Wed. Apr 17th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

تصدير الجهاديين من روسيا

17-03-2016

علاء الدين الخطيب

 

أصدرت مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة غير حكومية تسعى لمنع والمساعدة بحل الأزمات الدولية ومقرها في بروكسل-بلجيكا، تقريرا مهما بتاريخ 16-03-2016 تحت عنوان “تمرد شمال القوقاز وسوريا: تصدير جهاد”. يتناول التقرير في 36 صفحة باللغة الإنجليزية العلاقة بين أزمات شمال القوقاز في روسيا الاتحادية وبين داعش في سوريا. سنتناول بهذا المقال أهم ما ورد بهذا التقرير.

عانت منطقة شمال القوقاز خلال العقدين الماضين عنفا متواصلا فيما بين الجماعات الجهادية الإسلامية وبين السلطات المحلية والسلطة الروسية المركزية. لكن حدة هذا العنف تراجعت كثير خلال السنتين الماضيتين، ولعل أحد أهم الأسباب هو انضمام معظم المتشددين بهذه الجماعات إلى المقاتلين الأجانب في داعش وجبهة النصرة وبعض المجموعات الأخرى في سوريا والعراق. ففي شهر حزيران 2015 أقسمت غالبية المجموعات المتمردة على الولاء للدولة الإسلامية، حيث تم لاحقا وضعهم تحت مسمى “ولاية القوقاز”. بقيت مجموعة صغيرة في داغستان وقبردينو-بلقاريا موالية للإمارة الإسلامية التي أصبحت بأضعف حالاتها الآن. التوتر ما زال مستمرا بين الحكومة الروسية وهذه المجموعات، فقد أعلنت السلطات الروسية الرسمية عن نجاحها بمنع عدد من الأعمال الإرهابية في 2015. كما أن الدولة الإسلامية تبنت تفجير الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء بالإضافة لهجومين في داغستان.

في العام 2014 استطاعت السلطات الروسية إلحاق هزيمة كبيرة بالإمارة الإسلامية وتشتيت مكوناتها بحيث أصبح التواصل بينها شبه مستحيل، وذلك قبيل دورة الألعاب الأولميبية الشتوية في روسيا. بنفس الوقت كان إعلان الدولة الإسلامية عن “الجهاد خمسة نجوم” في سوريا والعراق عاملا أساسيا في التحاق بضعة آلاف من المقاتلين الشمال القوقازيين الجهاديين بالدولة الإسلامية. إن تصدير الجهاديين من شمال القوقاز خلق عدوا جديدا لروسيا وحول المشكلة من المستوى الوطني إلى المستوى العالمي.

أصبحت تركيا منذ الضربات الروسية القوية للسلفيين في شمال القوقاز الجهة المفضلة للمقاتلين السلفيين الروس العابرين إلى سوريا، وللمسلمين المحافظين مع عائلاتهم الذين استقروا في تركيا.  لقد سمّوا أنفسهم “المهاجرين الجدد” وأسسوا تجمعاتهم الخاصة المنغلقة خاصة حول إسطنبول. لم تهتم السلطات التركية كثيرا بهذه المجموعات لما قبل بدأ تهديدات الدولة الإسلامية لتركيا في 2015. لقد ساعد مؤيدو الدولة الإسلامية الذين يتكلمون اللغة الروسية الوافدين الجدد في عبور الحدود السورية. وبينت عدة تقارير أن عدة زعماء للإمارة الإسلامية والمنظرين العقائديين عملوا بفعالية كبيرة من تركيا وسهّلوا مرور المقاتلين إلى الدولة الإسلامية وفصائل أخرى. وقد نفذت المخابرات الروسية ثمانية اغتيالات بحق أشخاص مرتبطين بالتمرد الشيشاني في تركيا منذ 2003 إلى 2015. السلطات التركية بقيت نسبيا على الحياد مع الجهتين، لكنها زادت من الرقابة الأمنية مؤخرا على هذه المجموعات.

