Fri. Apr 19th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

هل تكفي الحقوق والمشاعر لاستقلال كوردستان؟

 17/09/2017

علاء الدين الخطيب

عن موقع الاتحاد برس.

هذا المقال يعتمد على دراسة موسعة عن استفتاء الاستقلال المزمع أجراؤه في كوردستان العراق خلال الأيام القادمة، الدراسة منشورة في مركز أسبار للدراسات والبحوث وفق الرابط الوارد بنهاية المقال (المرجع 1).

 

لإقليم كوردستان أهمية كبيرة اقتصادية وسياسية وجغرافية، في منطقة تعتبر من الأهم والأكثر توترا وتخمة بالنزاعات والحروب، وبالأعراق والأديان والطوائف، والمسيّرة من قبل مصالح سياسية. فالإقليم يستقر فوق منابع نفطية وغازية طبيعية تجعله أغنى من بعض دول منظمة أوبك، وتحت سمائه يعيش أكثر من خمسة ملايين إنسان، غالبيتهم من الكورد. وتاريخ هذا الإقليم معروف على الأقل منذ إعلانه كإقليم ذي إدارة ذاتية ضمن العراق بعد حرب تحرير الكويت.

حقق الإقليم ازدهارا اقتصاديا ملحوظا، حتى العام 2015، بسبب فورة أسعار النفط، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، والمنهج السياسي التصالحي لقيادته مع الجوار الجغرافي، فأصبحت تركيا وإيران من أهم شركائه التجاريين. كذلك حقق الإقليم تقدما سياسيا داخليا، في وضع أسس الديمقراطية ضمن العراق لأول مرة تاريخيا، وكذلك أنشأ شبكة علاقات سياسية دولية جيدة.

لكن بعد الهبوط المفاجئ لأسعار النفط في نهاية العام 2014، تبين أن السياسة الاقتصادية للإقليم لم تحسب حسابها لمواجهة مثل هذه الأحداث، التي عادة يجب أن تكون ضمن رؤية الدولة، فأدى هذا الانهيار في أسعار النفط إلى انهيار في الحركة الاقتصادية في الإقليم، ثم جاءت مشاكل داعش وتوسعها المفاجئ باتجاه الإقليم ليزيد مشاكل الإقليم تعقيدا وصعوبة.

 رغم نجاح مقاتلي البشمركة الكورد رد داعش في العراق، بدعم عسكري وسياسي قوي من قبل الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه بالمحصلة، دخل الإقليم العام 2017 منهكا اقتصاديا، مع مديونية كبيرة لشركات النفط، وارتفاع في نسبة من هم دون خط الفقر من 3% في العام 2013 إلى 12% في العام 2016، بالإضافة لتقييمات دولية حول عمق مشكلة الفساد في الإقليم، فهو نسبيا أفضل حالا من بقية العراق وفق مؤشرات الفساد، لكنه بحالة سيئة مقارنة بدول أخرى إقليمية.

والأهم من ذلك أن التجاذب بين الحزبين الكبيرين السياسيين المسيطرين تاريخيا على الإقليم ما بين السليمانية وأربيل، أي ما بين الزعيمين التاريخيين مسعود البارزاني وجلال الطالباني، لم يتراجع بل ازداد، إلى درجة وجود ما يشبه مخافر الحدود بين الطرفين. وهذا ما أساء للديمقراطية الجيدة نسبيا ضمن معدلات دول المنطقة وحدّ من قدرتها على تأسيس بنية إدارية تنظيمية قوية متماسكة وواعية تستطيع تحمل مسؤولية قيام دولة.

استفتاء الاستقلال

لم تبد أي دولة دعمها الواضح والصريح لإجراء الاستفتاء، وخاصة في هذا التاريخ، سوى إسرائيل التي لن يؤثر موقفها بشيء. بل إن العديد من الحكومات، وخاصة الغربية، أعلنت أنها تفضل تأجيل الموعد ومناقشة هذا الموضوع بهدوء ضمن مباحثات ديبلوماسية. طبعا حكومة بغداد عارضت الاستفتاء تماما، واعتبرته غير دستوري؛ لكن الأهم هو موقف الحكومتين التركية والإيرانية، فالاثنتان أعلنتا رفضهما للاستفتاء، وأطلقتا التهديدات المباشرة وغير المباشرة. الموقف الروسي كان أيضا سلبيا من الإعلان، وهو موقف متوقع من دولة تخشى المشاكل القومية والعرقية العميقة داخل روسيا الاتحادية، في جمهوريات القوقاز، وعلى تخوم حدودها الجنوبية، وكذلك فلروسيا مصالح استراتيجية مع إيران ومع تركيا، ولن تضحي بهما أمام إعلان استقلال كوردستان.

