Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الجزيرة وشرف المهنة، لا تقربوا الصلاة

علاء الدين الخطيب                                                                             14/07/2013

لا يمكن لأحد أن ينكر أن قناة الجزيرة كانت صاحبة السبق في الإعلام التلفزيوني الحر المفتوح في الفضاء العربي وقد استقطبت بحواراتها التي بدت حرة وشجاعة لأقصى حد المشاهد العربي الذي كان يعاني من جوع مزمن لسماع جملة تقول على الأقل “الحاكم ليس بطلا وطنيا أسطوريا”. ولا بد من الإقرار أن الجزيرة قد بدأت من نهاية السلم، فاستخدمت أفضل وأحدث وسائل الإعلام الإخباري وصناعة الخبر وجذب المشاهد وإقناعه. لقد سيطرت لفترة طويلة وما زالت على الساحة الإعلامية العربية بلا منازع وأصبحت تعد عالميا بين القنوات الأكثر رواجا، بل أصبحت مرجعا للإعلام الغربي والعالمي على مستوى المؤسسات والأفراد بنسختها الإنجليزية. واستفادت من بذور الشك التي تراود الغربي في إعلامه فيريد الاستماع لرأي أهل الشأن فيبحث في الجزيرة الإنجليزية ليسمع الخبر من أهله إن كان عن العرب أو المسلمين.market

لقد تقبل الكثيرون أن الجزيرة بتمويلها القطري لا يمكن المبالغة في توقع حياديتها المطلقة وعذروها إن مالئت أو انحازت ضمن هذا السياق فلا يوجد إعلام حيادي بشكل مطلق. لكن ما لم يمكن السكوت عنه هو ناحيتين واضحتين في انحياز الجزيرة من خلال التقييم الإحترافي للمهنة الإعلامية: أولهما تحولها الواضح والفج لدعم التيار الإسلاموي السياسي منذ عدة سنين وباتجاه تيار يمكن تسميته “المدرسة الإخوانية الإسلاموية” وهذا ما يحتاج لبحث تفصيلي مستقل. والناحية الثانية هي الخداع الفج للمتابع بين نسختها الإنجليزية والعربية والرسائل التي تريد تمريرها. في هذا المقال المختصر نعرض بعض النماذج عن “الانتهاك لميثاق الشرف الإعلامي الإنساني” من خلال مقارنة واضحة بين الجزيرة العربية والإنجليزية.

بداية يعلم كل متخصص بالإعلام أو مهتم أن الحدث غير الخبر. فنفس حادث السير يمكن أن يصيغه الإعلامي وفق عدة وسائل هي بظاهرها لا تكذب ولكنها تنقل انطباعا مختلفا للمتلقي، فيقال: “صدمت سيارة مسرعة رجلا كان يعبر الشارع مما أدى لمقتله” أو “فاجأ رجل يعبر الشارع سائق سيارة مما أدى لوفاة الرجل وجروح عميقة عند السائق” أو “تسببت الأحوال الجوية بحادث سير مؤلم أدى لوفاة رجل كان يعبر الشارع وإصابة سائق السيارة”…الخ. ما بين “قتل” أو “وفاة” وما بين “سيارة مسرعة” و”فاجأ العابر” فروق كبيرة تستقر في شعور المتلقي للخبر، هل يغضب من “استهتار السائق” أو “غفلة العابر الماشي” أو”الجو السيء” وهل يراها “قتلا” أم “قضاءً”. الخبر يسمعه 100 شخص يبنون حكما عاطفيا بناء على صياغة الخبر، لكن للأسف أن فقط ثلاثة أو خمسة على أقصى تقدير يتابعون ليعرفوا ماذا كان حكم المحكمة القانوني ومن هو المسؤول وما هي الحقيقة. هذا المثال البسيط هو من أصول صياغة الخبر الإعلامي الذي يفتح لنا باب التعمق في غاية الوسيلة الإعلامية.

