Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

خطاب بشار الأسد يؤكد أحقية الثورة السورية

17/07/2014

علاء الدين الخطيب

كان خطاب بشار الأسد يوم 16 تموز 2014 ضمن احتفالية قسمه الرئاسي بظاهره خطابا قويّا منتصرا واثقا من نفسه. فهو أدان أعداءه الداخليين والخارجيين وسخر من تآمرهم عليه وأعلن قرب انتصاره عليهم بما سمّاها وحدة الشعب والجيش ودعم حزب الله وإيران وروسيا والصين. وطالب بتأسيس بنية أخلاقية قوية متماسكة اعتمادا على خطوات لتغيير المناهج التعليمية العامة والخطاب الديني والمنهج الإعلامي، وكذلك أعلن بدء خطة إعادة إعمار البنية التحتية. هذه خلاصة ما قاله بشار في ساعة وقوفه على المنصة بعد الاستقبال الامبراطوري المهيب له على باب قصر الشعب في دمشق.

لنعد للخطاب ونناقشه قليلا. النقاش هنا سيكون وفق نقاط أساسية يثيرها الخطاب وبحاجة لجواب منطقي وعلمي:

أولا: أفرد بشار الاسد حيزا مهما للتذكير بمثقابية رؤيته للمستقبل منذ الأزمة مع من سماهم “إخوان الشياطين بالثمانينات” وصولا لحرب العراق وقال ما نصه: (“كما أن موقفنا لم يكن بحثا عن موقف مخالف أو انتظارا لتصفيق من أحد. لقد رفضنا غزو العراق لأنه كان بداية لتكريس الانقسام والطائفية. كان لدينا قلق حقيقي من وضع خطير. كنا على قناعة بحتمية حدوثه، وها قد أصبح اليوم واقعا ندفع ثمنه غاليا) والسؤال هنا: بما أنكم كنظام حاكم لسوريا منذ 40 سنة وتملكون هذه النظرة البعيدة، ماذا فعلتم بسنوات قبل أو قبيل 2011 لتجنيب سورية هذه المأساة؟ وبافتراض أننا قبلنا نظريتكم حول المؤامرة الكونية، ألم تكونوا كما تدعون سمنا على عسل مع الشعب السوري وبانتخابات 2007 فاز بشار الأسد كرئيس للنظام بنسبة 97.6%، فهل كانت المؤامرة الكونية ممتدة لقصر الرئيس بحيث عجز أن ينسق مع هذه النسبة الهائلة من الدعم الشعبي التي لم تتوفر لأنبياء الله لمواجهة هذه المؤامرة؟ أليس العلم بالخطر القادم هو أفضل سلاح مناعة لمواجهته؟

Slide8

على الأقل خلال 4 سنوات: ربع مليون ضحية سورية ، ومليون مصاب، و5 ملايين مشرد بالداخل والخارج، و50% من البنية التحتية مدمر، وهروب 50% من الرأسمال السوري، جيل كامل من الأطفال نما وفتح عيونه على الحرب والدم والقتل. هذا كله والنظام السوري يعلم مسبقا بالمؤامرة بل يعلم بها كما ادعى بشار الأسد من الثمانينات على الأقل. فيا ترى لو لم يكن يعلم ما الذي كان يمكن أن يحصل؟

الجواب الذي قدمه بشار الأسد بخطابه نفسه كان “قلة الأخلاق”. وهذا ينقلنا للنقطة الثانية بنقاشنا لخطابه.

ثانيا: “المشكلة فيكم أيها الشعب الفاسد وليست في القيادة”. هذه باختصار إجابة بشار الأسد والتي قالها على الشكل التالي (“فبمقدار ما أثبت هذا الشعب وطنيته، بمقدار ما كان مؤلما ومخجلا وعارا أن يكون جزء منه ولو قليل هو الجذر الذي استندت إليه هذه الحرب، والذي لولاه لما كان ممكنا دخول الإرهابيين الأجانب أو التدخل الأجنبي السياسي….”). نعم هو قال “جزء قليل” لكنه وضّح بجلاء أن لولا وجود هذه “القلة” بين الأكثرية لما حصل ما حصل. بكلمات أخرى لم يكن خطأ أو خطايا النظام بل خطأ المجتمع الذي أخفى بداخله هذه القلة الخائنة. والتي يعود ليفسرها بنقص وخطأ في القيّم الأخلاقية حيث قال (“وإذا كان هناك اليوم شبه إجماع بين السوريين أن السبب الأساسي لانغماس البعض في تدمير الوطن هو الجهل، فإن الأساس الأخطر الذي بنيت عليه الأزمة هو انعدام الأخلاق، فانعدام الأخلاق هو الذي يؤدي إلى تشويه الشرائع واحتقار الشرف، وبيع الأوطان، وبالنتيجة فناء الأمم”). عند ذلك فقط يعترف بوجود الفساد لكن ضمن سياق الخطأ الطبيعي لقلة الأخلاق وليس ضمن سياق أنها كانت سبب ما حصل بسوريا.

people money

لا يوجد شعب أو أمة أقل أخلاقية من غيره. المنظومة الأخلاقية هي انعكاس مباشر للمنظومة السلطوية والنخبوية والتثقيفية. لكن تحليل بشار الأسد منتشر أكثر بالبلدان الديكتاتورية لأن أساس تبرير الديكتاتورية هو أن الشعب “قطيع همج” لا يعرف مصلحته والديكتاتور سيضحي فيقود الشعب لمصلحته غصبا عنه، وحتى لو كان “الهمج” قلة فالحاكم هو الوحيد القادر عليهم. الدول المستقرة اجتماعيا وقيَميا باوروبا الغربية أدركت حقيقة أن الالتزام الأخلاقي والقانوني لا يولد مع الناس بل هو مهمة السلطة أن تجسده بأن تكون السلطة نفسها قدوة للمجتمع.

