Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

ماذا تريد روسيا من: مؤتمر سوتشي

27/01/2018

علاء الدين الخطيب

كانت اشاعات ثم كانت تأكيدات رسمية روسية، ما بين 1000 و1300 شخصية سورية، وحوالي الثلاثين اسما لجماعات معارضة ومن النظام ستحضر المؤتمر، الذي تم نقله من حميميم إلى منتجع سوتشي الروسي.

بغض النظر عمن سيحضر أو لا يحضر، ومن هو معارض شرس ومن هو معارض مسرحي، فلنسأل الأسئلة الأساسية التي قلما تجد طريقها إلى الإعلام السوري، معارض او غير معارض، وإلى الفيسبوك وغيره.

لماذا “مؤتمر الشعوب السورية” ثم مؤتمر الحوار الوطني؟

بداية قبل 3 شهور كان مؤتمر “الشعوب السورية”، فهل استبدال كلمة “الشعب السوري” بكلمة “الشعوب السورية” هو بمحض الصدفة، أم أنها مقصودة؟ بالواقع حكومة خبيرة وكبيرة مثل الحكومة الروسية، مع فرق لغوية مشهود لها لا تقع في هذا الخطأ بدون قصد. فعنوان المؤتمر باللغة الروسية “ конгресс народов Сирииحيث كلمة народов تعني شعوب وهي جمع كلمة народ التي تعني شعب، مثلا الدستور الروسي في الباب الثالث المادة الأولى يقول بها “شعب روسيا الاتحادية المتعدد القوميات Российской Федерации является ее многонациональный народ “.

على ما يبدو أنهم تنبهوا لهذا الخطأ المقصود فأعادوا التسمية ليكون مؤتمر “الحوار الوطني السوري”. حسب الخطة الروسية سيكون أكبر مؤتمر سوري منذ 2011، ومع ذلك فاسمه الأول كان قد حمل الكفر في كلماته. صحيح إن الشعب السوري هو شعب متعدد القوميات أو الأعراق، لكنه شعب سوري وليس شعوبا. ولا أقول هذا الكلام من باب الرومانسية أو بيع الوطنية، لكن حتى من باب البراغماتية السياسية، القبول بهذا العنوان هو جريمة بحق سورية وشعبها.

بكل الأحول لنصدق تبرير الخطأ، (الذي لم يعتذر عنه الروس)، ولنرى هل هو فعلا حوار مؤتمر وطني سوري؟

 

ماذا يريد بوتين من هذا المؤتمر؟

من أساسيات العمل السياسي، والمؤتمرات السياسية وغير السياسية، هو التواصل قبل أن يجتمع المشاركون، لتحديد جداول الأعمال ومواضيع النقاش وترتيبها حسب أهميتها، وبحال كثافة المواضيع تشكيل لجان تحضيرية تقنية متخصصة، مشتركة من قبل المشاركين، كذلك يجري عادة وضع اقتراحات لما سينتج عن المؤتمر، بل أحيانا يصل المؤتمرون إلى تفاهم كامل حول مخرجات المؤتمر قبل انعقاده. والحكومة الروسية ليست بغافلة ولا جاهلة بهذه القواعد.

لو اجتمع اثنان من الأفراد مختلفان برأيهما حول طبخة محاشي، لسعيا قبل أن يجلسا في جلسة نقاش أن يعرف كل منهما كيف يطبخ الثاني المحاشي، وما هي نقاط التشابه والاختلاف، وهل الغاية اختيار الطبخة الألذ، أم ابتداع طريقة طبخ تشمل خبرات المتحاورين. فكيف يمكن لما يزيد عن 1000 شخصية “سياسية”، وأكثر من 20 اسم لجماعة سياسية أن تتناقش في مواضيع لم يناقشوها معا سابقا؟

لم تكلف موسكو نفسها حتى أن تعقد اجتماعا مصغرا يضم فقط ثلاثين شخصية ممثلة للجهات المدعوة نظريا، كي يرتبوا أولويات النقاش وجداول الأعمال وشكل المخرجات. فلا سوريا يعرف ما هي الغاية بالتحديد، خارج الشعار العام “التباحث والتفاوض في الشأن السوري”؟ هل المخرج الأهم، كما يشاع، هو التوقيع على دستور سوري، أم على خريطة طريق لوقف إطلاق النار؟ أم على خطوات لتشكيل حكومة انتقالية؟ أو حكومة وحدة وطنية؟ أم وضع خطة لانتخابات عامة رئاسية وبرلمانية؟ أو…؟ أو…؟

إذا نحن هنا أمام اجتماع لا يحمل سوى احتمالين: إما أن المنظم الروسي جاهل بأصول المفاوضات السياسية وصعوباتها ووسائلها، وهذا احتمال مستحيل طبعا. أو أن يكون الروس وحلفاءهم قد قرروا المخرجات ويريدون حفل توقيع، وهذا هو الاحتمال الوحيد الممكن.

