Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الشعب الإيراني يهدم أساطير المؤامرات

02/01/2018

علاء الدين الخطيب

حراك الشعب الإيراني ضد السلطة السياسية الفاسدة وحليفها السلطة الدينية الظلامية لم يكن مفاجئا، إن تذكرنا ما قد محاه الإعلام من ذاكرتنا، وهو أن إيران دولة ذات تاريخ وحضارة ممتدة عبر التاريخ، وفي العصر الحديث كانت من أوائل من توجه لبناء الدولة العصرية، ولعل ما يشبه الثورة التي قام بها محمد مصدق عام 1953 ليخلص بلده من تسلط الإمبراطورية البريطانية، بتوجه تحديثي اشتراكي كانت من أوائل وربما الحركة الثورية الوحيدة التي أتت من قبل قادة مدنيين وليس عسكريين في منطقة الشرق الأوسط وصولا لوسط آسيا. لكن الإعلام التحريضي العربي والإسلامي والإيراني، من قبل كل الأطراف، حول شعوب هذه المنطقة إلى أنماط محتجزة في طوائفها وأديانها وأعراقها، ونسينا أن في إيران 80 مليون إنسان، وليس 80 مليون فارسي أو شيعي. تناسينا أننا محكمون بقوالب عربي وسني وسلفي ووهابي وأشعري وعلوي وشيعي وكوردي وتركي، ولهذا عشنا نفس المأساة مع حكام فاسدين متاجرين بكل شيء، يتاجرون بالوطن وفلسطين، ويقامرون بالأديان والطوائف، عبر طبقات من مثقفين مشوهي الرؤية والوعي في تنظيرهم للحداثة أو الاشتراكية أو الليبرالية، ومن خلال طبقات كهانة سنية وشيعية تتقن تفصيل الفتاوى والأئمة والتكفير حسب المصلحة.

الإيرانيون ثاروا في 2009، قبل كل ربيع عربي، لكن تناسهم جيرانهم بقيادة حكام الخليج، وأهملهم قادات الغرب، فتمكن الطاغية الديني والسياسي من كبح طموحهم. ثم ثاروا مع الربيع العربي في 2011، وأيضا لم يحاول العالم كله أن يراهم. ومع سيطرة الظلامية الإسلامية الجهادية على ثورات الربيع العربي، وتحويل الأرض السورية إلى ساحة لأقذر حرب عالمية باسم الرافضة والنواصب، باسم العرب والكورد، باسم السنة والعلوية، باسم أمراء النفط وأمراء الغاز، استطاع النظام الإيراني إعادة إحياء الخوف في الشارع الإيراني من عدو جهنمي جار لهم، فأوهمهم أن جارهم يكرههم لأنهم إيرانيون وشيعة. 

تخويف الشعوب من عدو خارجي كان دائما أداة حكم ناجحة وضامنة عبر التاريخ، حتى في الدول الديمقراطية، فمقدار التخويف من بعبع الشيوعية في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية استطاع تشكيل النظام الأميركي تحت خيمة الديمقراطية في واحد من أكثر النظم الاقتصادية توحشا، وبعد سقوط الشيوعية، كان البعبع هو الإرهاب الإسلامي، الذي كان حليفا للغرب أيام السوفيات. أما في بلادنا فنحن أكثر من تعلمنا الخوف من كل شيء، من السلطة والقائد الأبدي، ومن الوحش الصهيوني الذي ينصب لنا المؤامرات الكونية منذ مئة سنة، ومن الشيخ والقسيس لأنه يملك مفاتيح الإيمان والتكفير.

مع الثورات العربية انهار الخوف من الحاكم بأمر الله أو القبيلة ونتاج تناسل الحكام، أو الحاكم باسم الممانعة والمقاومة؛ إنه القرن الواحد والعشرين، عصر المعلومات والاتصالات، الذي أجبر انتشار الوعي بين الشعوب.

لقد كان أكثر ما أثار كوابيس حكام دول المنطقة، خاصة حول خليج النفط والغاز، هو انتقال عدوى مرض الوعي إلى شعوبهم. وأكثر من خاف بينهم كان حكام قصور الرياض وطهران. إن المراقب للإعلام على ضفتي النفط في الخليج منذ بداية الألفية كان يستطيع أن يرى بوضوح أن الشحن الإعلامي الممتد من وسط آسيا إلى ضفاف المحيط الأطلسي لم يكن مجرد شيخ تعصب هنا لعليٍّ وهناك لعمرَ، بل هي أيضا إعادة صياغة لأساليب الحكم والتحكم، فالتخويف من إسرائيل لم يعد يكفي، وقد أصبح وجودها حقيقة قائمة محمية بمئتي رأس نووي وأحدث جيش وأقوى اقتصاد في المنطقة، فكان لا بد لعبد الله بن سبأ (1) وكعب الأحبار (2) أن يستيقظا ويمارسا دورهما. وكان أول امتحاناتهم في سورية وعلى حساب الشعب السوري، فبذل النظام الإيراني الغالي والرخيص لحماية نظام الأسد، ليس لأنه علوي كما يدعي المخرفون، بل لأنه الحليف الوحيد المتبقي في غرب إيران بعد حرق وسط آسيا عبر أفغانستان والزلازل الكامنة في الباكستان ودول السوفييت السابقة. أما حكام عرب الخليج فللمرة الألف لم يعوا أنهم يعيشون في القرن الواحد والعشرين، وأن نموذج الحاكم بربطة عنق مثل حسني مبارك، مع طبقة من شيوخ السلفية يحرمون الخروج على الحاكم، أو نموذج مهترئ مثل نموذج الإخوان المسلمين وتيارهم، لا يمكن أن يضمنوا استمرار أي دولة في هذا العصر؛ للمرة الألف لم يعوا أن صراع الدول الجارة والمحكومة جغرافيا بالتنسيق الاقتصادي لا يجوز أن يخضع لخلافات الأمراء الشخصية، وأهواء شيوخ القبائل.

