Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

شكل سوريا القادم هو بداية الحل

07/10/2016

علاء الدين الخطيب

 

قد يعتبر الكثيرون، حسب الشائع، أن الكلام حول شكل الدولة السورية، بفرض انتهاء الأزمة وسقوط النظام نوع من الترف الفكري حاليا؛ ويعيدنا هؤلاء الكثيرون لمقولة مستمرة من 2011 “لنسقط النظام الآن، ثم نصحح أخطائنا ونقرر شكل الدولة”. بالواقع إن ست سنوات من استمرار المأساة والمذبحة في سوريا، مع بقاء النظام الأسدي بمكانه أكثر قوة، وصعود قوى إسلامية متطرفة، تحمل نفس عنف النظام وميليشياته، وانسداد الأفق أمام ما يسمى مفاوضات المجتمع الدولي حول سوريا، يقول إن تلك المقولة هي الموغلة بالخيال والمثالية والمفتقرة لأي عمق برؤية الصراع فوق سوريا.

لقد أصبح واضحا، مهما صرخ السوريون ونددوا وبكوا، أن المساومات بين دول معسكر الغرب وتركيا والخليج العربي، وبين معسكر روسيا والصين وإيران والنظام الأسدي، لم ولن تنتهي قريبا لصفقة ترحم السوريين من القتل والتشريد اليومي؛ موازين القوى بين المعسكرين، وأهمية سوريا الاستراتيجية للطرفين، ونوعية المصالح والأهداف، تؤكد كلها أن لا حلا قريبا سياسيا أو عسكريا في سوريا؛ فالغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لا مصلحة له بدفع التكاليف الهائلة اللازمة لإعادة الاستقرار إلى سوريا، وهو الوحيد القادر إن أراد، فمن باب الحساب البسيط ما بين الربح والخسارة، ما يتوجب على الغرب دفعه لفرض استقرار في سوريا، لن يأت بمرابح تغطي تلك التكاليف، وهي تكاليف ليست فقط مادية، بل سياسية وعسكرية تدخل في صراع توزيع القوة ضمن السوق العالمي كله (1).

أما حكومات الخليج العربي وتركيا فهي لا تملك القوة الكافية، وهي أصلا لم تملك الإرادة والرؤية لمساعدة سوريا على الاستقرار؛ فرغم أن استقرار سوريا هو مصلحة مباشرة استراتيجية لهذه الدول، إلا أنها ولأسباب ذاتية وموضوعية، لم تملك بعد النظر الاستراتيجي وحنكة إدارة الإمكانيات، للوصول لتحقيق مصالحها في سوريا مستقرة.

اعتمادا على هاتين الحقيقتين، فإن حلف روسيا وإيران والصين والنظام السوري، وبعد الوصول لحافة الهزيمة في نهاية 2012، قرر أن يلعب بعامل الوقت لفرض مرتكزات قوة على الأرض السورية، تمنحه عقد ضمان للبقاء فوق غالبية الأرض السورية، وصولا لتحجيم المساومة حول سوريا إلى مساومة حول حلب وبعض الشمال السوري.

ما حصل بسوريا منذ 2011، كان تراكما لأخطاء تلك الأطراف، ثم تحول إلى تشابك شديد التعقيد من المناورات التي تعتمد على مهارة كل طرف في تحويل الأخطاء إلى مرابح بحدها الأدنى بدلا من خسارة كل شيء؛ استطاع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أن يكون أكبر الرابحين لحد الآن، وأن يدير الصراع لضمان منع أي خسارة مستقبلية، تاركا باقي الأطراف الدولية تحاول الخروج بأقل الخسائر الممكنة. أما ما يسمى معارضة سورية، ممثلة بقياداتها، والكتائب الإعلامية والفيسبوكية السورية، فقد وجدت نفسها، بوعي أو دون وعي، مجرد بيادق ضعيفة على رقعة الشطرنج تتحرك وفق إرادات تلك الحكومات والأموال السياسية.

هذا التشابك المعقد للمصالح والأموال والسلاح والإعلام، وبلوغ المآسي السورية اليومية حدا غير مسبوق من الألم والغضب وأيضا اليأس، وبغياب أي قيادة سياسية سورية واعية وطنية ذات رؤيا، ومع سيطرة إعلام سوري مسيَّس، أو فوضوي انفعالي غير مدرك لعمق الصراع، أدى لترسيخ شروخ هائلة بين السوريين على كل المستويات، السياسية والطائفية والقومية، وحول الشارع السوري، لغالبية يائسة تكتفي بالبكاء و “التطنيش”، والبعض الآخر لجماعات عصابية انفعالية عمياء لا ترى الصراع فوق سوريا سوى صراع طوائف وقوميات ومشاريع مؤامراتية.

syria-in-market

أمام عمق هذه المأساة، فإن ما تبقى أمام السوريين، وأمام من تبقى من نخبة سورية غير مسيَّسة خارجيا، هو إطلاق نقاش شعبي سوري واع ذي رؤيا عن شكل سوريا في المستقبل كدولة مستقلة موحدة، هذا النقاش سيقود لتوافق جزء من السوريين، جزء سيزداد عدديا حتى يشكل قوة سورية حقيقية تتجاوز طاولة القمار الدولية حول سورية.

