Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

المؤامرة مرة أخرى، لكن إسلامية

27/02/2017

علاء الدين الخطيب

عن شبكة جيرون.

يعتقد العرب والمسلمون أنهم ضحايا أكبر مؤامرة كونية تعرض لها البشر عبر التاريخ، تتمحور هذه النظريات حول عدة جهات حسب الطلب: الصهيونية، الإمبريالية، اليهود، الصليبيون، الغرب، بالإضافة إلى أنواع جديدة مثل المؤامرة الفارسية، الشيعية، الوهابية، العثمانية؛ ويمكن حسب الحالة السياسية والعقائدية لكل جماعة انتقاء ما يناسبها لتكون الضحية الأكثر مظلومية. لكن العرب والمسلمون ليسوا فقط من يهوى نظرية المؤامرة، فهي منتشرة بين غالبية شعوب الأرض بدرجات متفاوتة، والآن نظرية المؤامرة تجد توسعا هائلا في الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، لكنهم يرونها مؤامرة قادمة من الإسلام والمسلمين ضد حضارتهم الغربية، أو من الصين وروسيا، وبعضها يغرق في الغرابة حول مؤامرة كائنات فضائية.

بداية لنعرف نظرية المؤامرة: هي تفسير لحدث أو حالة ما على أنه مؤامرة خفية لحكومات أو جهات قوية جدا تهدف لأذية جماعة ما باستخدام وسائل غير قانونية وشريرة؛ وهذا التفسير غالبا ما يناقض حقائق أساسية، ويستخدم قراءة انتقائية للتاريخ والحاضر لدعم نظريته بما قد يبدو شكليا دليلا موضوعيا ومنطقيا؛ كما أن نظرية المؤامرة تعتقد أن العالم محكوم وفق نمط أو منظومة محددة ومن قبل جماعة شريرة غير واضحة، وتفترض نظرية المؤامرة ثلاث بديهيات أساسية حسب رؤيتها: لا شيء يحدث بالصدفة، كل الأشياء ليست بحقيقتها كما تبدو، وكل شيء مترابط ببعضه؛ الناحية المهمة أن نظرية المؤامرة تفسر كل الأحداث بطريقة تدعم تفسيرها، حتى لو كانت ضد المنطق والحقيقة، لذلك هي نظام مغلق يعتمد على الإيمان أكثر منه على الدليل العلمي. طبعا هذا التعريف يختلف عن مفهوم التآمر الملازم للصراع الأزلي بين البشر على السلطة والمال، فالتآمر سواء بين الأفراد أو الشركات أو الحكومات خاضع لنسبية الزمان والمكان وتغيرات الحالة، ولا يحتوي على قوى خارقة القدرة تستطيع التحكم بكل شيء وعلى مدى عقود أو قرون.

تمتد نظرية المؤامرة في الغرب إلى قرون طويلة سابقة، وبعد الحرب العالمية الثانية تمحورت بصياغات حول الخطر السوفياتي والخطر الأصفر (الصيني)، لكن انتشارها كتفسير خارج نطاق الحقائق الموضوعية بقي محدودا. منذ عقد التسعينات وخاصة بعد جريمة تفجيرات 11/9 توسعت نظرية مؤامرة في الغرب لتزعم أن العالم الإسلامي يحيك مؤامرات ضخمة ضد الغرب، سعيا لتدمير الحضارة الغربية والمسيحية واليهودية. ربما تكون الكاتبة البريطانية، اليهودية المصرية الأصل، بات يور أول من أطلق العنان لنظرية المؤامرة الإسلامية في الغرب، وهي التي حققت ثلاث من كتبها أفضل المبيعات بين الكتب التي تبحث في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين،  ففي كتابها “أورابيا Eurabia” تتكلم حول نظرية تقول: إن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والبلاد العربية منذ السبعينات، والتأثير الإسلامي على سياقها، وبالتعاون ما بين الراديكالية العربية والإسلامية وبين الفاشية والاشتراكية والنازية الأوروبية أدى إلى بعث ثقافة وسياسة معادية لأميركا والسامية، وهذا المخطط يعود إلى مؤتمر الحوار العربي الأوروبي في باريس عام 1974؛ بالواقع لقد أدخلت بات يور مصطلح Dhimmi المقابل لكلمة ذمي في العربية منذ الثمانينات في كتابها “الذمي: اليهود والمسيحيون تحت الإسلام” وفي العام 2001 تلاقت مع كتابات هنتغتون في كتابها “الإسلام والذمية: حيث تتصادم الحضارات”. 

لقد استخدم العديد من مشاهير المنظرين لنظرية المؤامرة الإسلامية كتابات بات يور، ومنهم روبرت سبنسر مؤسس موقعي “مراقبة الجهاد Jihad Watch” و”مراقبة الذمي Dhimmi Watch“، كذلك البروفسور دانييل بايب، وباميلا غيلير.

