Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

سوق النفط ولعبة السياسة

04/04/2015

نقلا عن مراسل سوري: سوق النفط ولعبة السياسة

علاء الدين الخطيب

شهد سوق النفط تغيرات دراماتيكية بالربع الأخير من العام 2014. فقد هوت أسعار النفط الخام العالمية لمستوى 50 دولار للبرميل بعد أن كانت في منتصف 2014 تتراوح حول الـ 105 دولار للبرميل. هذا الهبوط التاريخي بالأسعار أثار العديد من الأسئلة حول من المسؤول ومن المستفيد وما هي الغاية. هذا الهبوط بالأسعار هو الأكبر خلال العقود الثلاثة الماضية بعد الهبوط الكبير في خريف 2008 والذي كان نتيجة للأزمة المالية العالمية (راجع الشكل 1). 

fig1الشكل (1) أسعار النفط الخام من 1986

أسباب هبوط أسعار النفط:

اختلف خبراء السوق حول أسباب هذا الهبوط، لكن المجمع عليه أن أحد الأسباب الأساسية هو ازدياد إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مسبوق خلال الخمسين سنة ماضية. وهذا يعود أساسا لازدياد إنتاج النفط اللاتقليدي Unconventional Oil. وبسبب إصرار دول الأوبك وبالذات السعودية على عدم خفض الإنتاج (راجع الشكل 2).

fig2الشكل (2) تغير أسعار وإنتاج النفط بالنسبة لمعدل 2010 الشهري

من الناحية الرسمية الإعلامية تنفي حكومات الولايات المتحدة والسعودية النفط1وجود قرار سياسي خلف انخفاض الأسعار بينما تصر روسيا وإيران على أن الدافع هو سياسي وليس السوق.

لقد شهد سوق النفط ارتفاعات في الإنتاج خلال العقود الماضية تفوق الطلب مما أدى لانخفاض الأسعار. لكنها لم تؤدي لهذا الهبوط الكبير والمستمر. هذا الانخفاض بالأسعار يعود بالإضافة لما سبق ذكره حول الإنتاج إلى قرارين أساسيين:

أولا: قرار الشركات الأمريكية والعربية المنتجة للنفط التقليدي بالحد من تسارع إنتاج النفط اللاتقليدي في الولايات المتحدة الأمريكية. في الواقع لم تساهم أيا من الشركات النفطية الكبرى في الولايات المتحدة في الاستثمار في مجال استخراج النفط اللاتقليدي خلال العقد الماضي. من استثمر واستخرج كان شركات متوسطة أو صغيرة قبلت تحمل المخاطر الاستثمارية، وفعلا حققت مرابح هائلة خلال السنين الماضية.

ثانيا: قرار سياسي أمريكي سعودي يهدف لحشر روسيا وإيران في المربع الضيق. فكلا البلدين يعتمدان على إيرادات النفط بشكل كبير ويواجهان أزمات اقتصادية خانقة بسبب توتر علاقاتهما مع الغرب والسعودية، توتر متزايد على خلفية صراع كبير للسيطرة على السوق العالمي أمام الحلف الروسي الصيني الإيراني. وطبعا كانت أزمة أوكرانيا هي الدافع الأساسي للولايات المتحدة بالإضافة لملف إيران النووي والصراع على سوريا الممتد من 2011.

من هو الرابح والخاسر ماديا:

من الواضح أن الرابح الأساسي هو المستهلك وخاصة الدول الأكثر استيرادا للنفط مثل أوروبا وشرق أسيا. ومن حيث المبدأ التجاري البسيط فالمصدرون هم خاسرون عموما لأن انخفاض الأسعار بنسبة فاقت -40% لا يمكن أن يعوضها ارتفاع الطلب بتحريض السعر المنخفض. فخلال العقود الثلاثة الماضية لم يحدث أن نما الاستيراد العالمي للنفط بأكثر من +6% في عام 2007 مقارنة بالعام 2006 (زيادة مصدرها الأساسي شرق آسيا).

من وجهة نظر أخرى، يعتقد العديدون من الخبراء بأن هذه العملية بخفض الأسعار ستؤدي لإعادة هيكلة سوق النفط بما يتوافق مع المنتجين الكبار كدول وشركات. إنها لعبة العض على الأصابع لمن يستطيع الاحتمال أكثر. فقد بدأت شركات استخراج النفط اللاتقليدي الأمريكية بإعادة حساباتها وفرملة سرعة نمو استثماراتها. بينما تسعى الدول المصدرة الأكثر تضررا مثل روسيا وإيران وفنزويلا ونيجيريا للبحث عن بدائل أخرى قد تتضمن منح عقود نفطية طويلة المدى بأسعار مشجعة مثلما تفعل إيران الآن.

السؤال يبقى إلى ماذا ستؤدي هذه الصدمة على المدى البعيد؟

من الصعب الحكم الآن. فبالنسبة لشركات استخراج النفط اللاتقليدي ما زالت تستطيع المراهنة على تحسين تقنيات الاستخراج والتي تشكل أحد أهم أسباب ارتفاع تكلفة الاستخراج بالإضافة لوضع حلول تنظيمية تخفف من عبء أجور العمل والنقل. كما يجب الإشارة إلى نقطة إضافية أساسية وهي أن غالبية الإنتاج العالمي من النفط والغاز اللاتقليدي يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وقليل جدا من الصين. فحسب منظمة معلومات الطاقة الأمريكية EIA تمثل هذه الاحتياطيات ما يقارب 17% من الاحتياطيات العالمية النفطية (راجع الجدول 1). إذا خلال العقد القادم من المتوقع أن تتحرك استثمارات استخراج النفط اللاتقليدي إلى بقية دول العالم وخاصة الصين.

tableالجدول (1) الاحتياطيات العالمية من النفط والغاز الطبيعي بنهاية عام 2013

يصعب الجزم بالنسبة للدول المتضررة حاليا من انخفاض أسعار النفط وهم أساسا روسيا وإيران وفنزويلا بما سيحدث خلال الشهور والسنين القادمة. انخفاض الأسعار سيؤدي لانخفاض إيرادات كل الدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي طرديا. لكن الفارق الأساسي بين هذه الدول المتضررة وغيرها من كبار المصدرين هو حجم الاحتياطي النقدي والمصاريف الحكومية والحالة الاقتصادية للمواطنين. الجميع سيشعر بالنتائج لكن الفارق الأساسي من يستطيع الاحتمال أكثر. حاليا تسير روسيا وإيران بقوة نحو السوق الآسيوي وخاصة الصين والهند والذين يشكلون أكبر مستهلك للنفط نموا. وعلى ما يبدو أن الصين على استعداد للمناورة في هذه الفوضى الخلاقة أكثر من غيرها ضمن تنافس أقسى بالسوق العالمي بينها وبين الغرب. فكما صرح أوباما مؤخرا إنه تنافس حاد على من سيستطيع تحديد قواعد اللعبة في السوق العالمية للقرن 21 الصين أم الولايات المتحدة الأمريكية.

المستوردون الكبار للنفط والغاز ليسوا خارج لعبة الأسعار رغم المرابح الحالية. فعلى المدى الاستراتيجي لا يبدو أن الصين ستتخلى عن روسيا وإيران لمرحلة التصدع الاقتصادي. وأوروبا ما زالت أميل للسياسة الأمريكية رغم ظهور التذمر الألماني مؤخرا من تصاعد الأزمة مع روسيا.

 

04/04/2015

المراجع:

·         شركة النفط البريطانية BP.

·         منظمة معلومات الطاقة EIA.

·         منظمة الطاقة الدولية IEA.

·         منظمة الأوبك OPEC.