Thu. Apr 18th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الخوف وحالة الإنكار في سوريا، الخطر الخفيّ

31/01/2014

علاء الدين الخطيب

بافتراض أننا طلبنا من إنسان لم يعرف ولا يعرف شيئاً عن سوريا والمنطقة أن يأتي الآن ويقابل السوريين بشكل عشوائي من مختلف التوجهات ويسمع منهم كل شيء ثم يقول لنا حكمه. برأيكم هل يستطيع هذا الإنسان التوصل لحكم قاطع واضح كما هي حال كثيرين من السوريين في طرفي النقيض بما خص قصة سوريا؟ قبل أن تجيب صديقي تذكر أن هذا الشخص ليس أنت، بل أنت بالنسبة له مثل ذاك السوري الذي يرى عكس ما ترى. لنحاول أن نرى سوريا بعيني وآذان هذا الشخص، ثم ننتقل لعقله. deny

يتمحور الجدال والنقاش اللانهائي بين السوريين حول سبب مآسيهم على سرد حوادث حصلت معهم أو مع مقرب منهم أو سمعوها وصدقوها ويدعمونها ببعض الحكايا القديمة الجاهزة حول رعب إسرائيل من سوريا (النظام أو سوريا الجديدة حسب موقع المتكلم).  حول رعب الغرب من العرب أو الصليبية من الاسلام حسب موقع المتكلم. بنفس الوقت نرى السوري ينكر كل ما يذكره مناقضه بالرأي مهما رأى من أدلة. فنرى المتحيّز ضد الثورة أولا أنه يسميها مؤامرة أو غوغائية شعبية متخلفة، وبرغم اعترافه بديكتاتورية النظام، إلا أنه ينكر بشكل كامل أن النظام تعمد قتل أي إنسان بريء بل كل ذلك كذب من مبالغات الإعلام. بينما نجد السوري المتحيّز لأسلوب المجلس الوطني والنصرة، وبرغم اعترافه ببعض ما يسميها أخطاء، ينكر تماما نتائج خطايا التسليح الفوضوي والاستسلام لقرارات من يسميهم الحكومات الصديقة. وما بين الطرفين المتحيّزين نجد كثيرا من السوريين يصطفون بحالات إنكار متفاوتة.

حالة الإنكار هذه تشبه لحد كبير ما درج الناس على استخدامه كمثل شعبي يرون به حكمة كبيرة “لا يوجد أصدقاء حقيقيون”، ولا يسأل الإنسان المردِّد لهذا المثل السؤال الأساسي البسيط قبل التذمر من قلة الإخلاص بين البشر “هل أنا أولا إنسان صديق وفيّ مخلص؟”. بالحالة العامة البشرية نجد أن الغالبية تدعي أنها قدمت عرابين الصداقة والإخلاص للآخرين، لكنهم، أي الأخرون، جحدوها. قلة من الناس هي من تستطيع الوقوف بصدق حياديّ مع الذات وتحاسب نفسها قبل الآخر، وهذه القلة بالذات لا تراها تشكو من قلة الوفاء والإخلاص. هذه القلة هي من يسميها علم الإجتماع النخبة السلوكية والأخلاقية (أو التقيّة كما يسميها المتديّن) التي تحفظ قيم المجتمع البشري من الانهيار لحالة التفكك إلى أفراد متعادين.

هذا المثال ينطبق على حالتنا السورية تماما. فأن ننكر أن للآخر وجه حق بالخوف مثلنا، وجه حق أن يحب وطنه مثلنا، وجه حق أن يسيء الفهم أو الرؤية مثلنا، وجه حق أن يبكي بألم على عذاب الناس وعذابه مثلنا ، وجه حق أن ينفطر قلبه لدموع الأمهات مثلنا، وجه حق أن يرى بعينيه مثلنا، وجه حق أن يكون عاقلا مفكرا مثلنا، وجه حق أن يبكي أخاه وابنه مثلنا، هو سلوك إنكاري لاعقلاني ناتج عن الخوف من مواجهة الذات والأخطاء. سبب هذا الإنكار الأساسي هو الخوف، الخوف من الآخر أن يقتلني، الخوف من أن أجد نفسي مذنبا، الخوف من أن أكتشف أن من وجدته أمامي عدوا هو مجرد صديق مخطأ، الخوف من تعب التفكير والتحليل حيث لا مساحة كافية لدي أمام مشاكلي الخاصة، الخوف من المجهول.

كيف أعرف أني أقف في حالة “الإنكار” المرضية هذه؟ بكل بساطة إذا كنت تنكر كل ما تسمع من قصص ودلائل على بطلان أو ضعف قناعتك فأنت مجرد “إنكاري خائف” لا يستطيع الوصول بأي حال للقرار والحكم الصحيح. لأن الحقيقة المطلقة في التاريخ، من وجهة نظر علم الاجتماع والسياسة وبل من وجهة نظر الله نفسه، هي أن الحق والحقيقة أكبر وأوسع من إنسان أو مجموعة بشرية ما.

الكارثة الحقيقية في المجتمع البشري بوقت الأزمات، هي أن تتماهي ما يسمى الطبقة النخبوية المثقفة في حالة الإنكار الجماعية التي تقسم المجتمع مثلما حصل في سوريا بالسنتين الماضيتين. فلو أن النخبة الأوروبية انساقت وراء مشاعر الشعب الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية وبعد 60 مليون ضحية لما كان هناك وجود لما يسمى أوروبة الآن. لو أن النخبة الجنوب الإفريقية أو الفيتنامية أو اليابانية سارت خلف غوغائية شعور الانتقام من منطلق حق الضحية بالعدل لما كانت هذه البلدان بمكانها الآن تنافس على أعلى درجات السلم الدولي.

أخيرا، صديقي القاريء إذا كان سؤالك بعد قراءة هذه السطور “هل أنت مدرك لما تقول؟ كيف تساوي بين الضحية والجلاد؟” فأعد القراءة من فضلك وتذكر أننا نتكلم عن الشعب السوري الذي على الأقل ما زال موجودا ويمكن حسب رأيك تقسيمه إلى جلاد وضحية، وإلا لو أصريت على سؤالك فكل هذا الشعب سيصير ضحايا.

 

31/01/2014