لنقارن من حيث المصطلحات بين الجزيرة نت العربية والإنجليزية في الموضوع السوري منذ سنتين. بالنسخة العربية نقرأ غالبا هذه الكلمات “الثورة السورية” “الثوار” “الجيش الحر” “النظام السوري” “قوات النظام السوري” “شهداء” “ضحايا”. بينما بنفس الفترة نقرأ في النسخة الإنجليزية “Rebellion” “Rebel’s” “Syrian government” “Syrian army” “Victims”. من ناحية ثانية ضمن الخبر المنقول (وهنا نتكلم عن الخبر المنقول جزيريا وليس مقال الرأي) لا نجد كثيرا من كلمات التعريف الطائفية “سنة وشيعة وعلوية ومسيحية ودروز…الخ” بالنسخة العربية. بينما تنتشر هذه الكلمات في نفس التغطية الإخبارية الإنجليزية لنفس الحدث.

تعرضت القصير في شهر أيار 2013 لمعركة عسكرية كبيرة ضج بها الإعلام بين قوات النظام السوري والثوار السوريين وباشتراك قوات من حزب الله اللبناني. في نقلها للخبر نجد أن الجزيرة في تقريرها بتاريخ 21 أيار على الجزيرة نت إنجليزي تقول “مراسلتنا ببيروت رولا الامين تقول “يبدو أن الحكومة السورية قادرة على السيطرة على معظم القصير التي كان نقطة ارتكاز المتمردين لمدة سنة”، ثم تتابع الجزيرة نقلا عن مراسلتها: “حزب الله متورط بقوة في القتال بالقصير، وهناك مئات المقاتلين الاجانب. القتال اتخذ منحى اقليمي وطائفي، انه القتال بين السنة والعلوية والشيعة، فليس فقط المتمردون السوريون من يقاتلون الحكومة هناك” ثم يضيف كاتب التقرير حول أهمية القصير: “للقصير اهمية كبيرة. فحسب حسابات الحكومة القصير تتحكم بالممر الاساسي بين دمشق وبين الساحل السوري المنطقة الاساسية لطائفة الاسد العلوية” (1).

الآن لنتفحص الجزيرة نت العربية ولنبحث بكل أرشيفها خلال هذه الفترة، لن نجد كلام هذه المراسلة حسبما هو مصاغ بالانجليزية وخاصة تعابير: “المتمردون” أو “الحكومة وقوات الحكومة” بالنسخة العربية نجد تعابير: “الجيش الحر” “الثورة” “النظام السوري”  “قوات النظام السوري”. وكذلك لن نجد هذه التوصيفات الفجة لقتال طائفي أو اي ذكر لمقاتلين اجانب، بل إن ما تذكره الجزيرة العربية عن أهمية القصير يتلخص بأن القصير مهمة استراتيجيا بسبب موقعها قرب لبنان ولا نجد كلاما عن “الممر لمنطقة العلويين” ولا كلام عن “حرب السنة والعلوية والشيعة” (2).

في حادثة التفجير في ضاحية بيروت الجنوبية يوم الثلاثاء 9 تموز 2013، نجد أن الخبر على الجزيرة نت العربية يصف الحادث بطريقة حيادية من الظاهر فالعنوان “انفجار قوي بضاحية بيروت الجنوبية” وضمن متن الخبر لا نجد ذكر لكلمة “شيعة” بل أن هذه المنطقة موضع تمركز نشاطات حزب الله وتضيف “ويأتي هذا الانفجار في الوقت الذي ازدادت فيه التوترات عقب تدخل مقاتلي حزب الله في الحرب في سوريا ضد مقاتلي المعارضة الذين يغلب عليهم السنة ويحاولون الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.” (3)

في تغطية الجزيرة نت الإنجليزية لنفس الخبر يفاجئنا العنوان التالي “ انفجار سيارة في الضاحية الشيعية ببيروت” (والعنوان بالصحافة أهم من محتوى الخبر ويمرر الرسالة المقصودة). ضمن متن الخبر نجد أن الجزيرة تنقل عن تقارير لمجهول “التركيز على دور حزب الله ومقاتليه في سورية الذين يقاتلون المقاتلين المعارضين المسلمين السنة” ثم تنقل عن مراسلتها رولا الأمين “توتر التقاسمات الطائفية في لبنان الجار الضعيف بسبب الحرب بسورية”. باختصار القاريء يخرج بنتيجة واحدة “قتال همجي بين شيعة وسنة” (4).