كذلك فالولايات المتحدة الأميركية، ورغم كل مشاكلها مع تركيا، لا يمكنها المغامرة بدعم قوي للاستقلال ضد المصالح التركية، فتركيا تبقى حليفا استراتيجيا أساسيا منذ 70 سنة، وثاني أكبر جيش عددا في حلف الناتو، وأكثرهم قربا وقوة من روسيا ووسط آسيا. فالإدارة الأميركية قد تختلف في التفاصيل والتكتيكات مع الأتراك، وهم قد يفعلون مع الأميركيين، لكن حاجة الطرفين لبعضهما لا يمكن تعويضها بأي شكل (المرجع رقم 2).

الدولة الوحيدة ذات الوزن التي يمكن أن تحاول تقديم دعم غير علني هي السعودية، لكن لغايات مستقلة عن الموقف الأخلاقي، فمن خلال كوردستان يمكنها موازنة التغوّل الإيراني في بقية العراق، وامتلاك حليف مهم على حدود إيران؛ لكنها تبقى محكومة بمبدأ عدم مساعدة أي انفصال في المنطقة، خوفا من استشراء العدوى لبقية الدول، وقد كان لها من الأزمات ما يكفي، بعد انتشار عدوى الثورات العربية ضد الحكم الديكتاتوري.

ضمن الدراسة المشار إليها، تم تحليل عدة سيناريوهات ممكنة للمستقبل بالتفصيل، لكن سأشير هنا للسيناريو الذي أراه أكثر احتمالا وقوة، فيما لو تم إجراء الاستفتاء في موعده المقرر، ونال إعلان الاستقلال نسبة الغالبية كما هو متوقع. وفق هذه الفرضية، ستتدخل عدة مبادرات سياسية دولية لتأجيل تطبيق نتائج الاستفتاء، لكن فيما لو أصر الرئيس البارزاني على تطبيقها كما صرح عدة مرات، فما هو السيناريو المتوقع؟ لن تتحرك إيران أو تركيا عسكريا، كما لوحت إيران إعلاميا، لكن من المحتمل أن تحرك إيران بعض الفصائل العسكرية العراقية، لتثير على الأقل القلاقل والمشاكل على حدود إقليم كوردستان، إن لم يتحرك الجيش العراقي نفسه، وطبعا ليس السؤال هنا من هو الأقوى عسكريا، بل هل يحتاج الإقليم لمشكلة أمنية مدمنة على حدوده الجنوبية؟

التحرك الأهم المتوقع هو الحصار الاقتصادي والسياسي، فتركيا وإيران معا يملكان ما يلزم من قوة سياسية للضغط على الدول ألا تعترف بالدولة الجديدة رسميا، ولا يبدو أن الغرب متضمنا الإدارة الأميركية متحمس لفعل معاكس لهذا الضغط السياسي التركي الإيراني، فمشاكله مع تركيا تكفي، ولا رغبة أوروبية في تصعيدها، وبالتأكيد لا رغبة أميركية.

الضربة الأكثر ألما ستكون الحصار الاقتصادي، فمن سوء حظ الإقليم أنه معزول على اليابسة بين ثلاث دول قررت محاصرته، ودولة رابعة هي سورية يكفيها مشاكلها وأزماتها؛ هذا عدا عن أن أكبر شركاء الإقليم تجاريا هم إيران وتركيا والعراق، وإن توافقوا على مقاطعة اقتصادية جماعية، فالحالة الاقتصادية للإقليم لن تستطيع الصمود لأكثر من شهور معدودة، ولن تستطيع بقية الدول، حتى لو أرادت عبر النقل الجوي تعويض التواصل البري.

هذا عدا عن أن الممر الوحيد الممكن للنفط الكوردستاني هو عبر تركيا، ورسميا باسم الدولة العراقية ممثلة بحكومة بغداد. وهنا يفيد التذكير بأن أحد المشاكل الأكثر احتداما بين أربيل وبغداد، كانت مستحقات الإقليم من عائدات النفط المصدرة عبر خط نقل كركوك جيهان، حيث تقوم الحكومة التركية ببيع النفط، ثم تحوِّل الأموال من بنوكها التركية إلى حساب حكومة بغداد، التي بدورها، كما هو مفترض ومتوافق عليه، تحوِّل ما نسبته 17% من المرابح إلى حكومة كوردستان، وقد حاولت أربيل عدة مرات إقناع تركيا بتحويل حصة كوردستان مباشرة، لكن الحكومة التركية رفضت ذلك؛ فحكومة بغداد وفق القانون الدولي واتفاقيات التصدير مع تركيا هي صاحبة الحق الرسمي باستلام أموال النفط، وتستطيع بسهولة وفق ذلك إحراج تركيا وفق القانون الدولي، والضغط على شركات النفط والدول لجهة عدم شراء النفط من كوردستان مباشرة.

