Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

خطة مارشال لسورية- خطة اليوم التالي

24/04/2013

علاء الدين الخطيب

 كثر الحديث عن خطط إقتصادية إنقاذية لسورية تفترض سقوط الأسد وحلول أحد قوى المعارضة السورية مكانه وخاصة المجلس الوطني السوري أو الائتلاف السوري المتكون حديثا. ومن ضمن هذه الخطط ما هللت له وسائل الإعلام حول ال60 مليار دولار التي يريد جمعها جورج صبرا ممن يسميهم “أصدقاء سورية”. فما هي القصة وماذا تعني كل هذه الخطط والأفكار؟ وهل نحتاج لنكون متخصصين إقتصاديين لندرك المعاني الحقيقية؟

الأسئلة كبيرة طبعا حول مرحلة ما بعد الأسد وتكاليف إعادة البناء، ولسنا هنا للخوض في تفاصيل إقتصادية تخصصية نتركها لأهلها، بل لنناقش هذه الأفكار بتبسيط وضمن أساسيات الحراك الإقتصادي العالمي خلال العقود الماضية. لسبب أساسي هو أن من تكلم حول هذه الخطط من سياسيين سوريين يبدو أنهم انساقوا بحسن نوايا خلف عناوين براقة دون دراية حقيقية بكارثية طروحاتهم على سورية بعد الأسد.

الحقيقة الأولى التي تم تجاهلها في كل الطروح الإقتصادية والسياسية ان النظام العالمي بالجوهر هو نظام سوق عالمي تنافسي وتصارعي يصل أحيانا كثيرة لحد الشراسة والتوحش. وما العمل أو الكلام السياسي والديبلوماسي إلا عمليات تغطية تجميلية لجوهر الصراع. الحقيقة الثانية، لا يوجد مساعدات دولية بمعنى أن سليم يمنح عبود 1000 ليرة سورية لوجه الله ولا يريد لها سدادا، بأحسن الأحوال سيطلب سليم من عبود مقابل الألف ليرة أن يلبس قميصا أحمر وسروالا أصفر، وبغالب الأحوال سيفرض عليه أي طعام يأكل ومن أي دكان يشتري وماذا يشتري وبنفس الوقت أن يعيد الألف ليرة بفوائد تتزايد مع طول فترة السداد، وإذا عجز عبود بمرحلة معينة –وغالبا سيعجز لأن الدكان المفروض عليه أغلى من بقية الدكاكين- فيجب عليه أن يبدأ ببيع اثاث بيته لسليم بأسعار رخيصة جدا. وإذا كان عبود بالأصل فقيرا لايملك أثاثا ولا خبرة بالعمل، فسيجد نفسه بالتدريج يبيع أجزاء من جسده ويتحول لعبد عند سليم.

هذه ليست صورة شاعرية أو قصصية بل من واقع تاريخ السوق العالمي. الصورة الشاعرية هي المطروحة للعامة حول أشكال هذه الأساليب السوقية في السوق العالمي. فلننظر لمشروع مارشال الذي قدمته الولايات المتحدة لاوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. أولا هناك فروق أساسية بحالة أوروبا واليابان عن باقي دول العالم هي: أولا، وجود أوروبا الغربية واليابان أقوياء إقتصاديا وتقنيا وعسكريا أمام المعسكر السوفيتي هو مصلحة استراتيجية عليا للحلف الغربي تفوق الصراع السوقي الأقل أهمية. ثانيا، وهو السبب الأهم، أوروبة الغربية كانت بالأساس وقبل الحرب دولا صناعية متطورة وذات بنية تتظيمية متطورة بزمانها وبمخزون كفاءات بشرية عالي المستوي، فالحرب بكل مآسيها كانت تدميرا للحجر والحديد وليس للمنظومة والخبرة البشرية والتقنية، يعني البنية الأهم في بناء الدول القوية لم تتحطم. ومع ذلك هل كان مشروع مارشال بهذه الشاعرية التي يطرحها البعض، بالواقع 90% من الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة كان على شكل قروض واجبة السداد بفوائدها والقسم الأقل كان على شكل ضمانات بنكية، والأهم كان السداد واجبا بالدولار الأمريكي. بمعنى آخر لم يكن مشروع مارشال صدقة قدمتها الولايات المتحدة للغرب. وقد يقول البعض –حتى في الغرب الأوروبي- “نعم، مع ذلك فالمشروع أنقذ أوروبا”! هنا سندخل في نقاش بين اختصاصيي الإقتصاد لم ينتهي خلال 60 سنة وهو نقاش متاهة لغير المتخصص وممل، ولكن نكتفي هنا بحقيقة يقررها مدير بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي السابق آلان غرينسبان، إن صعود الإقتصاد الأوروبي بعد الحرب يعود للخطط الإقتصادية التي اتبعتها حكومة لودفيك إرهارد في إعادة تنظيم البنية الإقتصادية وسياسات الاستيداع والفائدة أكثر بكثير من مشروع مارشال. ونفس الشيء يقوله غرينسبان حول اليابان. والأهم، والمفاجئ أنه لحد الآن فالإقتصاد الأوروبي الغربي تابع ولو جزئيا للإقتصاد الأمريكي وما زالت كثير من الاتفاقيات الإقتصادية بين الطرفين لصالح السوق الأمريكي وليس الأوروبي، فالضرائب التي تفرضها الولايات المتحدة على الاستيراد من أوروبا أعلى منها في أوروبة على المستوردات الأمريكية. والأكثر أهمية والواضح لكل إنسان دون أن بتخصص بالإقتصاد أن الدولار الأمريكي هو المسيطر على السوق العالمي وليس اليورو سوى محاولة للخروج من هذا القيد الأمريكي.

