Sat. Apr 20th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

ليست الغاية تقسيم سورية

علاء الدين الخطيب

 شبكة جيرون 25/03/2017

منذ 2011 بدأت صيحات الإعلام والناس “يريدون تقسيم سورية” ومن كل الأطراف. معارضو النظام السوري ومؤيدوه اتفقوا على نظرية تقسيم سورية كل حسب رؤيته.

هذه التفسيرات والتحليلات بجوهرها، هي امتداد غير واعي لمنهجية تفكير ترتكز على تفسيرات نظرية المؤامرة، وتتمحور حول مقولة “العالم، وبالأخص الغرب يخافنا نحن العرب أو المسلمين، ويريد تقسيمنا لإضعافنا”، التي هي أقرب للوهم منها للواقع. لقد أصبح الكلام في التقسيم وخرائطه هواية وحرفة لكثير من الإعلام العربي والغربي، وكأنه عمل من لا عمل له، فصدم المتلقي على الأقل يحقق رواجا إعلاميا، هذا بغض النظر عن الأجندات السياسية لكل طرف.

لمقاربة هذه التفسيرات نقديا أضعها أمام بعض الأسئلة الأساسية، التي لا يمكن الاختلاف حول أجوبتها موضوعيا ومنطقيا، أسئلةٌ لا تحتاج رموزا وتعاليم كتب السرية، بل تحتاج لأجوبة تدرك التغيرات الهائلة التي حصلت بالعالم منذ سقوط السوفيات ونشوء النظام العالمي الجديد.

السؤال الأول: من هم الأقوياء بالعالم حاليا؟

القوة تعني أولا الاستقرار الداخلي للدولة، وامتلاك قاعدة اقتصادية قوية لا يمكن أن تنهار بسهولة، وأن تمتلك الدولة معدلات منافسة من حيث النمو على مستوى الأفراد بين دول العالم، ثم يأتي بعد ذلك الحجم الكلي للاقتصاد والإنتاج والاستهلاك، والقوة العسكرية. وفق ذلك فالأقوى في عالمنا المعاصر هم الولايات المتحدة الأمريكية أولا، ثم الصين، ثم أوروبا الغربية، ثم روسيا واليابان وكوريا الجنوبية. وهناك قوى صاعدة بسرعة مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا.

السؤال الثاني: على ماذا يتصارعون؟

الصراع الأساسي ما زال نفسه منذ فجر البشرية، صراع على المال والسلطة، وفي عالمنا المعاصر الصراع هو من يسيطر على السوق العالمي؛ السيطرة على السوق العالمي تعني التحكم بالقوانين التي تتحكم بحركة الأموال والبضائع عبر الحدود المفتوحة، التي فرضتها اتفاقيات تحرير التجارة الدولية؛ هذا السوق المتوسع باستمرار لم يعد يعني فقط السيطرة على المصادر والمنابع، بل أيضا امتلاك أكبر حصة في سوق المستهلكين عالميا.

السؤال الثالث: ما مصادر قوتهم؟

ليس العدد السكاني. فسنغافورة وسويسرا والنمسا الذين يحققون أعلى معدلات الدخل الفردي، هم أصغر سكانيا من حي في القاهرة. وهو أيضا ليس المصادر الطبيعية، فسنغافورة وكثير من بلاد أوروبا الغربية فقراء بمصادر الطاقة وبالمواد الأولية. وهي أيضا ليست المساحة، فاليابان احد اكبر خمس اقتصاديات بالعالم من اصغر الدول مساحة. وليست القومية، فالولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند هم تجمع لعدد هائل من القوميات والأديان. كذلك ليس بسبب الدين كما هو واضح من نفس الأمثلة السابقة. إذا ماذا بقيَ؟

إنه نظام الدولة المؤسس على تحقيق المصلحة الوطنية باستراتيجيات بعيدة المدى ورؤية خبيرة علمية للواقع والمستقبل، نظام الدولة المؤسس على إعلاء شأن المواطنية وحقوق الإنسان بما يضمن إنتاجية المواطن عموما وانتظامه ضمن منظومة العجلة الاقتصادية، ثم يمكن إضافة ما سبق من عوامل لتعزيز قوة الدولة.

السؤال الرابع: هل يخافوننا لأننا نملك النفط والغاز؟

من الواضح من نقاشنا السابق أن تلال الأموال والذهب أصفرا كان أم أسودا بدون دولة مؤسساتية مضبوطة هي مجرد تلال رمال مباحة لكل قوي ذكي أن ينال منها ما يريد. كما أن زمن أسطورة أن إغلاق صنبور النفط سيرعب العالم قد ولّى أمام كميات النفط والغاز المكتشفة بكل العالم، والاتفاقيات التجارية الدولية. والأهم أن هذا الفرض مستحيل موضوعيا، لأن لا شعوب ولا حكام هذه المنطقة يملكون مفتاح هذا الصنبور؛ فإذا كان مصدر عزة شعب هو بعض السوائل السوداء تحت الأرض فبالتأكيد لا أحد يخاف في هذه الشعوب. طبعا هذا لا يعني أن لا أهمية أبدا للنفط والغاز في هذه المنطقة، بالعكس هو مهم جدا، لكنه ليس سلاح ردع ولا شرطا كافيا للقوة.

