Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

التخصص العلمي والمهني والكهنوت الديني

05/04/2014

علاء الدين الخطيب

يكرر الاسلامويون السياسيون ومن خلفهم المسلمون المتعاطفون حجة في نقاش الدين مفادها:

لا يحق لك الكلام بالدين ونقده او مناقشته لحد الفتوى. فلكل اختصاصه، هل تسمح لمهندس ان يتكلم بالطب أو لطبيب أن يدرّس الفيزياء؟ وكذلك بالدين، انت لم تدرس بجامعات الشريعة ومدارس الدين ولم تقرأ كتب الفقهاء فلا يحق لك ولا يجوز الخوض بالدين إلا ضمن حدود“.

هذا ما يسمونه القياس الفاسد. قياس يبدو من حيث الشكل صحيحا، لكنه من حيث المضمون خاطيء ومتناقض لعدة أسباب نختصرها بالنقاط التالية:

1-    كل المهن والعلوم المذكورة ليست وحيا منزلا من الخالق للناس، بل هي مهن وعلوم انسانية يختار منها الانسان ما يستهويه ويتقنه ليتعيّش من وراءه، ومن ثم يضع الطبيب والمهندس والنجار والعامل مهاراتهم سويةً لبناء مشفى أو تصنيع طائرة أو تأمين الطعام والشراب. ولا يمكن للمجتمع أن يستمر دون هذه التخصصات كلها مع بعض.

أما الدين فهو رسالة الله الخالق لكل الناس بلا تمييز. فهو كفاية للفرد الانسان ليُحْسِن علاقته مع الله، وكفاية للجماعة المؤمنة كذلك، فالدين بين الأفراد ليس تجميع قطع متباينة يؤدي تكاملها لانتاج بناية أو سيارة أو طيارة. كما أن المجتمع ليس بالضرورة بحاجة لدين، وكذلك لا يعيقه وجود ألف دين ضمنه.

2-    التخصص العلمي او المهني ليس وراثة بالحالة العامة، بل ميزة يكتسبها الانسان عبر مسيرة حياته.

أما الدين فهو بالحالة العامة وراثة من العائلة والمحيط الإجتماعي.

3-    المسؤولية القانونية أمام العدالة النسبية (المحاكم الإنسانية التقليدية) وأمام العدالة المطلقة (يوم الحساب أو يوم الدينونة) متباينة بين الحالين:

*   صاحب التخصص يتحمل كل نتائج تخصصه لوحده، فلا يمكن محاسبة الممرضة أنها أعطت المريض الدواء القاتل الذي قرره الطبيب المعالج. وكذلك لا تنال الممرضة المكافأة نفسها التي يتقاضاها الطبيب الماهر الناجح بجراحته.

  أما في الدين، فالمسؤولية مشتركة بل وأقل على صاحب التخصص “رجل الدين”. فمن قتل فرج فودة مثلا يتحمل كامل المسؤولية الجنائية عن جريمة القتل، رغم أن هذا القاتل استند بضميره لفتوى من شيخ أو شيوخ قالوا أن فودة كافر يسعى بالأرض فسادا وقتل الكافر الساعي بالارض فسادا حلال بل واجب. لا المحكمة الأرضية ستقبل عذر هذا القاتل، ولا حكم الله العادل سيقبل عذر هذا القاتل. بل إن محتكري التخصص الديني “الشيوخ والفقهاء” قالوا إن صاحب الاجتهاد يثاب مرتين إن أصاب ومرة إن أخطأ، ولا يلتفتون لنتائج الفتوى الخاطئة فهم يبرؤونه تماما. من قبيل ذلك أن ابن تيمية مثلا ومدرسته اعتبروا أن قرار معاوية بن أبي سفيان الخاطيء بالخروج على علي بن أبي طالب هو اجتهاد خاطيء. وعلى ذلك يمكن القياس حول منتسبي الفكر القاعدي وشيوخهم.

4-    لم يدعِ أحد، لا بشر ولا إله، أن علوم الطب والفيزياء والكيمياء أو مهن النجارة والحدادة والخياطة هي لكل البشر ليتقونها أو يتعلموها. بل اتفق الناس على اتباع نصائح وربما قرارات المهندس في البناء وقيادة السيارات والطبيب في السلوك الصحي والغذائي والنجار في اختيار الأبواب والنوافذ.

بينما في الدين، فقد اتفق كل مفسري الدين أن هذا الدين هو من الله لكل البشر ليحقَّ العدل بينهم وينالوا نفس الفرصة أمام العادل القادر المطلق. فلم يقل الله لا في المسيحية ولا الاسلام إن إيمان الناس وقربهم من الله يعتمد على تلبس المؤمن لمنزلة عالم بالدين. فحق الأفغاني الناشيء بجبال أفغانستان المرهقة فقرا وأميةً وحروبا بالكلام في الدين مثله مثل حق علامة زمانه الناشيء برفاهيات الرياض وطهران من عائلة فقهاء وشيوخ كي يستقيم عدل الله بينهما.

