Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

ما هي الديمقراطية؟

15/10/2016

عن شبكة جيرون

علاء الدين الخطيب

أشرت بمقالي السابق “الدولة الديمقراطية العلمانية ضرورة وليست خيارا” (1) إلى أن الواقع الدولي يؤكد إحصائيا أن الدول القوية المستقرة نسبيا والمؤهلة لمزيد من التقدم هي فقط الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي العلماني، مهما اختلفت المقارنات النسبية بينها. في هذا المقال، وهو الجزء الثالث من سلسلة “شكل سوريا المستقبلي هو بداية الحل” (2)، قبل المتابعة في النقاش لا بد من إيراد تعريف مبسط للديمقراطية والعلمانية المقصودة ضمن هذه السلسلة، سنكتفي بهذا المقال بإيراد تعريف وشرح مبسط للديمقراطية، على أن يليه مقال خاص بالعلمانية.

ما هي الديمقراطية؟

 

وفق جامعة أوكسفورد الديمقراطية نظام سياسي يسمح للمواطنين بالمشاركة في صنع القرار السياسي أو انتخاب ممثلين في الهيئات الحكومية.

وحسب الموسوعة البريطانية، الديمقراطية شكل الحكم الذي تُمنح فيه السلطة العليا للشعب ويمارسها بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا الحكم إما أن يتم من خلال نظام تمثيل يتضمن عادة انتخابات حرة دورية. في الديمقراطية المباشرة ، يشارك الجمهور في الحكومة بشكل مباشر (كما هو الحال في بعض دول المدن اليونانية القديمة ، وبعض اجتماعات مدينة نيو إنجلاند ، وبعض الكانتونات في سويسرا الحديثة). معظم الديمقراطيات اليوم تمثيلية.

للديمقراطية تعاريف ومفهوم عام سائد، لكن لا بد من إعادة صياغته بشكل واضح محدد وبسيط، ولن نتطرق هنا للتعاريف الأكاديمية وخلافاتها التنظيرية الكثيرة، بقدر ما يهمنا الوصول لفهم عام يعكس التطبيق في الدول الديمقراطية وينسجم مع التعريفات الأكثر انتشاراً، ويخدم النقاش حول شكل الدولة الحديثة، ولعل ما أوردته الأمم المتحدة بوثائقها الرسمية يشكل التعبير الأكثر شمولية ووضوحا.

ووفق وثائق الأمم المتحدة، والتي لا تدافع عن نموذج محدد للحكومة، ولكنها تروج للحكم الديمقراطي كمجموعة من القيم والمبادئ التي يجب اتباعها من أجل مشاركة أكبر ومساواة وأمن وتنمية بشرية. وتوفر الديمقراطية بيئة تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويتم فيها ممارسة إرادة الشعب التي يعبر عنها بحرية، فان للناس رأي في القرارات ويمكنهم محاسبة صناع القرار، وان للنساء والرجال حقوق متساوية وجميع الناس في مأمن من التمييز.

يمكن تعريف الديمقراطية وفق ثلاث مكونات مترابطة:

المكون الأول يتضمن أن الديمقراطية ثقافة وقناعة قبل أن تكون قوانين وممارسة، فهي الإيمان بحق الإنسان في اتخاذ قراراته الشخصية بما لا يتعارض مع النظام والقانون الحاكم للمجتمع، ولا يلغي أيضا حق الأفراد حوله في اتخاذ قراراتهم الشخصية؛ وعلى المستوى المجتمعي هي الإيمان بحق الإنسان \المواطن في المشاركة باتخاذ القرارات على مستوى المجتمع والمؤسسة من خلال الانتخاب والتصويت، وبما لا يتعارض مع الأسس الدستورية العليا.

المكون الثاني تصبح الديمقراطية ممارسة يومية من خلال النقاش مع الآخرين، اعتمادا على حق الآخر بالتعبير عن رأيه، ومن خلال الممارسة الشخصية والمهنية.

المكون الثالث فمن خلاله تتم ممارسة الديمقراطية من خلال آليات التصويت والاقتراع، وهو المكون الأكثر شهرة للديمقراطية. ضمن هذا التعريف قد يظهر بعض التداخل مع مفهوم الحرية، وهذا حتمي لأن الديمقراطية هي الإطار المحدد للحرية.

من المهم تخليص الديمقراطية من مفهوم عام سائد، حتى لو أيده كثير من المنظرين، بأنها فقط عملية التصويت والانتخاب، فثقافة الديمقراطية أهم من صناديق الانتخاب، مثلما أن إتقان قيادة السيارة ومعرفة قوانين المرور أهم من رخصة القيادة، فمن الممكن بطرق ملتوية الحصول على رخصة القيادة دون معرفة بإشارات المرور، كذلك يمكن أن تجري عملية انتخاب، لكنها ليست بالضرورة ديمقراطية، كأن يتم خداع الرأي العام، أو أن تتم عملية التصويت تحت ضغط الخوف من عدو أو خطر وهمي؛ مثلما حصل بمصر بعد ثورة عام 2011 يوم تم خداع الرأي العام تحت شعار أن “الإسلام هو الحل”، أو كما تم استغلال مشاعر الخوف من القاعدة في الانتخابات الأميركية عام 2004 وبالتالي انتخاب جورج بوش.

