Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

بشار الأسد: سوريا هي خط الدفاع الأول عن إيران وروسيا

18/10/2016

علاء الدين الخطيب

 

أجرت مؤخرا “داريا أصلاموفا” مراسلة صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” الروسية مقابلة مع رأس النظام السوري بشار الأسد؛ هذا المقال سيتناول المقابلة من وجهة نظر موضوعية لا علاقة لها بماذا نريد أو نتمنى أن نرى فيها قبل أن نسمعها، ويتجنب خطاب النظام السوري الخشبي الممجد “للقائد” ، والخطاب المراهق لإعلام المعارضة السورية الباحث عن الإثارة وفشات الخلق.

أهم المحاور التي أثارتها أصلاموفا في هذه المقابلة كان عن أسباب اندلاع الصراع العالمي فوق الساحة السورية؛ وقد تمحور جواب رأس النظام السوري حول أن الأسباب الإقليمية هي رغبة السعودية بتدمير إيران، وبالتالي أرادت منه الانسحاب من تحالفه مع إيران، كما أن الغرب ممثلا بفرنسا أراد أيضا منه لعب دور لمصلحتهم في أزمة النشاط النووي لإيران، وأضاف بشار الأسد أن السبب الآخر هو رغبة الغرب والولايات المتحدة بأن لا يكون هناك دولة مستقلة تقول “نعم ولا” مثل سوريا وروسيا، و بالتالي ضرب سوريا سيكون ضربا لروسيا؛ وأضاف بشار كلاما حول أهمية سوريا الجيوسياسية تاريخيا وحاضرا؛ ومن خلال حديثه المسهب عن الإرهاب خلص لنتيجة أن الغرب ودول الخليج وتركيا يدعمون الإرهاب، وروسيا فقط هي الواعية المدركة لخطر الإرهاب وتحاربه فعليا. أما إسرائيل، التي لم يتحدث عنها كثيرا كما هي العادة، فقد قال إنها مستفيدة وداعمة للحركات الإسلامية لأنها “تنقذ” إسرائيل من الخوض في عملية السلام.

بفرض قبولنا بصحة ما قاله رأس النظام، وإضافة ما قاله هو ونجوم نظامه حول مؤامرة كونية محاكة ضده، وأنه يملك الوثائق والمعلومات حتى قبل العام 2011، فيمكننا استخلاص نتيجة أساسية من كلامه هي:

لقد قرر رأس النظام السوري الحاكم في 2011 الدخول في حرب كبرى، أدت لمقتل أكثر من نصف مليون، وتشريد حوالي عشرة ملايين سوري، وتدمير أكثر من نصف البلد، دفاعا عن دولتين أكبر من سوريا بكثير هم إيران وروسيا؛ هذا ما قاله بشار الأسد وليس ما تم التقوُّل به عليه. 

bashar-interv1

المشكلة الكبرى أن إيران التي دافع بشار عنها بسبب الأزمة النووية، ذهبت لاتفاق تصالحي مُذِل مع الغرب بأقل الخسائر الممكنة (للمزيد)، وتحررت من الحصار الاقتصادي الغربي، بعد أن دفع السوريون الثمن المطلوب. أما من الجانب الروسي، فقد أمضت روسيا السنوات الستة الماضية، تسعى بكل إمكانياتها لزيادة العلاقات الاقتصادية مع الغرب، وطمأنته حول إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا، إن لم يكن عبر أوكرانيا فعبر بحر الشمال وألمانيا أو عبر البحر الأسود وتركيا، وما زالت تستجدي رفع الحصار الاقتصادي الأميركي؛ من ناحية ثانية، نحن نرى اللهاث الروسي السعودي القطري للوصول لعلاقات أكثر تفاهما بينهما خاصة بما يتعلق بسوق الطاقة، تفاهم لن يأتي دون تقارب سياسي واقتصادي (للمزيد).

وماذا فعلت إيران وروسيا مع تركيا؟ لقد ضاعف كلا البلدين تبادلهما التجاري مع تركيا، وهما معا يزودان تركيا بثلثي حاجتها من النفط والغاز الطبيعي، بل إن روسيا تبني في تركيا أول محطة طاقة نووية في مرسين قرب من الحدود السورية (1). إذا هذان البلدان حققا أرباحهما الخاصة، ودفعا بالمقابل فقط عدة عشرات بلايين من الدولارات على شكل أسلحة ومقاتلين مأجورين وطائرات تدمر البنية السورية. (للمزيد)

قد يقول أحدهم، نعم لكن بشار الأسد لم يقل إن هذه هي الأسباب الوحيدة للصراع الدولي على سوريا، قال إنهم يريدون من سوريا ألا تقول “نعم ولا”. وجوابا لن ندخل بمتاهة أي “لا” قالها بشار أو أبوه من قبله، لأنها تتمحور فقط حول مليشيا حزب الله وحماس التي يدعي أنه وإيران يدعمهما، فهاتان المجموعتان أعلنتا التوبة عن تجاوز الخطوط الحمراء؛ وبعد 70 سنة من قيام الكيان الصهيوني، من الحماقة تصديق أن إسرائيل التي تملك مئتي رأس نووي ستخاف من مليشيا متعصبة دينيا، أو من دولة محكومة ديكتاتوريا مثل سوريا أو إيران.

