Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

حرب على الإرهاب أم حرب أخرى على الساحة السورية؟

14/11/2014

 

مقابلة صحفية أجراها معي الصحفي الأستاذ محمد خالد مراسل صحيفة العرب اللندنية في 29/10/2014. لكنها لم تجد طريقها للنشر ضمن الصحيفة لذلك أنشرها هنا. أسباب عدم النشر غير واضحة بالنسبة لي ولا للصديق الصحفي محمد خالد.

 

·       في البداية، هل تقلقكم المؤشرات التي تخرج عن التحالف الدولي حول أولوية مواجهة داعش، دون التطرق إلى الأزمة حامية الوطيس المُستمرة منذ ما يقترب من 4 أعوام وراح ضحيتها ما يربو عن مائتي ألف قتيل، في الوقت الذي ذكرت فيه دوائر مسؤولة أن مواجهة داعش قد تستلزم سنوات عدوها بالثلاثة أو الأربعة؟

 

بعد ثبوت أن ثورة الشعب السوري بعام 2011 هي ثورة جدية مستمرة، تكتل الموقف الدولي في معسكري الصراع العالمي الأساسيين: معسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة ضد معسكر الشرق بقيادة روسيا والصين، مع الأول غالبية حكومات دول المنطقة العربية والحكومة التركية ومع الثاني الحليف الأهم الحكومة الإيرانية وبالتالي النظام السوري والذي ظهر بأنه أضعف الحلقات في هذا الحلف.

ضمن هذا الصراع العالمي على الأرض السورية لا يمثل عدد الضحايا السوريين ومعاناة الشعب السوري من ظلم النظام البوليسي القمعي وتسلل منهجيات وأموال العمل المافيوي أي قلق حقيقي لهذه الدول. القلق والخوف السوري قائم من الموقف الدولي لأنه يواصل استباحة الأراضي السورية لتحقيق انتصاراته وتعويض هزائمه بين المعسكرين الكبيرين، والقلق قائم من تراجع الحل الوحيد للمأساة السورية، وهو توحد وتنسيق عمل الشعب السوري لإنقاذ سورية بسبب استلاب القرار السياسي للمعارضة السورية من قبل هذه الدول.

 

·       وكيف تقرأ تلك الضربات التي يوجهها التحالف الدولي، ومدى تأثيرها على اقتلاع “داعش” من الأراضي السورية؟

هذه الضربات هي من حيث التوصيف، استعراض إعلامي يستهدف أساسا الرأي العام الغربي بهدف تضخيم الخوف ضمن الشارع الغربي من عدو وهمي أسموه “الإرهاب الإسلامي”. هذا العدو الوهمي تم تفعيله منذ نهاية التسعينات بعد أن نقل أمراءه ومموليه العداء من جبهة الشيوعية والسوفييت إلى جبهة الغرب بقرار الممولين والمسلحين لهم. الحكومات الغربية لا تخاف من الإسلام أو من الفصائل الإسلاموية المسلحة كما يشيعون إعلاميا، هذا وهم كبير. الغرب يخاف من ينافسه بالسوق وهم الصين وروسيا والدول الصاعدة اقتصاديا. ISIS

من حيث الغاية التكتيكية هذه الضربات هي ضمن ما يسمى معركة تكسير الأصابع بين مختلف الحكومات المتدخلة في الأزمة السورية. داعش هي حصان طروادة التي يتناوب على لجمه وسياسته مخابرات كل هذه الحكومات. لذلك فإن هذه الضربات لا تهدف أصلا لاستئصال داعش بل لفرض تغيير بموازين القوى بين المعسكرين بانتظار من سيصرخ أولا، ولذلك هي لن تنتهي بثلاث سنوات بل ستستمر أكثر. وهنا يجب أن أنوه أن الصراع العالمي في السوق تحت ما يسمى النظام العالمي الجديد لا يمكن أن يكون حربا مباشرة ولا حتى حربا باردة، هو صراع بآليات جديدة أهمها ما يسمى الحروب بالوكالة Prosy Wars وضمن السوق نفسه.