إذا فالتحرك الإيراني التركي الأكثر احتمالا، هو تحرك قاس وعنيف، فما هي الخطة المقدمة من قبل القيادة الكوردستانية لمواجهة هذا الاحتمال؟ عند البحث فيما يعتزم قادات الإقليم فعله في هذه الحالة، نجد أن البارزاني يتمسك بالموقف الإنساني والأخلاقي للحق الكوردي، ولا يقدم أي إجابات شافية خارج سياق العواطف، بل قال في مقابلة مع مجلة الفورين بوليسي في 15 حزيران/يونية 2017 ما نصه كترجمة تقريبية “نفضل أن نموت جوعا على أن نعيش تحت ظلم واحتلال الأخرين. إذا تم اتخاذ هذا القرار (استقلال كوردستان) عبر الاستفتاء وكانت ردة الفعل هي عزلنا، فلندع شعبنا يموت. ذلك سيكون “فخرا” (من قبيل السخرية السوداء) للعالم لأنه قتل شعبنا جوعا فقط لأن هؤلاء الناس أرادو التعبير عن إرادتهم بوسائل ديمقراطية”، بالواقع هذا الجواب قد يصلح لتحميس الشارع عاطفيا، لكن ضمن الواقع الموضوعي للصراع الدولي، فلا أحد يهتم بهذا الكلام، وقد أثبتت مآسي الشعوب سواء في جوار الإقليم أو العالم، أن العالم ما زال يسير وفق قوانين الصراع والمصالح، وأن يعاني 5 ملايين من الجوع لن تغير شيئا، وقد نضجت الإنسانية بما يكفي لتدرك أن لا وجود لشعب من البشر الخارقين، الذين يقبلون الموت جوعا مهما كانت الأسباب.

الأجدى هو أن تمتلك القيادة السياسية خطة واستراتيجية لمواجهة أسوء الاحتمالات، وهو الحصار الاقتصادي من ثلاث جهات، وبدون اقتصاد قوي معافى أساسا، وبدون وحدة سياسية بين القوى السياسية الموجودة، كيف يمكن مواجهة هذه الاحتمالات، التي مهما قيل حولها، تبقى هي الاحتمالات الأكبر، خاصة وأن المنطقة تسير من أزمة لأزمة، وتتداخل المصالح والصراعات.

خاتمة

ليس القصد من هذا الكلام، معارضة ورفض حق الشعب الكوردستاني بتقرير مصيره في كوردستان العراق، بالعكس حقهم هذا ليس محل جدل، مثلما هو حق كل شعوب المنطقة؛ لكن هذا التحليل هو قراءة متأنية موضوعية وحيادية للظروف الدولية والإقليمية والذاتية الكوردستانية، وتحذير مما قد يحصل، والذي لن تدفع ثمنه الطبقات السياسية صاحبة القرار، بل الشعب الكوردستاني، وربما الشعوب المجاورة إن خرجت الأزمة عن التحكم.

رغم بعد الزمن إلا أن المثال يصح هنا، فيوم أعلنت الوحدة بين مصر وسورية في عام 1958، كان لها تأييد شعبي طاغ في البلدين، وعواطف هدّارة تدعمها، لكن عدم امتلاك عبد الناصر وقيادة الدولة الموحدة لاستراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى، وحسابات اقتصادية وسياسية واجتماعية دقيقة، أدى لانهيار تلك الوحدة، رغم أن من عادى تلك الوحدة أيامها لم يكن بالقوة النسبية كقوة إيران وتركيا والعراق الآن؛ فالعواطف والحق والحماس ومرارة الذكريات، لا تبرر قرارا غير مدعوم بما يكفي من مقدمات عملية على أرض الواقع، واحتياطات لسيناريوهات المستقبل، ضمن رؤية علمية موضوعية للواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.   

 

 

 

مراجع
1- دراسة “
كوردستان المستقلة خطوة محسوبة أم قفزة في المجهول” – مركز أسبار للدراسات والبحوث

 

2- دراسة “ السياسة التركية بين الواقع والخيال” – الاتحاد برس

 رابط مختصر:

http://wp.me/P2RRDZ-A9