Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

التدخل العسكري البري في سوريا بروباغندا إعلامية

10/02/2016

علاء الدين الخطيب

تتناقل المواقع العربية الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي عشرات الأخبار اليومية عن حلف “إسلامي” تقوده السعودية مع تركيا ودولا أخرى للتدخل بريا عبر الحدود التركية السورية بهدف القضاء على داعش. وتتنوع الأرقام التي لا تقل عن 150000 جندي مع تنوعات في العتاد يصل لعشرات الألاف من المركبات والمدرعات. تلاقي هذه الأخبار انتشارا واسعا لأنها تلامس مشاعر السوريين والشارع العربي سواء كانوا مع أو ضد. فقد تربى شارعنا على أوهام منذ 70 سنة وكل زعيم عربي أو إسلامي يلهب مشاعر الناس “تخيلوا 300 مليون عربي أو 1000 مليون مسلم ماذا يفعلون لو نظموا جيشا ليس فقط ليحرر فلسطين بل أيضا ليستعيد “الأندلس” السليبة”.

هل فعلا يمكن لمثل هذا التدخل البري العسكري السعودي التركي مع آخرين أن يحصل وبهذه الأرقام الهائلة؟ لنناقش الوقائع الموضوعية العسكرية والسياسية:

أولا، من الناحية التقنية العسكرية:

1-    حشد ما يزيد عن مئة وخمسين ألف عسكري نظامي مع كامل عتادهم كما يُشاع عملية عسكرية ضخمة ومعقدة ولا تتم خلال أيام وأسابيع.

2-    الدول المزعوم مشاركتها لا تملك خبرة سابقة في العمل العسكري المشترك فيما بينهم وخاصة السعودية وتركيا.

3-    من سيدفع تكاليف هذه الحملة العسكرية الهائلة؟ السعودية ودول الخليج تعاني الكثير منذ سنة بسبب انخفاض أسعار النفط. حسب دراسة لهوستون كرونيكل  Houston Chronicle بلغت تكلفة الجندي بحرب العراق عام 2005 حوالي 400000 دولار بالسنة. بافتراض أن الجندي الأمريكي يكلف أكثر من غيره وبفرض أن تكلفة الجندي بهذه الحالة تصل فقط لربع أو ثمن ما كلفه الأمريكي فيمكن للقارئ إجراء حساب تخميني للتكلفة. طبعا لا ننسى أن تكلفة الحرب في اليمن في أقل التقديرات تصل إلى 170 مليون دولار شهرياً.

4-    من أين سيتم تجميع 150000 جندي؟ تعداد الجيش السعودي يصل إلى 240000 جندي، ما يقارب 150000 جندي منهم منتشرون على حدود اليمن، فماذا تبقى لكي تستطيع السعودية إرساله إلى سوريا؟ هل تستطيع السعودية تحمل تشتيت جيشها ما بين اليمن وسوريا في نفس الوقت؟

تركيا لم تقل يوما أنها بوارد التدخل العسكري الحقيقي في سوريا، أي أنها لا يمكن أن تتحمل أن تكون هي المكون الأساسي لهذه القوة المفترضة.

الخيار الأخير هو تجميع عدة آلاف من هذه الدولة ومن تلك. وهذا طبعا خيار غير عملي ففي حرب اليمن التي استخدمت بها السعودية كل ثقلها وعلاقاتها لم تسISISتطيع تجميع سوى بضعة آلاف من الجنود الغير سعوديين.

5-    من سيقدم التغطية العسكرية الجوية للقوات الأرضية؟ تقنيا لا تستطيع تركيا ولا السعودية وضع غطاء جوي كافي من دون الناتو، خاصة بوجود العمليات العسكرية الروسية الجوية الكثيفة. هذا السؤال يقودنا لمناقشة الواقع السياسي.

ثانيا، من الناحية السياسية:

قد يقال إن الصعوبات التقنية السابقة قابلة للمعالجة وإيجاد الحلول إذا وُجدت الإرادة السياسية، لذلك نناقش هنا العوائق الأهم أمام هذا التدخل العسكري وهي العوائق السياسية.