شروط تحقيق الديمقراطية

شفافية المعرفة والمعلومات،

عدالة توزيع مصادر القوة؛ حماية الأفراد والجماعات من الضغوط المعنوية والنفسية. 

شفافية المعرفة والمعلومات ترتقي بالديمقراطية لتكون ممارسة ضامنة للمصلحة العامة والفردية، وهو شرط نسبي التحقق، وبعيد عن الكمال بواقعنا البشري. فوجود حرية الاختيار بين المتاح أمام الإنسان، لا يعني بالضرورة أن الاختيار صحيح، إلا إذا علم الإنسان ما يكفي عن هذه الخيارات. ففي مثالينا السابقين، الناس حرة في أن تختار، لكنها مرة تعرضت للخداع بابتزاز العاطفة الدينية، ومرة بابتزاز مشاعر الخوف الطبيعية الغير الواعية؛ عدالة توزيع القوة تضمن  حق المكونات الاجتماعية والسياسية والبشرية بالوصول لمصادر القوة المادية والإعلامية والسياسية بشكل عادل، مما يعطي الممارسة الديمقراطية حصانة من استغلال المكونات الاجتماعية الأقوى للنظام.

الديمقراطية تبدأ عند علاقة الفرد بعائلته وشريكه وأصدقائه وزملائه، وتنتهي بانتخاب الحاكم والمجلس النيابي أو المجلس الإداري، فلكي تثمر الديمقراطية في مجتمع ما، يجب أن تسود قناعات أساسية بسيادة كل مبادئ حقوق الإنسان كما صاغتها الشرعة الدولية، هذا التكامل في ثقافة وممارسة الديمقراطية هو الذي يحمي الديمقراطية وبالتالي مؤسسة الدولة، ويحمي المجتمع من الانزلاق إلى الفوضى، ومن التحول لمجموعة قطيعية سهلة الانسياق خلف الصراع السياسي على السلطة.

أسس الديمقراطية حسب الأمم المتحدة

 أوصت لجنة حقوق الإنسان في عام 2000 بمجموعة من التدابير التشريعية والمؤسسية والعملية الهامة من أجل دعم الديمقراطية، وفي عام 2002، أعلنت اللجنة المبادئ التالية بوصفها من العناصر الأساسية للديمقراطية:

  • احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية
  • حرية الانضمام للجمعيات
  • حرية التعبير والرأي
  • إمكانية الوصول إلى السلطة وممارستها في إطار سيادة القانون
  • تنظيم انتخابات دورية حرة نزيهة على أساس الاقتراع العام والتصويت السري تعبيراً عن إرادة الشعب
  • إيجاد نظام لتعددية الأحزاب السياسية والمنظمات
  • الفصل بين السلطات
  • استقلال القضاء
  • توفير الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة
  • تهيئة وسائط للإعلام تتسم بالحرية والاستقلال والتعددية

خطر ديكتاتورية الأكثرية

المفهوم الشائع للديمقراطية هو، أن القرار النهائي هو قرار الأكثرية، وهذا صحيح بالمعنى النسبي لكن ليس بالمعنى المطلق، كي لا تقع الديمقراطية في فخ ديكتاتورية الأكثرية؛ فليس أي قرار تتوافق عليه الأكثرية يسير بالضرورة لمصلحة المجتمع الإنساني ويحافظ على حقوق الإنسان الأساسية. المعيار الحكم بين الديمقراطية وديكتاتورية الأكثرية هو حقوق الإنسان والعدل، فلا يحق للأكثرية اتخاذ قرار يناقض حقوق الإنسان أو يظلم أفرادا أو جماعات. فلنأخذ مثالين لتوضيح الفكرة: الأول من الدول الغربية الديمقراطية، فلو تم مثلا طرح قانون يخفض لحد كبير، أو يلغي الضرائب العائدة للضمان الاجتماعي، سيكون من المحتمل أن تصوت الأكثرية لصالحه، لأن الأكثرية تعمل وتنتج وتعيش حياتها دون الحاجة للاستفادة من هذا الضمان، فلو حصل ذلك، ستفقد أقلية من المجتمع، لا تتجاوز ال15% في هذه المجتمعات، حقها الإنساني الأساسي بالمسكن والمأكل والرعاية الصحية، أي بالحياة الإنسانية الكريمة بحدها الأدنى، لذلك لا يمكن لنظام الضمان الاجتماعي أن يكون قابلا للتصويت بهذه الطريقة؛ المثال الثاني من مجتمعاتنا ولنتكلم عن سوريا، فلو افترضنا أننا طرحنا قانونا ينص على أن المناصب السيادية بالدولة والجيش يجب أن تكون فقط من حق الأكثرية العربية المسلمة، عندها قد يكون من المحتمل أن تصوت الغالبية لصالح ذلك القانون، لكن هذا القانون سيتعارض مع حق الإنسان المتعلق بعدالة الفرص، وسيتعارض مع مفهوم المواطنة؛ أو إذا صوتت الغالبية المسلمة على فرض حدود معينة للباس، وخاصة لباس المرآة، عندها سيكون ذلك مناقضا لحق الإنسان بحرية السلوك الشخصي. 