كمية التنظير حول نظرية المؤامرة الإسلامية في الغرب تصاعدت بشكل كبير بعد جريمة تفجير الأبراج، وتقابلت مع سوق إعلامي مفتوح يسعى لاجتذاب المتابعين بأي طريقة، وتحالفت مع تيارات سياسية غربية كانت تاريخيا مغمورة أو مختبئة تحت غطاء التيار السياسي المحافظ في الغرب. إن تصاعد حركة الإرهاب الإسلامي في العقدين الأخيرين قدم أداة فعالة ضمن حلبات الصراع السياسي داخل البلدان الغربية وعلى المستوى الدولي لنشر خرافات نظرية المؤامرة، فهذه الحركات المعتمدة فكريا على نظريات الإسلام السياسي، وماليا على كثير من مخابرات العالم، شكلت أفضل الأدوات التي يمكن التحكم بها وتسييرها حسب مصالح الأطراف المتصارعة.

لا بد من ملاحظة أن الأساس النظري المقدم في كتابات بات يور حول تحالف الراديكالية الإسلامية مع الفاشية والنازية الغربية، سقط خلال السنين الماضية مع الصعود الصاروخي نسبيا لليمين الغربي المتطرف الحامل للواء نظرية المؤامرة الإسلامية سواء في أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة الأميركية.

لا تتوفر استطلاعات رأي واضحة حول انتشار هذه النظريات في الغرب، لكن انتصار ترامب وصعود اليمين الغربي المتطرف، يشير إلى انتشار الخوف من الإسلام أو الإرهاب الإسلامي. خاصة وأن التطرف الإسلامي قدم ما يكفي لدعم حجة النازية الغربية الجديدة.

انتشار نظريات المؤامرة الإسلامية في الغرب، ليس ناتجا بشكل أساسي عن الأحداث المتعلقة بالإرهاب الإسلامي، بل هي ناتجة أساسا عن فقدان الثقة بين الشارع الغربي والطبقة السياسية التقليدية، وأتت أحداث أيلول في نيويورك ثم حرب العراق لتزيد من الشك، ثم كانت الضربة القوية للعلاقة بين الطبقة السياسية والشارع الغربي في عام 2008 مع الأزمة المالية العالمية.

كما أن نتائج الربيع العربي المأساوية في ليبيا واليمن وسوريا، بعد أن قام الإسلام السياسي والجهادي بالقفز على الثورات العربية بدعم إقليمي وغربي، أدت إلى دفع موضوع الإرهاب الإسلامي إلى السطح بقوة؛ وهنا لم يفوّت اليمين الغربي المتطرف الفرصة، خاصة مع تدفق اللاجئين المسلمين في السنوات الأخيرة إلى الغرب، وانطلقت ألته الإعلامية الشعبوية تهوّل من مخاطر اللجوء الإسلامي في الغرب؛ ومما زاد الطين بلة، أن غالبية اللاجئين المسلمين والعرب أتوا وهم يحملون نظرية المؤامرة الغربية في عقولهم، مما زاد من سخونة الجمر تحت الرماد.

من ناحية ثانية، فمن المؤكد أن غالبية النخبة الغربية والإعلام الغربي يواجهون هذه النظريات ويدحضون حججها، كما أن القيم الأخلاقية التي تم ترسيخها بعد الحرب العالمية الثانية في الغرب، حول حقوق الإنسان والمساواة الإنسانية ما زالت قوية في الشارع الغربي. لكن المشكلة هي في كون الطبقة السياسية الغربية التقليدية، أي اليسار والوسط، لم تطور أدواتها وسياستها لمواجهة التيار اليميني المتطرف، وما زالت تسير في أنماط قديمة مستمرة منذ القرن الماضي. 

السؤال: ماذا يمكن للعرب والمسلمين فعله أمام هذا النوع من الخرافات الشعبوية؟ بالواقع لا يمكن لمن يحمل نظرية المؤامرة الغربية أو الصليبية أو الإمبريالية في ذهنه أن يواجه نظرية المؤامرة الإسلامية في الغرب، ففاقد المنهج العلمي العقلاني في فهم العالم وحركة التاريخ لا يمكنه دحض ظله في المرآة، بل بالعكس تماما، مواجهة نظرية المؤامرة الإسلامية من قبل المتبنين لنظرية المؤامرة الغربية سيزيد من قوة وانتشار وخطورة نظرية المؤامرة على الطرفين.

27/02/2017

مواضيع ذات صلة 

الظاهرة الترامبية والردة الأصولية العالمية

الجهل أساس التعصب العرقي والديني، 60000 متظاهر في بولندا ضد المسلمين واليهود

صعود اليمين المتطرف الغربي

ترامب يهدم الفوضى الخلّاقة

أصدقاء بشار الأسد

رابط مختصر

http://wp.me/P2RRDZ-Be