إذا لماذا يريدون حضور أكثر من 1000 شخصية سورية، عادة يكفي بضعة عشرات أو حتى مئات لتمرير هذا النوع من المفاوضات؟ كما يبدو من الظاهر أن بوتين، وهو المعروف بحبه للمظاهر الاحتفالية والأبهة القيصرية، يريد مهرجانا سوريا، يضم أكبر عدد سوريين اجتمعوا مع بعض منذ 2011، بالإضافة لذلك لا يمكن تناسي حقيقة أن الشارع الروسي بدأ يسأل “ماذا نريد من سوريا؟ ألا يكفينا أوكرانيا ومشاكل البلقان التي تزيد من سوء حالنا الاقتصادية؟”.

هل تستطيع روسيا؟

لو كان باستطاعة روسيا وإيران فرض حلّ سياسيّ أو عسكري في سورية، لما ترددوا منذ العام 2011، لكن ثماني سنوات أثبتت أنهم لا يملكون الأدوات ولا القوة الكافية لذلك. فقد وضعت حكومات روسيا وإيران وقطر والسعودية وتركيا كل ما يستطيعون في الصراع فوق سورية، بهدف الانتصار في هذه الحرب القذرة بينهم، وقد أيقنوا جميعهم أن الانتصار بعيد عنهم كلهم، فزاد تورطهم ومشاكلهم صعوبة، هم يرفضون الهزيمة والتسليم، لكنهم عاجزون عن الانتصار. وحده الغرب بقيادة الإدارة الأمريكية لم يضع ثقله الكامل واكتفي بالمراقبة والإدارة.

يتوهم البعض أن تقارب روسيا وإيران مع تركيا، ومشاكل تركيا مع الولايات المتحدة هي نقطة قوة الروس، بالواقع يتناسوا المتوهمون هنا أن علاقات روسيا وإيران وتركيا علاقات مستقرة قوية جدا منذ 15 سنة على الاقل، وما حدث من أزمة روسية تركية في نهاية 2015 كان زوبعة في فنجان انتهت تماما. هذه الحكومات لم تتغير مصالحها فوق سورية ولا نقاط خلافها الاساسية، ولا جديد في علاقاتها السياسية؛ ومن ناحية ثانية فإن التحالف الأميركي التركي هو تحالف استراتيجي، وتحالف حياة أو موت بالنسبة لتركيا مهما بلغت الخلافات بينهما، والولايات المتحدة لا يمكن أن تغامر أن تحصر أهم حلفائها في الشرق الأوسط ووسط آسيا على حدود روسيا والصين في مأزق تدميري كما يتوهم حراس نظرية المؤامرة (للمزيد انقر هنا).

الأسبوع الماضي ظهر جو بايدن نائب الرئيس الأميركي السابق، في لقاء إعلامي موسع حول التورط الروسي في الانتخابات الأميركية، وقد أجاب على سؤال حول سورية وروسيا بوضوح كامل ودون تمويه ديبلوماسي كما هي العادة: “روسيا لا تملك القدرة على فرض حل في سورية، لا ماليا ولا سياسيا ولا عسكريا”، وقلل من أهمية عدم وجود تأثير أمريكي مباشر في الأزمة السورية.

بوتين بحاجة لتحقيق نصر معنوي حاليا أمام الشارع الروسي وأمام الغرب، فحملات رفض التدخل الروسي، ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية بل في أوروبا الغربية أيضا، من خلال الحرب الالكترونية بهدف التلاعب بنتائج الانتخابات وصلت حدا حرجا؛ لذلك كان إعلانه الرسمي عن انتهاء مهمة القوات الروسية في سورية قبل شهر من الآن، مجرد إعلان إعلامي لم يرافقه أي تراجع أو سحب حقيقي للقوة العسكرية الروسية؛ الرجل بحاجة لإعلان انتصار ما في سورية بعد فشله في أوكرانيا واستمرار تدهور الوضع الاقتصادي الروسي.