1-    لقد أعلنت الإدارة الأمريكية بشكل واضح وقاطع أنها لن تصطدم عسكريا بالروس في سوريا. وبالتالي لن تقدم غطاءّ جويا لأية قوات أرضية قد تصطدم حكما مع القوات الروسية بسبب اختلاف الأهداف. لقد رحبت الإدارة الأمريكية رسميا بعرض السعودية للمشاركة بحرب برية ضد داعش، لكن هذا الترحيب واضح أنه “للمشاركة” وليس “للمبادرة المستقلة”. المشاركة تعني أن تتم العملية العسكرية بقيادة أمريكية وفق خطتها التي تتبعها منذ بدأت حملتها الجوية في سوريا: ضرب داعش في شرق وشمال شرق سوريا ودعم الوحدات الكردية دون الوصول لحلب أو إدلب. وهذه الأجندة كما هو واضح تتعارض مع هدف تركيا بما يخص الأكراد ومع هدف السعودية بدعم بقية الفصائل المعارضة التي تخوض حربا مع القوات الروسية وقوات النظام السوري.

من ناحية ثانية، لم تبد أي حكومة أوروبية ترحيبا بتدخل عسكري سعودي تركي في سوريا. بالعكس يسود جو عند الرأي العام الأوروبي برفض التدخل العسكري في سوريا وخاصة إذا حمل مخاطر الصدام مع روسيا.

2-    إذا أي تدخل عسكري يجب أن يتم بالتنسيق مع روسيا لتجنب أي صدام بين الناتو وروسيا. والسؤال هنا: هل فعلا نصدق أن الحكومة الروسية سترحب بتدخل عسكري من قبل السعودية وتركيا.

3-    نقل أعداد ضخمة من الجنود من بلد لبلد حتى لو كان لإجراء مناورات عسكرية وليس خوض حروب يحتاج لعلاقات ثقة وتحالف طويلة بين هذه البلدان. ومن المعروف أن تحسن العلاقات السعودية التركية بدأ فقط منذ أقل من سنة بعد تنافر كبير وحرب إعلامية طويلة. علاقة الثقة بين الدول لا يمكن بنائها فقط بمصافحة الزعماء لبعضهم. هو تراكم لتشارك سياسي واقتصادي يحتاج سنوات. من ناحية ثانية، علاقات مصر بتركيا المتوترة بشكل متصاعد منذ قدوم السيسي لا يمكن أن تسمح بدخول الجيش المصري لتركيا، عدا عن أن مصر أميّل للموقف الروسي في سوريا.

والسؤال الأهم في هذا المجال: هل تثق الحكومة التركية بما يكفي بالحكومة السعودية للسماح بإدخال ما يزيد عن 50000 مقاتل سعودي وغير سعودي لكن بقيادة سعودية إلى أراضيها (بفرض أن تركيا قدمت 100000 جندي من طرفها)؟ هذا لم يحصل تاريخيا سوى بحالة تعرض البلد لهجوم خارجي كاسح مثلما كان الحال بحرب تحرير الكويت. وطبعا نحن هنا لا نتكلم عن القبول الشعبي التركي لقوات أجنبية بهذه الأعداد على أراضيه من أجل قضية لا يراها مهمة بالنسبة له.

4-    من المعروف أن أهم الهواجس التركية يتمحور حول القضية الكردية. وعلى ما يبدو أن الأتراك لم ولن يصلوا لتوافق مع الأمريكيين ولا مع الروس بما يخص الأكراد السوريين. فإن قبلت تركيا المشاركة فسيكون هدفها الأول هو إضعاف الحركة الكردية بالشمال السوري وهو ما يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية حكما. صحيح أن تركيا دولة قوية عسكريا ومهمة ضمن حلف الناتو لكنها لا يمكنها التصادم عسكريا مع أحد أعضائه. إذا قبل الوصول لتفاهم أمريكي تركي حول الأكراد في شمال سوريا فلا يمكن لتركيا التحرك أبدا.

