Fri. Apr 19th, 2024

Alaa Alkhatib

علاء الخطيب

فيتنام وسورية

10/01/2014

علاء الدين الخطيب

شهدت منطقة جنوب شرق آسيا حروبا مأساوية بين 1956 و1975 لم يسمع بها المواطن العربي كثيرا. وشملت بأثارها الأكثر كارثية فيتنام وكمبوديا ولاوس. تتباين التقديرات حول عدد الضحايا لكنها بالتأكيد تفوق ال10 ملايين إنسان. كانت حروبا تستمد وقودها التحريضي والبشري من مشاكل مقيمة في تلك البلاد، من خلال زعماء مافيات حرب قرروا الاستعانة -كما ادعوا- بالدول الكبرى لتحقيق المستقبل المشرق لشعوبهم، وبعضهم سار خلف مبدأ التحالف مع الشيطان. سبب استمرارية هذه الحروب البشعة بين أهالي البلاد كان أساسا بسبب صراع السوفييت والصينيين مع الولايات المتحدة والغرب. وكانت أحد أوائل ما سميّ بحروب الوكالة أو الحروب المتحكم بها عن بعد Proxy War.

اشتعلت هذه الحروب الدامية في مناطق يسكنها بشر بأرواحهم وأولادهم وحبهم وخوفهم وعرقهم وآلهتهم، شعوب دفعت بكل مرارة ثمن الخطيئة البشرية العامة “سلبية عامة الناس” أمام صراعات الطبقات السلطوية والغنية ضمن الصراع العالمي الشرس. ما يهمنا اليوم أن ننظر لهذ البقعة الإنسانية التي تشبهنا بإنسانيتها وآلامها، ماذا فعل الفيتناميون بعد هذه التاريخ المرير والآلام والدماء؟ هل حملوا دماء ما يزيد عن نصف مليون فيتنامي قتلهم الأمريكيون يريدون الثأر لهم؟ هل حملوا دماء بضعة ملايين فيتناميين قتلهم فيتناميون طلبا للثأر؟

لماذا فيتنام؟ لأننا لا نريد أن نقارن باليابان أو ألمانيا أو فرنسا أو روسيا بعد الحرب العالمية الثانية لاختلافات كثيرة. نقارن مع دولة فقيرة بالأصل متعبة من تاريخ طويل من المآسي.

لقد خرجت فيتنام شبه محطمة بالكامل من حرب عشرين سنة وملايين الضحايا عام 1975. لنقارن ماذا حققت فيتنام خلال ثلاثين سنة من 1980 إلى 2010 ببعض المؤشرات الإقتصادية البسيطة ولنقارنها بدولة مثل السعودية الغنية وبدولة مثل سورية لا تقل عنها مواردا طبيعية. 

تضاعف الانتاج المحلي الإجمالي GDP السنوي في فيتنام بمقدار 7.3 مرات خلال الثلاثين سنة هذه(من حوالي 10 بلايين دولار وفق معدل الصرف في 1980 إلى حوالي 74 بليون دولار في 2010). بينما تضاعف في سورية 3.2 مرة (من 11 بليون دولار وفق معدل الصرف إلى 36 بليون دولار) وبالسعودية 1.7 مرة فقط (من 214 بليون دولار وفق معدل الصرف إلى 560 بليون دولار).

تضاعفت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي وفق القوة الشرائية خلال نفس الفترة في فيتنام بمقدار 4.5 مرة (من 638 إلى 2875 دولار للفرد بالسنة), في سورية بمقدار 1.43 مرة (من 3308 إلى 4741 دولار للفرد بالسنة)، في السعودية انخفضت بمقدار 0.6 (من 33900 إلى 20374 دولار للفرد بالسنة).

تضاعفت حصة الفرد السنوية من الكهرباء خلال نفس الفترة في فيتنام بمقدار 19 مرة (من 55 إلى 1035 كليووات ساعي)، في سورية 5.3 مرة (من 357 إلى 1905 كليووات ساعي)، في السعودية 4.5 مرة (من 1950 إلى 7967 كليووات ساعي). طبعا المقارنة هنا ليست كم مرة ازداد الاستهلاك، في فيتنام كان اكثر من 90% من البلد بلا كهرباء عام 1980 فمن الطبيعي أن يتضاعف الاستهلاك اكثر من غيره. لكن الجدير بالمقارنة هو معامل كثافة استهلاك الكهرباء بالناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر على تطور البلد التكنولوجي والاجتماعي، أي كم كيلووات ساعي يتم استهلاكه لانتاج دولار واحد. تسعى كل الدول لخفض هذا المعدل بتحسين التكنولوجيا ونمط الاستهلاك والوعي الاجتماعي. فنلاحظ أن هذا المعدل ازداد بفيتنام فقط بمقدار 4.17 مرة (من 0.22 إلى 1.2 كيلووات ساعي لكل دولار)، في سورية  3.66 مرة (من 0.29 إلى 1.1 كيلووات ساعي لكل دولار)، في السعودية 6.78 مرة (من 0.1 إلى 0.61 كيلووات ساعي لكل دولار). بما يعني الحكمة في خطط التنمية السريعة في فيتنام.

المدهش الآن، أن أكبر مستورد للبضائع الفيتنامية هو الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية بحصة الخمس تقريبا من صادرات فيتنام. الولايات المتحدة الامريكية هي نفسها التي قتلت حكومتها نصف مليون فيتنامي. أما أكبر الموردين لفتينام فهم الصين وتايوان.

هذه النظرة السريعة على بلد ذاق المرارات والألم والدماء تهدف لشيء واحد فقط، أن العمل بسورية يجب ان يتحرر من جنون الانتقام والثأر والتعصبات والعصبيات الطائفية والشخصانية والقومية. العمل الواعي الحقيقي لسورية الآن هو التفكير والكلام بأسس الوطن السوري للأجيال القادمة وليس مداوة جراح الناس فقط. فالجراح من هذا النوع لا يداويها القتل والسلاح بل يزيدها، والأخطر أن يسير بالبلد نحو خطر الانهيار الكامل.

10/01/2014

المصدر: المجموعة الإحصائية لوكالة الطاقة الدولية.