Sat. Apr 20th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

رياضان وبضعة معارضين يتركون الرياض 2

21/11/2017

علاء الدين الخطيب

 

خلال بداية الأسبوع الثالث من شهر تشرين ثاني/نوفمبر، استقالات بالجملة من هيئة التفاوض، بدأها الزعيم السيد رياض حجاب، وتلاه السيد رياض نعسان آغا وثمانية أسماء أخرى. 

طبعا من يقرأ هنا، سمع كل ما قيل ويُقال عن مؤتمر الرياض 2، الذي دعت له الحكومة السعودية بطاقمها الجديد بقيادة الأمير ولي العهد محمد بن سلمان؛ ولا بد أنه قد سمع وقرأ نداءات التحذير من الاستجابة، وأحيانا صيحات التخوين لمن سيحضر؛ كما لا بد سمع نداءات الالتمام والالتفاف لإنقاذ البلد بحل سياسي، بدعم حكومة السعودية الجديدة؛ وما بين الاثنين ما عادت عيون السوريين تدور، ولا آذانهم تصغي السمع، فكلا النداءين متشابهان مضمونا مختلفان شكلا، وكلاهما يدعي حمل صكوك الوطنية ومفاتيح الحل الكريم. ولا يهمني هنا الدخول بين فريقين يمثلان حكومتي قطر والسعودية وفريق غير واضح المعالم، فيما يسمى قادات المعارضة السورية، فجدلهما مثل جدل من يدافع عن حافظ الأسد لأنه لم يوقع مع إسرائيل اتفاقا، مقابل أنه هدم أسس الدولة السورية، مع من يدافع عن السادات لأنه وقع مع إسرائيل، وأيضا هدم أسس الدولة المصرية، وقادات المعارضة ساهموا بوعي او دون وعي بهدم الثورة السورية.

إن قراءة ما يجري بين صفوف قادات المعارضة، لا يمكن حصره بأن هذا “وطني” وذاك “أقل وطنية”، فسبع سنين تكفي لندرك أن السرّ يكمن في توازنات الدول الإقليمية أولا وأخيرا، لذلك لا بد من محاولة قراءة سريعة لما جرى سعوديا وقطريا، وفق ما هو معروف، وليس وفق أسلوب ادعاء معرفة الأسرار من مصادر خاصة سرية.

لعل أقرب الأحداث مؤخرا إلى الحركة السعودية في الملف السوري، هو احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية في السعودية وإعلان استقالته من على منصة سعودية. من حيث الظاهر والتصريحات السعودية، فالغضب يعود إلى دخول الحريري في اتفاق مع حزب الله في تشكيلة الحكومة اللبنانية؛ لكن هذه الحكومة مٌشكلة منذ نهاية 2016، وهي كما ظهر إعلاميا كانت برضى سعودي، فماذا حصل فجأة خلال الشهر الماضي؟ أكثر ما اختلف بين نهايتي 2016 و2017 هو صعود الأمير محمد ليكون الرجل الأقوى بلا منازع من أولاد عمومته، ولعل ذلك يرجح أن صاحب القرار الجازم بإطلاق حرب اليمن، أي الأمير محمد، والمواقف الأكثر عنفا ضد إيران لم يكن راضيا عما جرى في لبنان، لكن لم يكن الوقت مناسبا في نهاية 2016 ليفرض كلمته.

هناك سبب آخر قد يكون له وجاهة، رغم استحالة التحقق منه، يقول إن الحريري كان مساندا للأمراء السعوديين، المحجوزين حاليا، في خطة سرية لتحييد ولي العهد السعودي، أو على الأقل تحجيم قوته؛ هذا من الناحية الموضوعية احتمال قائم، فالصراع بين الجيل الثاني من آل سعود حقيقة قائمة لا يمكن إنكارها.

بكل الأحوال فالانقلاب الأبيض ضمن العائلة السعودية، واحتجاز الحريري أتى بعد أيام فقط من زيارة كوشنير المفاجئة للأمير محمد، في نهاية الشهر الماضImage result for saudi arabia Kushner cartoonي، والتي لا يعلم ماذا جرى بها حتى البنتاغون والكونجرس الأميركي، حسبما نقلت النيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين؛ خاصة إذا علمنا أنها ثالث زيارة يقوم بها صهر ترامب ذي الست وثلاثين عاما إلى السعودية، والذي لا يعرف الكثيرون من المسؤولين الأميركيين ما هو عمله بالضبط في البيت الأبيض. 

ربطا بين ما سبق، فلا بد أن الحكم السعودي مع آل سلمان، قد وجد ما يثير غضبه الشديد تجاه سعد الحريري، مما دفعه للقيام بحادثة ربما تكون الأولى من نوعها في العالم: احتجاز رئيس وزراء دولة أخرى، ثم تسليمه موجودا لدولة ثالثة هي فرنسا، التي كما يبدو أنها قدمت ضمانات للملك السعودي، بجلوس الحريري خارج الدائرة السياسية اللبنانية، حتى يقضي الصراع الإقليمي أمرا ما.

الآن نعود لموضوع رياض 2، هل فعلا تستطيع السعودية هذه المرة الالتزام بتصريحات وزير خارجيتها حول “إمكانية” القبول ببشار الأسد؟ بالواقع الوزير الجبير لطالما أطلق التصريحات النارية خلال السنتين الماضيتين، وكانت كلها جعجعة بلا طحين، من أيام عاصفة الشمال (أي ضد النظام الأسدي) إلى اليوم. وتصريحه هذا لا يمكن إلا ربطه بزيارة الملك سلمان للقيصر الروسي بوتين، وهنا يغلب الظن أن الحكومتين قررتا بذل محاولة مشتركة للخروج بحل “سياسي” في سورية.