ضمن نفس المعضلة التركية، هل تركيا مستعدة لتحمّل تبعات الرد عليها من قبل روسيا والنظام السوري وربما الحكومة الإيرانية بدعم الأكراد ضمن الحدود التركية وخلق جبهة عسكرية داخلية؟

5-    بافتراض أن الحكومة السعودية مستعدة للتقدم للأمام والمجازفة بمواجهة عسكرية مباشرة مع إيران وهذا طبعا نتيجة طبيعية لأي تدخل عسكري بري كبير ضمن سوريا، هل من مصلحة تركيا أن تدخل بمواجهة مباشرة عسكرية مع شريكها التجاري الكبير إيران والذي يقاربها قوة عسكرية، خاصة مع تصاعد أزمتها مع روسيا والنتائج الكارثية على اقتصادها؟

6-    لنعد للسؤال الأساسي: ما هي المصلحة الاستراتيجية للحكومة السعودية بتحمل هذا التدخل العسكري الكبير دون تبنٍ كامل من الناتو؟ طبعا الإعلام العربي خلق مئات الأجوبة التي تنافق الحكومة السعودية تشبه ما كان يُقال عمن سمّوا أنفسهم “مناضلي الممانعة والمقاومة”. لكن لنجب على هذا السؤال خارج هذه الأطر الشعبوية.

من ناحية الهدف المعلن حول قتال داعش. لا تشكل بالواقع هذه المليشيا خطر حقيقي على السعودية يستدعي شنّ حرب من أجله. فهي بعيدة جغرافيا عنها والضربات الجوية الأمريكية وحتى الروسية كفيلة بإبقاء هذه المليشيا متركزة بالشمال السوري وبعض الوسط.

من الناحية التقنية. الأزمة اليمنية تشكل تهديدا مباشرا على السعودية لأنها على حدودها. مع ذلك لم تقع السعودية بالفخ الإيراني ولم تتدخل بريا. لأنها تعلم أن أي تدخل بري سيكون حرب استنزاف طويلة مرهقة وغير مضمونة. الحكومة السعودية تعلم تماما أن الضربات الجوية باليمن لا تكفي لإنهاء الأزمة لكنها تكفي للتحكم بحجمها وتمددها، تماما مثلما يمارس الأمريكيون ضرباتهم الجوية ضد داعش في سوريا. فليس من المعقول أن تحجم السعودية عن زج جيشها في اليمن وترسله لحرب مفتوحة في سوريا أمام أعداء أكثر وبدون غطاء غربي كاف.

7-    السؤال الأهم حول كل ما سبق. ما هو القرار الأمريكي؟ لن نطيل الكلام هنا، لكن الإدارة الأمريكية كانت واضحة منذ 4 سنوات أن لا تدخل عسكريا حاسما من قبلها أو من قبل الناتو في سوريا. وبالعكس تماما إن استنزاف روسيا والدول الإقليمية في سوريا يبقيها الأقوى الذي يحتاجه الجميع دون أن تخسر شيئاً. (يمكن العودة لهذه المقالات على هذا الموقع حول الموقف الأمريكي 1, 2، 3).

 

النتيجة

لن يحصل تدخل عسكري بري واسع من قبل أي جهة خارجية في سوريا. ما قد يحصل هو تدخل محدود تركي لمعالجة القضية الكردية من وجهة نظر تركية. وربما -وباحتمال قليل جدا- إرسال بضعة آلاف من الجنود الذين يمكن أن يضموا سعوديين وعربا إلى منطقة الجزيرة السورية حصرا. بالإضافة لاحتمال دعم الحدود الأردنية مع سوريا لضمان عدم تسرب أيا من شظايا الحرب على سوريا إلى الأردن الذي يشكل الآن درعا وقائيا للسعودية.

 

10/02/2016