Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الجزيرة قناة الإخوان أم إخوان القناة

28/04/2014

علاء الدين الخطيب

قدمت الجزيرة برنامجا وثائقيا “مملكة الصمت” عن وصول حافظ الأسد للسلطة وحكمه لسوريا. وعندما نسمع “وثائقي” نفترض أنه حيادي وموثّق وعلمي. لكن للمرة الألف الجزيرة تتلاعب بمشاعر ومصائر الناس وأديانها وأوطانها بتزوير التاريخ القريب. لكن لنعترف أنها تمارس ذلك بدهاء وحرفية لم يتعودها المشاهد العربي مع خشبيات الإعلام العربي.

البرنامج بجزئه الثاني (الرابط بأسفل المقال) يتحدث عما بعد 1967. وطبعا يذكر المعلومات المتداولة الصحيحة حول كيف تخلص حافظ الأسد من أعدائه بالحزب بدءا من الأتاسي وجديد وكيف صنع من نفسه “القائد الخالد” ذو السلطات المطلقة. وكيف تعامل مع محاولة انقلاب الإخوان المسلمين بنهاية السبعينات، ومجزرة حماة التي تتراوح تقديرات ضحاياها بين 15000 الى 40000. ثم كيف جهز ابنيه باسل ثم بشار الأسد للوراثة. إذا فالبرنامج لا يقدم معلومة تاريخية كاذبة بشكل فج بل يورد المعلومات صحيحة حول كيف تم تأسيس “مملكة حافظ الأسد”.

لكن عملية التزوير المقصود تظهر بناحيتين أساسيتين تمران مرور الكرام أمام إثارة الصورة المعروضة.

1تصر الجزيرة على وصف نظام حافظ الأسد بالعلماني! مع أن لا النظام وصف نفسه كذلك ولا دستوره ولا حتى منطلقات حزبه النظرية. والأهم أن النظام لم يكن بالممارسة من العلمانية بشيء، فحلفه مع شيوخ ورجال الدين من كل الطوائف معروف لكل السوريين، وأقوى حلفائه هم شيوخ السنة وخاصة في دمشق وحلب وثم حماة وحمص. بعض الشيوخ الذين “تجرؤوا” وقالوا شيئا ضد النظام هم قلة نسبية ضمن طبقة رجال الدين. بل إن كثيرا منهم ممن نسمع عنهم الآن كانوا بالأصل ساعين وراء الرزق الأوفر في السعودية والخليج العربي وما كان لهم أي موقف مشهود ضد النظام منذ التسعينات.

جعل النظام بدءا من أواخر الثمانينات من وزارة الأوقاف واحدة من أغنى وأهم الوزارات بالحكومة، ودعم قطاع المساجد بالذات والسنية منها بالأخص، وانتشرت الثانويات الشرعية بسورية بشكل كبير. ومدارس تحفيظ القرآن الكريم. بل ربما تكون أول مرة منذ 100 سنة يشاهد بها سكان دمشق وحلب هذا العدد الهائل من المسلمين غير العرب الذين يدرسون في مدارس الشريعة السورية. بل إن أحد أهم ممرات الواسطة التي يحتاجها السوريون كانت من خلال شيخ الجامع أو المفتي أو خوري الكنيسة أو شيخ العقل.

النظام السوري لم يفعل ذلك لأنه يحب الأديان أو متديّن، بل لأن حافظ الأسد أراد امتلاك المد الديني وخاصة الإسلامي القادم من الخليج العربي ومن إيران تحت سيطرته وعيونه، وهذا المدّ قويٌّ بشكل تصبح محاربته بالنار حماقة كبرى. وما كان حافظ الأسد ذلك الأحمق المتسرّع. فالنظام لم يكن قويا بهذا الشكل فقط لأنه حديدي ناري، بل لأنه عرِف كيف يتحالف ضمن المجتمع مع طبقات الأغنياء وطبقة رجال الدين.

