Thu. Apr 18th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

سوريا ساحة صراع الكل مع الكل

29/01/2014

علاء الدين الخطيب

تحولت أمنية الغالبية السورية بدولة ديمقراطية حرة مستقلة مستقرة إلى ساحة صراع هو الأبشع بين كل من هب ودب في هذا السوق العالمي المتحلل من أي قانون أو مبدأ أخلاقي. صراع قائم على التجارة بمصير وطن كامل وضعه حظه العاثر من خلال نظام ديكتاتوري مخابراتي دموي وقيادات معارضة تائهة على طاولة البازار العالمي ليكون المادة الأنسب للمقايضات الكبرى في الصراع الدولي.Slide58

انتشر خبران خلال الأيام الماضية شكلا كالعادة وبسبب الإعلام مادة إعلامية جذابة وشعبوية بما طرحاه من إثارة ومن أوهام.

الأول كان “الحوار الساخن” الذي سماه البعض “الصدامي” بين وزيري خارجية تركيا وإيران على الموضوع السوري، عندما قال الإيراني أنه في سوريا لحماية المقدسات الشيعية ورد التركي بأن السنة أيضا سيحمون المقدسات. وطبعا اجتاحت الساحة السورية التهليلات بفتح الله على يدي أو بالأصح كلمات الوزير التركي.

الحقيقة الأساسية في العلاقات الدولية أن ظاهر التصريحات السياسية لا يشير ولا يدل دائما على حقيقة العلاقات بين الدول. بل الأرقام هي الفيصل في معرفة طبيعة هذا العلاقات وامكانيات تطورها أو تدهورها. إيران خلال السنوات الماضية كانت الشريك التجاري السادس أو السابع لتركيا. وتراوحت قيمة التبادلات التجارية بين البلدين خلال السنوات الأربعة الماضية بين 7 و8 بلايين دولار. والأهم بالنسبة لتركيا كبلد يخلو تقريبا من مصادر الطاقة الأحفورية، وبالنسبة لإيران التي تعاني من حصار اقتصادي، أن 50% مما تستورده تركيا من النفط وحوالي 30% من الغاز الطبيعي يأتي من إيران. مع وجود عدة مشاريع موقعة بين البلدين لبناء خطوط نقل غاز طبيعي جديدة. إذا فنحن هنا أمام شراكة تجارية استراتيجية تتزايد باطراد بين بلدين لا يسوقهما مراهقو سياسة مزاجيون، هذه الشراكة والمصالح المقدرة ببلايين الدولارات لن تسمح لهذه المسرحيات الإعلامية في دافوس أن تهدد جريان الأموال بين البلدين كرمى لمقدس شيعي أو سني.

الخبر الثاني، كان ما تناقلته وسائل الإعلام عن “أن الكونغرس الأمريكي قرر تسليح المقاتلين السوريين المعارضين للنظام في جنوب سوريا إن كانوا غير متشددين إسلامويا“. وأيضا هنا تعالت صيحات التهليل والتكبير الساذجة. مصدر الخبر هو وكالة رويترز التي علقت الخبر على رسميين أمنيين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية دون أسماء، بينما رفضت كل المصادر الرسمية الأمريكية بالإدارة والكونغرس التعليق على صحة الخبر. وحتى بفرض صحته، فالتسريب الغير موثّق يقول ما يشبه النكتة “للمقاتلين الغير متشددين اسلامويا بجنوب سوريا وبأسلحة خفيفة لا تشمل صواريخ محمولة على الكتف”.

الأهم في الدلالة على عبثية هذا الخبر والتهليل الغريب له، هو أن الرئيس الأمريكي في خطابه الأهم السنوي State of the Union ركز بتسعين بالمئة بكلامه على السياسة الداخلية الأمريكية ومشاكله المستمرة مع الأغلبية الجمهورية المتعلقة بقوانين الضمان الإجتماعي والضرائب والعدالة الإقتصادية. وبهذا المجال كان خطابه واضحا وحازما بأنه سيستخدم كامل سلطاته الدستورية لتمرير كل القوانين اللازمة لتحسين -حسب رأيه- حالة المجتمع الأمريكي بدون الرجوع للكونغرس الأمريكي. وهنا أتى الرد الغير عادي عبر ثلاث متكلمين من معارضيه -فتقليديا يقوم ممثل واحد لمعارضي الرئيس الأمريكي بالكونغرس بالرد على خطاب الرئيس- الذين أصروا على منع أوباما من المضيّ بسياساته الاقتصادية والاجتماعية في أمريكا.

بالنسبة للسياسة الخارجية، فالموضوع الأهم كان بالنسبة لأوباما هو الملف الإيراني حيث أيضا قال باختصار وحزم، أنه سيستخدم حقه بالفيتو على أي قرار أو تحرك للكونغرس ضد إيران خارج منهجه الديبلوماسي والسياسي مع إيران لأنه مقتنع بضرورة منح الديبلوماسية نصيبها مع شرط التحقق من الفعل الإيراني الملتزم بالنتائج.

أما بالنسبة لسوريا، فقد كانت الإشارة سريعة وضبابية في معسول الكلام السياسي حول الاستقرار وخطورة السلاح الكيماوي السوري وضرورة المضي بخطة تجريد سوريا من السلاح الكيماوي. ولم يشر لا من قريب ولا بعيد لإشاعات “التسليح الأمريكي” ولا لصدامه مع بعض السيناتورات الأمريكيين حول سوريا. بل بنى موقفه على غالبية أمريكية -وفق استطلاعات الرأي- التي تريد تجنب التورط العسكري بسوريا وتؤيد سياسته في استيعاب السلاح الكيميائي في سوريا. هذا الرأي العام الأمريكي مبنيّ على ما قدمه الإعلام الغربي والعربي حول سوريا خلال السنة الأخيرة بأنها مجرد مساحة جغرافية يتقاتل فيها ديكتاتور متسلط مع مليشيات قاعدية إرهابية بشكل وحشي وفوضوي. صورة ساهم بها حتى بعض المعارضة السورية وكل الإعلام العربي المؤيد أو المعارض للنظام السوري.

سوريا الآن هي ورقة لعب بيد كل المتصارعين على موائد القمار الدولية والإقليمية. كل  اللاعبين يعلنون عشقهم وحزنهم على سوريا وتضامنهم مع الشعب السوري، وكلهم يتكلمون ويتكلمون لكن أفعالهم وأموالهم تسير مباشرة على خط مصالحهم التي لا ترى بسوريا سوى مادة مناسبة لهزيمة الأعداء وتمرير الصفقات.

29/01/2014

 

المراجع:

بيانات البنك الدولي

الاتحاد الأوروبي – المكتب التجاري

http://atlas.media.mit.edu/country/tur/

http://www.bbc.co.uk/news/world-us-canada-25917009