Sat. Apr 20th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

طريق الحل في سوريا

المصالحة الشعبية الشعبية السورية

03/05/2016

علاء الدين الخطيب

مقدمة:

سوريا بحكم موقعها الجغرافي تضم واحدا من أكبر التجمعات البشرية نسبيا للأديان والطوائف والقوميات منذ آلاف السنين. ولم يشهد تاريخها أي تصفيات عرقية أو دينية كبرى يمكن مقارنتها بما جرى في الدول الأخرى. هذه الميزة هي منتج حتمي للموقع الجغرافي الذي فرض قوانينه على سكان سوريا.

عاشت سوريا خلال العقود الأربعة الماضية تحت حكم ديكتاتوري متسلط بوليسي يقوم على حماية الفساد والسلطة المطلقة للطبقة الحاكمة. وكان من الطبيعي في 2011 أن ينتفض الشعب السوري طلبا لبعض الحرية والديمقراطية والكرامة وحقوق المواطنة العصرية. فكانت البداية مظاهرات سلمية تماما تطالب بحقوق الإنسان الأساسية دون أي أجندة دينية أو قومية سوى الوطنية السورية.

الأسباب التي أدت إلى الحالة الراهنة:

تحولت الثورة الشعبية السلمية بعد سنة تقريبا لمقاومة مسلحة ضد النظام السوري كرد حتمي على عنف النظام المفرط وغياب القيادة السياسية الواعية للثورة. مع صيف 2012 ظهرت مؤشرات خطيرة على توسع الخطاب الإسلامي الجهادي على حساب الجيش الحر؛ وقد استطاع التيار الإسلامي الجهادي، برايات سنية طائفية، السيطرة تدريجيا على معظم المشهد الإعلامي والميداني للثورة السورية. فيما كان النظام الأسدي وعلى التوازي يوسع انتشار المليشيات الجهادية الإسلامية الموالية له، برايات شيعية طائفية. لقد حصل هذا الانهيار الأول في سير الثورة لعدة أسباب منها:

clip_image001[22]                رد النظام السوري المفرط بالعنف والقسوة ضد التحركات السلمية. وإطلاق سراح الإرهابيين من سجون النظام كي يتجهوا إلى العمل المسلح، في المقابل تمت تصفية منظمي المظاهرات السلمية ورموزها ومطاردة الباقين.

clip_image001[23]                دعم الحكومات الروسية والإيرانية والصينية للنظام السوري سياسيا وماليا وعسكريا وإعلاميا.

clip_image001[24]                دعم حكومات الخليج العربي (خاصة قطر والسعودية) وتركيا وحكtarkizومات الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا للاتجاه الإسلامي السياسي في المعارضة السورية والفصائل المسلحة الإسلامية منذ نهاية 2011. هذا الدعم كان واضحا في الإمكانيات المادية والعتادية الكبيرة لفصائل النصرة وجيش الإسلام ومن شابههم، في مقابل انقطاع الموارد تقريبا لما تبقى من جيش حر. وعلى ما يبدو كانت هذه الأطراف تريد إدارة الأزمة للفوز بنتائجها لمصالحها وليس حلها.

clip_image001[25]                التركيز الإعلامي المكثف من قبل كل الوسائل الإعلامية الكبرى السورية والعربية والغربية والإيرانية والروسية على أن الأزمة السورية هي صراع طائفي ديني وقومي. وممارسة الإعلام العربي لسياسة زيادة الشحن الشعبي على أساس طائفي وقومي. لقد توافق الإعلام العالمي على رسم صورة لسوريا تضعها بين خيارين لا ثالث لهما: إما النظام السوري أو أمراء المليشيا الإسلامية المتشددة مثل داعش والنصرة. (للمزيد انقر هنا)

clip_image001[26]                غياب قيادات معارضة سورية مؤهلة وواعية لقيادة الحراك الشعبي بسبب السياسة التي اتبعتها الدول الإقليمية المعارضة للنظام السوري. فقد تم فرض قيادات معارضة لا تحمل الرؤيا والوعي الكافيين لقيادة الثورة الشعبية. بالإضافة إلى صراع هذه الحكومات فيما بينها لفرض الموالين لها من قيادات المعارضة.(للمزيد انقر هنا)

خطوات الحل لإنقاذ مستقبل سوريا:

