Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

إيران وأمريكا والسعودية، الكوميديا السوداء

 25 -11 – 2013

علاء الدين الخطيب

ساد فضاء صناعة الرأي العام العالمي والعربي خصوصا منهج تسطيح القراءة السياسية منذ نصف قرن وللآن. في الغرب هذا التسطيح موظف ضمن ماكينة السوق الرأسمالي لتحييد الرأي العام حول الجوهريات الإستراتيجية ومنحه حرية تصل لحد الفوضى في التفاصيل الثانوية مما يعطي المواطن الغربي شعورا عارما أنه “صاحب قرار”، بكل الأحوال هذه الماكينة الغربية تتحلى بالكثير من الذكاء والمكر كي لا يتم كشفها بسهولة. أما في العالم العربي فهذا المنهج التسطيحي يسعى أيضا لخدمة آلية السوق وتحقيق الربح والشعبية من خلال “الفلاشات”، لكنه مترافق أيضا مع تسطيح أسوء بالتفاصيل ونظام حكم سياسي وبنية إجتماعية ودينية ديكتاتورية تسلب الإنسان متعة الشعور بأهمية الذات من خلال التأثير على قرار الدولة. 

هذه  المقدمة ضرورية لمناقشة تطورات الملف النووي الإيراني، والسعار العجيب في “سوق الإعلام” لتناول هذا الموضوع وفق سطحية كارثية تبحث عن العنوان الأكثر إثارة وغرابة لجلب القراء، فيصل البعض لحد الادعاء أن السنة القادمة ستشهد حربا إيرانية مدعومة أمريكيا ضد السعودية المدعومة إسرائيلياً، ويبالغ البعض بأن يسدي النصائح لأمريكا أن لا تبيع مصالح إسرائيل لحكام إيران لأن نتنياهو أعلن رفضه للاتفاق. الطرف الآخر يطير به الخيال أن أمريكا والغرب جاؤوا ساجدين لإيران في لعبتها الإستراتيجية وببداية العام 2014 ستسقط سورية تحت حكم نظام بشار الأسد ولبنان تحت وصاية نصر الله. وما بين هذين التطرفين نجد بعض التحليلات التي تحاول التخفيف من ضغط آلة سوق الإعلام، لكنها تبقى تعيش وتقتات على ماذا قال اوباما وماذا علق بوتين وكيف عبس نتنياهو وهل بكى عبد الله وهل أرّق الليل حمداً. هذه المنهجية للأسف هي الأكثر ضخا إعلاميا والأكثر تضليلا للرأي العام. يتناسى أصحاب منهجيات الحكم العاطفي وتفسير مقولات السياسيين أن حتى مقولات هتلر كانت مفعمة بالإنسانية والأهداف النبيلة وأن الحرب كانت إجبارا وليس اختيارا.

تنعم العائلة الحاكمة السعودية وعوائل حكم الخليج العربي بعلاقات مستقرة مع الغرب وبالذات مع الولايات المتحدة منذ 1945 إلى الآن، علاقات لم تشهد أية توترات حقيقية طوال ستة عقود. من خلالها وبالاستفادة من الخبرة البريطانية الاستعمارية، الولايات المتحدة دخلت بكل تفاصيل النظام الخليجي العربي سياسيا وماليا وبل شخصيا. بنيةٌ تم إنشاؤها بدون مكدّرات طوال عقود وتضمن للولايات المتحدة تحكما شبه كامل بهذه الدول. أضف لذلك أن سلامة وأمن هذه العائلات الحاكمة مرتبط جوهريا بالعسكر الأمريكي المرابط بالخليج العربي منذ 3 عقود. أفضل تدليل على ما سبق هو أرقام البلايين، فلو راجعنا إحصائيات مكتب التجارة الأمريكي الحكومي لوجدنا أن عام 2012 شهد تبادلا تجاريا بين أمريكا والسعودية بلغ  73800 مليون دولار، وبين أمريكا وباقي دول الخليج العربي حوالي 40000 مليون دولار. بينما بلغت قيمة التبادل التجاري بين أمريكا وإيران بنفس العام 253 مليون دولار. ومجرد المقارنة بين هذه الأرقام يكفي لنقول أن كل ما يقال حول انتقال الولايات المتحدة للضفة الشرقية للخليج العربي من الضفة الغربية ما هو إلا محض “خرافات” وبأحسن الأحوال “فلاشات” إعلامية غايتها الإثارة على منهج الجرائد الصفراء.

