Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

من الفرات للنيل، من الشريان للوريد

 28/11/2013

علاء الدين الخطيب 

هل علاقة الشعب المصري والسوري كما يصفونها مجرد كلام شعراء ومثاليات؟ هل هم مثل أي شعبين يمكن لأي حاكم مجنون وبوق إعلامي مهووس أن يحولهم لأعداء؟

مصر وسورية ومعهما العراق محكومون بالجغرافية والتاريخ. وسورية بالذات فرض عليها عنق القديسة فلسطين في سيناء أن تنهل من دفء صدر مصر، وزواج الفرات ودجلة فرض عليها أن تسند رأسها لكتف العراق. ما كان لمصر أن تستمر لولا سورية، وما كان لسورية أن تحيا لولا مصر. هذا قرار الجغرافية والماء الجاري بين كتفي المتوسط وبمركز العالم الإنساني منذ 10000 سنة وللآن. أحمق هو السوري الذي يظن أن سوريته ميزة على المصري، وأحمق هو المصري الذي ينكر حاجة النيل للفرات. syria egypt2

أيقن فراعنة مصر أن استقرار مصرهم محكوم بضمان سورية، وأيقن ملوك بابل وآشور أن قوة عراقهم محكوم بضمان سورية، وأيقن الآراميون والفينقيون أنهم بين هذين الجارين العملاقين، الأخوين المتقاتلين لن يعيشوا بلا مصر ولا العراق. ولم يحدث بكل حروب أو تجارة بناة الأهرام ولا مشرّعي القانون الانساني الاول أن انتقموا من شعب سورية. هزم الاسكندر الكبير ملك الفرس، لكنه أيقن أنه لا بد قبل أن يتابع حلمه بحكم العالم أن يضمن سورية ثم مصر ويعود للعراق ليصل إلى الصين. توسعت الامبراطورية الرومانية فكان لا بد لها لأمن مصر من تأمين سورية، ولحكم سورية لا بد لها من السيطرة على مصر. أتى العرب المسلمون بإسلامهم من جزيرة العرب فكان لا بد لهم من ضمان ما بين الفرات والنيل. وكلما انهارت السيطرة بين الفرات والنيل كانت دولتهم تتهاوى، وكلما توحد ما بين النيل والفرات كان قوتهم تتعاظم. حقيقة أدركها الصليبيون، ودفعوا ثمنها يوم أتى صلاح الدين من سورية لمصر، فاستراح ثم جمع جنود مصر مع سورية وحرر المقدسة القدس. ذاق مرارة هذا المصير المغول يوم تجمع جند سورية بحضن النيل فعادوا مع الظاهر بيبرس بجنود مصر وأوقفوا انتشار أقوى وأشرس توسع امبراطوري عرفه التاريخ البشري. أراد العثمانيون ضمان امبراطوريتهم فلم يكفهم أن يحكموا سورية رغم أنهم امتلكوا القسطنطينة، فالنيل هو سند الفرات وبردى. أراد نابليون العودة برا من مصر لفرنسا فأوقفته قديسة مصر وسورية فلسطين. ظهر مؤسس الدولة الحديثة محمد علي باشا، فلم يهدأ إلا وقد أرسل ابنه لدمشق ليضمن لمصر الصعود. أراد الإنجليز والفرنسيون السيطرة على العالم فلم ينجحوا سوى يوم توافقوا على اقتسام مصر وسورية. خطط الانجليز للمستقبل البعيد، فأدركوا ان سبيل استمرار السيطرة دون عسكر لا يمكن أن يمرّ دون فصل مصر عن سورية باغتصاب القديسة فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني.

استعر الطمع الغربي الاسرائيل على مصر عام 1956، وسكت صوت العرب من القاهرة بعد أن فجروا محطات بثه، فاندفع الصوت المصري مدويا من دمشق “هنا القاهرة”. استبسل أهل مصر يصدون جيوش ثلاث أكبر دول فانهمر جول جمال بدمه السوري على اساطيلهم وملأت الملايين دمشق وحلب تقطع خطوط النفط تصيح “نحنا فداكِ يا مصر”. عشق المصريون عبد الناصر، فتبناه السوريون وقالوا هذا هو ابننا وزعيمنا. أرادت إسرائيل استجرار عبد الناصر لحرب ليس جاهزا لها، فابتزوه بضرب سورية وكيف له أن يقول للمصريين أنا ريّسكم ويترك سورية. تنادى أبناء مصر وسورية في حرب اكتوبر-تشرين فامتزجت دمائهم تحت أرض القديسة فلسطين. وأتى أمكر السياسيين الأمريكيين كيسنجر ليضع الحل النهائي لشريان الدم هذا بين مصر وسورية، اضربوا الاسفين بينهما من خلال تحاقد حكامهما.

رقصت الأهرامات في ثورة شعب مصر ضد الطاغية في فبراير، فوصلت أهازيجهم لسورية تقول لهم هبّوا مع اخوانكم المصريين فلن تكتمل حريتهم إلا بحريتكم، ولن تصلوا لحريتكم إلا بحرية مصر. فاستيقظت مرددة المال والإعلام والشرور ضد طلاب الحرية بين النيل والفرات. جربوا معهم تجارة الدين، لكن المصريين أصروا على احتضان السوريين على صدر النيل. جربوا معهم تجارة الأوطان، لكن السوريين زادوا تعلقا بماء النيل. فانبعث الإعلام العاهر يدوي اخلقوا الكراهية بين أشقاء الدم والماء والتراب، وتوافق كل جبابرة السلطة والإعلام وكمموا الأفواه وعاثوا فسادا بين التوأمين يريدون قطع حبل الوريد. صاح تجار الأوطان والأديان والنفط من كل الفرقاء، إننا نقارب النجاح بتفكيك السوريين لقبائل طائفية، فلنقطع هذا الشريان المصري السوري قبل أن يضخ الدم الجديد في وجهنا. قولوا للمصريين أن السوريين سراق لقمة عيشكم وحلفاء أعداء وطنكم، قولوا للسوريين أن المصريين خانوكم وباعوكم.

يا أولاد تدمر وأسوان، يا من تشاركتم الخبز-العيش والملح، يا من مزجتم الدماء والأغنيات والفرح والحزن منذ آلاف السنين، هل ستسلمون عهود الله والوطن والحضارة والدم لبعض الإعلاميين والسياسيين المتاجرين بمصائركم وأوطانكم وأديانكم. يا أولاد الفرات والنيل، لا كنتم ولا كانوا، إن سمحتم لطائفة باغية من التجار أن تسرق ماء الفرات وبردى بقطع مدد النيل، لا عاشت مصر ولا عاشت سورية، إن سلمتم شرايينكم المصرية السورية لثلة من مهاويس الإعلام والسلطة. إن حريتكم ومستقبلكم مشروط بعرس عروس النيل المكسوة بتوت الشام وحرير حلب وأهازيج الفرات.

معاً خُلقنا، معاً عِشنا، فلا كانت حياة إلا إن كنا معاً.

 28/11/2013