يأتي الحل في سوريا من إدراك حقيقة الصراع الدولي والحرب بالوكالة التي يشنها كل الأطراف على الأرض السورية. هذا الصراع تضخم بالتوازي مع حرب إعلامية شوهت الوعي والحقيقة حول سوريا. هذا الصراع بين معسكري: الصين وروسيا وإيران، ومعسكر الغرب وتركيا والسعودية وقطر صراع قاس لكنه بطيء ولن ينتهي خلال السنين القادمة. والأكيد أن لا معسكرا من الاثنين سيضمن سوريا موحدة مستقلة بغض النظر إن كانت ديمقراطية علمانية أو إسلامية أو عسكرية. (للمزيد انقر هنا)

لقد أدركت حكومات الصراع على سوريا أن أهم وسيلة للتحكم بالصراع هي تفتيت الورقة الأقوى بين كل الأوراق: قوة الشارع السوري. فاستطاعت هذه الحكومات مع النظام السوري، ومن خلال بعض قادات المعارضة وقادات الفصائل المسلحة الطائفية السنية والشيعية، ومن خلال سوق الtaasisإعلام، أن تفتت وحدة الشعب السوري. فأصبح القرار النهائي في سوريا هو ما تتقايض عليه هذه الحكومات. (للمزيد انقر هنا)

إذا فالاعتماد على ما يُسمى المسارات السياسية حاليا، أي حلقات التفاوض برعاية دولية، لن تؤدي لنتيجة حقيقية على طريق استقرار سوريا، طالما أن هذه الدول مشتبكة كلها مع بعضها البعض، وطالما أن أيا منها لا يستطيع فرض أي حل أو خطوات على طريق الحل في سوريا.

لذلك من الأساسي التركيز على الورقة الأقوى المنسية منذ 2011، والتي تعرضت لكل أصناف التهميش والتمزيق والتفرقة، إنها ورقة الشعب السوري. فالخطوة الأولى اللازمة للسوريين لكي يجبروا هذه الحكومات على إنهاء صراعها فوق سوريا، هي إعادة توحيد أكبر جبهة شعبية ممكنة من السوريين. وهذا يحتاج لجهود كبيرة في اتجاه المواطن السوري لإخراجه من دوامة حرب سوق الإعلام والأفكار والتحريض من خلال تأسيس إعلام جديد وقيادة سياسية فكرية واعية تقوم على مبدأ أساسي هو “بناء المصالحة الشعبية الشعبية السورية من خلال الحوار الديمقراطي”. ويمكن أن يتم ذلك وفق الخطوات الأساسية التالية ووفق الترتيب المطروح:

1.     دعم مؤسسات إعلامية سورية جديدة تستطيع منافسة الإعلام التقليدي المنتشر للتأسيس لبدء فتح حوار شعبي شعبي سوري يهدف لتأسيس مصالحة شعبية سورية. وذلك من خلال طرح الإشكالات الأساسية التي تمزق النسيج الشعبي السوري وهي:

·        التشويه المتعمد للنظم الأخلاقية والوطنية والإنسانية الأساسية.

·        ديكتاتورية النظام السوري واستحالة استمراره كحاكم لسوريا.

·         الشحن الطائفي والقومي والسياسي.

·        الشكل الديمقراطي والعلماني للدولة الحديثة.

·        انتهازية التيار الإسلامي المسلح واستحالة سيطرته على سوريا.

·        الفكرة المنتشرة عن كون الصراع في سوريا هو بين النظام السوري وبين الإسلام المتشدد.

الرسالة الإعلامية يجب أن تركز على النقاط الأساسية التالية:

·        التأسيس للمنظومة الأخلاقية والوطنية والإنسانية ومجابهة من يحاربها. منظومة تقوم على أسس حقوق الإنسان، وأن الوطنية والأخلاق والشرف ليست حكرا على أي مجموعة سورية دون الأخرى، وبالتالي رفض كل توجهات التخوين والتكفير والاتهامات بالعمالة بين المكونات السورية، والإقرار بأن ذلك من حق جهات قضائية منتظمة في دولة ما بعد الاستقرار.

·        سبب المأساة السورية الأساسي هو عنف وظلم النظام السوري، ثم الحرب بالوكالة التي تشنها حكومات العالم والإقليم على الأرض السورية من خلال المليشيات الإسلاموية المسلحة السنية والشيعية.

