29/05/2015

علاء الدين الخطيب

في المقابلات التلفزيونية يتم عادة بث شريط كتابي يحوي أهم جملة قالها الضيف خلال بضع دقائق. وهذه مهمة صعبة في المقابلات المباشرة وتتعرض للأخطاء. لكن في حال برنامج مسجل مسبقا يتم دراسة الحوار واختيار الجمل التي تعبر عن الأفكار الأهم وتمريرها بالشريط الكتابي وضمن المجال الزمني المناسب. وببعض الأحيان يختار معدّ البرنامج أهم فكرة أو فكرتين ويكررهما بالشريط الكتابي حتى لو كان الضيف يتكلم بموضوع آخر. فماذا فعلت الجزيرة في مقابلة الجولاني؟

أهم ما قاله الجولاني من وجهة نظر الجزيرة هو أن العلويين هم من قتلوا أهل السنة.

لقد تكلم الجولاني ببداية اللقاء لمدة عشر دقائق عن السوريين العلويين كما هو متوقع من باب التعصب الطائفي الظلامي. لكن الجزيرة انتقت خمس جمل له وظلت تكررهم من أول الحلقة إلى أخرها مهما كان الموضوع الذي يتكلم حوله الجولاني. وهذا الجمل هي:

· جملة: العلويون تسببوا بقتل ما يزيد عن مليون من أهل السنة بالشام.

· جملة: المعارك الآن انتقلت لمناطق العلويين

· جملة: أدرك العلويون الآن أن النظام الذي ثبتوه عاجز عن حمايتهم

· جملة: معركتنا لن تنتهي بالقرداحة لكن بدمشق

· جملة: القرى الشيعية التي نحاصرها هي قرى محاربة

الجزيرة مصرة على أن تبرز لمشاهدها العربي أن سبب المشكلة بسوريا هم العلويون. خاصة إذا ربطنا هذا الإصرار مع برنامج الاتجاه المعاكس خلال الشهر الماضي الذي تجاوز فيه مقدمه فيصل قاسم وضيفه ماهر شرف الدين الحدود الدنيا لأخلاقيات العمل الإعلامي وشنوا هجوما بذيئا على العلويين السوريين.

تبرئة الحكومة القطرية من تمويل النصرة:

الجمل الأقل تكرارا من السابقة تركزت على تبرئة الحكومة القطرية من تمويل النصرة ودعمها، وتبرئة النصرة من علاقتها بداعش وبالتالي القاعدة، فنرى هذه الجمل المتكررة في الشريط الكتابي خارج الموضوع الذي يتكلم به الجولاني.

· جملة: نحن لا نتلقى دعما من أحد

· جملة: جماعة الدولة هاجمونا من الخلف

الجملة التي لم تكرر سوى مرتين رغم أهميتها البالغة:

· جملة: لن نقبل بالحلول السياسية التي ترتب بالخارج وتخضع للإرادة الأمريكية.

الجملة اللافتة للنظر والتي كررتها الجزيرة مرتين:

· جملة: نحن لا نحمل نصارى الشام مسؤولية ما تقوم به أمريكا أو الأقباط مصر

الجملة الأهم التي لم تمررها الجزيرة:

· جملة: نحن ملتزمون بتوجيهات الدكتور أيمن

أما أحمد منصور. فهذه من المرات النادرة التي يعطي ضيفه فيها مساحة الكلام كما يريد الضيف بدون مقاطعة حقيقية كما يفعل مع غيره. أكثر ما ركز عليه واستخدم به قدراته الإعلامية كان حول مصادر التمويل، لقد أراد من الجولاني أن يكرر نفي تلقيهم دعما خارجيا حكوميا ليبرأ ساحة حكومة قطر أساسا. طبعا لم ينسى المذيع أن يشهد للنصرة أن السوريين في المناطق خارج سيطرة النظام الحاكم آمنون مطمئنون بل أغنياء أيضا. وأكد أن أمريكا والنظام يعاديهم هم بالذات من بين الفصائل. فمن تعاديه أمريكا وإيران وروسيا يجب أن يكون المهدي المنتظر وبطل الأبطال في اللاوعي الشعبي.

