Sat. Apr 20th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

روسيا والصين وإيران حلف مستمر

 

علاء الدين الخطيب

عن  شبكة جيرون 15/12/2016

منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، ظهرت الكثير من المقالات والتحليلات التي تزعم أن الحكومتين الروسية والإيرانية على خلاف في سوريا، وأنهما يسيران حتى للصدام؛ إنها أمنية جميلة شكليا أن يتصارع من يدعم النظام الأسدي ويقدم له أسباب البقاء؛ فما هي الحقيقة حول الحلف الروسي الإيراني وبالتالي الصيني؟

منذ انقلاب الإمام الخميني على الثورة الإيرانية، واستلام النظام الذي يمثله سدة الحكم في إيران، عاشت إيران تحت حصار غربي اقتصادي وسياسي، وخوف خليجي عربي، ازداد قسوة بعد بداية الألفية الثالثة؛ التفت إيران على هذا الحصار عبر آسيا، وخاصة الصين والهند والباكستان، وكذلك عبر تركيا خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم؛ وبعد وصول بوتين لحكم روسيا أضحت روسيا شريكا سياسيا وعسكريا واقتصاديا أساسيا. إذا إيران، وفق طبيعة نظام حكمها، محاطة بالإعداء من الجنوب في الخليج العربي، ومن الشرق في أفغانستان المحكومة غربيا، وحتى الباكستان وتركيا، ورغم العلاقات الاقتصادية الكبيرة، إلا أنهما يبقيان حليفين استراتيجيين للغرب؛ أضف لذلك أن ما تركه الغزو الأميركي في العراق، من نيران أزمات لانهائية بين إيران والسعودية والغرب، هو برميل متفجر يقتضي التحكم به جهودا وتكاليفا هائلة.

كذلك فإن روسيا بوتين لم تستطع، ولم يسمح لها الغرب، أن تتخلص من الحاكم الأساسي لعلاقاتها مع الغرب وهو: الشك والصراع، إن لم نقل العداء؛ لقد عمل بوتين أولا على الداخل الروسي لتثبيت السلطة المركزية، والقضاء على أي محاولة لتفكيك آخر لروسيا الاتحادية، واتجه تاليا لتثبيت علاقة روسيا مع دول السوفييت السابقة في آسيا الوسطى وفي شرق أوروبا، فهو لم يستطع اللحاق بسرعة تحول دول حلف وارسو من حلفاء تابعين إلى خصوم متربصين وخائفين، فسعى بقوة لإنشاء شراكات ومعاهدات اقتصادية وأمنية مع الدول المحيطة جغرافيا بروسيا؛ اقتضى ضمان هذا الأمن موضوعيا التحالف مع الصين، التي تشارك روسيا هاجس وسط آسيا والوجود الغربي في أفغانستان، والتحالف الاستراتيجي الأميركي الباكستاني والتركي، فكان التحكم بوسط آسيا هدفا استراتيجيا لروسيا وللصين، وهنا برزت أهمية إيران، التي تشاركهم الخوف من الغرب، والتي أيضا تعد مصدرا أساسيا للطاقة.

لقد كان من الواضح لروسيا وللصين، أن إيران يجب أن تكون حليف استراتيجي، والنظام الإيراني المعادي للغرب هو ضرورة أمن قومي للبلدين، بما تملكه إيران كدولة بحد ذاتها، وبتأثيرها الكبير على وسط آسيا؛ وهذا أيضا تطابق بشكل كامل مع رؤية النظام الإيراني في صراعه مع الغرب، وسعيه المحموم لتحويل إيران إلى قوة إقليمية وازنة مسيطرة. إذا إن نشوء الحلف الصيني الروسي الإيراني في آسيا، التي يتوقع أن يقود شرقها الاقتصاد العالمي في القرن 21، هو ضرورة جغرافية وأمنية وسياسية واقتصادية؛ ولتقوية هذا الحلف عمل الفرقاء الثلاثة على تدعيمه بالعمل الحثيث مع دول وسط آسيا، والهند والباكستان، وأيضا مع تركيا الدولة القوية وعضو حلف الناتو، والتي تتبع سياسات براغماتية بقيادة حزب العدالة والتنمية (1).

