Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

عقد الغاز السوري الروسي بين الحقيقة والخيال

29/12/2013

علاء الدين الخطيب

طغى خبر توقيع النظام السوري عقدا مع شركة سويوزنفتاغاز الروسية على كثير من الأخبار وترافقت معه الاستنتاجات حول الأبعاد السياسية الضخمة ما بين من يراه نصراً مؤزراً للنظام السوري في العمل لأجل سورية وما بين من يراه بيعاً وسرقةً لثروات البلاد. وإن أجمع الجانبان وما بينهما على أن هذا العقد يثبت أن أحد أهم أسباب الصراع العالمي على سورية هو “الغاز والنفط” تحت مياه المتوسط. لكن ما هو الحجم الحقيقي لهذا العقد وما هي آفاقه وفق المعطيات الموثقة والعلمية خارج المضاربات السياسية؟ هذا المقال هو محاولة لتوضيح بعض الحقائق حول هذا الموضوع، كما أنصح بالرجوع لمقالي التفصيلي حول اكتشافات الغاز والنفط في حوض شرق المتوسط وعلاقته بالأزمة السورية على الرابط التالي (انقر هنا).

الناحية الأهم في هذا العقد أن تفاصيله لم يتم نشرها للعموم. فكل ما ورد من معلومات تقنية وفق كل المصادر أن العقد سيشمل القطاع رقم 2 تحت مياه البحر أي بين مدينتي بانياس وطرطوس بمساحة 2190 كيلو متر مربع (70كم X30 كم) وبكلفة تقارب 100 مليون دولار على مدى 25 عاما وبتمويل من الحكومة الروسية. حسب مدة العقد فمن الواضح أن الشركة الروسية هي من ستقوم بعمليات الاستكشاف والتنقيب ومن ثم الاستخراج. بقية الحواشي التي وردت مع الخبر حول كميات الغاز والنفط استندت لما ارتأته كل وسيلة إعلامية وإن توافقت كثير من الإعلاميات العربية على الرجوع لمجلة النفط والغاز المتخصصة oil and gas journal.

لم تذكر مجلة النفط والغاز ضمن الخبر الوارد عن هذا العقد أي معلومة عن الكمية المتوقعة في هذا القطاع أو على الساحل السوري. بل على ما يبدو أن رقم 38 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المتداول مختلط مع بعض التقديرات لحقل الليفانت ضمن حوض المتوسط ضمن ما يسمى حصة إسرائيل. بالواقع لا يوجد أي رقم رسمي مدعوم بالوثائق والاستكشافات الهندسية الحقيقية حول كمية الغاز الطبيعي والنفط تحت مياه سورية الإقليمية، فالحكومة السورية باشرت عقدا مع شركات نرويجية وغيرها منذ 2005 لكن هذه الدراسات لم تنته وعلى ما يبدو توقفت لأسباب غير واضحة. وهذا العقد مع الشركة الروسية سيكون أول عملية تنقيب جدية تحت المياه السورية.

بكل الأحوال كمية الغاز الطبيعي والنفط المتوقعة ضمن المياه الإقليمية بالتأكيد لن تحدث ثورة أو هزة في السوق العالمي أو حتى الإقليمي، بل هي قد تكون كميات جيدة لدعم الإقتصاد السوري، بمعنى أنها كميات مبشرة بالنسبة لحجم سورية كمستهلك للغاز الطبيعي والنفط وكمصدر صغير نسبيا في السوق العالمي. فكامل حوض شرق المتوسط (من سواحل غزة وصولا لطرطوس) يتوقع أنه يحوي 122 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة، وهذه الكمية تقارب استهلاك العالم كله لمدة سنة واحدة فقط، وأقل بستة عشر مرة من احتياطي روسيا المثبت القابل للاستخراج. و حصة سورية هي الأقل بين الدول المتشاطئة على هذا الحقل. ويمكن الرجوع للمقال المشار إليه سابقا لمزيد من التفاصيل الموثقة.

لننظر للموضوع من وجهة نظر أخرى. هل عقد بقيمة تقارب 100 مليون دولار يعتبر ثورة قد تقلب الموازين في سوق الطاقة الإقليمي أو في سورية ذاتها؟ لنبسط الأرقام لغير المتخصصين بإجراء بعض المقارنات المبسطة.