 

 

·       وفي هذا الإطار، هل تعتقد أن الدعم الذي تحصل عليه المعارضة (ممثلة في الائتلاف السوري) من قبل الولايات المتحدة يكفي لتعضيد صف المعارضة.. وكيف تقرأ –في هذا الصدد- تصريحات مسؤول التحالف الدولي التي أكد فيها على أن تدريب مقاتلي المعارضة يستغرق “سنوات”؟.. وفي ضوء الدعم “غير المرضي” هل تستطيع المعارضة الصمود في مواجهة داعش والنظام؟

 

نعود هنا للإجابة الأولى، الائتلاف السوري والمجلس قبله عاجزان كبنية وكرؤيا عن التأثير على القرار الدولي، والأهم على الداخل السوري. فليس موقف أو مقولات الائتلاف ذات أهمية ضمن المأساة السورية. ما تسميه الحكومة الأمريكية “معارضة معتدلة” هو كلام للاستهلاك الإعلامي.

الآن يحاول كل معسكر بسورية تكوين فصيل مسلح تابع له. الحلف الروسي الإيراني بالأساس يملك القوة المسلحة للنظام والفصائل العراقية والإيرانية واللبنانية، الحلف الغربي يسعى لإعادة هيكلة فصائله المسلحة بما يخدم أجندته ومصالحه، بعد أن استنفذ محتواها الوطني. وبالتالي فإن بقاء فصائل مسلحة مستقلة بقرارها السوري، بمعنى أنها تستطيع السير لمصلحة سوريا هو أمر شبه مستحيل موضوعيا. ونكرر أن داعش هنا مجرد بيدق من البيادق. الصمود الحقيقي في سورية هو صمود الشعب السوري أمام هذا التوحش بالصراع على أرضه وهو مستقل تماما عن مشاهير المعارضة وقادات الفصائل المسلحة.

 

·       وفي ضوء حديث العديد من التقارير حول كون نظام الأسد هو المستفيد من ضربات التحالف الدولي ضد “داعش”، ما شكل الاستراتيجية الأمثل التي يجب أن يتبناها التحالف الدولي وفق رؤيتكم لحلحلة الأزمة السورية، بما يضمن إنجاح الثورة؟

 

  من السذاجة تصديق وهم أن التحالف الدولي سيساعد الشعب السوري للخلاص من النظام أو من داعش. وليس صحيحا أن النظام السوري هو المستفيد الوحيد من داعش. لقد كان النظام السوري مستفيدا من غالبية قادات وشيوخ الفصائل المسلحة الإسلاموية (ونقول إسلاموية لكي لا نخلطها خطأً بالإسلام) ابتداء من النصرة وجيش الإسلام ولواء التحرير وأحرار الالدولة الاسلاميةشام وصولا لداعش وحالش (حزب الله اللبناني كما يسميه السوريون). السلاح الذي يريد ويهدف لإنشاء دولة إسلاموية بسورية يعمل بالمحصلة لتثبيت استمرار النظام، وداعش من ضمن ذلك.

سورية لا يمكن أن تستمر وطنا إلا إذا بقيت جنة لما يزيد عن خمسين طائفة دينية وعشر قوميات متواجدة فيها تاريخيا منذ آلاف السنين. الدولة الإسلامية التي يدعي قادات هذه الفصائل طلبها هي بالواقع دويلات زعماء حرب مرتبطين بمصالح من يموّل ويسلّح من خارج سورية ولا علاقة لها بالإسلام والمسلمين.

الاستراتيجية المطلوبة بسورية هي استراتيجية التوعية الشعبية السورية ومحاربة أسباب التفرقة بين مكونات الشعب السوري وهذا يأتي من داخل الوعي الشعب السوري ولا يمكن أن يأتي من خارجه.

