Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

داعش، حصان طروادة

09/09/2014

علاء الدين الخطيب

أي تدخل عسكري دولي محدود ضد داعش هو تقوية لها وإكمال حرق سوريا والعراق.

لا يمكن لأي باحث فهم سيرورة الصراع الجيوسياسي الدولي إذا اكتفى بالاستماع لما يقوله السياسيون والإعلاميون. ولذلك لن نناقش هذا الحلف العملاق المعلن أمريكيا من خلال نظرة تبسيطية منتشرة بالشارع العربي والغربي وهي أن “حسنا، أمريكا أخطأت مرة ثانية بالسكوت على داعش بالبداية وهي تصحح خطأها كما فعلت بأفغانستان وسيساعد أمريكا حكومات الخليج العربي وتركيا”. وبالمثل لا يمكننا الركون لدعاية النظام السوري والإيراني والعراقي والروسي حول حرب داعش التي صنعتها الإمبريالية الغربية مع الوهابية السعودية. في مقال سابق ناقشت أسطورة داعش وفق تحليل موضوعي يضاف للأدلة المعروفة بأن داعش هي وليد سفاح بين كل هذه الأطراف (انقر هنا لقراءة المقال).

القراءة العميقة للصراع العالمي (هو أساسا لا يرى الدول الإسلامية والعربية طرفا بل بيادق على الساحة) واللعبة الإعلامية من سوريا للعراق لأوكرانيا لوسط آسيا تقول أن: الضربات العسكرية الجوية الغربية قادمة قريبا ضد داعش لكن بشكل محدود وعلى بعض الأراضي العراقية، وبتركيز على حدود كردستان العراق، مع انتقاء بعض الفصائل السورية المسلحة بدعم تركي لحرب داعش. ثم ستتصاعد بالعراق خلال شهور لتصل الضربات الجوية الغربية إلى شرق سوريا. وسيتم فتح حرب طويلة جوية فيها الكثير من الدعاية السياسية (هذا ما قاله أوباما نفسه حرب طويلة). هذه الضربات الجوية الغربية ستصاحبها ضربات من النظام السوري والعراقي وبدعم إيراني من الجو وعلى الأرض. لكن بالمحصلة لن يتم إفناء داعش.

باختصار ستكون حربا بطيئة غير حاسمة لأن صانع القرار الغربي لا يريدها حاسمة، ولأن صانع القرار السوري والإيراني عاجز عن حسمها دون موافقة غربية خليجية تركية بعد أن خاطر بحرق سوريا عبر تسهيل نشوء داعش بدءا من نهايات 2011.

إذا ما هي الغاية من هذا التجييش العالمي الذي يفوق ربما التجييش الذي حصل بعد جرائم تفجير أبراج نيويورك؟

إذا ابتعدنا عن غرور العقلية العربية والإسلامية النخبوية بتفسيرهم لكل سياسة أمريكية على أنها غباء وقصر نظر أو أنها كراهية وخوف منهم. وإذا وضعنا باعتبارنا الخبرة السياسية التاريخية المتراكمة في الإدارة الأمريكية والخبرة المكتسبة روسيا وإيرانيا، فإننا للأسف نصل لنتيجة “القادم أسوء من كل ما حصل خلال السنوات الأربع الماضية”.

لنتخيّل ما سيحصل: حرب تدريجية غير حاسمة ضد داعش، توسع قنوات المال والسلاح القادم لداعش بدليل توسعها خلال السنين الثلاثة الماضية. من يقود الحرب كما سيسوّق إعلاميا هو “أمريكا ومعها طبعا إسرائيل” وما يولده ذلك في المخيلة العربية والإسلامية من استنتاج “حرب الصليبية الإمبريالية ضد الخلم العربي والإسلامي”. ومن ناحية ثانية قيادة إيرانية عبر النظام العراقي والسوري لحرب داعش، وما يولده ذلك في المخيلة السنية من أنها حرب الشيعة الروافض المجوس على أهل السنة. أضف لذلك ما سيطر على المخيلة الشيعية من 3 سنين من أنها “حرب وهابية سنية ناصبية ضد الشيعة والعلوية”.

بالنتيجة وبعد هذا التجييش الإعلامي الممتد منذ نهاية التسعينات بين نفط السنة والشيعة والمتصاعد منذ 2012 على حساب الشعب السوري، ومع تصاعد الصدام الغربي مع روسيا والصين وإيران. ما سيحصل هو تحوّل داعش وخليفتها إلى مركز استقطاب هائل لعدد كبير من الشباب الإسلامي التائه أصلا في بلاده والمسكون بأساطير فقهاء أهل السنة والشيعISISة. وبما أن لا حكومة إقليمية أو دولية تتخذ خطوات حقيقية لإغلاق صنابير المتطوعين والمال والسلاح عن داعش سواء عن طريق تركيا أو لبنان أو الأردن أو العراق، فما سيحصل هو حرب طويلة دموية على الأرض العراقية والسورية قد تمتد لبعض الأردن ولبنان.

باختصار، إن استعراض الكاوبوي الأمريكي الإعلامي للحلف الدولي ضد داعش مدعوما بصيحات “يا النشامى” العربية، وترسخ حلف الجبهة الروسية الصينية الإيرانية أمام الغرب سيفتح أبواب الجحيم فوق الأراضي السورية بالسنين القادمة.

قد يرفض الكثيرون هذا الكلام من موقف عاطفي عميق يريد الأمل ويفضل نظريات إجبار الشر والتآمر الكوني على الطرف الغربي أو السني أو الشيعي أو العربي أو الفارسي لأن هذا سيجنبه الشعور بالذنب. لكنها قراءة لا أجزم بصحتها بالمطلق، وأرى أنها تتسق موضوعيا مع التاريخ القريب للصراع الدولي ومع تحرك المال والسلاح والإعلام على أرض الواقع.

إذا لا يوجد أمل؟

يوجد أمل كبير، لكنه يبدأ بإغلاق بوابات الأوهام الكبرى المفتوحة بسوريا. وهذه الأوهام هي باختصار:

·        النظام السوري هو ضحية مؤامرة كونية لأنه يخيف إسرائيل، أو أنه أهون الشرين مقارنة بداعش.

·        الإسلام هو ضحية مؤامرة كونية لأن عهد هارون الرشيد ملك العالم سيعود.

·        الحرب هي حرب سنة ضد شيعة أو شيعة ضد سنة.

·        قادات المعارضة المجلسية والإئتلافية والإسلاموية بما يشمل جميع الأحزاب الإسلاموية بمن فيهم الإخوان والتحرير سيقودون سوريا لبر الأمان يوما ما.

إغلاق بوابات الوهم هذه وفتح باب الأمل الحقيقي يبدأ بالكلمة والفكرة بين شباب وشابات سوريا وبالتدريج وفق المقدس السوري الوطني وبتنزيه الإسلام والمسلمين عن قذارات الصراع الدولي والسياسي.

لا تستهينوا بالكلمة والفكرة فما أوصل سوريا لهذه الحالة كان الكلمة والفكرة أكثر من السلاح والمال. ومن ما زال غير مصدق فليعد قراءة تاريخ فلسطين الغير بعيد، وسيجد أن كل زعماء العرب والفلسطينيين الذين هم من أضاع فلسطين، ما زالوا أبطالا صناديد عند جماعات شعبية كبيرة بسبب الكلمة والفكرة والإعلام والخاسر الوحيد ما زال الشعب الفلسطيني والعربي.

 

09/09/2014