5-    الجهل بتخصص علمي بالطب او الهندسة أو مهني بالبناء او النجارة يؤدي لتجريم الجاهل إن مارس ما لا يعلمه أو لا يتقنه حتى لو حسنت نواياه. أما الجهل بالدين وقراءة القرآن الكريم فلا يجرم صاحبه إن أفتى لنفسه وغيره بنواياه الطيبة في عبادة الله. (نقصد الجهل النسبي وليس المطلق).

وهنا ننبه لبعض السفسطة بالنقاش بأن يحاجج أحدهم “فهل إن أفتى مسلم جاهل بالدين بتحليل السرقة لا نجرمه”، هذه حجة ساقطة منطقيا ودينيا لأن المؤمن بالله مهما كان دينه إنما يؤمن بالله الخير والعدل وهذا حكما لن يقوده لتحليل السرقة والقتل. وبكل الأحوال إن فعل فهنا دور القانون وليس رجل الدين ليعاقب هذا المعتدي على حقوق المجتمع.

أما أن يؤمن أحدهم أن خلافة الراشدين كلهم صحيحة عادلة، أو أن يؤمن أن الإمامة أُخذت من علي جبرا أو مكرا، فهذا أصبح ضمن الشأن العام الذي من حق الجميع نقاشه. مثله مثل أن يطرح البرلمان الديمقراطي اقتراح تمديد فترة الرئاسة أو تقصيرها، فمن حق الجميع نقاش ذلك.

6-    أصحاب الاختصاصات العلمية والمهنية يقدمون الخدمات للآخرين مقابل أجر عندما يطلبها الآخر أو يتطلبها القانون. وهم أيضا يقدمون النصائح العامة الغير ملزمة والغير قسرية. فلو سألنا الطبيب لقرر حقائق علمية لا تقبل النقاش: “يجب تخفيف الأكل المليء بالدهون والسكريات والمواد الكيميائية الصنعية، يجب ان يمارس الإنسان الرياضة يوميا لمدة 10 دقائق على الاقل،… إلخ” لكن لا يمكن لأي مجتمع تحويل هذه النصائح لقوانين ملزمة قسرية.

أما أصحاب التخصص الديني في مجتمعاتنا فلا ينتظرون أن يتم طلب خدمتهم بل يفرضون خدمتهم. والأهم أن غالبيتهم وخاصة عند الإسلاموية السياسية يفرضون “نصائحهم” كفتاوى أعلى من القانون، كما هو حال السعودية وإيران مثلا، أو كحال فتاوى القتل وتحليل الدماء.

باختصار أهل التخصص الديني يريدون التدخل القسري بحياة الناس، ويرفضون أن يناقشهم أو ينقدهم الناس. وهذا خلل واضح بالعلاقة يؤدي حكما للتسلط والظلم. (القسري هنا ليست فقط بفعل القوة بل بفعل التهديد بالمقدس بين الإيمان والكفر والتفسيق والزندقة).

أصحاب الاختصاصات العلمية ذات العلاقة بالسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والنفس، ورغم دعم المخبر العلمي لأحكامهم، لا يستطيعون فرض نظامهم أو شكل دولتهم على الناس دون أن يناقشوها معهم. وإن عارضهم البعض فلا عقاب له حتى لو رفض تصديق أن مجموع 3 و2 هو 5.

أما أهل الاختصاص الديني بما اتصل بالاسلاموية السياسية وهم يقدمون نظرتهم لشكل ونظام الدولة فهم لا يبيحون النقاش إلا بحدود بحجة قدسية الأصل التنظيري لنظريتهم. وبغالب الاحوال يزندقون ويفسّقون أو يكفرون من يعارضهم بتهمة العداء لكلمة الله.

خلاصة النقاط السابقة هي أن الدين حق مقدس إختياري لكل الناس. ومن حق الجميع قراءته والتفكير به واتباع ما يريدونه منه ضمن حدود القانون الذي ينظم المجتمع ويحمي حقوق الافراد والجماعات. وليس من خق أي بشري مهما بلغ علمه وعقله أن يفرض قسرا مفهومه وقراءته هو للدين على الناس.

من حق كل إنسان النقاش بالدين وتوجيه الأسئلة والانتقاد والقبول والرفض دون الإسفاف والإساءة. ولعل هذا الحق هو المرشح الوحيد لإنقاذ الإسلام والمسلمين من عمليات التهديم اللاواعية التي بدأت منذ أن فرضت الصراعات السياسية السلطوية بالقرن العاشر الميلادي على الجسد الفقهي الإسلامي ممارسة الكهنوت الديني بمعنى أن لا دين صحيح خلف ما أفتى به بشر مسلمون سمّوهم علماء وفقهاء.

والأهم وطالما أن الإسلاموية السياسية تزداد قوة إعلامية ومالية وعنفية ابتداءً من الإخوان المسلمين وصولا للقاعدة وتطرح مشروعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا للدولة حسب زعمها مرتكز للمقدس الإسلامي، فمن حق كل من هب ودب أن يجادلهم ويناقشهم ويرفضهم أو يقبلهم. وشهادة أو عمامة عالم الدين أو الفقيه لا تكفي أبدا لدحض دعاويهم.

05/04/2014