Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

لماذا الأقليات؟

26/01/2014

علاء الدين الخطيب

الجواب على هذا السؤال هو بسؤال آخر: لماذا ذاكرة الناس ضعيفة؟

للنسيان إيجابياته فهو يخلص الإنسان من سيطرة الأحزان على مشاعره ليستطيع المضي قدما في الحياة. فلا يمكن للإنسان متابعة حياته إن بقيت آلام فقدان الغوالي كما هي يوم فقدهم. النسيان دواء للنفس كما يقول عامة الناس. لكن أيضا للنسيان سلبياته تتجلى بأن يكرر الشخص أخطاء الماضي ذاتها. وهذا ينطبق على الذاكرة الجماعية أيضا.

فعلى ما يبدو أن الناس نسوا أو أجبروا أن ينسوا  القاعدة الذهبية في حكم أي شعب أو مجموعة بشرية “فرّق تسد“. وأن أول احتكاكات الاستعمار الغربي مع المنطقة أتت بشعارات التقسيم على أساس الطوائف والقوميات بل وحتى  المدن. وأن أساس حكم الديكتاتورية العربية قام على مرتكزين: تفريق الشعب المحكوم طائفيا أو قبليا أو قوميا أو حتى عائليا، وعلى إشاعة الخوف من شيطان أسطوري ما.

ما تفتقت عنه عبقرية النداءات الروسية والأمريكية وتناغم معها النظام السوري حول الأقليات، ليست بالواقع عبقرية بل استرجاع للقاعدة الذهبية بحكم الشعب السوري. وهنا يسأل أحدهم: وهل أمريكا تريد مثلا أن تستعمرنا أو تحكمنا؟ بالواقع هي طبعا تريد التحكم بسوريا في خدمة صراعها الأهم مع روسيا والصين، لكنها بالتأكيد ليس بالشكل التقليدي للاستعمار ولا حتى بشكل مشابه للعراق. أما روسيا فتريد استمرار النظام السوري وأسهل وأضمن طريقة هي “فرّق تسد”.tree

بنفس الوقت، ولأن أهم رأي عام بالعالم يمكن أن يغيّر السياسة الدولية هو الرأي العام الغربي، ولأن العقلية الغربية تحمل الكثير من آلام وذكريات مرّة عن اضطهاد الأقليات بحروب إبادة لا يضاهيها بها أي شعب بالعالم فقد أصبحت لفظة “الأقليات” ذات حساسية عالية بالعقل الغربي. فمجرد الإشارة لظلم ما على أقلية ما يشحذ الرأي العام الغربي أكثر من أي قضية ثانية. أضف لذلك قوة شعار “حماية الأقليات” أمام صعود “الإرهاب القاعدي الإسلاموي” في سوريا الذي أصبح من أهم شعارات البروباغندا السياسية الغربية ذات المنهج الشعبوي.

إن رفع شعارات “الأقليات” من طرفي الحرب الروسي والأمريكي بعد جنيف2 بواقع الحال هو خطوة متوقعة ومدروسة وحتمية ضمن حربهما الكبرى التي بدأت على الساحة السورية من خلال النظام السوري وحكام إيران والسعودية وقطر وتركيا.

لكن هل هذه المشكلة مبتدعة من الخيال، أم أن هناك أساس لها فوق الأرض السورية؟

بالطبع المشكلة أو بالأصح الأزمة موجودة من آلاف السنين في سوريا، لأن سوريا مجبرة جغرافيا أن تتنوع بتنوع مذاهب البشرية. لكن هذه الأزمة المقيمة لم تصل وعبر آلاف السنين لمراحل حروب الإبادة أو التطهير العرقي والديني، بل كانت دائما محكومة بقانون الجغرافيا والطبيعة الإنسانية برفض العنف المتطرف. ولعلها أول مرة بتاريخ سورية تصل أزمة الأقليات والأكثريات بسوريا لحافة حروب إبادة بسبب توظيف جميع إمكانيات الدول الكبرى الإعلامية والمالية والعسكرية لهذا الغرض، بل إن وضع سوريا الآن هو الأشد كارثية ليس بسبب عدد الضحايا أو التدمير، فالتاريخ مليء بما هو أفظع مما حصل بسوريا، لكن بسبب هذا التفاهم الشيطاني تحت السطح بين أطراف الصراع على سوريا الذي يقوم أساسا على رعاية وتنمية وتغويل وحش التفرقة الطائفية والعرقية في سوريا.

لذلك فأن أي محاور سياسي سوري لا يبتدأ كلامه بإدانة وفضح المواقف الدولية الروسية والأمريكية والإيرانية والسعودية والقطرية والتركية في سوريا لن يستطيع المضيّ في محاولات إنقاذ سوريا من أن تكون “ساحةً لحرب استنزاف طويلة” بين معسكري الصراع العالمي.

 

26/01/2014