Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

لا حربا سعودية جديدة

11/11/2017

علاء الدين الخطيب

مع انتقال السياسة السعودية لمرحلة جديدة لا عودة فيها، بعد سجن عدد من كبار أمراء العائلة الحاكمة وأغناهم، ومع اختفاء سعد الحريري في السعودية، والمرجح أنه محتجز هناك، وصلت الرسالة النهائية: لا تصالح مع قطر، لا تصالح مع أي فريق أو دولة “صغيرة” لا يقدم دعمه المطلق للسياسة السعودية، فخطيئة سعد الحريري بالنسبة للحكم السعودي الحالي كانت في التساهل مع حزب الله ودخول حلف حكومي معه، ولربما أن قرار الحريري كان بالتشاور مع الجهة الغير صحيحة في السعودية.

انتشرت على مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي، إشاعات الحرب ضد حزب الله وربما إيران من قبل السعودية، كما يبدو فإن من أطلق هذه الإشاعة، ومن صدقها، قد نسوا هبّتهم منذ أقل من سنتين أيام إشاعة “عاصفة الشمال”، بعد “عاصفة الحزم” في اليمن. وعلى ما يبدو أن من قرعوا طبول عاصفة الشمال المزعومة هذه، وأوهموا الناس أن جيوش السعودية وتركيا ستدخل سورية لتنهي حكم الطاغية بشار، وكوابيس قنابله الكيماوية وبراميله القاتلة، هم أنفسهم من يضخمون هذه الأوهام.

ما حصل في السعودية ليس مجرد سجن “مسؤولين كبار” بدولة ما، إنه قلب لمنهجية حكم أسسها الملك عبد العزيز منذ 80 سنة؛ والتي انتبه لضعفها المرحوم الملك عبد الله، الذي حاول بآخر سنيّ حكمه وضع نظام يضمن سلاسة تداول الحكم بين الجيل الثاني من أحفاد الملك عبد العزيز، لكن ما أسسه عبد الله بن عبد العزيز، لم يكن مبنيا بشكل متين؛ فوصل الخلاف بين الأحفاد إلى سجن الأمراء الآن، أما دعوى الفساد فهي مجرد غطاء إعلامي لا يصدقه أحد. هذا الانتقال الضخم في منهجية الحكم السعودي يحتاج لجهود وتركيز كبير من قبل حكام المملكة، وإلى توجيه كل الإمكانيات المتاحة لدعم هذا النهج الجديد، فترسيخ قوة البيت الداخلي السعودي الآن هو أولية للحكم السعودي الجديد، خاصة بعد سنين عجاف صاحبت انخفاض أسعار النفط. 

Related image

من ناحية ثانية، بغض النظر عن أسباب وصوابية قرار حرب اليمن، فلا يبدو أن لهذه الحرب نهاية قريبة، وهي تكفي السعودية استنزافا ماديا وعسكريا، والأهم استنزافا نفسيا وسياسيا، فاليمن هو خاصرة السعودية الرخوة، ولا يمكن لها أن تطمئن قبل أن تضمن استقراره تحت حكم قوي موال. فالسعودية بالنهاية، وبعيدا عن مبالغات الإعلام الشعبوي وأشعار الحماسيات القبلية، دولة متواضعة الإمكانيات العسكرية (تعداد الجيش السعودي يصل إلى 240000 جندي، ما يقارب 150000 جندي منهم منتشرون على حدود اليمن)، وفتح حربين مباشرتين لا تستطيعه سوى دول من قياس الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين.

كذلك فإن موازين القوى الدولية، وتشابكات العلاقات والصراعات الدولية، غير مهيئة مطلقا لأي حرب جديدة غير متحكم بها. فمن قال إن الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا يؤيدون هذه الحرب على حزب الله؟ وإقليميا وبغض النظر عن إيران، هل توافق تركيا؟ وهل إسرائيل ستكون سعيدة بوجود سعودي بدل الإيراني وحزب الله؟ العلاقات الدولية ليست جلسات مشايخ لقبائل وعشائر، يشربون القهوة المرة، ويحلون مشاكلهم بتقبيل الذقون، أو يفجرون حروبهم بسبب ناقة.

طبعا فإن زيارة دونالد ترامب إلى السعودية، وزيارة الملك السعودي إلى موسكو، لها ارتباط مباشر بالتغيير السياسي في السعودية، لكنها بالتأكيد ليست أوامر تم إعطاؤها من قبل ترامب، وليست سرا هينّا يتم مشاورة بوتين به. الإدارة الأميركية لا تمانع تغييرات داخلية ضمن العائلة، طالما أنها ستحقق استقرارا أكبر لأقدم حليف أميركي استراتيجي في المنطقة؛ كذلك فإن السعودية قررت اقتحام الحمى الإيراني عبر روسيا، وستتعامل مع روسيا وفق الأعراف الحديثة الدولية: “نحن مختلفون في سورية وحول إيران، لكننا نريد علاقات جيدة اقتصادية وسياسية”.

السؤال الأساسي هو سؤال تقني: كيف ستحارب السعودية حزب الله؟ هل سترسل جيشها، بفرض قدرتها على الاستغناء عن جزء منه، إلى لبنان عبر الأردن وسوريا؟  أم عبر إسرائيل؟ أم أنها سترسل مليشيات غير نظامية؟ أم ستحرك حلفائها وتمدهم بالمال والسلاح؟ وهل استقرار لبنان قرار سعودي بحت؟ أم أنها ستنتظر إسرائيل أن تشن الحرب بدلا عنها؟  وهل إسرائيل غبية لتحارب بدلا عن السعودية؟  بالواقع هذه أسئلة بديهية، وأجوبتها بديهية، بأنها كلها مستحيلة، لكن من يبحث عن أي وهم سيجده، خصوصا في ثنايا نظريات المؤامرة الكونية الأسطورية.

ضمن تحركات الحكم السعودي الحالية، والوضع الداخلي والدولي يمكن الجزم، بأن إشاعات الحرب الوشيكة في لبنان هي مجرد أوهام، ضرورية في هذه اللحظة لتشتيت الانتباه والمشاعر. سيحصل تغيّر واضح في السياسة السعودية لكن ليس إلى مرحلة الحرب، لكن ربما يكون عودة قوية إلى الأرض السورية، بعد أن هجرتها السعودية طويلا، لكنها ستكون عودة لا لكي تقبل بالدور الروسي كما هو، متحالفا مع إيران؛ أما في لبنان فالوضع سيكون صعبا للعودة السعودية، فاحتجاز الحريري قد يبعد الكثيرين من حلفاء السعودية عنها، أو على الأقل تتراجع ثقتهم بعدما حصل، كذلك وليس بسبب ثقل لبنان السياسي، لا يمكن دوليا قبول هذا السلوك بسهولة من الناحية الرمزية على الأقل “احتجاز زعيم سياسي من قبل حكومة أخرى بقرار فردي”؛ ولربما في آخر لحظة قد نجد سعد الحريري عائدا لبيروت، بقصة ما تبرر غيابه، لكنها عودة رجل الأعمال فقط.

على ما يبدو أن تحركات الحكم السعودي الصاخبة إعلاميا، ستعود للاستقرار والاستمرار، خاصة مع عدم وجود اعتراضات دولية مهمة، ولعل لخارطة الطريق السعودية التي أعلنها ولي العهد، أملا بتحقيق ما لم يتحقق خلال عقود ماضية، فالشعب السعودي يستحق دولة مستقرة قوية عادلة.

 

11/11/2017

رابط مختصر

http://wp.me/P2RRDZ-B6