Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

سوريا الضحية الأولى للحرب العالمية الثالثة

18/01/2014

علاء الدين الخطيب

بعيدا عن التفسيرات الشعبوية الساذجة للمأساة السورية حول مؤامرات كونية أو صهيونية أو صليبية أو وهابية أو مجوسية، إن تتبع العلاقات الدولية، وخاصة منذ الأزمة المالية العالمية بعام 2008-2009 والتي لم تنتهي ارتداداتها بعد، يؤدي لنتيجة واحدة تنسجم مع ما نسميه القرية العالمية: ما يجري بسورية هو بداية حقيقية للحرب العالمية الرابعة بعد انتهاء الحرب الباردة بين السوفييت والغرب في بداية التسعينات. هذه الحرب الرابعة تدور رحاها بين معسكر الغرب المتحالف مع اليابان وكوريا الجنوبية وأوستراليا والمستخدم الماهر الحاذق لحكومات الدول الأضعف في الفليبين والخليج العربي والباكستان بالتالي لغالبية المجموعات الإسلاموية السياسية، ضد معسكر الصين وروسيا بالإضافة لإيران للهند وجنوب إفريقيا والبرازيل والمستخدم الغير حاذق لحكومات بقايا ما يسمى حلفاء العقيدة السوفيتية القديمة في سوريا وفنزويلا وجمهوريات وسط آسيا بالإضافة لأوكرانيا وروسيا البيضاء وجورجيا، وبالتالي المستخدم المحترف لبعض الجماعات الإسلاموية المتطرفة أيضا.

جبهة المواجهة بين هذين المعسكرين تشمل السوق العالمي كله جغرافيا وماليا. يرى كل إنسان هذا الصراع الحاد بين المنتجات الصناعية والخدمية، لكن لا يخطر ببال الكثيرين تتبع نتائج الصراع بين سندويشة الماكدونالد وبين علبة النودِل الصينية. الجبهة الثانوية الناتجة عن هذا الصراع تتجلى في الحركة العسكرية لكلا الطرفين والاستقتال في دعم حلفائهما الصغار.  وبالسنوات الأخيرة تصاعدت المواجهة لأشكال عسكرية أكثر ووضوحا وتحديا.

بعد حربي أفغانستان والعراق اللتين أنهكتا دافع الضرائب الأمريكي، لكنهما حققتا أرباحا خيالية للشركات الأمريكية، كانت الصين تتابع نموها الإقتصادي المخيف بمعدل يتجاوز 10% سنويا وتبسط سيطرتها بهدوء على آسيا وإفريقيا. لم تهتم الصين كثيرا بالاستراتيجية الامريكية الجديدة المعلنة في نهاية 2011 تحت اسم المحور الباسيفيكي لوضع منطقة وسط آسيا والمحيط الهادئي ضمن مجال أمنها القومي الحيوي، فأعلنت الصين في 23 تشرين ثاني 2013 عن توسيع مجال دفاعها الجوي العسكري في شرق بحر الصين Air Defense Identification Zone (ADIZ)  في تحد واضح للولايات المتحدة الأمريكية. فالصين لم تتهيب إعلان البنتاجون الأمريكي ببداية 2012 عن نقل 60% من القوة البحرية الأمريكية إلى المحيط الهاديء أي إلى حدود الصين. بل تابعت استراتيجيتها العسكرية الأخطر بتطوير الصواريخ المضادة للسفن DF-21D بالإضافة لدعم سلاح الغواصات الحاملة للصواريخ النووية.

تحقق تحليل بوبو لو Bobo Lo، الأستاذ المساعد في معهد شاذام هاوس Chatham House، بكتابه “محور الثقةaxis of convenience” الذي  تناول بالتحليل الدقيق العلاقات الصينية الروسية الجديدة التي تسير لبناء علاقة ثقة بين البلدين. فالتنسيق والثقة بين روسيا والصين وصلت لأعلى مراحلها. فقد تكفلت روسيا بتشتيت انتباه الولايات المتحدة الأمريكية عن وسط آسيا بفتح جبهتين من خلال توسيع انتشارها العسكري في منطقة القطب الشمالي السنة الماضية بما بررته أن هذه المنطقة هي ضمن مجال أمنها القومي، بالإضافة لإعادة نشر صواريخها النووية التكتيكية إسكندر-إم  في 16 كانون أول 2013 على جبهة الناتو في أوروبا بمواجهة بولندا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا الأعضاء الجدد في الناتو. Slide58

بالعودة لمنطقتنا التي ما زالت تفضل العيش في السماء أكثر من الأرض، نجد أن روسيا والصين متمسكتان باستراتيجياتهما البعيدة المدى في وسط آسيا وهي أن إيران بنظامها الحالي الذي أثبت فعالية عالية ومصداقية كبيرة كحليف لهما هو حجر الأساس في إيقاف التمدد الغربي في وسط آسيا، ولم يكن ملف السلاح النووي الإيراني سوى أحد نتائج هذا التصادم الحاد بين استراتيجيات حكام العالم بين الشرق والغرب. ولو اقتربنا بمجهرنا الآن من منطقة الشرق الأوسط فبسهولة نرى أن استقرار النظام الإيراني واستمراره محكوم ببقاء نظام إن لم يكن تابعا فحليفا لهم في سوريا. هذه الترابطات التفصيلية ضمن الرؤية الاستراتيجية للصراع الدولي العالمي تفسر لنا هذا الدعم الغير محدود القادم من الصين وروسيا للنظام السوري.