نفس الخبر حول التفجير تنقله ال CNN و ال BBC لا نجد توصيفا تعميميا أنها ضاحية “شيعية” بل ضاحية جنوب بيروت، وإن كان المصدران ينقلان أنها نقطة تمركز “المليشيا الشيعية” (5).

لم يقتصر الأمر على سورية وأزمتها، فبالانتقال لأحداث مصر في 30 حزيران التي فاجأت العالم. نجد أن الجزيرة نت العربية تنقل عن منظمة حقوق الإنسان تقريرا بعد اختصاره من قبل الجزيرة بعنوان عريض يقول ” وفق هيومن رايتس ووتش. تحرش مروع بمصر واستهداف إسلاميين” وضمن متن المقال المنقول باختصار عن المنظمة الدولية نجد الجزيرة تورد أن حوادث التحرش الجنسي بالنساء ضمن الاضطرابات بمصر وضمن هذا الاختصار لم تنسى أن تضيف ان هذه الحوادث حدثت في ” بميدان التحرير وسط القاهرة، حيث يتجمع أنصار المعارضة المصرية”  وتذكر بعض الأرقام عن الضحايا  وتضيف الجزيرة ” 17 بلاغا بوقوع حالات تحرش جماعي ببنات في عمر السابعة، وسيدات مع أولادهن، وجدات” نقلا عن مجموعة “ضد التحرش الجنسي الجماعي” المصرية. ثم تنتقل الجزيرة للتوسع في حوادث الاعتداء على من يبدو من شكله اسلاميا من قبل مناهضين للرئيس مرسي والاعتداء على مقرات الاخوان المسلمين وتقاعس الشرطة المصرية وكل ذلك نقلا عن منظمة الهيومان ووتش. (6)

بالعودة لموقع منظمة مراقبة حقوق الإنسان (الهيومان ووتش) نجد فعلا تقريرين عن الأحداث بمصر. لكن ما يفاجئنا أن التقرير الأول عن التحرش الجنسي بمصر والذي يحمل عنوان “وباء التحرش الجنسي” وفعلا يذكر التقرير الكثير عن ظاهرة التحرش الجنسي بالمرأة في مصر وفي ميدان التحرير وجواره ويعدد الكثير من الحوادث والأرقام. لكنه يبرز أن هذه الحوادث ليست مستجدة بل مشكلة لها تاريخ من السنين الماضية بمصر ويلوم الحكومة أنها لم تتخذ أية إجراءات حقيقية كافية للحد من هذه الظاهرة، وأن مجلس الشورى المصري في شباط 2012 حمل المرأة مسؤولية هذه الاعتداءات ويطالب التقرير باتخاذ الإجراءات الكافية لمعالجة هذه الظاهرة المشكلة (7). كل هذه السياقات لم يشر لها تقرير الجزيرة وأوحت صياغته وكأن المشكلة متعلقة فقط بالمناهضين للرئيس مرسي في الأيام الأربعة بدءا من 30 حزيران. والأهم أن تقرير المنظمة لا يشير أبدا إلى ال17 بلاغا حول الاعتدءات الجنسية طالت ” بنات في عمر السابعة، وسيدات مع أولادهن، وجدات” وهذه كانت إضافة من قبل الجزيرة نقلا عن مصدر آخر هو مجموعة ” ضد التحرش الجنسي الجماعي“. لكنها -أي الجزيرة وبنقلها الغير أمين- لا تتابع نقل الخبر بأن هذه المجموعة أعلنت على موقعها أيضا وباللهجة المصرية مايلي ” يستمر استثمار الكارثة دي لمكاسب سياسية، واخره من حزب الحرية والعدالة. نستمر برفضنا هذا الاستغلال المخزي ونؤكد على ما جاء في البيان الصحفي الذي نشرناه اليوم” (8). طبعا حشر خبر من مصدر آخر ضمن مقال بعنوان يركز على أن الخبر التالي منقول من مصدر الهيومان ووتش يقع ضمن لعبة الإيحاء الإعلامي.

