Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

شمشون الجبار لا يريد هدم المعبد، فقط هدم حلب

17/12/2013

علاء الدين الخطيب

تقول الاسطورة السورية أن شمشون الجبار بمعركته الاخيرة مع اعدائه قرر هدم المعبد عليه وعلى أعدائه. هل تسير الحالة السورية لخيار شمشون؟ هل يتجه النظام لخيار عليّ وعلى أعدائي؟ هل يتجه المتحكمون بهذه الملهاة السوداء من خارج سورية لتهديم المعبد؟

المعبد السوري بدأ التهاوي، لكن للأسف ليس على رؤوس النظام أو رؤوس المتصارعين على سورية، إنه يتهاوى على رؤوس الشعب السوري فقط. فبعد زيارة بندر بن سلطان الأخيرة لموسكو ومباحثات التطرية الأمريكية الإيرانية بملفي النشاط النووي الإيراني وأفغانستان وتقارب حكومات الخليج الصغيرة مع إيران، وربطا مع اقتراب موعد جنيف2 السؤال المطروح ما هي غاية النظام من الهجوم العشوائي المكثف على حلب من الجو والذي لا يحقق اي تقدم عسكري للنظام؟

قد يبدو الجواب غريبا ومستهجنا، لكن لا يمكن لهذه التطورات أن تتسق إلا بهذا الجواب. النظام السوري يريد منح الفصائل الإسلاموية فرصة استرداد سمعتها المهدورة خلال السنة الماضية في هذه المناطق، فكان قصف البراميل هذا لتذكير الناس بحلب أنه مهما ظلمهم واضطهدهم قادات تلك الفصائل يبقى النظام هو الأقوى في التقتيل الجماعي والتدمير. تنبع مصلحة النظام في هذه السياسة من عدة نواحي:

1-      القضاء على حركة التمرد الشعبي التي بدأت تنمو ضد هذه الفصائل في حلب وادلب والرقة ودير الزور من خلال الآثار المعنوية الكبيرة لعمليات القصف العشوائي الأعمى هناك. فهو الآن غير جاهز لتحمل مسؤولية هذه المناطق التي تعد أقل أهمية استراتيجية له ولحلفائه الإيرانيين.

2-      المقايضة بين الهجوم البري في منطقة الشمال والجزيرة السورية وبين الهجوم البري في محيط دمشق وصولا لحمص. فلا يخفى على الجميع الانتصارات العسكرية للنظام بمحيط دمشق وصولا لدرعا وحمص.

3-      النظام يعلم تماما أن تحقيق انتصار عسكري ضخم -إن استطاع- قبل جنيف2 لن يقدم له ما يكفي من أوراق قوة في التفاوض. فقرر الانتقال بمرونة لضفة الموقف الغربي السياسي الذي يقوم أساسا على وضع خطر أسطورة “الإرهاب الاسلامي” كأولية في سياسته الخارجية أمام الرأي العام، وقد نجح النظام في التمسك بزاوية هذا الكرت الغربي كما هو واضح من الإعلام الغربي.

وبنفس الوقت لم تقف هذه الفصائل مكتوفة الأيدي؟ بالواقع قدم قادات هذه الفصائل خدمات ذهبية للنظام. من خلال الهجومات الكرتونية على معلولا والنبك والقلمون ثم انسحاباتها المفاجئة بحجج مضحكة حول التكتيك العسكري، مما فتح الطريق لاكتساح النظام لهذه المناطق. وهنا نلاحظ الأهم في التنسيق الغير مباشر، فعملية خطف الراهبات من معلولا والتي من المعروف أنها ستحظى بتركيز إعلامي كبير عربي وغربي أعقبها فورا مجزرة النبك التي اقترفها النظام وضاعت تفاصيلها إعلاميا امام خبر خطف راهبات معلولا. كذلك كان هجوم هذه الفصائل على عدرا والمجازر الطائفية التي اكتسحت الإعلام أيضا تغطية ممتازة لمجازر حلب التي ارتكبها النظام.

لا بد هنا من التذكير بمبدع هذا الأسلوب بالتعامل مع الرفض الشعبي، وهو إسرائيل، وبدون تفاصيل كثيرة وغوص بالتاريخ، بإعادة ترتيب عدد كبير من العمليات التي نفذها قادات فصائل فلسطينية مع تطورات الحراك الجيوسياسي في المنطقة نجد أن هذه العمليات دائما كانت تصب بالنتيجة في مصلحة إسرائيل. ولا يوجد على ما أظن أي فلسطيني أو عربي يمكنه إنكار ان إسرائيل اخترقت كل كبريات المنظمات الفلسطينية من أقصى يسارها لأقصى يمينها بدرجات متفاوتة. هذه الخبرة بالإضافة لخبرة مأساة لبنان والعراق هم قيد الاختبار الآن فيما بين النظام السوري وحليفه الإيراني ومابين النظم الخليجية العربية وحليفهم التركي. في هذا النوع من الحروب والصراعات لا يوجد معنى ل”عدو” أو “صديق” حتى ضمن فترة شهور، فكل الولاءات والمقايضات تتقلب وبسرعة هائلة.

لا شيء يوحي أن هذه العمليات ستتوقف او تهدأ قبل جنيف2، بالعكس فإنها ستتصاعد وبسرعة من قبل النظام ومن قبل قادات الفصائل الاسلاموية المسلحة. النظام سيزيد من عمليات القتل الجماعي باستخدام أسلحة الرمي عن بعد على كل المناطق المتأزمة وسيرفقها باجتياحات برية عسكرية في  مناطق ما بين دمشق وحمص وما بين دمشق ودرعا. وستتخلل هذه العمليات مجازر أخرى ينفذها قادات الفصائل الإسلاموية بأهداف طائفية واضحة ومقصودة مثل مجزرة عدرا.

إن زيارة بندر بن سلطان لروسيا خلال الشهر الأخير بدأت تؤتي نتائجها على ما يبدو في سورية بالتزامن مع التنسيق الإيراني الأمريكي في وسط آسيا. إن حرب هذين المعسكرين على الأرض السورية لم تصل لنهايتها بعد وما زالت مستمرة، فلا النظام السعودي اللاعب الأكبر المفوض من قبل معسكر الغرب في سورية يريد تحمل مسؤولية “حكم إسلاموي” مقلقل لكامل سورية خصوصا مع مشاكله الآن في تثبيت الحكومة المصرية. ولا الحكم الإيراني قادر على استرجاع كامل سورية لسيطرة حليفه النظام السوري. وكلا الطرفين الآن راضيان بإسقاط إسطورة تصدير الأزمة السورية التي أطلقها النظام السوري ببداية الأحداث وحملها قادات المعارضة السورية بكل سذاجة في المحافل الدولية. إن الغياب القسري لمعارضة سورية واعية ذات رؤية وفهم عميق للصراع العالمي هو الذي أوصل سورية لهذه الحالة كيتيم يعاني سكرات الموت على مائدة اللئام قادات السوق العالمي. لم يبق أمل للسوريين بالنجاة سوى بالتخلص الكامل من كل قادات المعارضة والنظام من خلال المقاومة السلبية لهم. فاللاعبون الكبار على المائدة السورية قد اتخذوا قراراتهم النهائية ولن يوقفها الله إلا إذا وقف الشعب السوري مع نفسه وفق معايير سورية خالصة لا بعثية ولا إسلامية.

17-12-2013