Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

التفسيرات السهلة وإشكالية الطائفية في سورية

20/04/2013

علاء الدين الخطيب

مشكلة النّاس عموما أنها مشغولة بحياتها الخاصة فتتقبل التفسيرات البسيطة او السهلة للمشاكل العامة من خلال ما “تسمع وترى”. فما يواجهها بحياتها اليومية من مشاكل مادية وعائلية ومهنية يملء تفكيرها ولا يترك حيزا كافيا للبحث في المشاكل العامة.

لو نظرنا للحالة السورية ضمن هذا السياق، نرى أنه خلال أربعين سنة من الحكم الديكتاتوري لسورية أن غالبية الناس المنهكة بسبب الركض خلف لقمة العيش تتقبل تفسير الحالة وفق المطروح في السوق وبما يلاقي بعض المشاكل الشخصية. فالأول يقبل أن السبب هو “حزب البعث الفاسد“، والثاني يقول أنها بسبب “شرور حافظ وابنه“، والثالث يقبل بأنها “نتيجة حكم العلويين“، والرابع يقتنع بتفسير رجل الدين بأنها بسبب “المعاصي وشعر النساء المكشوف“… والعاشر قرأ أكثر وضم نفسه لجمعية الثقافة فيقبل أن الحالة سببها “التخلف والجهل“، والعشرين بما أنه مرتبط بالسلطة يقول “أن الشعب هو الفاسد والغبي ولا ينفع معه سوى الجلد“، والرقم ألف يقول إنها “مؤامرة صهيونية استعمارية غايتها تحطيم الوطن بتحطيم القائد“… تفاسير كثيرة لو فكر فيها الإنسان لوجدها نقلا عن منقول وسعي للفكرة السهلة التي تريح العقل من العمل والتفكير وبنفس الوقت ترمي اللوم على الآخر. تماما مثل سعي الماء للسقوط في أي بحيرة ساكنة يستطيع الاستقرار فيه دون حركة. cubes

هذه الظاهرة ليست حكرا على سورية أو العرب بل هي موجودة في أكثر الدول تطورا علميا وديمقراطية وإن كانت بشكل أقل. وهذا ما نراه في أوروبة الغربية الآن من خلال الصعود السريع للأحزاب اليمينية المتطرفة لأنها قدمت حلولا أو تفسيرات سهلة وساذجة لتفسير التراجع النسبي بالمستوى الإقتصادي للأوروبيين فعلقت كل المشكلة على المهاجرين واستبدال الأكلة الشعبية “الهوت دوغ” بالأكلة الشرقية “الفلافل أو الشاورما” (الآن دخل منافس جديد هو الأكل السريع الآسيوي “النوديل”). لقد حصدت هذه الأحزاب بأوروبة خلال السنين الماضية بألمانية وفرنسة والنمسا وهولندا وإيطاليا أكثر من 20% من الأصوات وهي نسبة عالية في قارة دفعت 60 مليون ضحية في الحرب العالمية الثانية بسبب الأحزاب اليمينية المتطرفة. هذه النمطية في استسهال التفسير سادت التاريخ البشري والمجتمعات البشرية كلها وكانت أهم مصادر تسلط الحكام على الشعوب.

بالحالة العادية أو المستقرة نفهم هذه السلوك، ننقده ونتعامل معه بهدوء وبرودة أعصاب. لكن الكارثة الحقيقية تبدأ عندما تحل كارثة ما على البلد، ويصرّ الناس على اتباع نفس المنهج بالتحليل والتفكير وتفسير الأزمة بأسباب ساذحة مما ألفوه. والأسوء أن يتصدى لهذا التفسير نشرا وترسيخا من يوصفون أنهم طليعة فكرية أو ثقافية أو سياسية أو إعلامية. مثلما يحصل بسورية الآن. والأخطر لو توافقت مصلحة السلطة والمال مع هذه التفسيرات الخاطئة والكارثية. وبدأ المؤمنون بهذه التفسيرات بنشرها اعلاميا وبين الناس. هنا يتضاعف حجم الأزمة والكارثة.

