Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

جنيف2 للوصول لحل أم لتطبيع الواقع؟

06/11/2013

علاء الدين الخطيب

لا يمكن لنا التوصل للتنبؤ بما يحمله جنيف2 والذي يسميه الإعلام الغربي “مؤتمر السلام في سورية” ما لم نشحن ذاكرتنا جيدا بالتجارب الدولية المشابهة خلال العقود الماضية، ومن ضمنها المؤتمرات حول فلسطين ومن ثم حول لبنان والعراق ويوغسلافية السابقة ورواندا والسودان. الوضع بسورية أشد تعقيدا من كل الملفات السابقة لسبب أساسي أن عدد وحجم الدول المتورطة بعمق الصراع في سورية أكبر بكثير من كل هذه الملفات. بدءاً من الصين لروسيا وإيران ومرورا بتركيا والسعودية وقطر وأوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. عدا عن المواقف المتناقضة لكن المؤثرة من دول أصبح لها وزنها مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا. إذا فالحلبة السورية ربما تشهد أكبر ازدحام للمتصارعين عرفه التاريخ البشري. وكنت قد أفردت عدة مقالات للجواب على سؤال “لماذا هم كلهم مهتمون بسورية، البلد الصغير الفقير نسبيا؟”[1].

الحقيقة الموضوعية تقول ان القرار على الأرض السورية الآن هو خارج سورية ويتركز أولا في واشنطن وموسكو ومن تبع كل عاصمة منهما من عواصم الإقليم. وهي نفس اللعبة المكررة في السياسة الدولية. يأتي الأقوياء ويخلقون المشكلة (إسرائيل مثلا) أو يتبنون المشكلة ثم يشكلونها مع الحاكم المحلي وفق مصالحهم (مشاكل لبنان والعراق والسودان وحكامهم وحكام العرب) حتى تصل المشكلة لعنق الزجاجة، وهنا يتعالى الصراخ “ماذا نفعل؟” “إنها خارج سيطرتنا، الفوضى والسلاح” “نحن يهمنا السلام وسلامة الناس، لكن الحق والباطل ملتبس”. وأي تقدم يتم إحرازه يكون وفق حسابات المنتصر ومصالحه. وهذا ما نراه واضحا في المأساة الفلسطينية، فالمنتصر ما زال هو حكام الغرب وسوقهم وبالتالي ما زال ما يسمى “الحل” يرسخ وجود إسرائيل كأمر واقع. بينما في العراق، نرى أن المنتصر وهو الولايات المتحدة قد أفلح في زرع بؤرة توتر ترعب أكبر خزانين للنفط بالعالم وتركه ليكون ساحة صراع بين النفط العربي والإيراني ويكتفي المنتصر الأمريكي بضبط إيقاع الصراع.Slide35

إذا ماذا سيقدم جنيف2؟

بميزان قوى الدول العظمى مع حلفائهم حكومات الإقليم ومحتكري اللعبة السياسية السورية سواء من النظام أو المعارضة، نجد أن النصر غير واضح المعالم لأي طرف. وما زالت الحرب سجال بين الطرفين. فلا يوجد توافق على تحويل سورية لعراق ثاني تتصارع فيه حكومات الصف الثالث من كلا الحلفين بسبب حساسية الموقع الإسرائيلي، ولا يوجد توافق على إيقاف القتال بالإجبار أو الاختيار كما حصل بيوغسلافيا السابقة لأن الطرفين مؤمنان أن توقف القتال هو انهزام لهما.

هذا التخلخل بميزان القوى، يؤكد أن منتج جنيف2 بأفضل أحواله سيكون استعراضا سياسيا وذرف دموع ووعود ببلايين من الدولارات الهوائية التي لن تقدم أي حل أو استقرار لسورية. لربما رشح عنه شيء يسمى “لجنة” أو “مجلسا” أو “مؤتمرا” مؤقتا لإدراة التفاوض الطويل حول الحكم بسورية، مع بعض البهرجات الإعلامية والوعود الزائفة. لكن سيبقى على الأرض، ضباط قوات النظام يتلقون الأسلحة الروسية ومال النفط الإيراني لاستمرار القتال بدون هوادة. وسيبقى قادات الفصائل الإسلاموية يتلقون المال والسلاح من النفط العربي وعبر الأراضي التركية وأيضا عبر المخابرات الروسية.

جنيف2 هو مسرحية سياسية من نوع الكوميديا السوداء التي تسعى لترسيخ الواقع السوري الحالي لعدد غير قليل من السنين. ولا يبدو أن أحدا من المشاركين السوريين المعارضين ينوي استخدام هذه الفرصة الإعلامية على الأقل أمام الرأي العام السوري ليستنهض السلاح الوحيد المتاح لإنهاء مأساة سورية وهو “الشعب السوري” ولا أمام الرأي العام الغربي الذي اقتنع أن ما يجري بسورية هي حرب قبائل طائفية تأكل الأكباد وتجز الرؤوس.

المشاركة بجنيف2 مهمة وضرورية، لكن بشرط الوعي الحقيقي بالصراع الدولي ومصالح الأطراف المتصارعة، وبنفس الوقت الوعي العميق بالشعب السوري ليس كما تسطر الكتب والفلسفات بل كما هو الشعب السوري بحقيقته. هذا الوعي للأسف لا يمكن تلمسه لا عند من يتحمس للحضور ولا عند من يكفر الحاضرين.

علاء الدين الخطيب                                         06/11/2013