سيقال الآن “طيب يا أخي الكحل أحسن من العمى بدنا مصاري!!“. هنا لا بد أن نعود للواقع والتاريخ هل يمكن مقارنة سورية بأوروبة الغربية واليابان أو حتى كورية الجنوبية أم الأكثر منطقية مقارنتها بدول أمريكة الجنوبية والباكستان ومصر وتركيا… الخ؟ نعتقد أن المنطق والواقع هو مع المقارنة الثانية، بالإضافة للسؤال الأساسي ما هي مصلحة من يسمون أنفسهم “أصدقاءً” بسورية ديمقراطية وقوية إقتصاديا قرب إسرائيل وحكومات الخليج الوراثية. لكن لنبقى الآن في الإقتصاد، القاريء لتاريخ أمريكا اللاتينية سيجد بسهولة أن الدور الأمريكي كان مصدر قلاقل وحروب وفقر في هذه الدول من أيام صراعات الحرب الباردة إلى الآن، والدليل الواضح ان كل الإقتصاديات الأمريكية اللاتينية الصاعدة في البرازيل والأرجنتين وتشيلي وفنزويلا وغيرهم يسعون بإصرار للتكتل إقتصاديا والتخلص من السيطرة الأمريكية وينحون باتجاه الإقتصاد الإشتراكي. فعلى سبيل المثال الأرجنتين أفلست تماما عام 2001 بسبب سياسات صندوق النقد الدولي التي يتحكم بها بشكل أساسي الغرب. وكادت البرازيل تصل للإفلاس أيضا وفنزويلا في نهايات القرن الماضي. والجامع بين كل هذه الدول بسياسات إعادة هيكلة إقتصادياتها هو التخلص من سياسة القروض الغربية سواء عبر صندوق النقد الدولي أو غيره. لننظر أيضا لتركيا، تركيا أيضا كادت تصل للإفلاس بنهاية التسعينات بسبب سياسات الصندوق. والنجاح أو التغيير الأساسي الذي حققه حزب العدالة في تركيا كان في تخلصه السريع من قيود الصندوق وإتباع سياسات إقتصادية رشيدة ووطنية.IMF Argentina Ara

طيب، وشو قصة خريطة اليوم التالي؟” هذه الخطة تعمل بنفس المنحى تفترض قروضا ضخمة لسورية ولكنها تتجه لإقتراح خطة البناء من خلال طرح أساسي: استجلاب الشركات الغربية والخليجية لبناء سورية. وهي خطة موضوعة من قبل معهد ألماني وإقتصاديين سوريين وخليجيين. يبدو العنوان براقا أيضا وجميلا، ولكن ما هي الحقيقة؟ هذه الخطط وغيرها المطروحة من قبل ما يمكن أن نسميه النظام العالمي الجديد يقوم على أساس تسليم البلد موضع العمل للشركات الخاصة الكبرى وغالبا الغربية وفي منطقتنا نضيف لها الخليجية. يعني بيع البلد للقطاع الخاص اعتمادا على أسطورة تقول أن القطاع الخاص هو صانع المعجزات والدليل هو السوق الأمريكي ومعجزاته. هذه الدعاية هي بالواقع احتيال على مخيلة الإنسان العادي وتمويه لحقائق تاريخية. أولها أن قوة وغنى أمريكا ليس فقط بسبب عبقرية هذه السياسة، بل يعود أساسا لعاملين أساسيين شكل فيهما الحظ عاملا كبيرا: أولا غنى الولايات المتحدة بالمصادر الطبيعية، وثانيا أن الولايات المتحدة كانت المنتصر الوحيد بالحرب العالمية الثانية والفائز الكبير بكل أرباح تلك الحرب وليس أقلها كما أسلفنا سيطرة الدولار الأمريكي على السوق العالمي. أما من حيث فعالية سياسة التخصيص الكامل او الليبرالية الجديدة التي بدأت منذ عهد ريغان فقد أنتجت 10% من الأمريكيين تحت خط الفقر أي 30 مليون إنسان. كما أن هذه السياسة ومهما اختلفت التحليلات الأكاديمية كانت سببا أساسيا للأزمة المالية العالمية بعام 2009. والتي كبحت تراكض بعض السياسيين الأوروبيين باتجاه النظام الأمريكي. هذا النموذج التخصيصي للدول أثبت فشله الكامل في الإقتصاديات الكبرى مثل أوروبة الغربية ومن ثم دول ما بعد السوفييت. وهنا نذكر أن نجاح بوتين الأساسي في روسيا إقتصاديا يعود لفرضه سلطة الحكومة المركزية على السوق الروسي وعدم السماح بتخصيصه مائة بالمائة كما كانت الحال بعد البروسترويكا. المثال الأقرب لنا هي مصر التي خاض بها السادات في مستنقع التخصيص مما أوصل المصريين لحالة يرثى لها. طبعا هنا لا نعارض القطاع الخاص كما قد يظن البعض لكن السياسة الرشيدة لأي دولة تريد القيام من مرحلة تحطيم إقتصادي تتطلب سياسة تحكم قوية للحكومة الوطنية في تطوير البلد، يعني مثل سياسات البرازيل والهند وحتى سياسات الدول الإسكندنافية “إشتراكية ديمقراطية”.