هذا الحلف، ورغم وعي هذه الدول بأهميته حاضرا واستراتيجيا، إلا أنه حلف جديد نسبيا، بالكاد يتجاوز عمره العشر سنوات، أي أنه ما زال قيد التأسيس، وللحفاظ عليه لا بد من التنسيق والعمل المستمر على حمايته؛ ومع اندلاع الثورة السورية ضد النظام السوري الديكتاتوري، واختلاط الأوراق، وتورط كل الدول الإقليمية والدولية في الصراع فوق سوريا، أصبح واضحا أن هدف الحلف الغربي الخليجي العربي، ولحد ما التركي، هو انتزاع سوريا من السيطرة الإيرانية، كما وضح بشار الأسد في مقابلته مع صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” الروسية (2)؛ إن تحول سوريا من حليف أو تابع لإيران، كما هي مع نظام الأسد، إلى دولة معادية أو متخاصمة مع إيران سيؤدي حكما إلى حصر النظام الإيراني بالزاوية الميتة، مما قد يؤدي، وباحتمالات كبيرة، إلى تصدعه وانهياره، وهذا إن حصل سيشعل منطقة وسط آسيا، ويؤدي لأزمات هائلة تضرب روسيا والصين في خواصرهما الضعيفة، ويفقدهما حليفا موثوقا وأساسيا؛ من ناحية ثانية، إن روسيا هي الشريك الأساسي والوحيد في تطوير التقنية النووية الإيرانية، وكذلك هي المصدر الأكبر للسلاح والتقنيات العسكرية الإيرانية، وقد تم مؤخرا الوصول لإنهاء صفقة سلاح عسكري روسي مع إيران تصل قيمتها إلى عشرة بلايين دولار، ولا ننسى أيضا التنسيق المحكم بين الدولتين النفطيتين العملاقتين في سوق النفط العالمي، وهذا ما بدا واضحا بعد اجتماعات أوبك الأخيرة.

بالإضافة لذلك، فإن روسيا والصين ضمن صراعهما مع الحلف الغربي، مستعينان بالدول الصاعدة اقتصاديا، لا يمكنهما القبول بتحويل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وغالبية الخليج العربي إلى مياه احتكارية لحلفاء للغرب، مع كل ما تحويه هذه المنطقة؛ هذه الحسابات الاستراتيجية هي التي تفسر التصويتات المزدوجة بالفيتو في مجلس الأمن بخصوص العديد من القرارات حول سوريا من قبل الصين وروسيا معا خلال السنين الماضية.

لماذا تقول إذا العديد من التقارير العربية والسورية أن إيران وروسيا مقبلتان على الصدام في سورية، مثلما أشارت دراسة لمركز حرمون للدراسات (3)، وغيرها من تغطيات إعلامية عربية وسورية؟ بالواقع تقوم غالبية هذه التحليلات على الأماني وليس الواقع الجيوسياسي الحاكم للسوق العالمي، وتعتمد على انتقاء التصريحات السياسية التي تناسب هذه الأماني؛ فبافتراض صدقية التصريحات السياسية، فإن الاستنتاج منها يقتضي جمعها كلها مع بعض وليس انتقائها. كذلك تركز هذه التحليلات على الخلافات والمشاكل التكتيكية بين السياسة الروسية والإيرانية على الأرض، لكن هذا التركيز أيضا يخالف منطق العلاقات الدولية، فحتى ضمن الدولة الواحدة هناك مشاكل وخلافات، فكيف يكون الحال مع دولتين يتشاركان لأول مرة عملا عسكريا؟ بالإضافة لذلك تميل هذه المقالات كثيرا إلى الإبحار عميقا في التفسيرات الطائفية والقومية، التي أثبت التاريخ والواقع ضعفها وعجزها عن تفسير الحركة الجيوسياسية للصراعات الكبرى بين الدول.

السؤال الموضوعي هنا: متى حدث خلال المئة سنة الماضية، أن حلفا بين دول او دولتين انهار خلال سنين معدودة، إن لم يحصل انقلاب جذري في شكل الحكم في أحد هذه الدول؟ بالواقع لا يوجد، حتى على مستوى الدول الصغيرة، فكيف الحال مع دول كبيرة مثل الصين وروسيا وإيران تواجهان نفس الخصم؟

إذا إن الحلف الروسي الصيني الإيراني في سوريا غير قابل للتصدع أو الانكسار، انطلاقا من النظرة الكلية للصراع الدولي وللمصالح الاستراتيجية لهذه الدول، وهذا الحلف المتجسد بتدخل عسكري إيراني وروسي مباشر في سوريا لن يُسمح له بأن يهدد المصالح الأمنية العليا لهذه الدول، وأي مشكلة تكتيكية تحصل على الأرض لم تكن ولن تكون مستعصية على الحل؛ إن الرهان على أخطاء الخصم في صراع بهذا الحجم هو الخطأ الكبير والمدمر. إن الحال السورية تقتضي الخروج من كنف النظرة التقليدية للعالم وصراعاته، الممتدة منذ اغتصاب فلسطين إلى اليوم، والنظر بواقعية للعلاقات الدولية، وليس الهروب للأوهام والأمنيات.

 

المراجع:

(1)   السياسة التركية بين الواقع والخيال، موقع بيت السلام السوري.

 

(2)   بشار الأسد: سوريا هي خط الدفاع الأول عن إيران وروسيا، موقع بيت السلام السوري.

 

(3)   إيران: حليف روسي أم صيّاد فرص؟ شبكة جيرون.

  

رابط مختصر:
http://wp.me/P2RRDZ-xh