لكن هل يمكن أن تقبل السعودية حلا، يبقى بشار الأسد، وبالتالي سيطرة إيران على سورية من خلاله، وممتدة على الأقل من حدود العراق إلى لبنان والبحر المتوسط؟ ما هو واضح أن الحكومة السعودية لا يمكن أن تقبل بهذه المعادلة، وهي تعاني ما تعانيه في اليمن؛ بغض النظر عن كل الجدالات، لا يمكن أن تقبل السعودية هزيمة في سورية أمام إيران، وما زال حزم عاصفتها في اليمن بعيدا حتى عن بوادر النصر. Image result for saudi arabia qatar cartoon

الاحتمال الثاني هو أن تقبل روسيا أن تتخلى عن إيران في سورية لتراضي السعودية؟ لكن هذا أيضا مستحيل، فروسيا لا يمكن أن تترك أهم حليف استراتيجي لها بعد بيلاروسيا وكازاخستان، لتراضي بلدا بالكاد بدأت تتكلم معه منذ بضعة أيام.

إذا لماذا؟ هل يُعقل أن الحكومة السعودية بهذه السذاجة لتصدق وعودا روسية بضمان تراجع إيراني في سورية مقابل إنهاء الحرب، وانتقال سورية للإدارة الروسية فقط دون الإيرانية؟ أم أن السعودية تريد المناورة، و”السير وراء الكذاب إلى وراء الباب”، في محاولة بعيدة النظر لاختراق الحلف الروسي الإيراني خطوة خطوة؟ ربما يكون الاحتمال الثاني هو الأرجح، فالسعودية لا تملك مصلحة باستمرار العلاقات الباردة مع روسيا، خاصة وأن الاثنين من أكبر ثلاث منتجين للنفط في العالم، وبنفس الوقت أي علاقات إيجابية مع حليف النظام الإيراني الأهم ستخدم السعودية مستقبلا.

من ناحية ثانية وهي بذات الأهمية، فالغضب السعودي من الحكومة الImage result for saudi arabia qatar cartoonقطرية لم يتراجع بل يتصاعد، ووصل لنقطة اللاعودة، وأحد أدوات عزل قطر الأساسية هي تجريدها من أوراق اللعب الإقليمية، ومن أهمها ورقة المعارضة السورية والإخوان المسلمين، وهذا يصب حكما في الرياض 2.

الحكومة السعودية لن تمضِ لمرحلة وضع حلّ بوجود الأسد، لإن ذلك يعني حكما بقاء إيران هي الأقوى في سورية، لكنها ستسير في لعبة الشد والجذب لإرضاء الروس جزئيا، الذين هم بحاجة لأي اختراق سياسي، مع اللامبالاة الغربية بورطتهم في سورية. وفي أية لحظة تستطيع السعودية تشكيل معارضة جديدة لرياض 3 أو 4.

أتمنى لو كنت أستطيع التضامن عاطفيا مع قادات المعارضة، وهم في خانة اليك الآن، إما أن تكون مع قطر أو السعودية؛ لكن 7 سنين من الفشل، والعمل لحساب الحروب المتحكم بها عن بعد بين ضفتي الخليج العربي، أي إيران ودول الخليج العربية، أو بين حكومتي قطر والسعودية، لا يمكن أن يسمح بأي تعاطف، خاصة إذا تابعنا ما أصدروه، بدءا من الزعيم رياض حجاب؛ فبيان استقالته ينم عن عقلية السياسي العربي المعتاد على الديكتاتورية والاستهتار بالشارع. بيانٌ مملٌ لا معنى له، لم يحمل أي تفسير أو سبب حقيقي، فهو يفترض، كأي سياسي عربي، أن الناس يجب أن تصدق أن قراره صحيح وتاريخي، فقط لأنه هو من هو. وطبعا ليس حجاب الوحيد، فكل مشاهير هذه المعارضة أثناء حفلات استقالاتهم وتعييناتهم، ومعاركهم الإعلامية ضد بعض، ثم مصافحاتهم لبعض، لم يقولوا شيئا مهما للناس عما جري ويجري خلف الأروقة والدهاليز.

ما يسمى حلا سياسيا في سورية، ما زال للأسف بعيد المنال، وفق واقع الصراعات وتوازن القوى الإقليمية. والحركة السعودية ليست سوى أسلوب لعب سياسي جديد مع روسيا، وبنفس الوقت هو خطوة سعودية أساسية في محاولة عزل قطر، فالمعارضة السورية المدعومة قطريا، بالإضافة للإخوان المسلمون تشكل السلاح القطري الأهم في صراعها مع الحكومة السعودية خارج الخليج العربي.

لا أقصد من خلال هذه القراءة السريعة طبعا، أن السياسة القطرية لو كانت حرة من نزاع السعودية، ستكون الأحوال السورية أفضل، ففشل المعارضة السورية يعود أساسا إلى سياسة قطر أولا ثم سياسة السعودية وتركيا. وهذه الصواريخ الموجهة الآن بين مناصري هذا الفريق أو ذاك من قادات المعارضة، ليست سوى تشتيتا إضافيا للشارع السوري، ولا يملك أيا منهما أفضلية في المنهج والعمل السياسي على الآخر.

 

21/11/2017

 

مقالات ذات صلة:

1-    مقال “لا حربا سعودية جديدة

2-    مقال النيويورك تايمز “The Upstart Saudi Prince Who’s Throwing Caution to the Winds

 

رابط مختصر:

http://wp.me/P2RRDZ-Bx