Thu. Mar 28th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

النظام السوري، حماقة أعدائه أنقذته لا مكر حلفائه

13/11/2013

علاء الدين الخطيب

لست هنا بمعرض الإدانات الواجبة أخلاقيا وإنسانيا ووطنيا لسياسة النظام السوري في التعامل مع الثورة السورية والوطن السوري. وبنفس الوقت لا أدعي الحياد أمام الممارسات المفرطة للنظام في التنكيل بالشعب السوري وجرّ البلد إلى هذه الحالة المأساوية التي قلّ مثيلها بالتاريخ البشري. أقول  “قل مثيلها” ليس من باب المبالغة الطبيعية للإنسان في وعيه بألم أهله وناسه، وليس من حيث عدد الضحايا فالتاريخ البشري مثقل بما هو أبشع من ذلك، وليس من ناحية أن القاتل واالمقتول هم من أهل البلد، بل من ناحية عدد الحكومات المتورطة في سورية والتغطية الإعلامية المباشرة للمأساة السورية والقدرة الهائلة التي أثبتها الإعلام بتحويل عمليات القتل لخبر لا يحرك الرأي العام. هاتان النقطتان بالذات هما من أهم مصادر قوة النظام السوري واستمراره رغم كل ما حدث بسورية.

فحتى لو افترضنا أنه مظلوم بقولنا ” هو سبب المأساة كنظام ديكتاتوري عسكري حديدي”، أي لو افترضنا أنه فعلا كان عشق الجماهير السورية بغالبيتها، فالطبيعة البشرية للمجتمعات البشرية تاريخيا لا يمكن أن تقبل به مع هذا العدد الهائل من القتل والتدمير والتشريد مهما كانت حجته ومهما كانت ملائكيته الإفتراضية.

التورط الدولي الهائل بسورية قدم للنظام السوري خدمتين أساسيتين:

الأولى، من ناحية حلفائه حكومات إيران وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل. من هذا الجانب حظيَ بدعم مالي وعسكري وسياسي غير محدود. فخلال 65 عاما من تاريخ مجلس الأمن تستخدم الصين حق الفيتو للمرة السادسة والسابعة والثامنة بسنة واحدة من أجل حماية النظام وبالازدواج مع الفيتو الروسي. أما المدد المالي والعسكري فهو واضح للعيان.

الثانية، من ناحية المعسكر المتصارع مع حلف روسيا والصين أي المعسكر الغربي ومن يتبعه بالمنطقة من حكومات تركيا والسعودية وقطر وإسرائيل. من هذا الجانب استفاد النظام من حقيقة كشفها له حلفاؤه الروس: هذا المعسكر لن يسمح بانهيار النظام إلا إذا ضمن أن البديل ليس سورية حرة ديمقراطية موحدة مدنية. وبنفس الوقت فإن تسليم الإدارة الأمريكية الملف السوري لحكومات قطر والسعودية وتركيا يعني بالضرورة أنهم سيستخدمون الإسلاموية السياسية التي ستصب بالنهاية في مصلحة النظام بسبب استحالة توائم الاسلاموية السياسية مع الطبيعة السورية التاريخية.

وفعلا وبعد أن هوت قوة النظام للحضيض في نهايات 2012 وكادت نهايته تقترب رغم كل الدعم المادي والسياسي والعسكري، جاء الإنقاذ من جهة المعسكر المقابل. حيث أعيد صياغة الحراك العسكري للجيش الحر من خلال التلاعب بالقيادة العسكرية السورية ومن خلال التحكم الدقيق بالدعم العسكري والمالي، فقارب الجيش الحر الحقيقي حافة الجوع سلاحا وأكلا. وتعاظمت قوة الفصائل الإسلاموية بدءا من النصرة ولواء التحرير. إعادة رسم هذه الخريطة العسكرية أعادت للنظام بعض القوة النفسية والمعنوية. فتوقفت تقريبا سلسلة الانشقاقات العسكرية ووجد العسكريون السوريون أنفسهم بين خيارين أحلاهما مرّ: البقاء في الجيش النظامي وهو يدك حياة أهاليهم، أو الوقوع بما يشبه السجن العسكري في تركيا أو العمل تحت قيادة عناصر إسلاموية متعصبة جاهلة ومستجهلة.