بكل الأحوال الجواب على هذا الاعتراض أتى من لسان بشار الأسد في هذه المقابلة، عندما دافع عن الموقف الروسي الأخير من تركيا، فقد قال إنه ينظر بإيجابية لتجدد دفء العلاقات الروسية التركية، بعد خيانة أردوغان حسب تعبير أصلاموفا، وطفق يشرح للصحفية أصول العلاقات السياسية الذكية، التي تحاول جرّ عدوها من خانة الاستعداء الكامل إلى التقارب حتى لو بمقدار عشرة أو عشرين بالمئة. والسؤال هنا، الذي لم يجب عليه رأس النظام السوري، إذا كنتم تدركون معنى اللعبة السياسية والتفاوض والتنازل والمكاسب، لماذا لم تلعبوا هذه اللعبة وأنتم، وحسب زعمكم، منذ 2011 تدركون “شراسة” المؤامرة والهجوم على سوريا؟ لماذا لم تلعبوا مثل حلbashar-interv2يفكم الإيراني والروسي بالشد والجذب والمقايضة مع الغرب وتركيا ودول الخليج العربي؟

أما بالنسبة للإرهاب، الذي يدعمه الغرب وتركيا والسعودية وقطر، وتحاربه روسيا وإيران كما يدعي بشار، فمن الواضح ضمن السياق الموضوعي للصراع الدولي، أن هذا الإرهاب هو منتج للصراع وليس سببا؛ وبكل الأحوال كما ذكرنا سابقا، فمحاربي الإرهاب المزعومين “بشاريا” يلهثون لأفضل العلاقات مع داعمي الإرهاب المزعومين “بشاريا”، بينما يدفع الشعب السوري الكلفة الباهظة دما وآلما.

هذا التذاكي البشاري في المقابلة يبدو من حيث الشكل، حوارا ناجحا سياسيا مقنعا لمؤيديه والعديد من السوريين الذين يرون أن نظام بشار هو أفضل السيئَين، لكن النظرة العميقة لهذه الحوار تبيّن بسرعة أي تخبط في الرؤية يعانيها النظام السوري في تبرير نفسه، وأي حماقة أورد بها نفسه، باعتبار أنه لا يرى أهمية لكمية الدم والألم السوري.

إذا ما هي أسباب الصراع الدولي على سوريا؟ (2)

لا يمكن الإجابة ببضعة سطور، لكن باختصار جزء مما قاله بشار الأسد صحيح، أهمية سوريا تنبع من موقعها الجيوسياسي وتأثيرها المعنوي في المنطقة، بالنسبة لروسيا والصين، أهمية سوريا تأتي من أهمية إيران؛ فإيران هي الحليف الاستراتيجي الأهم لروسيا والصين في وسط آسيا والشرق الأوسط، وهي بهذه المنطقة أكبر وأقوى دولة بعد تركيا، وهي الحليف الاستراتيجي للغرب، وإن خروج سوريا من الحلف الإيراني يعني محاصرة إيران من كل الجهات وتسريع انهيارها كنظام وكدولة، بالإضافة لأهمية سوريا عسكريا بالنسبة لروسيا على ضفاف البحر المتوسط؛ كذلك ومن قبل 2011 كان من الواضح أن الغرب سيجد مساومة مرضية مع إيران بشأن الملف النووي، فدول الخليج وخاصة السعودية يهمها سحب سوريا من التبعية الإيرانية إلى السعودية، بالنسبة لتركيا فالموقع الجغرافي والأزمة الكردية هما السبب الأساسي لأهمية سوريا؛ فكانت ثورة 2011 هي لحظة الصراع التي أراد الجميع تأجيلها لعلمهم بالأثمان الباهظة المتوجبة عليهم. أما الغرب ممثلا بالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا فهو المستفيد الوحيد إن أحسن إدارة الصراع وضمن تطويقه ضمن حدود سوريا ليكون ساحة استنزاف كبيرة لروسيا وإيران وحتى لحلفائه الخليجيين والأتراك، فكلما زاد التهديد على حلفائه زادت حاجتهم له.

18/10/2016

 

(1) ضمن الأعراف الدولية، يجب على تركيا التشاور مع سوريا قبل بناء محطة طاقة نووية قرب الحدود، وهذا طبعا لم يحصل.

(2) للمزيد عن هذا الموضوع يمكن العودة لعدة مقالات على موقع “بيت السلام السوري” www.https://www.infosalam.com

رابط مختصر  http://wp.me/P2RRDZ-vu