أما حكام إيران فقد اعتقدوا أن المآسي التي حلّت بسوريا واليمن وليبيا ومصر، بالإضافة لعداء الغرب وإسرائيل كفيل بإبقاء الشارع الإيراني تحت السيطرة؛ نعم لقد حبس الإيرانيون أنفاسهم منذ بدء الحريق عند جيرانهم العرب، وصعود داعش المدوي في العراق وسورية، لكن في القرن الواحد والعشرين لا يمكن للخوف أن يستمر مع حاكم مهووس بالسلطة ومشفوع بنموذج كهنوتي ظلامي.

خروج الشعب الإيراني، كما هو واضح من شعاراته، ليس بسبب الفقر فقط، كما يصر كل الإعلام، بمن فيه الإعلام الغربي، (نفس الدعاية حصلت مع الثورة السورية أيضا)، بل أيضا بسبب انهيار الخوف من الباسيج “شبيحة إيران” ومن عدو وهمي سني أو وهابي، إنه خروج مبرر بكل الأسباب (3).

لكن من يتألم الآن هو حكواتي المؤامرات، كيف سنصيغ حكاية المؤامرة الآن؟ لقد اعتمدوا بحكايتهم على أن الشيعية أو الفارسية هي المحرك “الشرير” خلف إرهاب النظام الإيراني في المنطقة، وربطوه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (بغية التجميل) بالشعب الإيراني الفارسي الرافضي الحاقد على العرب والمسلمين منذ معركة القادسية إلى الآن؟ الإيرانيون يصيحون “نريد إيران، لا علاقة لنا بسورية وفلسطين واليمن والعراق، نريد إيران”.

أما حكواتي الملالي الإيراني أو النظام الأسدي، فربما تبدو حكايته ما زالت تسير قدما: “إنه الحقد الوهابي السني، والشرانية الصهيونية الغربية التي تريد تدمير الممانعة” لكن الاستحالة التي يواجهها هذه الحكواتي أن شعب إيران وسورية لم يعد يصدق هذه الحكاية منذ أمد بعيد، فمن سفح دم الشعب، وسرقه وظلمه ووضعه في بين ألف مطرقة، فيه من الشر ما يكفي أي متأمر أو مؤامرة.

والاستحالة الثانية هي أن يكون أعداء حكام إيران من حكام الضفة الأخرى من الخليج قادرين وأذكياء بما يكفي لكي يستطيعوا تحريك شعب ضد ظالم جبار كالحكم الإيراني، فحتى الولايات المتحدة بكل قوتها وأياديها لا تستطيع فعل ذلك. لكنه غباء الحاكم يوم يشعر بالحبل على رقبته، فهو يعطي أعداءه قدرات شبه إلهية لكي يبرر رعبه وهزيمته أمام صوت الحق.

هل ستنتصر إرادة الشعب الإيراني؟ هذا سؤال صعب جدا في الوقت الحالي، فكل أعداء إيران لا يملكون القدرة ولا الخبرة ولا الإرادة لمساعدة هذا الشعب، فإذا خاف هؤلاء من الشعب السوري والمصري وهو أقرب لهم قوميا ودينيا وتاريخيا، فسرقوا ثوراتهم، فكيف سيساعدون الشعب الإيراني؟ أما الغرب فمن مصلحته ألا يسقط النظام الإيراني، ولا أن يستمر صاحب سلطة كاملة، فمن إيران يمكن زلزلة وسط آسيا كله، وبالتالي اقتحام الصين وروسيا. أما تركيا فلن تغامر بأي تدخل سلبيا كان أو إيجابيا، فعلاقاتها مع نظام إيران تقوم على مصالح كبرى وثقة وتاريخ طويل. الشعب الإيراني سيقف وحيدا محاصرا أمام مطارق الباسيج وأصحاب السلطة وعباءات الملالي السوداء. لكن للشعوب بالنهاية كلمتها.

 

02/01/2018

 

(1)    عبد الله بن سبأ، شخصية غير متفق على وجودها، لكنها عموما شخصية تاريخية تخيلية يدعي عديد من شيوخ السنة أنها شخصية يهودية “شريرة ماكرة” كانت وراء فتنة مقتل عثمان وحروب علي ونشوء فرقة الشيعة.

(2)    كعب الأحبار كعب بن ماتع الحِميّري، أيضا شخصية تاريخية تخيلية يدعي بعض شيوخ الشيعة أنها وراء رفض فرقة السنة لإمامة علي وأبنائه، وكان هذا الحميري حبرا يهوديا يدير بالخفاء الدولة زمن عمر بن الخطاب.

(3)   راجع مقال “ثورة إيران القادمة تنتظر السوريين

 رابط مختصر

http://wp.me/P2RRDZ-Cn