نقاش هذا الشكل يستدعي الانطلاق من قواعد مؤسسة هي:

1-    لا يمكن أن تكون سوريا دولة عصرية مستقلة بوجود النظام الأسدي الحالي، أو بمنهجيته، أو سلوكه وبنيته، لأنه نظام فاشل ذاتيا وموضوعيا، والسنوات الماضية أبرزت فاشيته وعجزه حتى عن حماية نفسه دون دعم مفتوح من حلفائه (2).

2-    لا يمكن أن تكون سوريا دولة عصرية مستقلة كدولة إسلامية سنية، أو كمشروع خلافة، كما يطرح قادات الفصائل المسلحة الإسلامية، وقادات حزب التحرير الإسلامي والإخوان المسلمين (مهما جمَّلوا كلماتهم)؛ فهذه الأيدولوجيات ثبت خوائها الفكري المؤسس، وسطحية رؤيتها للدولة وللإسلام نفسه، وهي أيضا مرتهنة لمشاريع دولية فوق سورية ساهمت بتعميق الأزمة السورية وليس حلها (3).

3-    قيادات المعارضة الحالية الطائفة على السطح إعلاميا وسياسيا، عاجزة بنيويا وتاريخيا عن تقديم النموذج الحل لسورية، وعاجزة عن كسب ثقة الشعب السوري بما أثبتته السنوات الماضية، عدا عن ضعفها المهين أمام أجندات حكومات الدول المتورطة بالصراع فوق سوريا.

4-    الطرح الليبرالي واليساري والعلماني المتطرف أيضا عاجز بنيويا عن تقديم نموذج للدولة السورية، لأنه يرى في الشعب السوري، الذي يدعي أنه يعمل لأجله، مجموعة متخلفين متعصبين طائفيا وقبليا وقوميا، وشرط تحقيق نموذجه هو أن يتبنى الإنسان السوري طروحاته كما هي، بكل تعاليها وغطرستها.

5-    الشكل الوحيد المنقذ لسوريا، هو الشكل الذي يهدف ببنيته وفكره ومنهجيته لإصلاح ما تم تخريبه خلال السنين الماضية، انطلاقا من إيمان عميق بالإنسان السوري وأهليته، وصولا لتأسيس دولة تخدم هذا الإنسان؛ ويعمل بوعي على تأسيس الدولة السورية الحاضنة بعدالة لكافة المواطنين السوريين، وفق بنية مؤسساتية عصرية، وعلى أساس تشريعات وقوانين صلبة وواضحة وضامنة لحقوق الإنسان، كما نصت عليها الشرائع الدولية.

هذا الشكل لا يمكن تحقيقه سوى بإقرار النظام الديمقراطي كثقافة وممارسة ومؤسسات، وليس فقط كصناديق انتخابات، وبتبني النظام العلماني العصري، الذي يعني حيادية الدولة اتجاه الأديان والطوائف، ويمنع المؤسسة الدينية من التدخل في الدولة ومؤسساتها، ويضعها بمكانها المناسب، كمصدر تأطير للأديان والطوائف وفق حرية العقيدة للمواطنين. والأهم ارتكاز أساس هذه الدولة على شرعة حقوق الإنسان الدولية (دون أي تحفظ) كمبادئ حاكمة لا يصح تجاوزها او اختراقها. على أن يترافق ذلك مع عمل إعلامي واسعٍ واعٍ لحقيقة الواقع، متجاوزٍ لاسلوب منافقة مشاعر الشارع، ومتسامٍ على تجارية اللعبة الإعلامية، لخلق وعي وطني يؤسس لمصالحة شعبية شعبية واسعة (4) النطاق لدعم قيام الدولة السورية. وفق هذا الشكل يمكن فقط التخلص من آثار التجييش والتحاقد الطائفي والسياسي والعرقي فيما بين مكونات الشعب السوري.

هذا التصور للدولة السورية ليس ضربا من الخيال والمثالية، بل قبول بحقائق الواقع، التي تقرر أن لا سبيل للسوريين، في خضم هذا الصراع المعقد ماليا وعسكريا وسياسيا، سوى تأسيس دولته بداية كفكرة تتوسع أفقيا، لتصل للحظة مناسبة تصبح بها أقوى من أموال الحكومات المتصارعة وأسلحتهم، وتجبرهم على تقديم الحل الذي يعجزون عن الوصول إليه، إنه الحل الذي يراهن على قوة الكلمة والفكرة الوطنية الإنسانية مقابل قوة المال والسلاح المتحكم به خارجيا.

في هذا المقال تم طرح هذه الأفكار بكثافة، أفكار بحاجة لمقالات أخرى مختصرة ومبسطة تتناول هذه الطروحات بتفصيل أكثر.

 

07/10/2016

 

(1)  للمزيد حول السياسة الأميركية يمكن العودة لدراسة “ السياسة الأميركية ليست في حاجة إلى حسم الأزمة السورية ” على هذا الرابط:

(2)،(3)  للمزيد حول استحالة خياري النظام أو الإسلاميين يمكن العودة لدراسة “ هل سورية بين خيارين فقط: النظام أو الإسلاميون؟

     (4) ورقة بعنوان: طريق الحل في سوريا، المصالحة الشعبية الشعبية

الاجزاء اللاحقة

الجزء الثاني: الدولة الديمقراطية العلمانية ضرورة وليست خيارا.

الجزء الثالث: ما هي الديمقراطية

الجزء الرابع: ما هي العلمانية؟