Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

اللاجئون بأوروبا بين الحقيقة وخيال المؤامرة

12/11/2015

 علاء الدين الخطيب

يهدف هذا البحث المختصر لعرض بعض الحقائق حول اللاجئين بأوروبا وخاصة السوريين وبالأرقام الموثقة من قبل حكومات الدول الأوروبية.

توضيحات تقنية:

·        المصدر الأساسي للأرقام هو قسم الإحصاء بالاتحاد الأوروبي.

·        اللاجئ هو من حصل على بطاقة الإقامة المؤقتة بانتظار القرار النهائي حول إقامته ومن حصل على قرار اللجوء أو الحماية الدولية.

·        الطلبات المرفوضة هي طلبات الأشخاص بالحماية الدولية والتي ثم رفضها أول مرة.

·        الأرقام الواردة هي أعداد اللاجئين خلال السنوات من 2010 إلى شهر آب 2015 ولا تشمل من لجأ لأوروبا قبل العام 2010 كما لا تشمل المهاجرين بطرق أخرى.

·        لم يكتمل توثيق أرقام السنة 2015 عند كل دول الاتحاد الأوروبي لذلك فالأرقام الواردة قد تكون أقل من الرقم الحقيقي.

·        المقصود بأوروبا في المقال هو الاتحاد الأوروبي بدوله الـ 28 بالإضافة لسويسرا والنرويج.

أعداد اللاجئين

يوجد بأوروبا خلال مرحلة الدراسة ما يقارب 2,802,000 لاجئ. وفي منتصف 2015 حوالي المليون شخص ينتظرون أخذ إذن الإقامة المؤقتة كلاجئ. يتوزع اللاجئون على دول أوروبا وفق الجدول (1).  26% من هذا العدد في ألمانيا، 12% في فرنسا، 10% في السويد، 7% في إيطاليا، 6% في بريطانية، 5% في النمسا و5% في بلجيكا.

clip_image002

الجدول (1) أعداد اللاجئين حسب الدولة المضيفة وجنسية اللاجئ.

 شكل الأفغان النسبة الأكبر بين اللاجئين خلال الأعوام 2010 إلى 2012 حوالي 8%. لكن بدءً من 2013 أصبح عدد السوريين اللاجئين هو الأكبر حيث وصلت نسبة السوريين الحاصلين على اللجوء في 2014 19% من عدد اللاجئين الكلي. ضمن فترة الدراسة يشكل اللاجئون من سوريا 12%، أفغانستان 8%، من كوسوفو 6%، 5% من صربيا. القادمون من آسيا يشكلون 41%، من أفريقيا 26%، من أوربة الشرقية وروسيا وتركيا 24%.

clip_image004

الجدول (2) عدد اللاجئين لكل 1000 مواطن حسب الدولة المضيفة وجنسية اللاجئ.

 لا تقدم الأعداد الكلية للاجئين صورة واضحة للمقارنة بين الدول. الجدول (2) يبين عدد اللاجئين خلال فترة الدراسة لكل ألف مواطن في 2015 حسب الدولة المضيفة وحسب دولة الأصل. نلاحظ أن لكل ألف مواطن أوروبي يوجد 5.4 لاجئ وسطيا خلال فترة الدراسة. فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبلغاريا يستضيفون أقل من المعدل الوسطي الأوروبي. بينما تستضيف السويد 28.6 لاجئ لكل ألف سويدي، يليها سويسرا بمعدل 15.7 لاجئ لكل ألف سويسري، يليها النمسا بمعدل 15.3 لاجئ لكل ألف نمساوي، يليها بلجيكا بمعدل 13.3 لاجئ لكل 1000 بلجيكي، يليها ألمانيا بمعدل 9.2 لكل ألف ألماني. ارتفع معدل عدد اللاجئين لكل ألف مواطن بين العامين 2010 و2015 في أوروبا حوالي 3 وسطيا، وارتفع في ألمانيا بحوالي 6.5، وارتفع في النمسا بحوالي 5، بينما لم يرتفع بشكل كبير في بريطانيا وفرنسا (انظر الشكل 1).

clip_image006

الشكل (1) تغيّر عدد اللاجئين لكل 1000 مواطن حسب الدولة المضيفة وجنسية اللاجئ.

 

رفض طلبات اللجوء:

خلال فترة الدراسة تم رفض 1,265,000 أي ما يقابل 45% من طلبات اللجوء في أوروبا. أعلى معدل لرفض طلبات اللجوء كان للطلبات المقدمة من الصربيين بمعدل 76% يليها الطلبات المقدمة من المقدونيين 71%. وأقل معدل رفض لطلبات اللاجئين كان طلبات السوريين بمعدل 6% (يقابل 19000 طلب لجوء). بقية الطلبات من البلدان الأخرى كانت بمعدل أكثر من 25%.