إذا الديمقراطية تقوم على حامل أساسي هو ثقافة وقيم الديمقراطية الأساسية، ويتم تنفيذها عبر آليات التصويت عبر كل مكونات المجتمع من الأسرة وصولا للدولة؛ هذا النظام بحاجة لمؤسسات وقوانين تحميه وتراقبه وتعمل على تطويره، ومهمة الدولة كمؤسسة حاضنة لكل مؤسسات المجتمع حماية الديمقراطية وليس حكم المجتمع.

هل نحن مؤهلون للديمقراطية؟

يُقال كثيرا  أن شعوبنا ليست مؤهلة للديمقراطية، وتأتي هذه المقولة غالبا بالمقارنة مع المجتمعات الديمقراطية الغربية؛ نقد هذه المقولة يحتاج لبحوث مطوّلة، لكن يمكننا اختصار نقد هذه المقولة ببضعة نقاط أساسية:

أولا، الديمقراطية هي حاجة طبيعية إنسانية، ناتجة عن حاجة الإنسان الطبيعية للحرية، فكما أسلفنا الديمقراطية هي الإطار المحدد للحرية ومستلزم أساسي لها.

ثانيا، الإنسان لا يولد مؤمنا بالديمقراطية والتعاون الاجتماعي، إنها خبرات يكتسبها الإنسان أثناء نموه ضمن بيئته الاجتماعية، فالشعوب الغربية لم تولد محترفة للديمقراطية، بل تعلمتها ضمن مؤسسات المجتمع.

ثالثا، من الثابت أن الشعوب الغربية احتاجت لحوالي القرنين من الزمن، مليئان بالمآسي والدماء، للوصول لهذه المرحلة المتقدمة في ممارسة الديمقراطية، لكن هذه التجربة التاريخية ليست قدرا حتميا على أي شعب يريد الوصول للديمقراطية، لسبب أساسي واضح، لكن مُستبعد ضمن الفكر العربي، هو أن آليات التواصل بين البشر في القرن 18 لا يمكن مقارنتها بعالمنا الحالي وقد حولته شبكات الاتصال لقرية صغيرة (1)؛ كما أن هناك براهين واضحة من تجارب شعوب أخرى تعلمت الديمقراطية من التجربة الغربية دون الحاجة للمرور ضمن نفس طريق الآلام الغربي، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وماليزيا وغيرهم، وبعضهم يتعلم الآن بشكل أسرع مثل شعوب الاتحاد السوفيتي السابق والصين. طبعا، قد لا توافق هذه المقارنات بعض المصابين بعصاب احتقار الذات في هذه المنطقة، ممن يسِمون شعوبنا بأنها بالحالة الأسوأ عقليا وثقافيا، لكن ليس هذا مجال نقاشنا اليوم.

رابعا، لقد أثبتت الهجرات الكبيرة لأبناء هذه المنطقة إلى الغرب، أن تكيفهم مع النظام الديمقراطي، وتقبلهم وممارستهم له، عملية ممكنة وسريعة إذا توفرت البنية الصحيحة للنظام الديمقراطي.

الخاتمة

ما سبق يؤكد أن الديمقراطية هي ضامن نشوء الدولة السورية الوطنية واستمرارها، ويضاف لذلك، أن الثورة السورية في عام 2011 كانت التعبير الأقوى عن الحاجة المترسخة في المجتمع السوري طلبا للديمقراطية؛ ورغم أن هذه الثورة تم قمعها من قبل النظام الأسدي وحلفائه، وجرت عملية سرقة منظمة لها من قبل قادات الفصائل الإسلامية الجهادية تحت راية السنة، وقام الطرفان السابقان معا بتشتيت الشعب السوري عاطفيا خدمة للصراع الدولي فوق سوريا، إلا أن مجرد انبعاثها يؤكد حقيقة أن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الشعب والدولة السورية؛ فمن المستحيل أن يتقبل السوريون نظاما ديكتاتوريا عسكريا مخابراتيا مثل نظام الأسد، ولا نظاما ديكتاتوريا إسلاميا مثلما يطرح الإسلام السياسي بغالبيته، ولا حتى نظاما ديكتاتوريا علمانيا (3)؛ إن الديمقراطية في سوريا متوازية مع العلمانية هي الشكل الوحيد الممكن للدولة السورية.

 

 

المراجع

 

للمزيد يمكن مشاهدة هذا الفيديو على اليوتيوب: ما هي الديمقراطية؟ ح2-سلسلة الدولة الديمقراطية العلمانية وحقوق الانسان كحل وحيد

 الدولة الديمقراطية العلمانية ضرورة وليست خيارًا”

 

 “شكل سورية المقبل هو بداية الحل”

الجزء الرابع: ما هي العلمانية؟

 

 هل سورية بين خيارين فقط: النظام أو الإسلاميون؟”