Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

النظام السوري وسلاح الوقت

05/02/2014

علاء الدين الخطيب

رافق جنيف2 الكثير من اللغط والخبط كلاما وصورا وإعلاما. وانحازت كل وسيلة إعلامية وموقف رسمي بشكل حاد ضد الآخر. فبينما رفض المؤيدون أن يروا في وفد الائتلاف سوى “خونة” ومضحكون وملؤوا إعلامهم سخرية من صلعة الجربا وجرح المالح. توجه الثوريون إلى السخرية من كل إشارة لوفد النظام “الخائن” برأيهم، وملوؤا إعلامهم سخرية من بدانة المعلم ونظرات الزعبي. ولم يقصر بعض الطرفين في الانحدار لتبادل الإهانات الجنسية الخارجة عن كل الاعراف الاخلاقية التي بالواقع تسيء لما يظنونها قضيتهم.

أين كان النظام السوري في هذه المعمعة؟ بالتأكيد لم يكن النظام كمركز ثقل وقرار حاضرا بجنيف2، بل كان على خطوط الهاتف يراقب المشهد. فلا أحد ممن حضروا بوفده هو من أصحاب القرار. فأفضلهم حالا كالمعلم والجعفري هم مستشارون وواجهات تخاطب مع الخارج. مع ذلك يمكن للمراقب بسهولة أن يستنتج مؤشرين مهمين:

المؤشر الأول: النظام السوري ماضيٌ في لعبة الصبر والوقت. لقد توصل النظام إلى هذه النتيجة منذ نهايات 2012 بعد أن شارف الانهيار في ربيع نفس العام. لقد أمضى النظام النصف الثاني من 2012 متراجعا من الناحية العسكرية ومتقهقرا على الأرض لكن مطمئنا للنجدات التي أتته عبر حلف حكومات السعودية وقطر وتركيا من خلال تصاعد قوة وغنى وسيطرة قادات الفصائل الإسلاموية بدءاً من مليشيات الإخوان المسلمين والنصرة ووصولا الآن إلى داعش وما شابهها بضلالها. هذا التراجع العسكري على الأرض أتى طبعا تحت ضغط الجيش الحر وانتشار النقمة أكثر فأكثر على النظام. لكن النظام السوري وبعد أن أثبت لداعميْه حكومات روسيا وإيران أن إيجاد بديل له بين صفوف المعارضة مستحيل. انتقل للاعتماد على الرفض الشعبي السوري الفطري لسلوكيات الإسلاموية السياسية البدوية المستوردة من الخليج العربي. هذا الرفض يمكن لمسه بوضوح من خلال تراجع أعداد المنشقين عن النظام والجيش السوري النظامي بشكل سريع جدا. فقد وجد العسكريون السوريون أنفسهم محاصرين، بين النظام ووحشيته وبين الانتقال لأمراء حرب إسلامويين أو لمعسكرات إقامة جبرية بتركيا. وبعد سنة ونصف من لعبة تكسير الأصابع توصل النظام لنتيجة واضحة أمامه “الوقت بصالحنا” داخليا وخارجيا، ولسان حاله يلهج “شكرا يا نفط العرب على تصدير الإسلاموية السياسية العنفية“.

المؤشر الثاني: وهو التفاصيل الشخصية للأفراد ويبدو مناقضا للأول تماما. الكثيرون ممن يمكن أن نسميهم “أبناء النظام المخلصين” أظهروا بوادر انهيارات نفسية وعاطفية هائلة. فأداء من يفترض أنهم مدربين على برودة الأعصاب والتحكم بالنفس كممثلين ديبلوماسيين للنظام كان أداءً انفعاليا عصبيا لحد كبير. فباستثناء السيد الجعفري الذي على ما يبدو أن إقامتة المستمرة خارج سوريا ساعدته على صيانة قوته النفسية، فإن الباقي بمن فيهم المعلم أظهروا عصبية وانفعالية لا تتماشى مع نظام عرف اللعبة السياسية الديبلوماسية خلال 40 سنة. فزعيم الوفد السيد المعلم ورغم أنه قرأ بيانه الأولي بكل هدوء إلا أنه مع ذلك لم يجرؤ -وهو قادر- على مغادرة الورقة المكتوبة أمامه والتي أعتقد جازما أنه هو من كتبها، ربما لأن ثقته بما قد يقوله عفويا قد أصبحت مهزوزة. أما بالنسبة لبقية الوفد وخاصة شعبان والمقداد فقد فوجئنا بهشاشتهم النفسية أمام الإعلام. الواضح على غالبية الوفد سيطرة الخوف والتوتر وفقدان الثقة، خاصة إذا قارنا ظهوراتهم الإعلامية هذه بظهوراتهم الإعلامية في السنة الأولى من الثورة السورية. لا بد من التوضيح أن الحالة النفسية لهذا الوفد والأدائية ليست بأي معيار أسوء مما أظهره وفد الائتلاف ولهذا كلام آخر.

