Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الشمس لا تشرق بالنوايا الطيبة فقط

نقاش لمقال معاذ الخطيب “هل ستشرق الشمس من موسكو”

17/11/2014

علاء الدين الخطيب

أثارت زيارة السيد معاذ الخطيب لموسكو الجدل الحاد سوريا ما بين تطرفين: الأول جعل الخطيب بطلا وطنيا مقداما يفاوض الذئب بعقر داره، والثاني حول الرجل لخائن كبير للوطن والثورة. وبين طرفيْ النقيض طيف من الأراء تخللها بعض العقلانية بالنقد توافقا أو اختلافا مع الزيارة.

نشر معاذ الخطيب مقالا عنونه “هل ستشرق الشمس من موسكو” يشرح وجهة نظره، أسبابا وقناعات وتوقعات بأسلوبه الذي اعتدنا عليه: بسيط وعمومي ومشحونsun بالعاطفة.

يبتدأ الخطيب كلامه بالاعتراف بخطءٍ ارتكبه فقال (أعترفُ أني ارتكبتُ خطأ سياسياً فيما مضى، وهو ظني أن هناك دولة ما ستنقذ بلدنا!). طبعا هنا لم نفهم من هي هذه الدولة “س” التي أحسن الظن بها. من المحمود الاعتراف بالخطأ لرجل بهذه الشهرة والمكانة (وهذا فعل لم يقم به أي معارض سوري مشهور)، لكن السؤال هل قاده هذا الاعتراف بالخطأ للبحث عن أسباب وقوعه هو وغيره بهذا الخطأ في التقدير والرؤية؟

للأسف أن وصول السيد معاذ للاعتراف بخطئه كما يبدو ليس بسبب قيامه بثورة على منهجه في التحليل السياسي وخوارزمية فهمه للصراع الدولي، بل قام ببساطة كما هو واضح على انتهاء مدة انتظاره لتلك الدولة “س”. وأقول ذلك لأن السيد معاذ يعود لنفس المنهج الخاطئ في قراءة الحركة والصراع الجيوسياسي من خلال بقية مقاله الذي سنناقش أهم نقاطه.

يركز السيد معاذ على فكرة خاطئة برأيه منتشرة بكثرة وهي كما كتب “ما يشاع عن توافق دولي على تقسيم سورية!“.  وأهم تفنيد لهذه الفكرة حسب السيد معاذ هو ما سمعه من المبعوثين الأمريكي والروسي حول أن بلادهم لا تريد ولا تسعى لتقسيم سوريا، ويقرر بجملة واحدة قاطعة أن التقسيم متعارض مع مصالحهما. كما يستشهد السيد معاذ بما قاله بعض من مشاهير المعارضة والكتائب المسلحة وحتى ما قاله النظام وما يمارسه على الأرض السورية. ثم يقرر أيضا أن لا مصلحة لتركيا ولا للأردن ولا للسعودية ولا حتى للأكراد في تقسيم سوريا. ويكون جوابه أن القوة الخشنة التي تريد التقسيم هي الشركات المافياوية الشريرة القوية، والقوة الناعمة التي تساعدها هي سذاجة الرأي العام بتناقل أفكار وخرائط التقسيم.

أولا، لا يمكن لأي سياسي بناء موقفه أو رؤيته الاستراتيجية بناءً على ظاهر ما يخبره به السياسيون الآخرون خاصة بحالات الصراع الحرجة هذه. وليس أدل على ذلك بالنسبة لنا نحن العرب من قضية فلسطين: ألم يكن كلام كل رئيس أمريكي منذ 50 عاما أنهم يريدون تحقيق السلام والحل العادل في منطقة الشرق الأوسط؟ فما هي حال فلسطين اليوم؟ لا يكفي أن يقول السياسيون حتى لو كانوا بوتين وأوباما أنفسهم “أننا لا نريد ولا نسعى للتقسيم” لنبني على قولهم قناعة نخبرها للسوريين “لا تخافوا، هم لا يسعون لتقسيم سوريا”. ليس السيد معاذ الوحيد بين المعارضين السوريين المشهورين من بنى خطابه السياسي اعتمادا على ما يقوله له سياسي غربي أو عربي أو روسي أو إيراني أو تركي. لقد تعاملت معارضتنا السياسية بسذاجة مفرطة مع مصير الوطن وكأنها لا تعلم أن وظيفة السياسي الأساسية هي الكذب لتحقيق مصالح بلده.  