ولقد أدرك حكام الخليج العربي وتركيا متأخرين أن نفطهم وغازهم وصراعهم مع حكام إيران مجرد حلقة أساسية في الصراع الأكبر وأن تحويل سوريا لبلد تابع للنفط العربي بدل النفط الإيراني مستحيل حتى لو أدى لقيام حرب عالمية حقيقية. فعدلت الأنظمة الخليجية العربية مع حليفهم حاكم تركيا حركتهم لما دون هذا الخط الأحمر في حقل من الألغام. فكانت التطريات بالعلاقة السعودية الروسية لكسب بعض الثقة مع الروس ليكونوا قناتهم الخلفية للتواصل مع طهران بعد انهيار الثقة مع النظام السوري الذي لعب هذا الدور خلال العشرين سنة الماضية، وكذلك خطت بقية الدول الخليجية خطوات متقدمة للتواصل السلس مع الحكم الإيراني.

لقد تم وضع القاعدة الأساسية أخيرا بين المعسكرين المتقاتلين في سوريا: “لن تكون سوريا كلها حليفا تابعا لإيران، ولن تنقلب لحليف تابع للخليج العربي“. ضمن هذه الحدود انتقل الصراع بإشراف أمريكي روسي لصيق لتوزيع أماكن وحصص النفوذ على الأرض السورية، بل حتى ظهر صراع جديد بعد تأسيس القاعدة السابقة وهو ما يمكن أن نسميه “بقايا حماقة الحكم العائلي” بين النظام السعودي ضد النظام القطري المتحالف مع أنقرة لتوزيع الحصص فيما بينهم في حصتهم الكلية أمام إيران في سوريا.

هذه التداعيات يمكن ملاحظتها بوضوح لو نظرنا لعمق الخلافات ضمن الائتلاف الوطني السوري ومعارك الفصائل الإسلاموية في سوريا، التي ترسم الحدود بين سيطرة الحكومة السعودية والقطرية التركية. ومن خلال الإعدادات المسرحية لمؤتمر جنيف2 التي تتقنها طاولة البوكر الأمريكية الروسية بشكل كبير. والأهم طريقة تفاعل النظام السوري مع هذه الأحداث، فالنظام وصل لقناعة أن حلب وإدلب يجب أن يخرجا من تحت سيطرته للتأسيس للمرحلة القادمة وفعلا كانت تحركاته العسكرية بالشهور الستة الأخيرة تسير وفق هذه الرؤية مع إبقاء الخط مفتوحا في حال حصول انقلابات غير متوقعة على توازن القوى العالمي. الأزمة السورية مستمرة لسنوات كثيرة قادمة وبكوارث إنسانية قد تكون أسوء مما أصاب أي بلد في هذه المنطقة خلال خمسين عاما.

لا أريد أن أنهي المقال بهذه النظرة التشاؤمية للمستقبل. لكن رؤية الواقع السياسي والجغرافي في سوريا وحول سوريا وبالعالم لا يمكنه الخروج بأي نتيجة معاكسة طالما أن صناعة الرأي العام السوري ما زالت محتكرة من قبل أموال النفط العربي والإيراني. هذا الإعلام المتردي لأسوء المستويات اللاأخلاقية في التهييج الشعبوي الممنهج المعتمد على تفسيرات “حمقاء” حول الطوائف والقوميات والمؤامرات. الشعب السوري الغائب عن هذه المعادلة هو حجر القبان الحقيقي الذي لم يلتفت له أحد من المعارضين السوريين أو أصحاب المال للاستثمار في توحيده وتجميع وعيه الجماعي لمقاومة حجري الرحى اللذين يطحنان سوريا بما عليها من بشر وشجر وحجر، من ماض وحاضر ومستقبل.

 

 18/01/2014

مراجع للتوسع بالموضوع:

http://www.globalresearch.ca/americas-new-cold-war-against-russia-and-china/5323716

http://www.larouchepub.com/other/2013/4044ca_rus_respond_threat.html

http://www.washingtonpost.com/opinions/anne-applebaum-china-and-russia-bring-back-cold-war-tactics/2013/12/25/f65939d6-6bef-11e3-aecc-85cb037b7236_story.html