Fri. Mar 29th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

الثورة السورية والمصالح الدولية -3- إيران

06/07/2013

علاء الدين الخطيب

متابعة للمقالين السابقين حول المواقف الدولية من الثورة السورية هذا هو المقال الثالث حول الموقف الإيراني.

الموقف الإيراني 
بعد تراجع وهج ثورة الخميني الإيرانية وتبيّن بطلان وعود تحقيق العدالة والمساواة، تحول الحكم الإيراني خلال العقدين الماضيين لنظام حكم ديني ديكتاتوري بنفس الأسلوب الدّيكتاتوري العربي: “جوعوا، امرضوا، أطيعوا، ونحن القيادة نقرر من هو عدوكم ومعارككم. ونحن من يتنعم بالرفاهية”. وكلنا نذكر كيف تم قمع الثّورة الشّبابية في إيران بعد انتخابات 2009 بأسلوب دموي ناريSlide17.
من بين مبررات بقاء النّظام الإيراني كأي نظام ديكتاتوري هو الإبقاء على شبح التّهديد الخارجي القادم من إسرائيل والغرب، ولذا ازداد التحالف بين الحكمين الإيراني والسّوري قوة. وحكام إيران رغم أنهم أقوى وأغني من نظيرهم السّوري إلا أن فقدان هذا الحلف الوثيق يفقدهم كثيرا من الأوراق الأساسية التي يملكونها في المنطقة. لذلك فالخيار الإيراني كان واضحا بضخ كل الدّعم المطلوب وخاصة المالي للنظام السّوري لإبقائه حيا. إيران بحاجة وجودية لحكم حليف في سورية لأنه يشكل بالنسبة لإيران ممرا أساسيا نحو منطقة الشرق الأوسط وبالذات نحو لبنان وفلسطين وأيضا لأوروبة ودول الخليج العربي. وفقدان إيران لهذه البوابة المصيرية يعني محاصرة إيران تماما بين أعدائها بل ويشكل تهديدا على نفوذ إيران القوي بالعراق.
إيران كدولة كبرى في المنطقة تسعى طبيعيا لتحقيق مصالحها الحيوية وأولها كأي دولة الاستقرار الداخلي بمعناه السلطوي. خلال فترة حكم الشاه لإيران كان النظام الإيراني مكتفيا بكونه قاعدة أساسية للنفوذ الغربي من خلال السيطرة البريطانية والأمريكية على إيران. مع قدوم الخميني وما حمله من مشروع إسلاموي شيعي كرجل دين ومع ردة الفعل العنيفة للغرب على الثورة الإيرانية تلاقى الخوف من عداء الغرب مع الرؤية الدينية للخميني. ثم أتت حرب العراق وإيران سريعا لتساهم بكل مأساويتها في ترسيخ عقيدة الخميني أن الخارج هو وسط معاد لنا فلاقى مشروعه نجاحا أكبر في الشارع الإيراني، فالخوف هو أفضل الوسائل للتحكم بالعقلية الجماعية للبشر. تكوّنت السلطة الإيرانية على أساسيات العقيدة الخمينية كعامل تجميع وتقييم ضمن إيران وبالتالي تابع النظام الإيراني نفس سياسة الخميني وازداد طموحه وخوفه من الخارج وخاصة الغربي والإسرائيلي.
لم يستطع النظام الإيراني التخلص من إرث التاريخ الإيراني الحديث، فحافظ على بعض شكليات الديمقراطية مثل الانتخابات. كان قدوم الرئيس محمد خاتمي فرصة كبيرة للغرب أن يتصالح مع إيران ويشجع التيارات المعتدلة فيها ويستثمر بأخلاقية نزوع الشباب الإيراني للتخلص من حكم الفقهاء. لكن وكعادة السياسة الغربية تم حصر خاتمي بين ضغط الجناح المحافظ المتعصب داخل إيران وبين ضغط السياسة الغربية المتعجرفة فلم ينجح إقتصاديا في تحقيق التحسينات التي هي أساس شعبية أي حاكم. لذلك استطاع الجناح المحافظ العودة للحكم وبقوة كبيرة ووفق سياسة متسارعة لتحقيق سيطرة كبيرة على مجال إيران الحيوي، خاصة بعد دخول أمريكا لأفغانستان والعراق، فبدأ ما يشبه حرب الاستنزاف مع الأمريكيين على الجبهتين معتمد على حلفائه الروس والصينيين وعلى النظام السوري وبعض الحركات الإسلاموية