لم ينضم المقاتلون الشمال قوقازيون للدولة الإسلامية فقط في سوريا والعراق، بل أيضا للنصرة ولمجموعات صغيرة أخرى يقودها شيشانيون. فبسبب سمعة الشياشنيين أنهم مقاتلون شرسون لا يعرفون الخوف فقد تم غالبا تعيينهم قادة لمجموعات صغيرة أو ضمن المستوى الثاني والثالث من قيادات الدولة الإسلامية. ولعل أشهرهم أبو عمر الشيشاني الذي جرت عدة محاولات من أطراف مختلفة لاغتياله. لقد كان لأبو عمر دورا عسكريا أساسيا في اجتياح الأنبار العراقية ومناطق بشرق سوريا، وأيضا كان له دور مهم في دعم إعلان البغدادي نفسه كخليفة. في عام 2014 قام أحد أخلص أتباع أبو عمر وهو أبو جهاد (من قراتشاي-تشركيسيا) بتشجيع عدد كبير من مقاتلي تمرد شمال القوقاز للانضمام للدولة الإسلامية مما ساهم في تقوية مركز أبي عمر الشيشاني.

هناك مزاعم بأن الأمن الروسي فتح الحدود أمام المتشددين الدينيين المحليين في شمال القوقاز لمغادرة البلاد قبيل الأولمبياد. لكن منذ النصف الثاني للعام 2014 استطاعت السلطات الروسية إنقاص عدد المهاجرين من هناك، وقامت بعمليات ملاحقة متتابعة للمجندين الجهاديين وللمتشددين الإسلاميين. بنفس الوقت أيضا زادت الضغط على السلفيين الغير عنفيين خاصة بداغستان. أما بالشيشان فإن الشرطة كانت أكثر قسوة مع السلفيين، فهناك عدد من التقارير عن اختفاء عدد منهم في العام 2015. Image result for putin and jihadist cartoon

تركز الدعوة السلفية في شمال القوقاز على الدين كمحرض أساسي للانضمام للعنف الجهادي في سوريا. هذا التحريض الديني يعتمد على أسباب أكثر عمقا متصلة بمظالم مقيمة بهذه المنطقة. هذه المظالم تعود لسلوك الحكومة المتشدد وانعدام المساواة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي كان مشروع الدولة الإسلامية المعلنة في سوريا والعراق يمثل قناة هروب من الواقع الانتحاري في القوقاز بالنسبة للجهاديين هناك. فلقد أقنع المنظرون المتشددون دينيا الشباب القوقازي أن الانضمام للدولة الإسلامية والقتال معها هو فرض عين على كل مسلم، ومن لا يطبق هذا الفرض هو عاص لله. الدولة الإسلامية قدمت نفسها على أنها المشروع السياسي ذو الحكم الإسلامي. وهي تقدم المسكن والدعم لعائلات المقاتلين. وتقود الجهاديين للانتقام من الظلم الذي مارسه العالم ضد المسلمين.

ينتقل التقرير في نهايته لتقديم نصائح للسلطات الروسية كي تتبع سياسة أكثر شفافية وديمقراطية وعدلا اجتماعيا واقتصاديا وتشجيع الفكر الديني المعتدل.

 

الخاتمة:

يؤكد هذا التقرير بالإضافة لدلائل أخرى على أن روسيا أيضا استخدمت سوريا للتخلص من بضعة آلاف من المقاتلين الجهاديين الإسلاميين الذين كانوا يشكلون خطرا على أمنها الداخلي. ربما لم تكن روسيا فقط من وجد في الأزمة السورية فرصة مناسبة للتخلص من الشباب المتطرف دينيا والمهيأ لممارسة العنف بأي مكان يحلّ به لكنها بالتأكيد كانت أحد أهم اللاعبين بورقة الدولة الإسلامية في سوريا. كما أن التقرير يؤكد حقيقة أن تركيا بقيت تتغاضى عن انتقال آلاف المقاتلين الجهاديين إلى سوريا عبر حدودها. لقد كانت السنوات من 2012 إلى 2014 سنوات تجميع ما تراه حكومات العالم “عبئا بشريا” يجب التخلص منه على الأرض السورية.

 

التقرير المصدر: International Crisis Group  Europe Report N°238 | 16 March 2016

http://www.refworld.org/pdfid/56eab9f84.pdf

للمزيد من المقالات:

مؤشر العلاقات الدولية حول سورية والمليشيات المسلحة

داعش، حصان طروادة

17-03-2016

http://wp.me/P2RRDZ-tu