 

 

·       وكيف ترى الموقف الروسي والإيراني، ودورهما في عرقلة أية تفاهمات حول حلحلة الأزمة قد تحدث؟

طبعا الموقف الروسي الإيراني وأضيف الصيني خلفهم هو أساس البلاء والكارثة بسورية. لقد وضع هذا الحلف –بسبب قصور خبرته الإمبراطورية مقارنة بالغرب- كل بيضه بسلة النظام السوري العاجز بنيويا وفكريا وأخلاقيا ووطنيا عن الحفاظ على سورية حتى بأسوء الحالات كما كانت خلال الأربعين سنة الماضية. وهذا الحلف ما زال مستمرا بمحاولات يائسة لاستعادة السيطرة على غالبية سورية من حدود العراق إلى حدود البحر المتوسط ولبنان وفلسطين على الأقل. لكنه أمام غريمه الغربي ما زال يسبب المآسي للشعب السوري وحتى للشعب الإيراني والروسي.

لكي نفهم الفرق لنرى مثالا حيا، من المعروف أن نظام مبارك كان من أقرب أصدقاء السياسة الأمريكية، لكن يوم تخلخل هذا النظام بعد ثورة مصر تحركت أمريكا بكل مرونة للبدء بتأسيس تحالف مع حكومة الإخوان بمصر، ويوم سقطت تلك الحكومة عادت أمريكا للتفاهم والتحالف مع نظام السيسي الجديد. هذه البراغماتية الأمريكية مبنية على نظرة عميقة علمية للتاريخ والواقع ورؤيا واضحة للاستراتيجيا وخبرة سياسية متراكمة تتعلم من أخطاءها. أما السياسة الروسية والإيرانية رغم براغماتيتها أحيانا إلا أنها أسيرة العقلية الشمولية الوحدانية الاتجاه.

 التفاهمات بين المعسكرين قد تحصل لاحقا خلال سنوات ولكن بالتأكيد ستكون تفاهمات توزيع حصص وسيطرة وليس تفاهمات إنقاذ سورية كوطن.

 

 

·       البعض دفع بإمكانية تخلي إيران عن “الأسد” كما تخلت عن “المالكي” في العراق، إلى أي مدى تعتقد بإمكانية تحقق تلك الرؤية بما يؤدي لتقدم حول حل الأزمة؟

لم يعد رحيل أو موت شخص بشار الأسد هو بداية الحل بسورية. كان هذا صحيحا لغاية 2012. وبكل الأحوال، الحكومة الإيرانية لم تتخلَ عن المالكي كنظام عراقي، تخلت عنه كشخص. وهنا الفرق، فنظام الأسد كان أذكى من المالكي أمام إيران، فلا خيارات أمام النظام الإيراني بسورية سوى هذه المجموعة الحاكمة بسورية، النظام السوري لم يخف من الغرب بقدر خوفه من أن تحاول إيران وروسيا إعادة هيكلة الحكم السوري من داخله فحصّن نفسه أمامهم بشكل أقوى مما استطاع المالكي فعله. وفرق الخبرة بالحكم الديكتاتوري له دوره بالحالين.

 

 

·       كيف ترى دور “الدول العربية” فيما يتعلق بالوضع في سوريا، لاسيما الدور الإماراتي و المملكة العربية السعودية؟.. وبالتبعية، كيف ترى “الدور التركي”؟

 