السؤال الخامس: فلماذا هم يضعون كل هذه الجهود علينا من إسرائيل إلى حكامنا الديكتاتوريين إلى حالنا المأساوية اليوم؟

تاريخيا، ومنذ الحرب العالمية الثانية، هذه المنطقة كان لها أهمية كبرى من كل النواحي أثناء الحرب الباردة بين الحلفين الغربي والسوفياتي. لكن هذه الأهمية تراجعت مع سقوط السوفيات وتأسيس النظام العالمي الجديد، كما اختلفت أسباب أهميتها للأقطاب الكبرى الناشئة في العالم المعاصر؛ وبالتالي اختلفت الغايات والوسائل.

الصراع الحالي والذي سيحدد شكل العالم في القرن 21 هو الصراع بين الغرب وبين الصين وروسيا والدول الصاعدة اقتصاديا، وهذا الصراع يقوم على قاعدة غير مكتوبة لكنها ملزمة “لا حربا مباشرة بين هذين الحلفين”، وأحد وسائل هذا الصراع هي الحروب المتحكم بها عن بعد. ومن سوء حظنا أن أرضنا تقع في مركز ساحة الصراع الممتد من أواسط آسيا الى البحر المتوسط.

السبب الآخر الغير واضح بشكل مباشر هو التركيبة التاريخية الغيبية لهذه الشعوب، فكلا الطرفين يريدان عدوا إعلاميا يشكل حجة لحكوماتهم بالحركة والعمل. وقد قدم الإسلام السياسي أفضل مادة يمكن استخدامها إعلاميا ودعائيا لحكومات هذه الدول لتخليق عدو خرافي مرعب. والمثال الواضح عصابات داعش الكرتونية التي وُلدت سفاحا بين مخابرات كل هذه الدول العالمية والإقليمية بلا استثناء.

الناحية الأخيرة، لسنا وحدنا من شعوب العالم الثالث الذين يدفعون الثمن المرّ لهذا الصراع، لكننا للأسف لم نسمع ولم نحاول أن نرى مآسي غيرنا في إفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية. وخلّنا كأي مريض أننا مركز الكون والمريض الوحيد فيه بسبب شرانية الآخر.

السؤال السادس: فهل هم لا يريدون تقسيم سورية؟

ليست غاية هذه القوى الكبرى العالمية المتصارعة فوق سورية والعراق وصولا لوسط آسيا هي تقسيم سورية. فبافتراض أن سورية هي في أفضل حالاتها موحدة مستقرة، هي لا تشكل حجما اقتصاديا أو عسكريا يخيف أي دولة، حتى إسرائيل، إن خطرها بهذه الحالة هو خطر معنوي سياسي على النظم الحاكمة الإقليمية. الصراع فوق سورية هو بين معسكري روسيا والصين وإيران ضد معسكر الغرب والسعودية وقطر وتركيا، والغاية هي ضمان أن سورية حليف استراتيجي؛ وبما أن الدول الكبرى، روسيا والصين والغرب، يتوافقون مع مصالح حلفائهم الإقليميين؛ وبما أن لا مصلحة لتركيا ولا لإيران ولا دول الخليج في سورية مقسمة، فالدول الكبرى أيضا لا تسعى لتقسيم سورية.

لكن ولأن كلا المعسكرين أخطآ في حساباتهم حول سورية في العام 2011، وبالتالي تصاعد الصراع إلى مستوً غير متوقع من قبل أي طرف، فقد يكون الحل الذي سيرضي كل الأطراف في النهاية، تحت ضغط حكم الأمر الواقع، هو توزيع السيطرة بين هذين المعسكرين.

السؤال السابع: فما المشكلة إذا حذرنا وتنبهنا لتقسيم سورية؟

المشكلة تكمن في كيفية حماية مستقبل سورية. إن فهم الأسباب العميقة للصراع فوق وعلى سورية، ومصالح وغايات ووسائل كل معسكر هو الخطوة الأساسية الأولى المطلوبة للوصول لحلّ يضمن مستقبلا أفضل لأطفال سورية بعد عقد أو عقدين. أما الاكتفاء بجواب يخفف من ألم شعورنا بالهزيمة “من كثرة خوفهم من سورية يريدون تقسيمها”، فهو عملية خداع للذات ستضلّنا عن الطريق الصحيح لإنقاذ مستقبل سورية.

عندما يصبح مصير الوطن على المحك، فمن السذاجة أن تقودنا أفكار معلبة قديمة موروثة من عصر قادنا إلى حافة هذه الهاوية، هذه الأساطير هي وليدة عصر الانحطاط الديكتاتوري وخرافات القومجية والإسلاموية السياسية ولو كانت صحيحة لما كانت سورية وأهلها يعانون كل هذا الألم والعذاب.

 

رابط مختصر
http://wp.me/P2RRDZ-ya