قد يحاجج البعض، إن هذه الأموال معظمها نفط وغاز وبسهولة يمكن للولايات المتحدة ان تنتقل للمنتوج الإيراني وترفع قيمة التبادل 300 مرة أكثر من قيمته الحالية خلال سنة أو سنين. هذه الحجة بالواقع تتجاهل أبسط قواعد التجارة الدولية بل والتجارة على مستوى سوق الحميدية في دمشق وحلب، فأساس العلاقات التجارية بعد المال والربح هو “أمان واستقرار التجارة” فلا يمكن لأي تاجر أن يرهن تجارته وزبائنه على مورِّد متقلب المزاج أو المصالح حتى لو قدم له هذا المورِّد أسعارا أرخص، فما بالك بالعلاقات الدولية والصراعات المتوحشة بالسوق العالمي، هل سيقايض الغرب مصدِّرا مواليا ومطيعا لا يفكر حتى مجرد التفكير بقطع التجارة مثل دول الخليج العربية بمصدِّر مثل إيران كلما “دق الكوز بالجرة” يهدد بأنه سيغلق مضيق هرمز ويوقف تجارة النفط؟ بل حتى من موقع حكومات إيران والخليج العربي يمكننا طرح هذا السؤال نفسه، هل أربط صادارتي بمستورِد كلما “دقت الجرة الكوز” يهددني بالضربة العسكرية والحصار الخانق؟ ولنعد للأرقام، إيران تصدر 82% من صادارتها النفطية لدول آسيا (الصين 20%، اليابان 14%، الهند 13%، تركيا 7%) وال18% الباقية تذهب لأوروبا. فهل ستخسر إيران هذه العلاقة التجارية المستقرة مع آسيا فقط لأنها “شيعية مجوسية” تكره “السنة العربية”؟ وسيغامر الغرب بهذا الاستقرار التجاري مع عرب الخليج فقط لأنه “صليبي غدّار”؟ وهل ستقف كبرى إقتصاديات العالم في الصين والهند واليابان تراقب “الرافضة والناصبة والصليبيين” يقلقلون السوق حسب أهواء سندة معابدهم؟ الشكل التالي يقدم فكرة عن العائدات النفطية السنوية لإيران والسعودية ويظهر بشكل واضح استحالة قلب السوق العالمي بمجرد ابتسامات متبادلة بين روحاني وأوباما.

القراءة العقلانية المتأنية لتطور مفاوضات الملف الإيراني النووي تقول أن الصراع بين معسكريّ الصين روسيا وإيران والنظام السوري ضد معسكر الغرب الخليج العربي تركيا قد أرهق الطرفين وهم بحاجة لنوع من الاستراحة أو الهدنة القصيرة وفتح كافة الأبواب للمستقبل، لكن بالتأكيد أن هذا التطور لا يحمل أي تغييرات استراتيجية على مستوى السوق العالمي في المدى المنظور، وللأسف لا يحمل أي تباشير بإعادة بعض الاستقرار إلى أرض المعركة بين هذين المعسكرين في سورية.بل لربما تتطور الأوضاع بشكل دراماتيكي، خاصة وأن بعضا بالإدارة الأمريكية ما زال مسكونا بالرغبة في حرب جديدة، لكن ضد إيران، والتي هي بدورها محكومة بنظام ملالي شمولي مهووس بالسلطة ومؤمن بالعنف والردع.

إن المحتكرين للمشهد الإعلامي والسياسي السوري وبما يروّجونه من أوهام من خلال قراءات سطحية للسوق العالمي إنما يرتكبون جريمة ضد الإنسانية وضد الشعب السوري سواء كانوا يعون ما يفعلون أم لا. فمقتل الوطن السوري الآن متعلق أولا بالرأي العام والإعلام والأفكار قبل السلاح، لأن السلاح والمال هو قرار السوق العالمي وبالتالي هو قرار قاتل للوطن السوري سواء أتى من معسكر الشرق وإيران أم من معسكر الغرب وتركيا والخليج العربي، بينما السبيل الوحيد لإنقاذ الوطن السوري هو الوعي الشعبي العالي بالوطن السوري. التلاعب بهذا الوعي بأسلوب “الشوارع” وحروب “داحس والغبراء” هو جريمة كبرى بحق سورية لا تقل عن جرائم النظام السوري وقادات الفصائل المسلحة الفوضوية.

 25 -11 – 2013

المصادر:

*مديرية التجارة الأمريكية – مكتب الإحصاء  U.S. Department of CommerceCensus Bureau

*منظمة الأوبك

*إدارة معلومات الطاقة الأمريكية Energy Information Administration IEA

—————————–

مقالات ذات صلة


هل ينتصر بولتون على خامنئي؟

ترامب ومحمد بن سلمان، مصالح دول أم نزوات زعماء؟

لماذا هذه الضجة حول خاشقجي؟ وما هي احتمالات المستقبل؟
لا حربا سعودية جديدة

روسيا والصين وإيران حلف مستمر


السلاح السري الروسي السعودي – تابوت جبريل

مليون دولار تعويضات لفلك نوح بسبب المطر