أنا لا أقول هنا أن هدف الروس أو الأمريكيين وحلفائهم التابعين بالمنطقة تقسيم سوريا، لكن المؤكد أن تقسيم سوريا هو احتمال وارد ضمن مساومات صراعهم المتوحش فوق الأرض السورية، وهذا التقسيم ليس كما يظن السيد معاذ ضد مصالحهم، بل قد يكون أفضل الممكن لمصالحهم. ولنقاش هذه النقطة يرجى الرجوع لمقالي على هذا الرابط (انقر هنا). 

من لا يقرأ الصراع الأكبر بين معسكر الغرب ومعسكر الصين وروسيا لا يستطيع التوصل لفهم مصالح الطرفين. وهذه هي المشكلة البنيوية الأساسية في تناول المعارضة السورية للمأساة السورية وبالتالي الفهم الذي قدمته للشارع السوري مما زاد الSlide58مأساة عمقا وقسوة. سوريا والمنطقة كلها ما زالت كما كانت أيام الحرب الباردة ساحة صراع ووسيلة حرب بين المعسكرين الأكبر بالعالم. مصالح أمريكا لا تتعارض مع استمرار المأساة السورية أو تقسيم البلد، بالعكس تماما. أما روسيا فمن مصلحتها انتهاء المأساة بسوريا وعدم التقسيم لكن تحت شرط بقاء التبعية لإيران وبالتالي لروسيا، لكن روسيا أقل قوة وخبرة من أن تفرض مصلحتها لذلك مع مرور الزمن قد تضطر للتنازل عن شرط وحدة الأرض السورية.

ثانيا، ما هو الفرق بين الشركات والعصابات الشريرة التي ذكرها السيد معاذ وبين صناع القرار سواء بأمريكا أو بروسيا أو بدول المنطقة؟ من البديهيات الواضحة أن الجسد السياسي خصوصا بأمريكا والغرب هو واجهة عمل لوبيات كبرى الشركات والمؤسسات المالية وهو متخذ القرار الاستراتيجي بالسياسة المحلية والخارجية. ولا أرى وفق أي منطق يجري السيد معاذ فصلا حاداً بين السياسة وبين الشركات؟ سوى من منطلق تفسير التاريخ بالنوايا. نعم قد لا يكون أوباما أو حتى بوتين شخصا شريرا بحد ذاته، لكنه بالنهاية هو جزء من آلة اتخاذ القرار وليس متحكما بها. هذه النظرة التي لا ترى العالم سوى “خير وشر” لا يمكنها فهم السياسة الدولية ولا التعامل معها. فقط في السماء يوجد حد فاصل واضح قاطع بين الخير والشر، أما على أرضنا فلا وجود للخير المطلق ولا للشر المطلق والحد بينهما ضبابي يعتمد على زاوية النظر والتقييم، وكان يجب على شيخ الدين أن يعلم أن الله فقط هو من يملك الرؤية الكلية ليحكم على خيرانية أو شرانية عمل ما.

يعود السيد معاذ ببقية كلامه للإغراق بالعواطف في تحليله. نعم لا بد كسوري أن تظهر عاطفتك وتطلب عاطفة الناس السوريين، لكن عندما يقول السيد معاذ (وتمنيتُ أن يكون من استلموا المِقودَ قد انتبهوا للأخطاء السابقة، وجعلتْهم مأساةُ شعبنا يُحسون بضرورة التغيير السياسي والفكري.) فهل نستنتج أن قبوله بزيارة روسيا قامت على “أمنية”؟ بالواقع كما يبدو من بقية كلامه نعم، لقد ذهب مصدقا أن ما قد يحرك الروس هو “إنسانيتهم ورؤيتهم لخطئهم”. منذ بداية الثورة لاحظنا ظاهرة غريبة عند بعض مشاهير المعارضة السورية بكل أطيافها بمن فيهم معاذ الخطيب وهي: “إن الإدارة الأمريكية والروسية وباقي الحكومات لا تدرك مصالحها وترتكب خطأ كبيرا بحق مصالحها ونحن نجتمع بهم لنبيّن لهم خطأهم!“. جميل الثقة بالنفس كشخص أو محلل أو مفكر أو مناضل، لكن من الغرور الساذج أن نصدق أن أكبر قوى عرفها التاريخ البشري تنتظر سياسياً سورياً ليشرح لها مصالحها. هذه الدول وكما أشار السيد معاذ نفسه تُقاد استراتيجيا من مراكز بحوث علمية ومؤسسات صناعة قرار تتعلم من أخطائها وتتطور مع خبرتها، لكن الغريب أن السيد معاذ يعود ليقول إنه يريد إقناع الروس بخطأ رؤيتهم لمصالحهم!

