Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

ثورة إيران القادمة تنتظر السوريين

10/07/2013

علاء الدين الخطيب

أحد المظالم التاريخية في الإعلام وفي كتابة التاريخ أن ثورة الشعب الإيراني 1979 سُميت ثورة الخميني. لا يستطيع أحد أن ينكر دور الخميني في الثورة الإيرانية وكونه أكثر قاداتها شعبية. لكن سرقتها من شعب كامل وتحويلها إلى ثورة شخص واحد هو جريمة كبرى، لقد كانت ثورة الشعب الإيراني على استبداد حكم الشاه وفساده الذي فاق كل المحتمل. فلولا تحالف قوى المعارضة الإيرانية الأخرى في إيران من أقصى اليسار إلى وسط اليمين مع الإمام الخميني لما انتصرت تلك الثورة. فتأثير الخميني كان شعبيا بالدرجة الأولى ولكن ليس تنظيميا، ومن تحمل مهمة التنظيم في الحراك الشعبي كان بقية حلفاء الثورة وخاصة قوى اليسار ومجاهدي خلق. فالتحرك الشعبي وبسبب فوضوية الجموع البشرية غير قادر على الوصول لغايته بدون تنظيم وتدخل القوى السياسية المُنظَّمة أصلا. ولربما هنا نتذكر مشكلة الثورة السورية التي اكتسبت تأييدا شعبيا كبيرا، لكنها بسبب افتقادها للمنظم وقعت بفخ الاغتيال مِن قبل مَن تسلط على الثورة وأهدافها من بعض قادات المعارضة.

بالواقع أن التاريخ الإيراني بالقرن الماضي مليء بالثورات أو الانتفاضات منذ أيام الشاه إلى أيامنا هذه، فهو شعب حيّ مثل جيرانه في المنطقة ومتجذر حضاريا في التاريخ. فما يشبه الثورة التي قام بها محمد مصدق 1953 كرئيس حكومة يسعى لتحرير بلاده من سيطرة البريطانيين والأمريكيين كانت ملهما للكثيرين بعده. مما اضطر الشاه لتشكليل جهاز قمع بوليسي أمني سماه “السافاك” الذي يشبه تماما أجهزة المخابرات العربية. بقيّ حكم الشاه في قلاقل مستمرة وانتفاضات لم تنته لعام قيام الثورة الإيرانية.

وكي لا ندخل بالتاريخ أكثر، نقول أن أول مأساة أجهضت حلم الإيرانيين كانت حرب العراق وإيران 1980، ليس فقط من حيث عدد الضحايا على الجبهات، بل أيضا لأنها كانت فرصة الخميني للتخلص من كل منافسيه الذين صنعوا الثورة معه. فاستمر حكم نظام ولاية الفقيه الذي ابتدعه الخميني على المذهب الشيعي كواجهة عاطفية دينية تضمن ولاء عامة الناس للحكم الإيراني، وتحت هذا الغطاء نشأت حكومات فاسدة لم تغيّر كثيرا في المستوى الإقتصادي لحياة الإيرانيين وخاصة في أقاليم الجنوب والشرق.

6/17/09 Ralph

لقد تناسى الإعلام العربي بعد الربيع العربي وخاصة  بعد انتقال الحراك الثوري لسورية أن إيران شهدت انتفاضات شبابية كبيرة احتجاجية عام 2009 قدرت أعداد المتظاهرين وقتها بمئات الآلاف، وسموها بوقتها الثورة الخضراء التي قامت احتجاجا على فوز نجادي بالرئاسة. لكن قوات الباسيج و حرس الثورة استخدموا القوة المفرطة ضد هذه المظاهرات مما أدى لوأدها. صاحب تلك الثورة الخضراء تركيز إعلامي كبير غربي وعربي في وقتها ولعلنا ما زلنا نذكر دور التويتر في ذلك الوقت بتسريب أنباء الثورة. لكن نفس الإعلام والسياسيين العرب والغربيين تناسوا ثورة أو انتفاضة 2011 والتي بدأت تقريبا بنفس فترة اشتعال الثورة السورية في 14 شباط، فقد شهدت مدن إيران العديد من التظاهرات بإلهام واضح من الربيع العربي. لأن روابط الشعوب العربية والإيرانية أكثر تجذرا تاريخيا من أن تقسمها العداءات بين شيوخ وفقهاء الطرفين. فلماذا هلل الجسد الإعلامي والسياسي العربي والغربي في 2009 وأهمل 2011؟ لماذا كان هذا الضجيج قبل سنتين والصمت في 2011؟ ربما يحتاج الجواب لمقال آخر حول تعامل الساسة الغربيين وبالتالي العرب كتوابع حتمية للتوجه الغربي مع الشعب الإيراني.

