Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

هل يؤدي سقوط بشار لسيطرة داعش؟

15/10/2015

علاء الدين الخطيب

من أهم الحجج التي تقدمها الحكومة الروسية في دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا هي الحجة القائلة: “سقوط بشار ونظامه سيؤدي لسيطرة الإسلاميين على سوريا ومن ضمنهم داعش”. هي أيضا حجة أساسية يقدمها النظام السوري نفسه منذ 2011 أمام السوريين والذين بغالبيتهم يرفضون أن يحكم سوريا إسلاميون من شيعة داعش أو النصرة. بالواقع الكثير من الإعلام الغربي يقبل هذه الحجة ويناقشها وينشرها بنفس الوقت الذي يقول فيه أن النظام الأسدي هو نظام ديكتاتوري قاس. هذه المفاضلة بين النظام السوري وبين القوى الإسلامية المتطرفة ذات الصبغة السنية هي أساس الجدل العقيم المستمر منذ 2012 إلى هذا اليوم على المستوى الشعبي السوري وعلى المستوى الدولي. هو جدل عقيم لأن المصالح التي تحرك القوى الكبرى ومن يتبعها في سوريا أعمق من مجرد مفاضلة بين بشار والبغدادي والجولاني، لكن أهمية وخطورة هذا الجدل أنه تجييش للرأي العام السوري والغربي يخدم مصالح القوى المتصارعة. فلنناقش هنا هذه المقولة من الناحية الموضوعية على المستوى السوري ثم الدولي.

على المستوى الشعبي السوري

دون الدخول بالمجادلات القديمة من الثابت أن قطاعا كبيرا من السوريين بدأ احتجاجات شعبية تطلب التغيير والإصلاح تطورت بسبب ردة فعل النظام السوري إلى الطلب بتغيير النظام. ومن الثابت أن الجيش الحر ببداية الأحداث كان بغالبيته عسكريين سوريين منشقين أرادوا دعم مطلب الناس بالحرية (أو حتى كما يقول النظام عملاء يريدون إسقاطه) ولم تكن الأيدلوجية الإسلامية القاعدية هي محركهم. وبالتالي فسواء كان المقاتل ضد النظام “ثائرا للحرية” (كما نراه) أو “متمردا مأجورا” (كما يراه النظام السوري والروس من وراءه). الحقيقة المؤكدة كانت وما زالت أن محاربة النظام السوري كانت دافعا معنويا أساسيا للمقاتلين ضد النظام. ISIS

منذ نهاية 2012 بدأت تخرج أو تتوضح أكثر الفصائل الإسلامية المؤدلجة وفق شعار الخلافة الإسلامية السنية، لم يكن هناك من يشرح خطورة هذا الشعار لهؤلاء المقاتلين ولا امتلكوا هم أنفسهم الوقت والاستعداد النفسي للاستماع والنقاش. فتوسعت جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام على حساب الجيش الحر لسبب أساسي أن قادات هذه الفصائل امتلكوا مالا وأسلحة ودعما إعلاميا أكثر، ومن حيث الغاية لم يقدموا تناقضا ظاهريا بين محاربة الأسد ونظامه وبين الأهداف الإسلامية التي تُعد براقة جذابة لأي مسلم متديّن. على أطراف هذه الجماعات نمت وتوسعت داعش برعاية قادات هذه الفصائل وبدعم متعدد المصادر شمل حتى الحكومة الإيرانية والروسية بالإضافة لحكومات قطر والسعودية وتركيا.

إذا المقاتل المنطوي مع هذه المنظمات يتحرك وفق دافع أساسي هو محاربة النظام السوري وإسقاطه، أما هدف الدولة والخلافة الإسلامية فهو محرض إضافي لا يمكنه تحريك هذا العدد من المقاتلين في أي بلد. والدليل ببساطة هو نظرة عامة على كافة البلاد العربية والإسلامية وأصول المقاتلين الأجانب. هدف الخلافة الإسلامية مطروح منذ قرن كامل بكل هذه البلاد لكن هذا الهدف لا يتحول لمحرض يؤدي لتحريك عدد كبير نسبيا من المقاتلين دون وجود محرض مباشر أقوى ودعم دولة أو دول لهذا الحراك، ولنستعرض بعض الأمثلة التي تبرهن هذه المقولة: لم يكن لطالبان والقاعدة أن يفعلوا ما فعلوا بأفغانستان لولا الغزو السوفييتي الذي مثل العدو الأخطر بلحظتها (انظر للباكستان المتشابهة مع أفغانستان والتي لم تشهد ما يماثل الحالة الأفغانية). ما كان للإسلاميين في مصر والجزائر بالتسعينات أن يحركوا كل هذه الأعداد من المسلحين لولا هدف إسقاط النظام القائم. النسبة القليلة جدا من الشباب المتحفز للقتال فقط بهدف الخلافة الإسلامية لم يستطع فعل ذلك ببلده لأنه لم يجد دعما شعبيا وعددا يكفي من أقرانه في السعودية وتونس وجمهوريات آسيا الوسطى فتوجه للقتال بأفغانستان سابقا ثم العراق والآن بسوريا. أضف لذلك أن العدد الأكبر من هذه الفصائل هو من السوريين فمن الحتمي أن محرض القتال المعنوي لدى هؤلاء هو إسقاط النظام السوري أولا، ثم يأتي محرض الخلافة الإسلامية المزعومة.