لم تتوقف روسيا وإيران عن دعوة مشاهير المعارضة السورية للقاء والتشاور منذ 2011 وكانت أحد الخطايا الأساسية للمعارضة المجلسية والائتلافية انهم رفضوا بل وخوّنوا من يفاوض روسيا وإيران. لكن هذه المرة تبدو روسيا أكثر جدية بطرحها، والسؤال هو لماذا؟ الجواب يحتاج لمقال مستقل، لكن باختصار الصدام يتصاعد بسرعة بين روسيا وبين الغرب بسبب المشكلة الأوكرانية والصين تقف بقوة لكن بصمت خلف روسيا، وبعد انتزاع زمام المبادرة أمريكيا من خلال الحرب الإعلامية الجوية على داعش تريد روسيا استعادة جزء من السيطرة على الأجواء في سوريا. وليس كما قدر السيد معاذ أن الحكومة الروسية تشعر بالشفقة على الشعب السوري.

وجوابا على تساؤل السيد معاذ ماذا كان رأي كيري بما زعم لافروف أنه سيطرحه حول سوريا. أقول له بناء على قراءة موضوعية لما يشغل الولايات المتحدة حاليا، الملف السوري موضوع ضمن الثلاجة الأمريكية حاليا، فالأهم لها أن تناقش مع روسيا والصين الاتفاقيات الاقتصادية في شرق ووسط آسيا والأزمة الأوكرانية. ولافروف طبعا يدرك هذا، لذلك لا داعي لانتظار السيد لافروف بجواب ما حاسم. الحكومة الروسية ما زالت غير قادرة على اجتراح فعل قوي من جهتها للبدء بالسير بالمأساة السورية للأمام. ربما لأنها لا تتقن مثل أمريكا التعامل مع بدائل. ومشاهير المعارضة السورية بمن فيهم السيد معاذ لم يستطيعوا تقديم رؤية واضحة وقناعة بالبديل. والسبب الأساسي أن كل المعارضة بمشاهيرها إعلاميا بمن فيهم معاذ الخطيب لم يتوجهوا للشعب السوري ليحشدوا خلفهم رأيا سوريا عاما يستخدمونه كورقة قوة أمام السياسيين الدوليين. لقد اكتفى كثير منهم وخاصة السيد معاذ بقناعة “طالما أننا نريد مصلحة سوريا فيكفي أن نكلم الشعب السوري كل ستة أو سبعة شهور ضمن الشعارات العامة والعناوين العريضة”.

أخيرا، للسيد معاذ الحق في أن موجة التخوين والتكفير التي اشتعلت ضده هي حملة خارج إطار العقلانية والوطنية ونوع من التشتيت الإضافي للشعب السوري. إن احتراف التخوين والتكفير ضمن ما يُسمى إعلام المعارضة السورية انطلاقا من ردود فعل غاضبة عاطفية أساء وساهم في تدمير الثورة السورية وما زال للأسف على نفس خط الفوضوية الشعبوية بالطرح والكلام. إلا أن الغالبية السورية بالتأكيد تسمع بعقلها ثم قلبها وتدرك الفرق بين محاولات العمل الجدي وبين العمل الإعلامي الصوتي. السيد معاذ الخطيب  أكثر المعارضين السوريين  تخاطبا  بحب  مع الأخلاقية والعقائد السورية، هو ليس فاسدا ومتاجرا بالدم السوري ولا ينتهز المأساة السورية كغيره، حتى لو اختلفنا معه بالمنهجية والعمل والخطاب.

 

17/11/2014

مقال معاذ الخطيب
http://www.alarabiya.net/ar/politics/2014/11/13/%D9%87%D9%84-%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%B3-%D9%85%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%9F.html
مقالي حول هل تقسيم سوريا غاية أم وسيلة محتملة
https://www.infosalam.com/home/articles/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AF%D9%81-%D9%87%D9%88-%D8%AA%D9%82%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%9F/

المصالح الدولية حول وفوق سوريا
https://www.infosalam.com/home/revolution/