مثل حزب الله وحماس. شكل النظام السوري بالنسبة للحكم الإيراني ضمن هذا الصراع الوحشي نقطة ارتكاز استراتيجية وأساسية لتجاوز حدود إيران الجغرافية. لذلك فالقرار الإيراني الاستراتيجي كان منذ البداية الدعم المطلق للنظام السوري مهما كلف الأمر من مال أو سلاح. فخطف سورية من اليد الإيرانية لصالح الحلف الغربي الخليجي التركي الإسرائيلي يعني حصر إيران جغرافيا وخنقها تدريجيا مما قد يؤدي على المدى القريب لانتقال عدوى الثورات العربية لداخلها.
هنا يجب أن نلاحظ أن حرف بعض المعارضة مبدأ التّنديد بالموقف الدّاعم للنظام السّوري من إدانة الحكم الإيراني إلى إدانة الشّعب الإيراني من منطلق طائفي متخلف يؤدي لخسارة كبيرة للثورة السّورية. فالشعب الإيراني أيضا مهيأ لثورة شعبية ضد ظلامه وقد بدأت قبل الرّبيع العربي بعدة سنوات، ومهاجمة الموقف الإيراني من منطلق طائفي يصب بالواقع في تصليب موقف الحكم الإيراني أمام شعبه المظلوم. وهذا كان خطأ كبيرا من المعارضة السّورية الخارجية النّاطقة باسم الثّورة السّورية. هذا التشويه الإعلامي من خلال عدم الفصل بين الإدارة السياسية للدولة وبين شعبها هو مشكلة إنسانية عامة. وفي الأزمة السورية فالإعلام العربي وخاصة الخليجي والغربي بالإضافة لبعض المعارضة السورية سايروا وبقوة المسار السابق الممتد منذ عقدين تقريبا على تأجيج العداوة بين السنة والشيعة، بين العرب والإيرانيين. طبعا الإعلام الإيراني والنظام أيضا لعبوا على نفس الوتر داخليا حين نشروا خوفا وهميا من السنة والعرب في مقابل السياسة العربية والغربية.
العامل الهام في العلاقة بين إيران ما بعد الخميني والعرب أن مشاعر الخوف تصاعدت بشكل عنيف من كلا الجانبين وخاصة من قبل حكام كلا الضفتين والإعلام التابع لهما. إعلان إيران كدولة إسلامية ووفق المذهب الشيعي الإثنى عشري ومبدأ ولاية الفقيه الذي سنّه الإمام الخميني بالإضافة لتصريحات الخميني نفسه الحماسية والداعية لتصدير الثورة أخاف حكام دول الخليج العربي بالذات وبقية الحكام العرب ممن يستخدمون التبرير الديني الإسلامي في حكمهم. هذا الخوف مبرر لأي حاكم بمنطقة تتداخل فيها كل الأيادي من مختلف دول العالم بسبب غناها الفاحش بمصادر الطاقة. وبنفس الوقت ومهما ادعى شيوخ السنة والإعلام العربي فإن إعلان دولة إيران كدولة مسلمة وداعمة للقضية الفلسطينية حرك مشاعر الشباب المسلم في الشارع العربي بعد أن وصل لمرحلة اليأس من تحقيق الدولة العادلة واسترجاع الحق الفلسطيني. بالطبع هذه المشاعر تناقضت مع مشاعر الانتماء المذهبي القوية داخل المسلم السني. لذلك كانت حرب إيران والعراق هي بداية محاربة هذه المشاعر وإعادة التحكم بها لتواجه المشروع الخميني. ومنذ بدايات الثمانينات سخر كلا الفريقين الحكم الإيراني والحكم العربي الخليجي كل إمكانيتهم المادية لشن حرب إعلامية لا هوادة فيها ضد الآخر باستخدام العامل الديني الراسخ بالتاريخ الإسلامي بين السنة والشيعة. هذه الحرب وصلت لأوجها منذ بداية الألفية الثالثة مع تطور وسائل الاتصال عبر العالم فلم يعد بإمكان أي حكومة منع شعوبها من الوصول للمعلومات. فإذا أضفنا لذلك الحرب الشرسة التي شنها الغرب على إيران بحجة الخوف من السلاح النووي وتحالف الغرب السياسي مع الحكم العربي الخليجي يمكننا أن نفهم أي زاوية ضيقة تم حشر الشعب الإيراني بها بين حكم ديني استبدادي وبين عدائية خارجية لا تخفي نفسها.