Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

أوهام لا تموت: التدخل العربي العسكري في سورية

 20/04/2018

علاء الدين الخطيب

عاد الإعلام العربي ووسائل التواصل الاجتماعي إلى إحياء مشروع الجيش العربي القادم إلى سورية لفرض حل ما على سورية أو جزء منها. انتعشت هذه الفكرة بعد خيبة أمل البعض، وفرحٍ بعد خوف البعض، من ضربة ترامب العسكرية ضد النظام الأسدي في سورية. فقد ساد غالب الإعلام العربي والسوري ووسائل التواصل الاجتماعي، وعبر كثيرين من المحللين والمراقبين والخبراء، فرضية أن ترامب سيوجه مع حليفيه الفرنسي ماكرون والبريطانية ماي ضربة عسكرية قوية ستوجع النظام بشدة؛ لكن الكاوبوي البرتقالي وبعد حسابات بسيطة قرر أن 250 مليون دولار كافية لتؤدي له مهمة استعراض قوته وحزمه تجاه صديقه اللدود بوتين، وقد لا تكلف إعادة بناء ما حطمته صواريخ الثلاثي العبثية إيران وروسيا هذا المبلغ. لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، فقد أثبتت تلك المسرحية السوداء فعالية كبيرة في إثارة الشارع السوري وحتى العربي والغربي، وأدخلت الناس في حلبات صراع ومجادلات ومراهنات كبيرة. فظهرت قصة “الجيش أو الجيوش العربية القادمة لفرض الاستقرار على الأقل في الشمال السوري”، ورغم أن مبررات وعوامل هذه القصة أكثر ضعفا ومنطقية من قصة الضربة العسكرية الترامبية، إلا أنها أشعلت الساحة الإعلامية والشعبية خلال أيام فقط. فهل شعوبنا محكوم عليها السير أبدا وراء الأوهام، أم هي تجارة الإعلام وسوقه.

الخبر أو الفرضية تقول إن ترامب يفضل، وفق إشارات قديمة له، الإشراف والتعاون مع قوة عربية وإسلامية لإنهاء الحرب في سورية، وأن دولا عربية وإسلامية “سعيدة” بالمشاركة وأهمها: السعودية، تركيا، مصر، الباكستان، الأردن. تختلف الروايات في التفاصيل، منّ الدول التي ستشارك، بجيوشها أم بمرتزقة، وهل فقط في الشمال السوري أم أيضا في الجنوب.

Image result for mass manipulation

لماذا هي وهم وتلاعب بالناس؟

أولا: مقولة “كل شيء ممكن بالسياسة” خاطئة تماما، يصدقها فقط من لا يستطيع القراءة الصحيحة للساحة الجيوسياسية، فيبرر اخفاقه بأن قراءته صحيحة، لكن السياسيين انحازوا للخيار الغير منطقي، ربما ليسجلوا عليه واحدة. فلا مفاجآت في الصراعات الجيوسياسية، فلم يكن وقوف الولايات المتحدة الأميركية كمنسق ومدير للصراع والحرب فوق سورية مفاجأة لمن رأى ساحة الصراع الدولية الكبيرة وتداعيات النظام العالمي الجديد.

ثانيا: الدول لا تتصرف وتقرر مثلما اخبرتنا القصص التاريخية عن زعماء القبائل أو الدول، ينام الزعيم ويستيقظ منتشيا ويقرر فتح حرب أو إنهائها لمجرد أنه أراد ذلك. حكام الدول يهمهم مصالحهم أساسا، ومصالحهم في القرن الواحد والعشرين ليست واضحة بسيطة كما يظن الكثيرون.

ثالثا: لا يمكن لدولة أن تسمح لمجموعة عسكرية مسلحة بدخول أراضيها، دون أن تكون هناك علاقات ثقة ومصالح تاريخية بين الدولتين، هذه من أوضح وأهم أسس الحكم والتعاملات بين الدول، فكيف الحال إذا كانت جماعة كبيرة تعد بعشرات الالاف وتريد شنّ حرب انطلاقا من أراضي هذه الدولة.

رابعا: لا يحتاج الأمر إلى خبير كبير للقول بأن دخول قوة عسكرية نظامية كبيرة إلى سورية، بحاجة إلى موافقة كل حكومات الدول المتورطة في الصراع على سورية، وحتى بفرض صحة الوهم الذي يصدقه كثيرون أن هذه الدول ستتجاهل موافقة إيران، فحكما روسيا لن توافق.

خامسا: يوم يريد الأميركيون مباركة ودعم وتوفير حماية جوية وسياسية لهذا النوع من الأعمال العسكرية الضخمة، فهذا ليس قرارا سريا يفشيه واحد أو اثنان من السياسيين او العسكريين الأميركيين، هذا قرار ضخم أميركيا، أضخم بكثير من ضربة ترامب الأخيرة؛ ولا يوجد أي مؤشر حقيقي في الإدارة الأميركية أو البنتاغون على أن هذا الطرح موضوع على الطاولة.