التفسير الطائفي للأزمة السورية. تفسير ساذج وسهل وكارثي ايضا. وقد توافق هذا التفسير مع مصالح النظام العصابة لأن مبدأ “فرق تسد” هو أنجح وسائل حكم الجموع البشرية. بل وتوافق هذا التفسير مع مصالح حكام أمريكا والسعودية وقطر وتركيا لأنهم لا يريدون سورية ديمقراطية موحدة بما تمثله من تهديد على المنطقة كلها من تتويج للربيع العربي. فالصراع العالمي على سورية وفوق أرضها من أشرس الصراعات العالمية خلال الخمسين سنة الماضية وقد وجد هذا الصراع أن الأرض السورية مناسبة بسبب وجود ديكتاتورية متطرفة في قوتها العسكرية الأمنية وبسبب الرغبة المتطرفة أيضا لدى الشعب السوري في الوصول للحرية والكرامة والديمقراطية.

النظام الحاكم السوري وكل ماله وسلاحه وحلفائه وكل حكام العالم لن يستطيعوا هزيمة الشعب السوري الذي أراد الحرية والديمقراطية. لكن ما قد يهزم الشعب السوري هو الشعب نفسه لو استمر المؤمنون بالتفسير الطائفي وبينهم كثيرون ممن يسمون النخبة في ترسيخ التفسير الطائفي. وهذا ما فهمه النظام السوري من أول شهر فعمد للارتكاز على الدعاية والممارسة الطائفية، وما فهمه المعسكر المقابل الذي يريد بإصرار اختراق الثورة السورية للتحكم بشكل سورية الجديد فاستند بعمله على العامل الطائفي.

من المهم أيضا أن نتذكر أن استغلال الطائفية في منطقتنا ليس جديدا بل مستمر منذ قرون طويلة. وبالذات في العقدين الماضيين حيث يمكن لأي مراقب ملاحظة صعود الخطاب الطائفي عبر وسائل الإعلام وخاصة الخطاب أو بالأصح العراك بين شيوخ السنة والشيعة المتماشي مع الصراع السياسي. هذا التركيز الإعلامي كان منفلتا من أي ضوابط قانونية أو أخلاقية أو حتى إسلامية ولم يتردد كلا الطرفين في الوصول لحافة الدعوة للقتال والتقتيل. وانتقال هذا الخطاب بهذه القوة لسورية الآن هو مجرد تكثيف للمادة الجاهزة في ساحة الصراع في سورية. ومما سهّل مهمة الشحن الطّائفي أن الصدفة التاريخية أوجدت ديكتاتورا من الطائفة العلوية في سورية وليس من الطائفة السنية مثل باقي الدول العربية.

طبعا نحن لا ننفي وجود الطائفية في سورية والتمييز الطائفي. ولا ننفي استغلال النظام الحاكم للطائفية. لكن تحويلها لمسبب ومسيطر وحل هو الكارثة. لا نقول لا تعترفوا بالواقع. نقول افهموا الواقع وتناولوه بدقة وبعمق فكري وتحليلي وليس مجرد “فشات خلق”. المشكلة الطائفية في سورية ليست سببا لما نحن فيه بل نتيجة لما أصاب بلدنا من مشاكل واستغلال وصراع دولي هائل حول سورية. والطائفية ليست حلا، بمعنى أن سلطة يمسكها السنة لا تضمن وضعا أفضل لسبب واضح وبسيط فالديكتاتوريون العشرون الآخرون هم من الطائفة السنية ولم يقدموا الأفضل لشعوبهم. الحل هو أولا في إدراك الأسباب التاريخية والجيوسياسية للأزمة السورية وحقيقة الصراع الدولي على وفوق سورية.

في الحالة المستقرة، تكلم ودردش وقول ما برأسك كيفما اردت وحتى على الإعلام. فضمن الحالة العادية يمكن للأخرين أن يناقشوك وللمتلقين أن يفكروا بهدوء ويحللوا. لكن في الحالات الكارثية والمصيرية فعلى الاقل فكر عشر مرات قبل ان تتكلم. لأن النتيجة لن تكون “خناقة” مع من يخالفك الرأي تنتهي مثلا برمي كاس الشاي وكل واحد يروح على بيته. النتيجة هي مصير وطن وشعب وأرواح بشر. فكر قليلا قبل أن تتكلم وتواضع أكثر وقل “يمكن أنا غلطان والشي اللي عم يصير كثير كبير لحتى يكون تفسيره ببساطة تفسير رسوبي بالصف العاشر أنو أستاذ الجغرافيا كان متحطط علي وعم يرسبني دائما، بس ترى انا ذكي وشاطر كثير”. سورية تستحق جهدا أكثر لنستطيع إنقاذها من الهاوية يبدأ من عقولنا وينتهي بقلوبنا.