هذا الانقلاب على الثورة الذي رعاه المعسكر الغربي السعودي القطري التركي تم بتنسيق ومقايضات مهينة مع قادات المعارضة السورية “المهجنين” وخاصة القيادات التقليدية السياسية والاخوان المسلمون وحلفاؤهم. وما أنجح هذا الانقلاب على الثورة والجيش الحر هو الإعلام العربي والغربي الموجّه بحرفية عالية ليخلق واقعا استباقيا يفرض على السوري أن يحدد انتماءه حسب الدين والطائفة وليس حسب الوطن والمواطنة.

ما يرهق الإيرانيين والروس الآن، هو أن النظام عاجز أو رافض للتحكم بفصائل ما يسمى الشبيحة والذين -وكما حدث بالثمانينات- يعتبرون أن دَيْنهم على النظام كبير وسداد هذا الديْن لا يتم سوى بفتح البلاد أمامهم للسرقة والنهب والاغتناء السريع. فبدل أن يعمد النظام لاستثمار نفور السوريين من الإسلاموية السعودية المتعصبة بنفس قدر نفورهم من الاسلاموية الخمينية المتعصبة، ويعيد اكتساب بعض الشعبية التي خسرها، يفاجئك واقع الشهور الماضية أنه كلما “تغولّ” قادات هذه الفصائل الاسلاموية المشكوك أصلا بإسلامهم، زاد “توحش” أدوات النظام الضاربة حتى في ما يسمى مناطق مؤيديه في الساحل السوري.

مع ذلك ولأن الخبرة الإيرانية والروسية قاصرة في العمل السريع الديناميكي باستحداث البدائل كما هم الأمريكيون الذين قفزوا بمهارة من قارب مبارك لقارب الإخوان المسلمين ثم لقارب الانقلابيين الجدد بمصر، ولأن الهدف الأساسي للمعسكر الغربي وتوابعه هو منع قيام سورية حرة ديمقراطية قد بدأ يتحقق، فإن الوقت الآن يجري لمصلحة النظام السوري وإن كان هذا الجريان يتم ببطء شديد. فقد بدأت خطوات سحب القيادات الإسلاموية “المرتزقة” مع تصاعد الضجيج الإعلامي وبنفس الوقت أوقعوا المعارضة السورية في حيص بيص لا يمكنها الخروج منه بسبب عجزها الفكري أو الأخلاقي. ونشأ ما يكفي من مافيات مالية أصبحت مصالحها مرتبطة باستمرار الفوضى والاقتتال. وليس جنيف 2 بالواقع سوى محاولة لجعل الوضع الحالي طبيعيا ومد أمد الأزمة السورية سنين وسنين يستنفذ فيها الأموال من الحكم الإيراني المسكون بهوس الإمامية ويبقى حالة الرعب المتبادلة مع الحكم الخليجي العربي المسكون بهوس الخوف من كل جوار. وبنفس الوقت فإن جبن الرأسمال السوري وانتهازيته المفرطة بالهروب بدل العمل على إنشاء إعلام سوري وطني خالص قد فاقم الأزمة لحد الكارثية الحالية، فالشعب السوري متروك لوحده بين المدافع والجوع والمرض وتحت إعلام عربي غربي معارض ومؤيد للنظام يفاقم الانكسار وتهديم الروح السورية.

هذه الحالة المأساوية لا يمكن تجاوزها ما لم يحدث عمل توعوي شعبي سوري يعترف بالواقع، بالخطايا التي ارتكبها ويرتكبها النظام، والمعارضة السورية المشهورة وقادات الفصائل المسلحة الإسلاموية، ويعيد تعريف السورية والإسلام حسب قياس الوطن السوري وليس حسب مصالح من يدفع. هذا الأمل موجود دائما طالما أن السوريين ورغم كل المعاناة ما زالوا بغالبيتهم متجاورين بالبيوت والخوف والأمل.