قد يبدو من الوهلة الأولى أن هناك تناقضا بين المؤشرين السابقين. بالواقع لا يوجد تناقض إذا عدنا لفهم آلية اتخاذ القرار في عالمنا الذي تحكمة مؤسسات حكم مالية وعسكرية. نظام حكم الدول تطور في القرن الأخير ليضع فاصلا حادا بين أفراد المؤسسة السلطوية وبين مؤسسة أفراد السلطة. بمعنى أن الفرد في السلطة محكوم بازدواج شخصية بين بنيته كإنسان له مشاعر وعقل وبين كونه قرص تعشيق ضمن آلة ضخمة معقدة تمثل نظام الحكم. كمثال ورغم كونه صادما للبعض، فبشار الأسد رغم كونه رئيس المؤسسة السورية التي تتحمل المسؤولية الأساسية عن جرائم القتل والإبادة والتشريد والإفقار والتدمير في سوريا، إلا أنه كإنسان لا يمكنه إلا أن يكون أبا يحب أولاده ويحمل مشاعرا للناس حوله، بل قد يبكي أمام طفل فقير. بنفس الوقت هو كرئيس لمؤسسة الحكم يرى يوميا صورا لعشرات جثث الأطفال والضحايا والدمار إلا أنه يمضي في عملية التدمير بإصرار دون أن يهتز لديه رمش. ما قد يعوّض هذا التناقض النفسي والعقلي هو ما يسمونّه “مرض السلطة” الذي يتضمن أساسا الخوف من فقدان السلطة ضمن مُعَقَّدِ آلة السلطة. هذا المرض المقيم في الطبقة العليا في أية سلطة بعالمنا ماضيا وحاضرا  يتناسب مع أهمية موقع الفرد ضمن مُعَقَّدِ آلة السلطة. لذلك ليس غريبا أن نجد الأقل أهمية في هذه الآلة السورية أكثر إظهارا لهذا التناقض بين كينونة الإنسان وسلطة الآلة.

الناحية الأهم التي لا يجب إغفالها هنا، أن سلطة النظام السوري مترابطة أيضا بشكل معقد وبالأصح هي جزء من منظومة أعقد ضمن منظومات السلطة الدولية. فارتباط النظام السوري بدعم السلطة الإيرانية والروسية والصينة له منحه تماسكا أكبر بكثير لأنه ضمن منظومة أشد تعقيدا وبنفس الوقت أكثر قوة وفعالية.

هل هذا الكلام هو تبرير أو تبريء؟

هذه النظرة السريعة على لعبة الوقت بسورية وحالة النظام كمؤسسة سلطة وأفراد تهدف لفهم ما يجري وليس لتبريره. فالقانون والعدل الإنساني لا يسير وفق النوايا بل وفق الأفعال. لكن فهم النظام السلطة في سوريا ضمن معادلات الصراع الدولي وفي مواجهة الشعب السوري ضرورة تفرضها الخسارات الكبيرة التي حاقت بالوطن السوري نتيجة قراءاتنا الخاطئة لسلوكيات أشخاص النظام والمؤسسات السلطوية الدولية وما نتج عن هذه القراءات من بيع أوهام للشعب السوري. فأن يقوم مثلا المجلس الوطني السوري وبعده الائتلاف باتباع استراتيجية إعلامية مالية وعسكرية تتبنى المبدأ اللاأخلاقي “أي سلاح ضد النظام هو خدمة لسوريا” وتتساهل مع المرتزقة الأجانب الذين تسربوا بداية بالعشرات وفق المبدأ اللاوطني “أي عدو للنظام هو صديقي”، بناءً على قراءة سطحية لما قاله أفراد مؤسسات السلطة الإقليمية والدولية وبناء على ما أرادت مؤسسة النظام السوري تسريبه من معلومات عن أفراد النظام هو سلوك على الأقل غير واعي لطبيعة الدولة والسلطة والنظام والصراع الدولي، إن لم يكن سلوكا عاملا ضمن مؤسسة سلطوية أخرى مثله مثل النظام.

السؤال الآن، هل فعلا يسير الوقت لصالح النظام إذا؟

حسب معطيات الواقع القائم وتوازنات القوى الدولية حول وفوق سوريا، وحسب بنية المعارضة السورية التي تبدو أمام هذا الصراع كدراجة خشبية تسابق صواريخا، فالوقت يجري لمصلحة النظام إلى أفق محدود. وبالمحصلة العامة وبداهة الوقت يسير معاكسا لكل مصالح سوريا كوطن وشعب.

 

05/02/2014