتها المشهورة وطبقة المثقفقين السوريين هو خطية كبرى بحق سورية ومستقبلها.

المجتمعات البشرية لا تنزل من السماء بأخلاقيات احترام النظام وقوانين المساواة البشرية والنظرة العلمية الموضوعية للواقع. هذه مهمة القوى السياسية أولا والنخبة الثقافية ثانيا. هذا المقال نداء وتحذير لمن يستطيع فعل شيء حتى لو كانت كلمة نور في هذا الظلام الحالك. إن أهم خطوة في طريق الوصول لحل في سورية هي مواجهة هذه الشروخ بالتحليل العلمي الموضوعي الواعي وبدون ذلك فلا حل سوى ما تريده السوق العالمية.

 

09/07/2014