Thu. Apr 18th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

ماذا قرر السوق الدولي حول سورية؟

04/01/2014

علاء الدين الخطيب

تسارعت الأحداث في الشهور الأخيرة حول سوريا تسارعا يمكن ربطه بطريقة ما بمؤتمر جنيف2. لكن بنفس الوقت من السذاجة الاستسلام لفكرة أن هذا المؤتمر هو “بيضة القبان” الوحيدة التي ستقلب كل شيء. زيارتان لرجل النظام السعودي الأقوى بندر بن سلطان لموسكو خلال الشهور الأخيرة أحيطتا بالسرية والغموض مع بعض الحكايا الخيالية إعلاميا. الغرب يوقع اتفاقا مبدئيا مع النظام الإيراني لتبطيء الأبحاث النووية الإيرانية. الإعلان عن 3 بلايين دولار مساعدات سعودية عسكرية للجيش اللبناني. صراع قطري سعودي في المعارضة السورية تجلى في المجلس والائتلاف وفق مسطرة حضور جنيف2. تبييض إعلامي مقصود لجبهة النصرة من خلال زعيمها “الغامض” واحتشاد إعلامي مفاجيء من كل الأطراف بمهاجمة داعش (كبش الفداء بالصراع المسلح في سوريا). عودة النظام السوري لاستراتيجية حرق الأرض من خلال أسلحة بدائية غير مكلفة هي براميل الموت في حلب وريف دمشق، بالإضافة للعودة لملاحقة الناشطين المدنيين واعتقالهم.

من أكبر الأخطاء -المتعمدة أو الساذجة- بناء رأي أو اتخاذ موقف على مجريات اللحظة السياسية في الصراع الدولي الأزلي. وأيضا من أكبر الأخطاء خاصة بالقرن 21 تضييق النظرة لمساحة بلد أو إقليم مثل سورية ضمن منطقة غرب آسيا لبناء رؤية استراتيجية للمستقبل. هذه الأحداث يجب ربطها مع التاريخ القريب على الأقل، ومع تموجات صراعات السوق العالمي ككل.

من المعروف أن بندر بن سلطان هو رجل أمريكا المدلل في النظام السعودي وبنفس الوقت هو في نظام أثبت دهاءً كبيرا في الاستمرار في حكم أغنى بلاد العالم بالنفط لما يزيد عن 80 سنة بقبضة من حديد. كما أن كل إحداثيات الصراع القاسي بين روسيا والصين من جهة ضد المعسكر الغربي من جهة ثانية تؤكد أن إيران هي أهم حليف للبلدين ضمن هذا الصراع خصوصا بعد استقرار تقسيم النفوذ في أوروبة الشرقية بين روسيا والغرب. والنظام الإيراني بدوره متمسك للعظم بهذا الحلف الاستراتيجي لأنه يعلم أنه أقوى ضمن هذا الحلف مع عملاقيين صاعدين أكثر من أن يكون حليفا اتكاليا مع المعسكر الغربي، خاصة أن تاريخ تحالفات الغرب السياسية مليئة بانقلابات غربية سريعة. فتنشيط العلاقة الروسية السعودية لا يمكن أن يكون على حساب الحلف الأمريكي السعودي الممتد منذ 80 سنة، كذلك لا يمكن لروسيا أن تبيع حليفها الاستراتيجي الإيراني مقابل بضعة بلايين من الدولارات من نظام سعودي مخترق من قبل الإدارة الأمريكية.

لقد انتهى عصر التحالفات المغلقة مع نهاية الحرب الباردة، بمعنى أن تكون سوريا أيام حافظ الأسد محسوبة على المعسكر السوفيتي فبالتالي تكون مغلقة الأبواب أمام المعسكر الغربي أو العكس بحلف السعودية مع الغرب. اللعبة الدولية توصلت لقناعة أن العلاقات الدولية والتحالفات لا يجوز أن تغلق الأنفاق الخلفية بين الدول وخاصة ذات التأثير الجوهري على الوضع الدولي. فتقرب إيران من أمريكا والسعودية من روسيا لا يعني انقلابا دراماتيكيا في لعبة الصراع الدولي الدامية بل هو مجرد وسائل إضافية للتحكم ببؤر الصراع وبالتالي التحكم بانتشارها وتأثيرها. هذا الصراع توصل لأعلى درجات الحكمة “أنت قوي، وأنا قوي. فلنتصارع لكن لا نكرر خطأ نمرود الجبار (عليّ وعلى أعدائي)، بقاء المعبد-السوق هو أساس قوة كلينا”.