سادسا: علاقات تركيا مع إيران منذ العام 2002 ممتازة، وقبل ذلك كانت جيدة على مدى 130 سنة تقريبا، واستمرت قوة العلاقة بين الطرفين بالتحسن حتى هذا التاريخ، رغم خلافهما وتناقضهما في سورية، فالاستثمارات والتبادل التجاري واعتماد تركيا على نفط إيران لم يتراجعوا أبدا بل ازدادوا، وعلاقتهما تضمن مع روسيا استقرار منطقة بحر قزوين والقوقاز التي تملك عشرات بؤر التوتر والانفجارات المحتملة. نفس الكلام ينطبق على علاقات تركيا بروسيا. وطبعا فإن علاقات قطر بتركيا في تحسن مستمر منذ اندلاع الثورات العربية.

سابعا: لم تستطع تركيا والسعودية تجاوز خلافاتهما التاريخية، بل إن أزمة السعودية مع قطر، وإنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر، ودخول تركيا للسودان والصومال زاد من توتر العلاقة بينهما، ولا يخفي إعلام الطرفين حدة هذا التوتر. لقد استطاعا فقط التحكم بالأزمة بينهما كي لا تصل إلى حرب سياسية أو كلامية معلنة، لكنها بالتأكيد ليست علاقات ثقة ومصالح متبادلة.

ثامنا: علاقات تركيا ومصر من أسوء العلاقات بين دول المنطقة، فلا وجود حتى لكلمة ثقة بين الدولتين، بالعكس تماما فالحكومتان تسيران في طريق تصعيد الأزمة بشكل مستمر وقد أصبح موقفهما واضحا جدا.

تاسعا: أي تدخل عسكري يريد مجرد فرض الاستقرار في الشمال وغرب نهر الفرات يحتاج إلى 50 ألف جندي، على الأقل، مع عتاد عالي المستوى تقنيا وعسكريا وغطاء جويا.

عاشرا: المطلوب قوات برية تتحرك على الأرض وليس قوات جوية، فهي موجودة بما يكفي.

النتائج:

بناء على ما سبق يمكن تلخيص النتائج بما يلي:

أولا: يستحيل أن تسمح تركيا بدخول أي مجموعة عسكرية قتالية من السعودية أو مصر، أو ممولة من قبل السعودية، حتى لو طلبت ذلك الولايات المتحدة الأميركية فرضا.

ثانيا: يستحيل أن ترسل مصر أو السعودية قوات مسلحة إلى تركيا لنفس الأسباب.

ثالثا: بفرض عدم استحالة البندين السابقين، كما يقال بالعامية “خلينا نمشي معكم”، تستنزف حرب اليمن تقريبا نصف عناصر الجيش السعودي داخل اليمن وعلى حدوده، وغالبية القوة الجوية والبحرية، فلا يمكن موضوعيا لدولة ضخمة مترامية المساحة مثل السعودية التخلي عن بضعة عشرات الألاف من جنودها، وجزء غير قليل من عتادها. وبالمقابل ما هي مصلحتها؟ بالواقع الدخول للشمال هو مصلحة تركية وليس سعودية، التوسع أكثر من الشمال سيتطلب اضعاف العدد من الجنود والعتاد.

رابعا: بفرض عدم استحالة اول بندين: ما هي مصلحة مصر بإرسال قوة عسكرية كبيرة إلى سورية؟ هل التفسير “الساذج” أن السعودية ستدفع لها يكفي؟ الحالة المصرية حاليا لا تسمح بأي شكل بهذه المغامرات، ولو أرادت كما يظن البعض “جنيّ المال” لأرسلت جيشها إلى اليمن، لكنها والباكستان رفضتا المشاركة الحقيقية على الأرض.

خامسا: أي دولة بغض النظر عن كل ما سبق تدرك تماما أن خسائر أي جيش نظامي كبيرة جدا في بيئة حرب مليشيات وعصابات، ولم يستطع أي جيش بالعالم التعامل مع بيئة كهذه دون خسائر فادحة.

الخاتمة

إن أهم عوامل بقاء النظام الأسدي لليوم بكل طغيانه وعنفه يعود إلى سبب أساسي وهو تشتيت الكتلة الشعبية السورية الرافضة لهذا النظام، لقد تم هذا التشتيت والتفريق من يوم ظهر المجلس الوطني كمقابل لهيئة التنسيق، ومن يوم أعلن أحد المعارضين الحمقى من القاهرة أنها ثورة أهل السنة، ومن يوم برر كبار المعارضين دخول المقاتلين الأجانب والرايات السوداء في 2012، ومن يوم باعوا الناس وهم تدخل الناتو العسكري في 2012.

الاستمرار في الركض خلف الأوهام هو مشكلة عموم البشر، وليس فقط السوريين، لكن صناعة الوهم أو الصمت عنه من قبل من يسمّون أنفسهم قادة وخبراء ومحللين عبر الإعلام الكبير او ساحات التواصل الاجتماعي هو جريمة إضافية بحق سورية والسوريين. وما أسعد هذه الحكومات المتقاتلة مع صناع رأي ووعي كالموجودين المفروضين حاليا على السوريين، يقفزون من اليمين إلى الشمال، ويقلبون المقعد رأسا على عقب بكل سهولة وراحة ضمير.

لا تدخلا عسكريا بريا في سورية، لا من قبل جيوش عربية ولا غربية، وحتى الجيش التركي له مسافة محددة لن يتجاوزها ومهمة واضحة لن يقفز عنها، فلنتوقف عن بيع الأوهام قليلا.

 

 20/04/2018

رابط مختصر http://wp.me/P2RRDZ-Ej