Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

تساقط النخبة العربية، من العظم إلى الفيس بوك

30/12/2013

علاء الدين الخطيب

تحسّر الكثيرون على أن ثورات الشعوب العربية للحرية عانت من غياب القيادة الفكرية النخبوية لها، وأرجعوا انهيار أهداف هذه الثورات إلى تغييب القيادة الفكرية المؤطرة للحركة الشعبية. لكن السؤال هل فعلا هذا هو السبب؟

بنظرة موسعة قليلاً ودون الوقوع بفخ التعميم ومع إدراكنا لسيطرة الانحيازات المسبقة على كامل الإعلام العربي (وهنا أعمم بكل إصرار لأن الإعلام هو سوق مالي) نجد أن صوت العقل والقيم الإنسانية غائب تماما عن فضاء النقاش العربي الإعلامي سواء على الشاشات الفضية أو الجرائد أو ساحات الوغى على الفيس بوك.

في سوريا وبدءاّ من أول رمز فكري من ممثّلي العلمانية العربية وهو الدكتور برهان غليون بدءت الأسماء الضخمة بالتهاوي في فخ “الكهنوت” الإسلاموي النفطي. فقد تحول غليون بقدرة قادر من مفكر علماني علمي متخصص بعلم الاجتماع لمجرد واجهة إعلامية لتيار إسلاموي مغرق بالتعصب في مجالس المعارضة السورية يؤمن بسيطرة مشاعر “الغيظ والتغايظ” في السياسة الدولية بين الصين والغرب. ولنفاجئ أن رمزا فكريا إسلاميا هو المرحوم الشيخ سعيد رمضان البوطي يصير مجرد واجهة إعلامية لنظرية المؤامرة الكونية يبني مواقفه على تقارير مخابراتية سورية يعرف صدقيتها. ويتعاظم الجيش الفكري من قبل النظام السوري في من سمّوا أنفسهم علمانيين ديمقراطيين لكنهم مؤمنون أن مليون سوري على الأقل ممن دعموا الثورة هم مجرد جيوش من المتخلفين المحدودي العقل والقابلين للشراء من قبل الغاز القطري والنفط السعودي. Slide50

المفاجأة الأقسى على جيلنا كانت سقوط من سمّوه لسنين قائد الفكر العلماني والعلمي في سورية الدكتور جلال صادق العظم (1)، الذي ببضع عبارات فلسفية يتقنها بحسب الخبرة في مجال الفلسفة حوَّل طائفة كاملة من العلويين إلى مجرد قطيع سياسي مفتون بالنظام السوري وأن هذه الطائفة هي سر بقاء واستمرار هذا النظام، ضاربا بعرض الحائط كل ما أخبرنا به حول قوانين التطور التاريخي الجيوسياسي وخدمة الثقافة السائدة الدينية والتقليدية للتطورات التاريخية في سيرورة المجتمعات الإنسانية. الطبع كلامه توافق مع انتشار التعصب الطائفي خارج سورية بين السوريين أكثر بكثير من انتشاره داخلها.

واليوم يفاجئنا السيد صبحي الحديدي بمقال مدوي (2) يشكره أصحاب منهج التفكير الاستسهالي مبني على فيديو لأحد المقاتلين الحوثيين في سورية المدافعين عن النظام السوري. ليبدأ بمقدمة طويلة لا يمكن تجنب وصفها بالشعبوية حول الفيديو وتكرار البديهي حول إجرامية النظام السوري، لكن بما يوحي أن قوة هذا النظام قائمة ومستمرة على أمثال هذا الحوثي أو الشيعي من حزب الله او إيران. وبدلاً من أن يضع السيد صبحي الفيديو والخبر بحجمه الحقيقي ضمن مأساة الصراع الدولي على سوريا ويكشف غايات النشر المقصود لهذه الفيديوهات من قبل النظام ومن قبل بعض معارضي النظام نراه يدخلنا من باب “التحليل العلمي” لحال الحوثيين ضمن نظام الديكتاتورية اليمني في نتيجة واحدة “الحرب الشيعية السنية في سورية”.

الواقع يقول أن المشاعر السنية الشيعية ملتهبة، وأن كثير من حملة السلاح يحملون هذه المشاعر في رؤوسهم. لكن للأسف أن غالبية من يكتب ويتكلم وينتشر انترنتيا يتناسى الأموال في جيوب هؤلاء المقاتلين ومصدرها ومصلحة من يملء هذه الجيوب بالمال والرؤوس بهذه المشاعر والغاية النهائية من عملية ملء الرؤوس والجيوب. ليست مهمة المثقف أو النخبوي صانع الرأي العام منافقة الشارع، لأن الشارع رغم أنه مفطور طبيعيا على السلامة والخير، إلا أنه مصاب بمرض السلبية وتقبل الأفكار السهلة التي ينزلها الحاكم من قصره. والتاريخ البشري مليء للأسف بحالات الجنون الجماعي (جماعي هنا بالمعنى المجازي) التي قادتها طبقات الحكام في حروب ومجازر مروعة تحت شعارات مقدسة دينيا أو وطنيا أو قبليا.

من أسوء ما يمكن لمفكر أو صانع رأي عام أن يفعله هو أن يستسلم لحمى الجنون عندما تنتشر بمجتمع يترنح تحت ضغط صراع أصحاب السلطات والأموال. والأسوء منه أن يعترف هذا القلم بأنها حمى جنون همجي مقاد من قبل السوق لكن لا خيار سوى الانصياع لخنادق الحكام والممولين وخوض الحرب المجنونة لإعادة صياغة المجتمع لاحقا وفق قوانين وثقافة “إنسانية”. مستشهدين بذلك بحرب الحلفاء مثلا ضد “جنون” هتلر في الحرب الثانية أو مخاضات الثورة الفرنسية خلال 200 سنة قبل أن تفرض قيمها. هذه القياسات الفاسدة تغفل بكل سذاجة أو تقصد الظروف الموضوعية لكل حالة والأهم الشروط الزمنية لهذه الحوادث ومعنى أننا نعيش بعالم الثورة المعلوماتية وعصر ثورة الاتصالات.

 

30/12/2013

(1)http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=466468

(2)http://www.alquds.co.uk/?p=118062#comment-213957