طيب يا أخي خلي هذه الشركات تجي تشتغل وتربح وتعمر!” بالواقع الموضوع ليس شركة تعمل وتربح بشكل معقول، هذه الخطط هي بيع للملكية الوطنية للسوق العالمي وما يرافقه من فساد وظلم للبلد. لنرى مثالا نعرفه كلنا كسوريين: من الثابت أن الولايات المتحدة كبلد قد خسرت الكثير ماديا في العراق، وهذه الخسارة دفعها المواطن الأمريكي العادي من ضرائبه، فحتى مع أقصى إنتاج للنفط في العراق فلن يستطيعوا تغطية مصاريف تلك الحرب. فهل لم يكن هناك رابح فعلا؟ النظرة الدقيقة والثابتة تقول أن الشركات الأمريكية والبريطانية التي سيطرت على قطاعات النفط وإعادة البناء والأمن حققت أرباحا هائلة فوق التصور، باختصار المواطن العراقي أولا ومن ثم الأمريكي دفعوا مرابح هائلة لبضعة من الشركات الأمريكية. إذا فهذه الشركات التي تتحكم عمليا بسياسات الدول حققت انتصارها المالي. المثال الثاني الأقرب، هل مساعدات قطر لتونس كانت مجرد محبة أخوية؟ نسمع الآن عن عمليات منح امتيازات الطيران في تونس للشركة القطرية مما يعني بالتدريج تخسير الشركة التونسية للطيران، وهنا لا نتكلم عن بلد صغير واحد والطيران منه وإليه، بل عن أحد أهم محطات الحركة الجوية بين أوروبا وإفريقيا بالإضافة لمطار القاهرة. أخيرا، المثال الأقرب لنا كسوريين، ماذا فعلت المساعدات الدولية في لبنان؟ ما زال لبنان والغالبية العظمى من الشعب اللبناني ترزخ تحت مشاكل إقتصادية كبيرة جدا وبنفس الوقت صعود هائل لشركات وأموال كبيرة.  هنا قد يجادل البعض أن الاضطراب السياسي هو السبب. هذا نقاش طويل لكن الواقعي والعلمي أن الإضطراب الإقتصادي هو سبب تزايد الاضطراب السياسي وليس العكس. فقوة الحكم السوري الأسدي في المشهد اللبناني لا يعود لوجود مسدس فوق رأس حلفائه من قادة لبنانيين، بل لوجود مصالح مالية متداخلة لهم تعتمد على النظام السوري الأسدي.

هنا نذكر مثالا يوضح أن لا وجود للعمل الخيري بالسوق العالمي بالمطلق. نذكر كلنا كارثة تسونامي ومآسيها. بعد أن جمع الشعب البريطاني تبرعات هائلة بدواقع إنسانية بحتة لمساعدة ضحايا تسونامي وأوكل الحكومة البريطانية لإيصال المساعدات. تبيّن فيما بعد أن الحكومة البريطانية قد اشترت قوارير مياه الشرب من شركات بريطانية وشحنتهم من بريطانية بسفن احتاجت لأسابيع لتصل لمنطقة الكوارث، بينما كان المنطق البسيط والإنساني هو شراء هذه المياه من الصين أو الهند بأقل من عشر السعر البريطاني وإيصاله خلال أيام للمناطق المنكوبة. لماذا نركز على هذه الفكرة؟ بالواقع لأن كل الطروحات المقدمة لسورية لمرحلة ما بعد الأسد وخاصة من قبل المجلس الوطني وبعض المعارضة تقوم على تسويق إعلامي عاطفي وشعاراتي يظهر الموضوع كما قلنا بالبداية أن سليم الإنسان الطيب يريد مساعدة عبود لوجه الله فقط وهذا نوع من السذاجة السياسية التي لا تجوز في ظروف تاريخية مصيرية تشهدها سورية.

علاء الدين الخطيب