اللاجئون السوريون:

بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في أوروبا خلال فترة الدراسة أكثر من 328,900 لاجئ. العدد الأكبر منهم استقر بألمانيا بما يتجاوز 108,000 لاجئ، ثم في السويد 66,200 لاجئ، ثم النمسا 21,100 لاجئ، ثم هولندا 15,200 لاجئ. من الملاحظ أن عددهم في فرنسا حوالي 7000 لاجئ، كذلك ببريطانيا. انظر الشكل (2).

clip_image008

الشكل (2) توزع اللاجئين السوريين على الدول الأوروبية.

لكن من حيث معدل عدد اللاجئين السوريين لكل ألف مواطن، نجد أن أعلى معدل هو في السويد 6.77 لاجئ سوري لكل 1000 سويدي، ثم في النمسا 2.48 لاجئ سوري لكل 1000 نمساوي، بينما بألمانيا 1.34 لاجئ سوري لكل 1000 ألماني. الشكل (3).

 

clip_image010

الشكل (3) توزع اللاجئين السوريين لكل 1000 مواطن حسب الدولة.

 بلغت نسبة الذكور بين اللاجئين السوريين في أوروبا ضمن فترة الدراسة 70% ونسبة الإناث 30%. ونسبة الأطفال ممن أعمارهم دون 14 سنة بلغت 21%، ونسبة الشباب بين عمر 18 و34 سنة 48%، بينما نسبة من تجاوزت أعمارهم 65 سنة 1%. نلاحظ أن فرنسا ضمت أعلى نسبة إناث 42% بين اللاجئين السوريين، وأعلى نسبة كهول (فوق 65 سنة) 4%. بينما ضمت النمسا أعلى نسبة ذكور 77% وأعلى نسبة شباب 53%. الجدول (3).

clip_image012

الجدول (3) توزع اللاجئين السوريين حسب الجنس والعمر.

 

معلومات ذات صلة:

رفضت أوروبا دخول ما يقارب 1,667,000 شخص غير أوروبي على مداخل أوروبا لأسباب تتعلق بقانونية طريقة الدخول خلال فترة الدراسة.

منحت أوروبا ما يقارب 1,337,000 إذن إقامة أكثر من سنة واحدة لأشخاص من خارج أوروبا في العام 2014. من بينهم 71,639 سوريا.

بلغ الدخل الوسطي الفردي في أوروبا حوالي 16,500 يورو بالعام 2014. حيث وصل في سويسرا إلى 45,600 يورو، وفي ألمانيا إلى 21,900 يورو. يبين الجدول (4) مقارنة بين الدخل الوسطي الفردي وبين عدد اللاجئين لكل ألف مواطن.

 

clip_image014

الجدول (4) الدخل الوسطي الفردي وعدد اللاجئين لكل ألف مواطن.

 

بلغت نسبة المستفيدين من الضمان الاجتماعي في أوروبا حوالي 27% في العام 2012. والمستفيدون تشمل المتقاعدين والعاطلين عن العمل. تراوحت كلفة الشخص المستفيد من الضمان الاجتماعي في أوروبا الغربية بالعام 2012 بين 28,000 يورو في إيطاليا و58,600 يورو في هولندا، بلغت في ألمانيا حوالي 33,000 يورو للشخص وتجاوزت كلفة الضمان الاجتماعي الكلية 785 بليون يورو، وفي النمسا 38,600 يورو للشخص وتجاوزت كلفة الضمان الاجتماعي الكلية 92 بليون يورو، وفي السويد 46,600 يورو للشخص وتجاوزت كلفة الضمان الاجتماعي الكلية 124 بليون يورو.

حسب مكتب الإحصاء الألماني فإن كلفة اللاجئ في العام 2013 وصلت إلى 12,500 يورو سنويا. وتقدر أن الكلفة الكلية للاجئين في العام 2015 ستصل بألمانيا إلى 10 بليون يورو أي 1% من حصيلة الضمان الاجتماعي.

خاتمة:

امتلأت الصحف العربية وحتى المشهورة منها مثل القدس العربي، والإعلام العربي والفيسبوك بنظريات غريبة عجيبة عن نظريات ومؤامرات تريد استقطاب السوريين أو العرب أو المسلمين لأوروبا كي يستفيدوا منهم في سوق العمل أو في إفراغ سوريا من سكانها أو حتى لاستغلال “الفحولة ” العربية المزعومة. ونادرا ما قرأنا أرقاما موثقة وتحليلات موضوعية لمشكلة اللاجئين.

أولا، حتى مع هذا الكم الهائل نسبيا من اللاجئين المتدفقين على أوروبا الغربية فالتأثير الاقتصادي يكاد يكون صفريا من حيث التكاليف الحقيقية. المشكلة التقليدية بأوروبا التي تتبنى معظم دولها النظام الاشتراكي الاجتماعي هو أن زيادة ميزانية أي قسم مصروفات بمبلغ تافه نسبيا يستدعي بيروقراطيا الكثير من العمل والأخذ والرد، فما بالك والموضوع يتعلق بأجانب قادمين للبلد. المشكلة التي ثارت بأوروبا هي مشكلة سياسية أساسا بين الأحزاب الحاكمة لاستغلالها في صناديق الانتخابات.

