Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

المطرقة والمسامير، مسامير الطوائف بسوريا

علاء الدين الخطيب                                                                             25/04/2013

وضع إبراهام ماسلو عالم النفس الأمريكي في عام 1966 قانون الأداة أو ما يسمى مطرقة ماسلو. والتي تقول بشكل مبسط جدا: “إذا كان كل ما تملكه هو مطرقة، فكل شيء حولك سيبدو كمسامير“. وهذا قانون يشرح الكثير من تصرفات الأفراد والجماعات الإنسانية. كأن تسيطر المهنة مثلا على عقل صاحبها فلا يرى الأشياء إلا من خلال مهنته، فلو شاهد عدة أشخاص بقرة ترعى من حشيش البستان، سيراها الفلاح مصدر حليب، والجزار سيقدر كم كيلو من اللحم تزن، والطفل سيراها لعبة مسلية يراقبها، والشيخ سيسبح لله في قدراته المعجزة… هذا السلوك العادي للإنسان قد يتضخم عند بعض الأفراد وأحيانا الجماعات ليصبح سلوكا مرضيا، فنسمع شكوى من عائلات بعض العسكريين بأنهم عسكريون حتى في بيوتهم، أو أن طبيبا أرهق زوجته بمعايير النظافة والتعقيم، أو أن رجل دين لا يهتم من سلوك أولاده إلا بما يخص الصلاة. hammer and nails

هذه المقدمة النفسية هي لمناقشة أسلوب قديم جديد في السيطرة على توجهات الجموع البشرية. فمن أصول الحكم القوي أن يحاول الحاكم تضييق الخيارات أمام المحكومين لأقل حد ممكن. وذلك يتم غالبا باستخدام الإعلام الذي يتضمن بأبسط أشكاله الشائعات وصولا لوسائل الإعلام الحديثة. بملاحظة تطور طرح الإعلام الغربي حول سوريا خلال السنتين الأخيريتين الذي يتماشى مع السياسة الغربية نجد أن الإعلام الغربي وللأسف العربي أيضا قد قزم النقاش حول سوريا إلى نقاش حول “الأقليات”. فالآن سواء كنت معارضا مشهورا أو إنسانا عاديا والتقيت بالغربيين ستجد سؤالهم الأول “كيف حال الأقليات؟ هل فعلا سترمون الأقليات بالبحر“. لقد قدم الإعلام والساسة الغربيون للمواطن الغربي، الذي طبيعيا لن يصرف الكثير من الوقت للتفكير في هم الآخرين -وهذا سلوك بشري عام- خيارا أو طريقا وحيدا للتفكير بالأزمة في سوريا: القاعدة والإسلامويون سيرتكبون مجازر ضد الأقليات! بنفس الوقت -وبقرار مدروس- تراجعت أخبار عدد الشهداء وضحايا نيران النظام إلى الصفحات الأخيرة إن لم تختفِ من بعض وسائل الإعلام الغربية.

والسؤال هل من حقنا لوم السياسة الغربية؟ طبعا من الناحية الأخلاقية نعم، لكن لومنا لها يصطدم بحقيقة مرة أن الإعلام العربي للأسف مارس نفس اللعبة اللاأخلاقية. لقد التقط هذه الفكرة لمجرد أن سياسيي الغرب يطرحونها وبدأ بالتوسع فيها ومناقشتها بانحيازات عديدة من النادر أن نجد بينها نقاشا محايدا علميا. أي أن من هو مفترض بصالحك ولصفك يمارس نفس التزوير على ألمك ومعانتك. وكالعادة شمر الكتاب عن أذرعهم وامتلئت الصحف والانترنت والفيس بوك بالكلام عن مشكلة الأقليات: هنا نجد البعض يرفع شعار “الواقعية” وضرورة إمساك “مبضع الجراح” متبنيا التفسير الطائفي بناء على محاكمات سطحية، وهناك نجد من لاقى الشعار هوى في نفسه فراح يبكي ويصرخ “أنقذوا الأكثرية السنية من ظلم الأقلية العلوية والمسيحية والدرزية” وفي مكان قريب نجد من يصيح “أنقذوا الأقليات المسيحية والعلوية من الإبادة على يد الوهابيين السنة“. مرة أخرى تم تقديم “المطرقة” الطائفية بلون جديد لأياد جاهزة للطرق دون عميق تفكير أو تحليل فعاملت الألم السوري على أنه مشكلة طوائف فقط.

لماذا نجزم أنها “مطرقة” وليست الحقيقة؟ لن نناقش اليوم الموضوع الطائفي، لكن الحقيقة الموضوعية والتاريخية أن سياسيي العالم لم يهتموا يوما بمشكلة الأقليات في أي بلد إلا بما يخدم مصالحهم استراتيجيا، وهم لم ولن يبنوا سياستهم على أساس الشفقة أو الرحمة الإنسانية، فالقانون الأساسي الساري عبر التاريخ لعلاقات الدول هو “المصالح الإقتصادية”. فالدول الغربية وللدقة الحكومات الغربية لم تستطع حل مشاكل الأقليات في داخل بلدانها وخاصة مثل الولايات المتحدة الأمريكية حيث مازالت الأقليات الدينية والعرقية واللونية تعاني الأمرين. كما أن العرب في ما يسمى الآن إسرائيل هم أقلية لم تحرك لها هذه الدول رمشة عين، ولا ننسى طبعا الأقلية الكوردية الكبيرة في تركيا التي لم تؤثر بيوم ما على علاقاتهم بتركيا، وإذا كان الكلام عن الأقلية المسيحية فقد رأينا بوضوح الدعم الكبير الذي تلقاه الإخوان المسلمين في مصر وقبلهم حسني مبارك رغم كل الاضطهادات الموجهة للمسيحيين المصريين، والمشاكل التي يعانيها المسيحيون في جنوب شرق آسيا والتي لم تؤثر على علاقاتهم بتلك الدول إلا وفق مصالحهم.

طبعا المشكلة الطائفية في سوريا هي من أخطر وأهم المشاكل حاليا التي تهدد سوريا كوطن وكدولة وتحتاج لنقاش جماهيري واسع مدروس ومفتوح، ولكن ليس من باب أن السوريين هم فعلا في حالة حرب طائفية اختيارية، بل من باب أنها أداة التحكم الأساسية المستخدمة من قبل النظام المستبد ومن قبل السياسيين الدوليين الذين يتصارعون على التحكم بشكل سوريا الجديد وفقا لمصالح كل طرف. فتقبل كل ما يطرحه الغرب السياسي والإعلامي عبر الإعلام العربي والسوري والتركيز عليه يحول السوري لمجرد منفعل يرد على ما يتم فعله. هذا الاستسلام لأفكار تثير شهية الإعلام التجاري أو المنحاز يحول الوعي السوري من وعي يتطور لمواجهة الأزمة الأسوء في تاريخ سوريا إلى قوالب من الأفكار الجاهزة التي يتم طرقها حسب الحاجة وحسب اللحظة المناسبة.الفجيعة الأكبر هي أن أكثر الأسماء السورية شهرة إعلامية هي أكثرها إيغالا بالتفسير الطائفي واستخداما للتحريض الطائفي.

لقد قالها أشهر صانعي الحرب النفسية وزير الدعاية النازية جوزيف غوبلز “اكذب واكذب حتى يصدقك الناس“. أول خطوة على طريق إنقاذ مستقبل سوريا هي هدم هرم الكذب الواقف على رأسه.

25/04/2013

شبكة جيرون 2016