بالتقرير الثاني للمنظمة (9) نجد العنوان “على قوات الأمن المصرية التحرك لإيقاف شلال الدم“. ثم يذكر التقرير حوادث الاعتداء على الأشخاص والجماعات ضمن فترة التظاهرات، ويحصي وفق تقارير وشهود عيان مع  بعض الأسماء عدد من تم قتلهم باستخدام الأسلحة النارية انطلاقا من مقر الإخوان المسلمين في المقطم ومن مقر حزب التنمية والعدالة المصري. بالواقع هذه الشهادات تستغرق مساحة أكبر من التقرير لأن الأهمية تتركز في هذه الحالات على حوادث القتل. ثم ينتقل التقرير لذكر الاعتداءات على اشخاص بدوا من شكلهم كإسلاميين. وفي كل الأحوال يدين التقرير عجز الأمن المصري وغيابه عن الاضطرابات أو عدم تدخله.

الجزيرة نت العربية لم تتطرق حتى بالإشارة لما ذكره التقرير عن حوادث القتل التي طالت مناهضي الرئيس مرسي ضمن تقرير المنظمة. بكلمات أخرى تعمدت الجزيرة نقل ما يناسبها حتى لو كان أقل أهمية من تقرير الهيومان ووتش، ووظفت تقرير التحرش الجنسي ضمن سياق إظهاره وكأنه حالة خاصة بالمعارضين للرئيس مرسي. طبعا بالجزيرة نت الإنجليزية لم نجد أثرا لتقرير الهيومن ووتش لأن أدوات الرقابة والحساب قد تكون أشد عسرة على الجزيرة من النسخة العربية.

بالمحصلة، إن الكذب ليس فقط إخفاء الحقيقة أو تزويرها بشكل مباشر، بل إن إخفاء نصف الحقيقة هو كذب أيضا وتحايل على القانون والأسس الأخلاقية. “لا تقربوا الصلاة” ليست أمراً إلهيا في القرآن الكريم كما هي مقتطعة، من لا يكملها “وأنتم سكارى” إنما يريد تزوير مقولة القرآن الكريم.

السؤال البديهي: ما هي الغاية من نقل الخبر العربي إلى القاريء الغربي على أنه “اقتتال متعصبين طائفيين وحكام ديكتاتوريين” وإلى القاريء العربي على أن الجزيرة تلتزم صف الثورة السورية وجيشها الحر، وأن المنظمات العالمية المحايدة هي التي تدين الفوضى والاعتداءات الحاصلة من قبل معارضي الرئيس المصري السابق محمد مرسي؟ سؤال يستدعي نقاشا موسعا بمقالات أخرى، لكن يبقى الإشارة إلى أن الإعلام الغربي أيضا بغالبيته يقارب أسلوب الجزيرة الإنجليزي في نقل خبر الحدث ووفق نفس زاوية الرؤية تقريبا المضللة للمتلقي الغربي.

+++++++++

تحديث للمزيد حول تلاعب الجزيرة والاعلام العربي بنقل الاخبار الكاذبة ضمن سياق دعم الاسلام السياسي القائم على نظرية المؤامرة:

كذب الجزيرة ليلة الاقتحام-النمسا

المراجع

(1)    http://www.aljazeera.com/news/middleeast/2013/05/2013519124646578835.html

(2)    http://www.aljazeera.net/news/pages/451fb15f-e0b8-40d1-9ccd-5108d0963137

http://www.aljazeera.net/news/pages/715c1e38-50f6-4459-bc5d-be473bd3a136

http://www.aljazeera.net/news/pages/105946e5-85e6-4082-b66a-b83d683aac9c

(3)    http://www.aljazeera.net/news/pages/48fd3235-91df-4cdd-b41d-f096f5de1efb

(4)    http://www.aljazeera.com/news/middleeast/2013/07/2013798847609199.html

 

(5)    http://edition.cnn.com/2013/07/09/world/meast/lebanon-blast/index.html?hpt=hp_t1

http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-23239299

(6)    http://www.aljazeera.net/humanrights/pages/0fa14732-ac0d-4880-8ff8-e1d5a42bd472

(7)    http://www.hrw.org/news/2013/07/03/egypt-epidemic-sexual-violence

(8)    https://www.facebook.com/opantish

(9)    http://www.hrw.org/news/2013/07/02/egypt-security-forces-need-act-prevent-bloodshed