ثانيا، لا يمكن لهذا العدد من الأجانب بأوروبا والذي لا يتجاوز 0.5% من عدد السكان الكلي وبأسوء الأحوال في السويد 2,8% من عدد السكان أن يؤدي لتغيير ثقافي أو اجتماعي أو ديني حقيقي. وبغض النظر عن النسب، فاللاجئون هم أناس مكسرو الجناح هربوا من الموت أو الجوع إلى بلاد مستقرة مؤسسة على ثقافة وقيم حضارية راسخة بالتاريخ ومحمية بإنتاج فكري فلسفي وعلمي هو الأضخم عالميا، فلا يمكن لهذه المجموعات أن تغيّر في هذه البلاد تغييرات جذرية ولا حتى على المدى الطويل. بالواقع العكس هو الصحيح والمحتمل أي أن ثقافة هذه البلاد ستؤثر على الوافدين الجدد، وهذا من طبيعة الأمور.

ثالثا، دول أوروبا الغربية هي دول مانحة لمنظمات الأمم المتحدة ومنظمات اللاجئين ولا تتلقى أي مبالغ من الأمم المتحدة تتعلق بمصاريف اللاجئين على أراضيها. بل بالعكس تشكل المساعدات الأوروبية لدول تمركز اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان والعراق وتركيا واليونان وصربيا وهنغاريا جزءا أساسيا وكبيرا من تكاليف رعاية اللاجئين هناك، لقد قدم الاتحاد الأوروبي لبرنامج اللاجئين التابع للأمم المتحدة في عام 2014 ما يتجاوز 271 مليون دولار ذهب منها 120 مليون دولار لمساعدة اللاجئين السوريين. شكل الاتحاد الأوروبي صندوق اللاجئين الأوروبي European Refugee Fund في عام 2000 لدعم الدول الأوروبية في إجراءات مساعدة اللاجئين وفق المعايير الدولية وقد قدم هذا الصندوق لوحده بين عامي 2008 و2013 628 مليون دولار لمساعدة الدول الأعضاء في إجراءات استقبال اللاجئين.  

رابعا، لو أرادت الدول الأوروبية استجلاب “مدد” بشري لتعويض التناقص السكاني الحاصل فيها لكان من الأولى والأرخص والأسهل ألا تطرد ما يزيد عن مليون ونصف مهاجر غير شرعي سنويا عن بواباتها الحدودية حيث أنها بتلك الحالة غير ملزمة قانونيا بالصرف عليهم. من ناحية ثانية الحاجة الأساسية بسوق العمل الأوروبي هي الطلب على الخبرات التقنية والعلمية أي ذات الكفاءات الدراسية والمهنية، ومن الأسهل بالتالي فتح باب هجرة سيطرقه الملايين بكفاءاتهم. بقي أن نضيف أن الدول الأوروبية محكومة بقوانين حازمة وليس مثل الدول العربية، فلا يستطيع أصحاب العمل التفريق بالراتب بين الموظفين حسب جنسياتهم أو عروقهم أو أديانهم.

إن السببين الأساسيين لاستقبال أوروبا للاجئين هما:

·        هذه البلاد مؤسسة على مقدس واحد هو “قيم حقوق الإنسان” وليس أي مقدس ديني. وأي انتهاك فاضح لحقوق الإنسان مثل أن يطردوا عشرات الآلاف من اللاجئين دون أي سبب سوى أنهم لاجئون سيؤدي لزلزلة النظام القيمي الغربي في الشارع وبالتالي في النظام كله.

·        ضغط الشارع الغربي خاصة في ألمانيا والنمسا وهولاندا والسويد كان له دور أساسي في جرأة السياسيين على اتخاذ قرارات ضخمة باستقبال اللاجئين. وطبعا حجم ألمانيا اقتصاديا وسكانيا كان قاطرة حظ طيب بالنسبة للاجئين وخاصة السوريين.

من الناحية العملية، ماذا يمكن لهذه الحكومات أن تفعل ومئات الآلاف تقف على حدودها ولا تستطيع العودة؟ ما طرحته ميركل أساسا بشكل واضح كان التعامل مع الواقع القائم وامتصاصه وفق القيم الأوروبية ثم الاستفادة منه لاحقا كتصرف منطقي، وذلك بدعم برامج الدمج والتأهيل بحيث يصبح اللاجئون أعضاء منتجون بالمجتمع مما يحقق مصلحة الطرفين.

أما نظريات التفريغ السكاني وما يشبهها من أفكار متولدة عن أسطورة المؤامرة الكونية فقد باتت من التفاهة أن نقاشها أصبح من العبث ومضيعة الوقت.

 12/11/2015