ضمن هذا “الصراع الذكي” تقع مأساة الشعب السوري. مأساة شعب تتقاذفه مصالح حيتان السوق العالمي ذات اليمين وذات الشمال، وبنفس الوقت تريد التحكم بأزمته وعدواها كي لا تنتشر فوق الحدود المسموح بها. هذه الحدود ترسمها أساسا قوة كلا الطرفين المتحكمين بالصراع من خلال تحكمها بالمال والسلاح والإعلام. النظام الغربي يصارع النظام الروسي الصيني الصاعد، السلطان السعودي يصارع السلطان الإيراني، كل هؤلاء لا يستطيعون -وهم يدركون ذلك- هزيمة الطرف المقابل بالضربة القاضية. إنها حرب يمكن تسميتها بدقة “حرب استنزاف” طويلة المدى يمارسها كل الأطراف، ولسوء حظ الشعب السوري أنه وقع بين الاثنين وبموقع اليتيم على مائدة اللئام.

تم تقسيم الشعب السوري لفسطاطين كما يقول أمراء الإسلاموية التكفيريون. فسطاط خارج الأرض السورية هزمه الإعلام والمنهج الاستسهالي في التفكير والعمل فغرقت غالبيته في نيران التطرف والتعصب الطائفي والقومي والسياسي وحتى الشخصاني، وولّد هذا الفسطاط بالتالي غالبية من وجوه المعارضة السياسية الإعلامية تسير في ماكينة الصراع باستسلام كامل لأوامر السوق. وفسطاط داخل الأرض السورية لم يستطع الإعلام تحويله لقبائل بدائية تمارس القتل الطائفي والعرقي لأنه يدرك بالممارسة اليومية أن مشكلته ومأساته ليست مع جاره السني أو العلوي أو المسيحي. لكن تم إجبار هذا الفسطاط  على أن يعيش تحت رحمة سلاح أمراء حرب من جهة النظام وحلفائه الإيرانيين وبين سلاح أمراء حرب إسلامويين مموّلين تشاركيا من قبل كلا المعسكرين المتصارعين على سوريا. فسطاط الداخل -للأسف- نسيَه الجميع بمن فيهم السوريين المسيطرين على صناعة الرأي العام من إعلاميين وكتاب ومشاهير، فتم اختصار 20 مليون سوري في قبيلتين: قبيلة شبيحة النظام والنظام السوري، وقبيلة الفصائل الإسلاموية المتطرفة وقاداتها الميدانيين والتنظيريين مثل داعش والنصرة ولواء التوحيد والجبهة الاسلامية. هذا الاختصار الجائر التهديمي سهّل ويسّر مهمة صراع الشياطين على سورية بين المعسكرات العالمية، فاختار النظام السوري بإرادته أحد المعسكرين، بينما تم حشر وإجبار الشعب السوري على المعسكر الآخر من خلال الإعلام أولا ثم المال والسلاح.

طريق إنقاذ مستقبل سورية كوطن طريق طويل، لكنه بالتأكيد لا يمكن أن يمرّ ضمن ما يسمونه “الواقعية السياسية” بمعنى الانحياز المطلق الأعمى لأحد خنادق السوق العالمي. فهذه ليست واقعية بل مقامرة بمصير وطن عمره 10000 سنة اعتمادا على بعض المصافحات والابتسامات والصور الملونة، أو هي كما يصيح بعض من أعماهم الغضب ورغبة الانتقام -ونفهم مبررها الشعوري الفردي- “إذا كان لإحراق نيرون لا بد من حرق روما، فسنحرقها”. لسورية طريق أول أساسي مضمون لكنه مهمل ومتروك وهو طريق ال23 مليون سوري أصحاب المصلحة الوحيدة بسورية وطنا موحدا مستقلا آمنا.

04/01/2014