Fri. Apr 19th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

التهدئة في وسط آسيا مقابل إشعال سورية

09/12/2013

علاء الدين الخطيب

لا بد لنا من مراجعة تطورات الأسابيع الماضية بدءا من الاتفاق الإيراني الأمريكي على “تليين” حالة التشدد بما يتعلق بالملف النووي الإيراني، ثم زيارة الأمير بندر بن سلطان لروسيا وصفقة الأسلحة المصرية الروسية بقيمة 4 مليار دولار وبتمويل سعودي، ومنذ أيام الإعلان عن اتفاقيات تعاون بين الحكومة الأفغانية والإيرانية بعد لقاء الرئيسين روحاني وكارزاي، التهويل الإعلامي حول رفض كارزاي التمديد لقوات الناتو في أفغانستان لما بعد 2014 والذي سينتهي بالتمديد بكل الأحوال. ثم بالتفاصيل الأكثر قربا، فتح الأقنية الخلفية بين قطر والإمارات والبحرين وإيران. وباستدعاء المآسي السورية: تزايد ضغط الحكومة المصرية  الحالية على السوريين بمصر، وكذلك الحكومة الجزائرية، طبعا بالإضافة للتضييق الممارس من قبل حكومات كل دول الخليج العربي على السوريين والطبقة اللبنانية الحاكمة سواء كانت مع أو ضد النظام السوري. وعلى الصعيد العسكري ضمن سورية، شهدنا حملة إعلامية مبالغ بها حول “جيوش الاسطورة” تحت اسم الجبهة الإسلامية بقيادة عملاء مشتركين للمخابرات السورية والسعودية واشتعال المعارك بحدة في الغوطة والقلمون ثم الانسحابات الغير مبررة من قبل هؤلاء الاسلامويين وتوسع سيطرة النظام على المناطق. يضاف لذلك توسع سيطرة فصائل اسلاموية اخرى في الشمال السوري والمعابر، بإشراف إعلامي ترويجي من الأسماء المعارضة المشهورة على الأقنية العربية التي تبرع في أسلوب التهييج الشعبوي. نضيف لذلك تبادل طرد السفراء بين مصر وتركيا، تصاعد كمية الاستثمارات التركية في أثيوبيا وتعزيز التجارة بين تركيا وإيران وروسيا لتبقيا على قمة الشركاء التجاريين لتركيا.

والأهم للتذكير به هي استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية للعقود الثلاث القادمة والمسماة “محور المحيط الهادي Pacific Pivot” والتي تتضمن نقل 60% من القوة الامريكية العسكرية للمحيط الهاديء أي على حدود الصين، وتركيز النشاط السياسي على منطقة وسط آسيا. وليس تناقضا مع ذلك توقع أن تصبح الصين أكبر سوق للصادرات الأمريكية في 2022 بما يتجاوز كندا والمكسيك. ضمن هذه المقدمة الطويلة من سرد لأهم التحركات على طاولة السوق العالمي أين تقف المشكلة السورية؟ 

central asia

من الواضح أن إيران قررت مثل تركيا دخول ساحة الصراع العالمي وفق القوانين الجديدة، بدون حروب مباشرة كبرى بل من خلال الحروب المتحكم بها Proxy War والتي قررتها حكومات الغرب وروسيا والصين بعد حرب العراق 2003. ضمن هذه اللعبة يجب أن يتحلى كبار “تجار” السوق بالحكمة الكافية أن يكون التنافس على المرابح لا يصل لمرحلة المضاربات المتسرعة التي تهدم جدران المعبد على الجميع. هذه القواعد السوقية الجديدة تحتاج لحكومات قوية واعية ومسيطرة على بلادها ولا يعني هذا بالضرورة “خيرية” هذه الحكومات أخلاقيا لشعوبها. وكما يبدو أن إيران استفادت من انجراف إدارة تركيا تحت تأثير الخليج العربي في الابتعاد عن هذه القواعد فسارعت لاحتلال بعض المواقع. والأهم الذي أدخل إيران ضمن هذه اللعبة هو بالطبع المطلب الصيني الروسي الاشتراطي لضمان سلامة جدران المعبد العالمي، فالبلدين رغم حجمهما المخيف مقارنة بإيران محتاجان لها كمرتكز استقرار أساسي في وسط آسيا الذي يغلي بالتوترات السياسية والإقتصادية. وضمن هذه القواعد من المؤكد أن الولايات المتحدة لم ولن تسحب غطاءها عن حكومات الخليج العربي لأنها ما زالت البوابة الأهم لاقتحام وسط آسيا بسبب التقارب الجغرافي والتاريخي والديني، لكن حجم وخبرة السياسة الأمريكية مقارنة بهذه الدول لا تسمح لحكومات الخليج بموقع استقلالي يكافيء ما تحصل عليه حكومة طهران من روسيا والصين.