·        لا مجموعة سورية: سواء الطائفة العلوية أو المسيحية أو السنية أو الشيعية، وسواء القومية العربية أو الكردية أو التركمانية، أو أي قاعدة شعبية للتيار القومي العربي أو القومي السوري أو البعثي أو الإسلامي أو الكوردي، مسؤولة عن الأزمة السورية. (للمزيد انقر هنا)

·        إدراك حقيقة أن الأفكار التقليدية المتوارثة والمنتشرة حول المؤامرات الكونية والتفسيرات العرقية والطائفية هي أفكار خاطئة لأنها فشلت منذ 100 سنة للآن في تحقيق أي انتصار حقيقي لهذه الشعوب. (للمزيد انقر هنا)manzoma

2.     طالما أن النظام الأسدي يرفض الاعتراف بالثورة وبالمعارضة إلا وفق تصنيفاته هو للمعارضة، فإن إزاحة النظام السوري الحاكم تبقى مطلبا أساسيا خاصة السلطة العسكرية والأمنية الحالية لتمهيد الأرضية اللازمة للبدء بعملية إصلاح الدولة السورية ودعم أسس بناء الدولة السورية الحديثة.

3.     طلب دعم الأمم المتحدة في فرض رقابة كافية على تصدير السلاح والمقاتلين إلى سوريا، وعلى التجييش الإعلامي من خارج سوريا، خاصة التجييش الطائفي والقومي.

4.     إزاحة كافة قادات الفصائل المسلحة الإسلامية في سوريا سواء كانت تقاتل مع النظام أو ضده، ومطالبة حكومات كل الدول بتحمل مسؤوليتها القانونية والمادية عن الميليشيات والمقاتلين الأجانب القادمين من أراضيها إلى سوريا تمهيدا لإخراجهم خارج سوريا.

سوريا المستقبل:

ضمان مستقبل سوريا يقوم على التعامل مع آثار السنوات الماضية من الحرب الدامية العسكرية والإعلامية، ومع الأزمات العميقة التي ولدها النظام الأسدي الديكتاتوري خلال العقود الأربعة الماضية، والمبني على قرون طويلة من الجمود الفكري والسياسي. وكذلك مستقبل سوريا يعتمد على وضع أسس لدولة سوريا الحديثة والتي تتلخص بالنقاط التالية:

1.     سوريا دولة واحدة موحدة وفق حدودها السياسية الحالية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، يعيش على أرضها الشعب السوري بكل مكوناته القومية والدينية والطائفية.

2.     نظام الدولة هو نظام جمهوري ديمقراطي علماني ويقوم على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حسبما أقرته الأمم المتحدة.

3. نظام إدارة الدولة يسير باتجاه الإدارة اللامركزية لمحافظات سوريا، تحت الشروط التالية:

              أولا، ألا يكون التقسيم الإداري ترسيخا مستحدثا لتكتلات طائفية أو قومية؛

              ثانيا، الثروات الطبيعية والباطنية والمياه هي ملك للدولة السورية كلها وليس للإقليم الإداري؛

             ثالثا، الحكومة المركزية هي المسؤولة عن السياسة الخارجية والدفاع وعن الأمن المركزي؛

            رابعا، للحكومة والبرلمان المركزيان في السنوات العشر الأولى حق فرض أولويات إعادة البناء ومشاريع البنية التحتية الاستراتيجية.

4.     تحييد المؤسسة العسكرية والأمنية والجهاز القضائي عن الأحزاب السياسية والعمل السياسي.

5.     تأسيس السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفق أسس ثابتة تضمن عملها والفصل المرن بينها.

6.     الدستور والقانون يضمنان الحقوق الأساسية للمواطنين السوريين دون أي تمييز حسب الدين أو الطائفة أو القومية أو الجنس أو العمر.

hand to hand

7.     الدولة السورية هي دولة كل السوريين بدون تحديد هوية قومية أو دين للدولة. وهذا لا يتعارض مع كون سوريا عضو في جامعة الدول العربية ومنظمة الدول الإسلامية، وأن تكون مستقبلا عضوا في أي اتفاقيات إقليمية ودولية تخدم مصالح الدولة السورية.