المضحك بهذا التفسير أنه يقابل – من الناحية المنهجية – الاسلاموية السياسية التي يدعي بشار الاسد محاربتها. فهذه الاتجاهات الدينية مبينة أساسا على إيمان يقول أن “الناس أصلا خطّاؤون” ومهمة رجل الدين-الحزب السياسي الديني رد الناس للصواب.

ثالثا، وهي نقطة مكررة بخطاب الحكم السوري منذ 1963 “أسطورة إسرائيل التي تحكم العالم الغربي”. فكل ما ذكره الخطاب يتمحور حول خوف إسرائيل من النظام السوري والإيراني وحزب الله.

إن دولة كإسرائيل تملك 200 قنبلة نووية وأعلى وأفضل تقنيات السلاح بالعالم لن تخاف من دولة ينخرها الفساد والظلم والديكتاتورية ولا من حزب مقاد من خارج بلده ولا من دولة تجوّع شعبها لتبني قنبلة نووية واحدة. عدا عن أن إسرائيل قائمة أساسا على عقدة الخوف من الجوار. وبدون عدو خارجي يصلح أن يكون البعبع لن تصمد إسرائيل كدولة ومجتمع. والأهم هو أن الهدف  من قيام إسرائيل أساسا هو إبقاء النزاع مستمرا والصراع جاهزا للاشتعال، فأي فائدة ستقدمها إسرائيل لمن صنعها إن عمّ الهدوء المنطقة وتصالحت مع كل جوارها أو انتصرت عليه نهائيا؟

رابعا، وهنا أيضا نقطة يشترك بها النظام السوري مع كثير من سياسيي العرب والمعارضة السورية. وهي “استغباؤهم” لصناع القرار الغربيين. فبشار كان بساعة زمن يثبت أن صناع قرارات أقوى بلاد العالم اقتصاديا وتقنيا واجتماعيا لا يعرفون مصلحتهم ولا يفهمون العالم حولهم بأهم معاركهم الاستراتيجية حاليا ضد الصين وروسيا.

خامسا، من نافل القول أن سياسة النظام السوري مع حلفائه أعادتهم لموقع القوي بعد تعرية اهداف قادات الفصائل الاسلاموية مثل داعش والنصرة وجيش الاسلام من قبل السوريين. فعاد بشار الأسد لمنطق الاحتكار في أي حل لمأساة سورية وقطع الطريق على أوهام قيادات المعارضة السورية المشهورة. فهو لم يلق بما يُسمى “حلا سياسيا” للبحر فقط بل فرض أن أي حل يجب أن يمرّ مطيعا من قاعة إلقاء الخطاب. فهو مطمئن لبقائه بالسلطة لكن لا يهم الثمن وعلى أي جزء من الأرض السورية.

الخلاصة:

لقد اعترف بشار الأسد بهذا الخطاب بأن نظامه الحاكم خلال 40 سنة لم يستطيع بناء مجتمع متماسك غير قابل للاختراق، واعترف بأن أهم أسس بناء أي مجتمع وهي: التعليم والإعلام والإدارة متخمة بالمشاكل والشروخ والفساد، واعترف أنه كنظام فشل في تجنب عداوة كل العالم له واستضعافهم لبلده، على الأقل هو فشل أن يحقق ما حققه النظام الإيراني من ترغيب وترهيب للعالم كي لا ينقضوا عليه كما ادعى بشار انهم فعلوا معه. وأخيرا قال أن كل ما لديه هو الاستمرار بالمعركة دون أي ضمانات أو مواعيد والناس أمام خيارين: إما معي فأنتم وطنيون أو ضدي فأنتم خائنون.

هذا الخطاب هو تظهير لأحقية الثورة السورية الشعبية السلمية اللاإسلامية كضرورة تاريخية موضوعية. وكون هذه الثورة بدأت يتيمة مقموعة من قبل نظام بشار فسرقها إعلام النفط العربي والغربي وأقحموا بها سياسيين سذج أو انتهازيين ومقاتلين مرتزقة اسلامويين لا يعني أن النظام السوري بهذه النظرة الاحتكارية للوطن وبهذه الممارسة القمعية الدموية الفاسدة سيكون أحسن الأمرّين. سوريا بحاجة لاستمرار الثورة الشعبية اللاإسلامية السلمية لتاسيس دولة حديثة متحررة من التجارة بالممانعة والوطن ومن التجارة بالدين والطوائف.

 

17/07/2014