الواضح أن تأثير هذه التقاربات على المستوى الكلي لتأسيس قواعد تنافسية جديدة بالسوق العالمي، والتناقضات على المستوى التفصيلي (مثل أن تتزاعل تركيا مع مصر، او قطر مع السعودية) ستؤدي بنتائج كارثية على الأمل السوري بالوصول لحل ما، سواء وفق أسطورة الحل العسكري بمعنى أن يحسم النظام أو المعارضة الوضع عسكريا، أو وفق حل سياسي جردته المعارضة والنظام من أي معنى يوم أهمل فيه الطرفان الشعب السوري كرأي عام، وتجاهلا اللعبة الدولية. بالواقع لا يمكننا الجزم أن النظام بعيد عن تغيّرات اللعبة الدولية بحكم ارتباطه اللصيق بالحكومة الايرانية، لكن الأكيد أن مشاهير المعارضات السورية غائبون قسرا، أو سذاجة، أو انتهازية عن هذه اللعبة الدولية. وضمن التفاصيل فما سبق معارك الغوطة والقلمون من تهويلات إعلامية، ثم انسحابات قادات الجبهة الاسلامية في النبك والتلاعبات المستمرة بالحركة العسكرية يؤكد أن لا نية لأيً من الحكومات الفاعلة في سورية سواء على صف النظام في ايران وروسيا والصين أو على صف المعارضة في السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة في التوصل قريبا لاي حالة استقرار في سورية مهما كان الثمن الذي يقدمه الشعب السوري، وما يقدم الطمأنينة لهم أن حرفية الإعلام الحديث أصبحت تستطيع بكل مهارة إجبار الناس على تصديق أن الشمس تشرق من الغرب. نعم هناك مصلحة أساسية لروسيا وإيران بنهاية قريبة، لكنهم يعلمون أنهم وحدهم عاجزون عن فرض هذه النهاية وبالتالي قرروا القبول بقوانين معسكر الولايات المتحدة والخليج العربي وتركيا في سورية والاستمرار في ما يسمونه بمنتهى الوقاحة الأخلاقية باسم طريف “لعبة تكسير الأصابع في سورية” والتي تعني بالحقيقة استمرار تصاعد عدد الضحايا السوريين يوميا لأرقام مخيفة ومرعبة.

ليست الغاية الوصول لنتيجة تشاؤمية من هذه القراءة للوضع الدولي. بل الغاية هي الثورة على مناهج التحليل السياسي المتحجرة المستمرة في منطقتنا منذ مئة سنة وللآن. فلا بد للشعب السوري أن يتحرر أولا من منهجية التفكير الغالبة عليه بسبب الإعلام والتي تعتمد -بغض النظر عن الموقف مع اوضد- على التفسيرات العاطفية الاسطورية من قبيل “أنهم يكرهوننا، يخافوننا، قتلونا، سيقتلونا، يخونون، يكفرون، يتأمرون” وعلى التفسيرات الأكثر سذاجة وفق “الطوائف والأديان والقوميات”. الثورة الحقيقية بسورية بحاجة للتخلص من تأثير هذا المنهج العدمي السلبي على غالبية العقلية السورية لضمان القدرة على مواجهة هذا التوحش العالمي السياسي على سورية وبالترافق مع التفريق بين حكومات هذه الدول وبين شعوبها، فشعوب امريكا والغرب وروسيا وايران وتركيا والسعودية وقطر يجب ان تتحول لتكون معينا للشعب السوري وليس مجرد متفرج يبكي أو يصلي، يصفق أو يندب، يرسل إغاثات أومرتزقة وإرهابيين.

09/12/2013