أولا، هذا المبلغ، حسب التصريح الرسمي السوري وفق ما نقلته شبكة RT الروسية، سيوزع إلى 15 مليون دولار تكاليف استكشاف بمعنى التحقق من ان احتمال إمكانية الاستخراج كافٍ، وعندها يخصص مبلغ 75 مليون دولار لحفر أول بئر اختباري من قبل الشركة. بالمحصلة هذه الأرقام ليست أرقاما مهملة لكنها أيضا ليست فوق العادة.

ثانيا، لو قارنا بمشاريع أخرى حول العالم من حيث عقود الاستكشاف والاستخراج سنصل لإحساس أعمق بمعنى هذه الأرقام.

·         كلفت عمليات الاستكشاف والتنقيب والاستخراج لحد الآن بحقل تامار المستثمر من قبل اسرائيل والذي بدأ بالانتاج منذ فترة قريبة حوالي 3 بلايين دولار، ويقدر الاحتياطي من الغاز في هذا الحقل ب 0.283 تريليون متر مكعب قابل للاستخراج.

·         وقعت الحكومة المصرية عدة عقود لاستكشاف حقول النفط والغاز في سيناء وخليج السويس وحفر الابار بقيمة 470 مليون دولار خلال السنين الثلاث الماضية، وبهذه السنة ما قيمته 50 مليون دولار كعقود لعمليات الاستكشاف والتنقيب.

·         من المرجح أن شركة JX Nippon Oil & Gas Exploration اليابانية ستسثمر حوالي 100 مليون دولار في عمليات الاستكشاف والتنقيب في قطاع A في مياه قطر الإقليمية على مدى خمس سنين. هذه الشركة تخطط لاستثمار حوالي 4 بلايين دولار حول العالم في مشاريع الغاز والنفط، تخصص منها حوالي 1 بليون دولار للاستكشاف والباقي لتطوير الحقول المؤكدة.

·         لم تتغير كمية الاستثمارات للسنة الحالية في مجال استكشاف واستخراج النفط والغاز في امريكا الشمالية عن معدلها السنوي وبقيت حوالي 185 بليون دولار.

الخلاصة من هذا الاستعراض السريع والمقارنة هي أن نحاول الخروج من فخ التضخيم لأي خبر إعلامي بما يحمله هذا التضخيم من تأثيرات سلبية على تعقيد المأساة السورية المعقدة أصلا بما يكفي. هذا العقد الروسي مع النظام السوري وحتى لو فرضنا انه صغير، إلا أنه طبعا يأتي في وقت يعترف الروس أنفسهم أنه لحظة مصيرية لسورية ومستقبلها. وبنفس الوقت وبما أن الحكومة الروسية هي المموّل الأساسي لهذا العقد فمن المؤكد أن هذا العقد هو رسالة سياسية تؤكد من خلالها الحكومة الروسية موقفها الداعم والمتبني للنظام السوري وبنفس الوقت فهذا العقد غالبا سيغطي تكاليفه التي تبقى بالمعايير النسبية مبلغا متواضعا أمام ما تم إنفاقه على صراع السوق فوق الأراضي السورية وعلى حساب الشعب السوري بين عمالقة هذا السوق في الشرق والغرب وفي الإقليم.

 

29/12/2013

المراجع:
1- مقال “
ما هو دور الغاز والنفط في الصراع على سورية”
https://www.infosalam.com/home/articles/gas/

2- http://www.haaretz.com/business/natural-gas-to-begin-flowing-from-tamar-field-off-israel-s-mediterranean-coast.premium-1.512334

3- http://rt.com/business/syria-oil-gas-russia-795/

4- http://www.elaph.com/Web/Economics/2013/12/861438.html
http://www.alquds.co.uk/?p=117308

5- http://seekingalpha.com/article/1666582-drill-profits-from-this-oil-and-gas-contract-drilling-company

6- http://www.bloomberg.com/news/2013-10-31/egypt-awards-9-oil-and-gas-exploration-contracts-ministry-says.html
http://www.lngworldnews.com/jx-may-sell-stake-in-qatar-gas-project/