ماذا قال الجولاني

لقد أكد أن لا علاقة له بالثورة السورية وبهدف إقامة الدولة السورية على أرض سوريا. وأنه فصيل تابع تماما للقاعدة وفكرها. وأن السوريين عند جماعته إما مسلمين على مذهبه هو (غالبية السنة ليسوا على مذهبه) أو غير مسلمين فإما أن يقبلوا بما يؤمن به أو يدفعوا الجزية. وأن النصرة فقط هي الفصيل الوحيد المستقل عن الأجندات السياسية والغير مرتشي من الحكومات. وأن لا مجال لحل سياسي. ولم يشر من قريب أو بعيد لإسرائيل والجولان الذي يحمل اسمه. وأن حربه مع النظام هي حرب السنة والعلوية.

طبعا استخدم ككل السياسيين وكل شيوخ مذهبه القاعدي الكذب البواح أو ما يبررونه تحت فتوى “المعاريض”. فأي عاقل سيصدق أن جبهة النصرة تعيش على تبرعات “مسلمين أفراد”. التاريخ والواقع يقول يستحيل على أي فصيل عسكري يقاوم حكومة أو محتلا ببلد ما أن يستمر بالقتال العسكري دون دعم حكومي خارجي. وهو طبعا لجأ إلى أسلوب الدراويش “الرزق من عند الله” وكأن السماء تمطر ذهبا.

نسأل الجولاني وفق ما يدعي أنه مؤمن به: هل إذا سألك رب العزة يوم الحساب عن بريء أصابته شظية قنبلة رميتها. هل ستقول له: الحمد لله إنما كانت تقديرا وقضاء من الله عز وجل؟ ألا ترى في ذلك أنك تجيب مثل جواب أبي جهل يوم يُسأل كيف قتلت مسلما؟

معلومة على سيرة الجولاني. في 2003 من أرسل الجولاني وغيره إلى مجموعة الزرقاوي القاعدية وسلحهم وأمدهم بالمال كان المخابرات الجوية السورية التابعة للنظام السوري.

ماذا قال النظام السوري

لن يحلم النظام السوري بأكثر من هذا الدعم الهائل من قبل الجولاني والجزيرة لتوزيع صورته في سوريا والعالم أنه العاقل الوحيد بين مجموعة قوى تبحث فقط عن قتل من يخالفها أو تحصيل ضريبة الإذلال. لقد اقتنع العالم لفترة سنتين أن النظام السوري هو نظام ديكتاتوري فاشي ارتكب مجازر هائلة بحق شعبه. لكن ما يسوقه الجولاني وصحبه كل فترة يعيد الأمل للنظام بالاستمرار وربما بتحقيق بعض الانتصارات.

وحتى داخليا وبين السوريين، فرافضو النصرة هم غالبية من السنة السوريين. لأن أهل سوريا لم يستطيعوا يوما تقبل أي فكر ظلامي متعصب مثل الفكر الذي يحمله الجولاني والقاعدة. وليس من دليل أكبر من أن لاجئي سوريا المقيمين بالمخيمات التركية لم يتحركوا بعد للعودة لجنة الجولاني التي زكاها أحمد منصور عدة مرات خلال الحلقة.

هل الشريط الكتابي مشكلة

أقل من قرأ ولاحظ الشريط الكتابي الذي بثته الجزيرة هم السوريون. لكن هذا الشريط ليس موجها لهم وهم قد تعبوا من معارك الطوائف والقتل اليومي. من يقرأ هذا الشريط هو الجمهور العربي الذي لا يعرف سوريا والذي يتم حشده لحساب حروب قادمة مجنونة تحت شعارات طائفية قذرة في صراع النفط الإيراني والنفط العربي. هذه التفاصيل الإعلامية لا يلحظها المتابع العادي لكنها تدخل فكره ووجدانه بتأثير الإعلام. وخبرة الجزيرة المهنية وتقنياتها لا تناسب درْوشة الحالة والقول إنها مجرد صدفة من معد البرنامج.

29/05/2015