السؤال هل انطفأت جذوة الثورة الإيرانية؟ بالواقع وحسب المنطق التاريخي البشري لا يمكن لثورة شعبية أن تنطفأ جذوتها بالحالة العامة إن لم تزل أسبابها. وأسباب هذه الثورات الإيرانية هي بشكل أساسي ديكتاتورية الحكم الإيراني المتغطي بقدسية الدين، وتراجع المستوى الإقتصادي للمواطن الإيراني باستمرار رغم غنى إيران بشريا وماديا بشكل يفوق كل دول الجوار، بالإضافة لنزوع الشباب الإيراني بعصر الاتصالات الحديث للحرية في التعبير والسلوك والعمل والإبداع دون قيود يفرضها رجال دين متخشبون في القرن السابع. ولعل هذا ما يفسر تغاضي الحكم الإيراني المتمثل بمجلس الثورة ومكتب الأمن القومي عن فوز حسن روحاني من خارج دائرة المحافظين كمحاولة تطييب خاطر للشعب الإيراني، والسؤال هل سيستطيع هذا الرئيس الليبرالي لحد ما تغيير الواقع الإيراني؟ إذا تذكرنا تجربة خاتمي 1997-2005 والذي فاز بنسبة 70% ومع ذلك لم يستطع عمليا إحداث أي تغيير حقيقي داخل المؤسسة الحاكمة الإيرانية بل وقع بين حجري رحى: المحافظون الإيرانيون بزعامة ولي الفقيه وبين الحصار الغربي القاسي الذي لم يتنازل لاغتنام فرصة وصول رجل إصلاحي متنور للحكم في إيران. هذه التجربة لا تبشر بتغيير حقيقي في إيران خاصة وأن آخر مواريث نجادي لروحاني هي تخفيض الدعم عن الكثير من السلع الأساسية للإيرانيين. 

من ناحية ثانية، فإن استغلال الإعلام العربي والغربي للثورة السورية الشعبية بتحويلها لحرب طائفية بين السنة والشيعة وتركيز الإعلام العربي على هذه الناحية. وتعالي أصوات شيوخ السلاطين في فتاوى متتالية تدعو لقتال الشيعة الروافض بما يبدو في ظاهره دعم للشعب السوري، وبنفس الوقت فالنظام الإيراني يعتمد أساسا على التبرير الطائفي لوجوده، فرسالته المعلنة لا تقل طائفية عن رسالة الحكم السعودي، فكلاهما سلطة متحالفة مع كهنوت ديني طائفي، ولأهمية سورية الضخمة للأمن القومي الإيراني، فإن التحريض الشيعي ورقة مهمة يستخدمها الحكم الإيراني في شحن المرتزقة إلى سورية لدعم نظام الطاغية، وبنفس الوقت عامل تخويف إضافي للشعب الإيراني. كل هذه التطورات تساعد الحكم الديني الشمولي الإيراني على زيادة حاجز الرعب لدى المواطن الإيراني من أي حراك ثوري الآن، فلم يعد مصدر التهديد كما كان النظام الإيراني يكرر هو فقط الصهيونية والإمبريالية، بل اصبح مضاف له “العدو الوهابي السلفي الناصبي”.

هذه الحمّى الدينية الطائفية الآخذة بالانتشار في المنطقة تهدد كامل الربيع العربي وشعوب هذه المنطقة عربا وإيرانيين وأكرادا وحتى أتراكا. وبكل طرف يوجد أقلام وأصوات جاهزة لإطلاق خطابات التجييش والتحميس وبنفس الوقت التخويف والإنذار من عدو خيالي يسمونه “الناصبي أو الرافضي” ويحولوه لحقيقة من خلال بعض الفيديوهات القليلة وبعض الفتاوى الجاهزة في أدراج بعض شيوخ القرن الواحد والعشرين.

لذلك فإن انتصار الثورة السورية بهدفها الأساسي سورية حرة ديمقراطية موحدة مستقلة علمانية هو بالواقع إنقاذ لكل شعوب المنطقة وإنقاذ للإسلام من مصير أسود مجهول. ولعلنا هنا نعيد التذكير للقادات المعارضة السورية أن تقصيركم لم يكن فقط بحق الشعب السوري، بل بحق الشعب الإيراني الذي كان يمكن أن يشكل القوة التي تقلب كل الموازين حول سورية وثورتها.

10/07/2013