8. الدولة السورية هي الممثل للوطن السوري الذي يضم كافة القوميات والأعراق والأديان والطوائف المكونة للشعب السوري، فلا حق حتى للأكثرية بفرض هويتها أو ثقافتها أو أهدافها على الآخرين. كما أن الدولة السورية يجب أن تلتزم بوضوح وثبات للعمل على إزالة آثار الممارسات الظالمة التي اتبعتها دولة البعث ضد القوميات غير العربية، وخاصة الكوردية والآشورية والسريانية، وضمان حقوق كل قومية بحماية تراثها ولغتها وتنميتها وتطويرها ضمن الإطار السوري الجامع.

9.     تتكفل الدولة السورية ببناء الهيكلية الأساسية للمؤسسات التي تضمن تأمين السكن المناسب والتعليم الأساسي والضمان الصحي والاجتماعي للمواطنين السوريين. ويتم ذلك بتأسيس هيئات علمية بحثية تضع خططا بعيدة المدى على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والعلمية، ولا يعني ذلك إعادة انتاج سياسة الخطط الشكلية التي وضعها الحكم السابق، بل الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة بطريقة عصرية علمية.

10.     تتكفل الدولة السورية مع المؤسسات المعنية الخاصة بتأسيس نظام تعليمي حديث وقيم إعلامية إنسانية وطنية بهدف خلق ثقافة شعبية تجمع بين الحداثة وقيم حقوق الإنسان والمواطنة وبين الأصالة السورية التاريخية.

11.     وضع أسس نظام التداول السلمي للسلطة بين الأحزاب الأساسية بما لا يمس المبادئ الأساسية للدولة السورية. ومنع تشكيل أحزاب سياسية تقوم على أساس ديني أو طائفي أو قومي، فلا أحزاب إسلامية أو مسيحية أو عربية أو كردية أو سريانية أو غير ذلك. لكن يحق لمكونات الشعب السوري تكوين جمعيات أهلية مدنية لا تتدخل باللعبة السياسية، بل تحرص على عملية التفاعل الصحي بين مكونات الشعب السوري.

12.محاربة التطرف بكل أشكاله سواء كان دينيا أو طائفيا أو سياسيا أو قوميا وفق التشريعات القانونية ومواجهة الفكر المتطرف من خلال الإعلام والنظام التعليمي والنقاش الشعبي السوري.

13.الدولة السورية مسؤولة عن حماية حريات المواطنين الأساسية والتي تشمل: حرية الرأي والعقيدة والحرية الشخصية بما لا يتناقض مع الدستور والقانون. وبنفس الوقت الدولة مسؤولة عن الحد من الدعوات لاستخدام العنف النفسي والمعنوي.

14.الدولة والدستور يضمنان حقوق مواطنة كاملة للمرآة بدون أي استثناء. وكذلك يضمنان حقوق الطفل كاملة.

15.تتبع الدولة السورية سياسة التقارب والصداقة وفق مصالحها مع دول الإقليم وكافة دول العالم ضمن الأسس التي أقرتها الأمم المتحدة.

16.الجيش السوري مسؤول عن حماية الأراضي والمواطنين السوريين. الأجهزة الأمنية مسؤولة أولا عن الحفاظ على الأمن الشخصي للمواطنين وعن أمن الدولة ككل. كلا المؤسستين تخضعان للدستور والقانون بما يمنع إعادة إنشاء الدولة الأمنية والعسكرية.

17.تسعى سوريا لاستعادة أراضيها المحتلة وفق الأساليب السياسية والتفاوضية وتحت مظلة الأمم المتحدة.

18. لتحقيق هذه الأهداف تعمل الدولة السورية مع إدارات الأقاليم على تأسيس ودعم إعلام وطني واعي منفتح حر عصري يعمل، مع النظام التعليمي الحديث، على محاربة الأفكار والعادات والطروحات البالية التي ترسخ التفرقة بين البشر وفق الدين أو الطائفة أو القومية أو الجنس. ويجب قبل وأثناء تأسيس هذا الإعلام الحذر من الوقوع في فخ الإعلام الأوحدي الديكتاتوري الجامد، وهنا فإن الاستفادة من خبرات أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية وغيرها من دول عانت أزمات كبرى سيساعد بشكل أساسي في تحقيق هذه الأهداف.

 

03/05/2016