الدور الإماراتي تاريخيا دور هادئ أقرب للحيادية وحذر لا يمكننا القول بمحوريته في المأساة السورية. للأسف أن حكومات السعودية وقطر تحركت وفق منظور ضيق للمصالح فلم ترى بسورية سوى معركة جديدة ضد النظام الإيراني، ولم يحاولوا استيعاب دروس التاريخ، فوضعوا كل جهودهم خلف فصائل معينة من المعارضة السورية لها توجه محدد. ولم يتعلموا مثلا من السياسة الغربية بالقيام بقفزات في منهجهم السياسي. دورهم كان تعطيليا لانتصار الثورة السورية بسبب خوفهم المريض من إيران وارتباطهم بالسياسة الغربية. أما الدور التركي، فهو مرتبط بالقطري من ناحية، وعلى خلاف جذري مع السياسة السعودية، وكذلك فإن أكبر شريك عسكري وتجاري لتركيا هو الغرب، وبنفس الوقت الشراكة التجارية بين تركيا وإيران وروسيا أكبر بعدة مرات من شراكة تركيا مع كل الدول العربية، ناهيك عن أن تركيا من أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل. فالموقف التركي موقف متردد متمايل مملوء أيضا بهاجس المشكلة الكردية. وهذه الضبابية أدت أيضا لعرقلة الثورة السورية.

 

·        هناك العديد من الأصوات التي تعارض الائتلاف المعارض، بل ذهب البعض لأبعد من ذلك بالحديث حول ضرورة تشكيل “تجمع أو كيان جديد” بديلًا عن الائتلاف، كيف ترى تأثير تلك المعارضة داخل بيت المعارضة السورية على أداء الائتلاف المستقبلي وتمثيله بصفة عامة؟

 

أشرت سابقا أن الائتلاف والمجلس وما يشابههما من حيث البنية والرؤيا عاجزون عن تقديم أي فائدة لسورية. وحسبما سمعت فمن ينادي بائتلاف جديد خرج بالواقع من مؤسسات الائتلاف والمجلس الوطني ولا أرى أملا بجديد لديهم. فمن لم يملك الرؤيا الصحيحة منذ 3 سنين في سورية لا يستطيع تقديم شيء الآن، بل الخوف من أن يقدم ما هو ضار. سورية بحاجة لقيادة معارضة جديدة بكل معنى الكلمة تستطيع فعلا العمل للشعب السوري بوعي عميق للمشكلة السورية والصراع الدولي وتكسب أولا ثقة غالبية السوريين، لكن هذا يحتاج للإعلام، والإعلام للأسف ليس مستقلا ضمن لعبة الصراع. نحن بعصر النجم الإعلامي وعصر صناعة الرأي العام حتى بأعرق الديمقراطيات الدولية فما بالك ببلادنا التي لم تتخلص تماما من تأثير مفهوم الزعيم والكبير.

 

·       أخيرًا، هل تعتقد أن سبل الحل السياسي قد انغلقت في سوريا؟ .. وفي هذا الإطار كيف تقرأ مهمة المبعوث الأممي الجديد؟ الحل الشعبي

 هناك ضبابية سببها الإعلام بمصطلحات حل سياسي وعسكري. كان هناك حل شعبي سوري ممكن وقوي لغاية منتصف 2012 تم وأده على يد مشاهير المعارضة السورية تحت نيران النظام وظهور قادات الفصائل الإسلاموية التابعين للخارج. حاليا، المعنى الحقيقي للحل السياسي هو استمرار المعارك المسلحة بشكلها الكارثي إلى أن يتوصل المعسكران الكبيران المسيطران على المال والسلاح والإعلام لتفاهم أو مساومة فيما بينهما يحددها ميزان القوى العسكرية في سورية، وميزان القوة على ساحة الصراع العالمي ككل من وسط آسيا مرورا بالعراق والخليج العربي وسورية ووصولا إلى أوكرانيا. أما مهمة المبعوث الأممي فهي أيضا ضمن ذر الرماد بالعيون مع غياب كامل لمعارضة وطنية سورية حقيقية ذات رؤيا عقلانية موضوعية للحاضر والمستقبل، وطبعا بوجود نظام كالنظام السوري بكل أمراضه الديكتاتورية القمعية فلا أمل من هذه المهمات.

 

 ملاحظة:
الصور والإخراج الفني من اختيار موقع بيت السلام السوري.

14/11/2014

علاء الدين الخطيب.

 رابط مختصر http://wp.me/P2RRDZ-p5