وللتذكير، والسوريون عاشقوا القراءة يعرفون، أي نظام علماني هذا، وأكبر معرض للكتاب بسورية والذي اسمه “معرض كتاب مكتبة الأسد” كانت الكتب الدينية تشكل في مبيعاته اكثر من 60%؟

الجزيرة تقصدت هذه التسمية “النظام العلماني” وكررتها عدة مرات على لسان مقدم البرنامج (أي ليس كرأي لضيف). لأنها تسير وفق أجندة إخوانية إسلاموية منذ اكثر من 6 سنين. ومن أهم تجليات سياستها الإعلامية هي الضرب بالتيار العلماني العربي لصالح الفكر الإخواني. وهنا نصل للنقطة الثانية أو كبسولة السم الثانية في البرنامج:

2الجزء الثاني يريد تغطية فترة 30 سنة من تاريخ سوريا حول مملكة حافظ الأسد في 48 دقيقة. فنجد أن البرنامج يعطي الإخوان المسلمين ومحاولة انقلابهم 25 دقيقة (من الدقيقة 18 الى 43) أي أكثر من نصف الوقت. وخلال هذه التغطية، نجد أن الضيف الأساسي هو علي البيانوني المراقب الأسبق للجماعة الذي يحلل ويعلق مدافعا عن الإخوان ومدعيا أنهم جماعة سلمية مخْلِيا مسؤوليته من كل الجرائم التي قامت بها الطليعة المقاتلة. بل حتى الضيفين الآخرين نجدهما متعاطفان مع الإخوان ويحاولان بأي مبرر فصل الجماعة عن المقاتلين أو تبرير حمل السلاح. وهنا لا نريد الخوض بنقاش حول محاولة الانقلاب المسلح التي قام بها الإخوان. لكن السؤال:

هل فعلا كانت تلك الحوادث أهم ما شهدته فترة حكم حافظ الأسد خلال 30 سنة لتعطيها الجزيرة نصف وقت البرنامج؟ هل كانت أهم من حرب تشرين الأول 1973 وكل نتائجها؟ هل كانت أهم من دخول حافظ الأسد لحرب لبنان التي استمر تورطه بها حوالي 30 سنة وحمّلت سوريا والسوريين الكثير؟ هل كانت أهم من صدامه مع أنور السادات الذي قلب موازين المنطقة؟ هل كانت أهم من صدامه مع صدام حسين وحلفه مع نظام الخميني؟ هل كانت أهم من مواجهاته مع رفعت الأسد والتي غيّرت كثيرا بأسلوب حكم حافظ الأسد؟ هل كانت أهم من حرب تحرير الكويت وما نتج عنها سوريا وإقليميا بل وعالميا؟ طبعا لا يمكنك ببرنامج واحد تغطية كل شيء، لكن عندما تخص حدثا معينا بنصف الوقت من كلامك فأنت حتما لست حياديا بل تهدف لرسالة محددة تنفي عنك صفة “الحيادية”.

من الواضح أن البرنامج كان يجب أن يحمل عنوان “نضال أبطال الإخوان المسلمين ضد حافظ الأسد” لكي على الأقل يعكس عنوانه محتواه ويقول للمستمع أنه برنامج ذو رؤية محددة يريد فرضها عليك كمشاهد. أما التلاعب بتاريخ الأوطان لتمرير أجندة سياسية ضيقة لحلفاء الجزيرة من قادات الإخوان المسلمين فهو جريمة إضافية تضاف إلى سجل الجزيرة في التلاعب بالشارع العربي.

من المؤكد أن جرائم النظام السوري بحق السوريين والإخوان المسلمين كانت جرائم بشعة ضد الإنسانية والوطن. لكن هذا لا يعني الصمت عن تحويل جرائم ارتكبتها الطليعة المقاتلة لهذه الجماعة وبعلم الجماعة إلى صورة الثورة الشعبية أو حتى الإسلامية. الجريمة الكبرى لا تلغي الجريمة الصغرى.

.

28/04/2014

رابط البرنامج على الإنترنت:

https://www.youtube.com/watch?v=P9EMJ08O_Xk&feature=youtu.be