هل سيحضرون؟

سيحضر العديدون منهم، فالمنتجع الروسي سوتشي مشهور بجماله وخدماته المترفة. النظام الأسدي لا يملك أن يقول لا لولي نعمته الروسي، خاصة بالترافق مع بركات إيرانية، وهذا النظام لن يشرح للناس الفرق بين “الشعب” و”الشعوب” فبالنسبة له، كل الناس وقود حرب رخيص في حرب السلطة التي يشنها.

أما ما يسمى معارضة، فلا نعلم بعد من سيحضر ومن لن يحضر، لكن القرار في الرياض وأنقرة، ولم تتضح للآن عمق التفاهمات السعودية الروسية بعد زيارة الملك السعودي لموسكو؛ كما أن تركيا كالعادة لن تقبل بوجود كوردي سوري لا يناسبها.

لحد الآن هيئة التفاوض والائتلاف يرفضون، لكن ليس من باب المهارة السياسية، أو لأنهم يمثلون شعبا وليس شعوبا، أو لأن روسيا لا تحترم من تدعوهم، كما بدا واضحا من طريقة التحضير، بل فقط من باب التكرار الممل لكلام قادات هذه الهيئات المتعارضة، فلم يقل ممثل مليشيا جيش الإسلام، التي تجوّع أهل الغوطة بالتشارك مع مليشيات النظام البشاري، محمد علوش شيئا مهما في رفضه.

هل نرفض التفاوض؟

التفاوض حتمي وضروري، لكن التفاوض للتفاوض تدمير وجهالة. وما تعده روسيا هو مسرحية إعلامية غايتها إظهار التصور الروسي للحالة السورية ضمن أكبر عدد ممكن من السوريين “السياسيين”. فلا يوجد شركة خاصة حتى، ولن نقول دولة، تحترم نفسها تدعو لمؤتمر بدون جدول أعمال ومواضيع نقاش وتحضيرات تمتد شهورا.

أن تفاوض نظام بشار وحكومة ايران وحكومة روسيا، كان منذ العام 2011 أمرا حتميا لإنقاذ سورية، وما زال. لكن مفاوضتهما دون مشاركة أميركية وسعودية وتركية وقطرية فعّالة هو مضيعة للوقت، وبوجوه قادات المعارضة الحاليين او السابقين هو مسرحية هزلية، وبظروف سوتشي هذه يصبح تدميرا إضافيا.

هل من يحضر خائن؟

حملات التخوين التي انطلقت ضد من يحضر، أصبحت منذ سنين تقليدا سوريا مقيتا، يجد صداه وكتائبه على صفحات التواصل الاجتماعي التي يسيطر عليها جماعات من المراهقين فكريا وعقليا، وتخوين من سيحضر بالإجمال هو عمل عبثي هدّام لا يقدم شيئا بل يزيد المأساة ترسخا. إن الوطنية والخيانة، مثلها مثل الإيمان والكفر، ليست رأيا شخصيا، ولا حق لأي إنسان أو جماعة بإصداره، خاصة في زمن الأزمات والفتن الكبرى؛ إن استسهال صنعة التخوين هزم الثورة السورية السلمية قبل أن تهزمها نيران نظام الأسد الكيماوي، وقبل أن تسرقها رايات القتال الطائفية السنية، وحاليا رايات القتال العنصرية عربية وكوردية. إن منهجية التخوين في مواجهة الأزمات الكبرى هي استمرار مقيت لمنهجية رسخها الطاغية بشار وأبوه منذ 40 سنة، ومن يمارسها تحت وهم محاربة نظام الأسد، هو بالواقع يحارب نفسه وشعبه وليس الطاغية. رفض التخوين هنا لا يعني منح المبرر لمن سيحضر، بالعكس تماما، حضور هذا المؤتمر مساهمة واعية أو غير واعية في ترسيخ المأساة السورية وليس حلها، والتبرير المضحك المبكي “سأحضر لأعلن موقفي” هو خداع للذات، ففي مؤتمرات لم يحضرها سوى بضعة عشرات، ضاعت أصوات الرافضين فكيف ذلك مع أكثر من 1000 شخصية.

 

27/01/2018

رابط مختصر:

http://wp.me/P2RRDZ-Aw