بناء على هذه الحقيقة (التي يمكن إفراد دراسات أوسع لها) فإن انهيار نظام الأسد وهزيمته العسكرية ستؤدي حكما لخسارة هذه الفصائل على الأقل لثلثي مقاتليها الذين سيكونون قد حققوا هدفهم الأساسي. هذه الخسارة لا تعني أنهم سيتركون مواقعهم مباشرة ويعودون لبيوتهم لكنهم سيبدؤون بالتفكير والاعتراض على هدف الخلافة الإسلامية الذي يطرحه الفكر القاعدي. هذا الهدف بشكله المطروح يتناقض عموما مع الطبيعة الإنسانية وبالذات مع المجتمع السوري تاريخيا وحاضرا. المجتمع السوري هو مجتمع حضري أكثر منه زراعي، وأكثر بكثير من أن يكون بدويا قبليا، أي أن أهل المدن وتجارها وصناعييها هم الذين يصيغون الشكل العام للسلطة وهذه الصياغة متناقضة حكما مع حكم إسلامي متشدد حجري المنهج والتفكير. بل إن مقارنة سوريا بدول أقرب لهذا النموذج كالسعودية أو أفغانستان أو الصومال تثبت استحالة تقبل هذا النموذج بسوريا خاصة وأن هذه البلاد حاولت وبقوة فرض هذا النموذج.

على المستوى الدولي

مع نهاية 2012 تبلورت واتضحت أكثر مواقف الحكومات المتصارعة بسوريا. من المؤكد أن الغرب لا يسعى لدعم شكل حكم إسلامي قاعدي بسوريا حتى لو كان يسيّر الحركات القاعدية من تحت الطاولة. الحكومة القطرية وهي الأكثر دهاء سياسيا وبراغماتية انسحبت من الساحة السورية بشكل شبه كامل تقريبا وسلمت أوراق تأثيرها للأتراك لتجنب الخسائر القادمة. الحكومة التركية لا تستطيع احتمال نموذج قاعدي على حدودها وضمن مشكلتها المستمرة مع الأكراد، نعم لقد ظنت أن النموذج الإخواني قد يسيطر ودعمته لأقصى حد لكنها لا تريد بالتأكيد حاكما مثل الجولاني أو المحيسني فما بالك بالبغدادي في سوريا. الحكومة السعودية لم تغير سياستها الترقيعية خارج السعودية (التي هي بالواقع انعكاس لتركيبة الحكم السعودي الهجينة بين النفط والكهنوت الديني)، فالسعودية تفضل دائما حكومة ذات مظهر “علماني مودرن” متحالفة مع تيار الشيوخ السنة المعتدل أو المتشدد لكن الملتزم بمبدأ “ اسمع وأطع ، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك “، مثلما فعلت مع نظام حسني مبارك وحافظ الأسد منذ التسعينات حتى منتصف 2011. أضفtime is over لذلك رفض السعودية الكامل لحكم إخواني هو ظاهريا أقرب لها فكريا، فالسعودية لن تقبل أيضا حكما قاعديا بسوريا بكل ما تمثله سوريا من أهمية استراتيجية ومعنوية للسعودية ودول الخليج.

سقوط نظام بشار الأسد لن يؤدي لسيطرة النموذج القاعدي الإسلامي على سوريا

مما سبق يتضح أن الحجة المقدمة من قبل روسيا والنظام السوري بأن سقوط بشار الأسد ورجاله وانسحابهم أو إخراجهم من السلطة سيؤدي لسيطرة داعش أو النصرة أو حتى الإخوان المسلمين على سوريا هي مجرد دعاية إعلامية هدفها تقديم التبرير الشكلي لسياستهم في سوريا. وقد يسأل سائل: نفهم أن يقول بشار الأسد ذلك، لكن ألا تدرك روسيا وهي الدولة العظمى هذه الحقيقة، فلماذا تحارب بسوريا إذن؟ الجواب ببساطة أن طريقة إدارة السياسة الروسية الخارجية لا تتناسب مع حجم الدولة من حيث الخبرة والقدرة على المناورة والمرواغة مثل الإدارة الأمريكية والغربية عموما. المشكلة الأساسية التي واجهت روسيا بكل مواجهاتها السابقة مع الغرب في أوروبا هي فشلها في وضع الخطة “ب” وخلق بديل محتمل لحلفائها، وهذا واضح من أزمات جورجيا وأرمينيا وأوكرانيا. الهم الأساسي لروسيا أن أعدائها بالغرب وحلفائهم الإقليميين قد جهزوا بديلا يرضيهم جميعا يماثل لحد ما شكل الحكم المباركي لمصر “تزاوج ما بين علمانية ظاهرية وما بين سيطرة دينية على الشارع”، لكن هذا النموذج يهدف أساسا لإخراج السيطرة الإيرانية من سوريا ولبنان والروسية أيضا. وقد أعلنت إيران وروسيا ومعهم الصين أنه من المستحيل التخلي عن سيطرتهم على سوريا.

الناحية الأخيرة التي يجب التنويه لها والتي تحتاج لمقال آخر هي أن انهيار فصائل النصرة وجيش الفتح وجيش الإسلام ومعهم داعش سيؤدي حكما لانهيار النظام السوري أيضا لأسباب مشابهة لما ذكرناه سابقا. فالعلاقة الآن بين وجود بشار الأسد ووجود أمراء الحرب الإسلاميين بسوريا أصبحت علاقة ترابط شرطي لا يمكن الفكاك منها سوى بالعمل الطويل على مدى سنوات عديدة، وهذا ما يخطط له النظام السوري مع حلفائه.

 

15/10/2015